محمد العصار
مركز الدراسات التاريخية
رحل بعد معاناة مع المرض الأستاذ محمد عبدالوهاب العصار – عضو مجلس الشورى العام لجماعة الإخوان المسلمين – يوم 20 رمضان 1440هـ الموافق 25 مايو 2019م في محبسه بسجن برج العرب عن عمر ناهز 75 عاما.
وهو من مواليد مدينة دمنهور بالبحيرة وأحد قادة الإخوان بها، وكان ترتيبه الاول على الجمهورية في الثانوية العامة، كما كان ترتيبه الاول على الدفعة في هندسة الإسكندرية، ومن اشهر من عمل بالمجال التربوي داخل الجماعة وله الكثير من البصمات على شباب الحركة وعموم الناس، حيث اعتقل في نوفمبر من عام 2013م وحكم عليه من قبل محكمة عسكرية بالسجن 7 سنوات وكان من رده على القاضي [لن اكمل هذه المدة في سجني].
قال له وكيل النيابة : ما قولك في التهمة المنسوبة إليك بانضمامك لجماعة الاخوان
فقال : انا لست منضما فقط انا رئيس مكتب الاخوان بمحافظة البحيرة وهذه ليست تهمة هذا شرف !! سكت وكيل النيابة ... وانتكس !! ومن اشهر وصاياه لإخوانه : كن جريئاً .. مؤدباً، واللاءات الثلاثة [لا للعنف – لا للتكفير – لا للذوبان].
- كتب الأستاذ أحمد شوشه: [لم اعرف الرجل عن قرب ولكن حضرت معه عدة مخيمات فكنت أراه نعم الأخ لإخوانه يلقي خواطره ونوادره من تراثنا الجميل ويستخرج منها الحكم والعبر وكأنما تسمعها لأول مرة بأسلوب سهل محبب فتزرع في القلوب الخير والفضيلة والفهم الصحيح].
- وكتب الدكتور جمال حشمت: صدمت في اول ايام الوتر من العشر الاواخر في رمضان ١٤٤٠هـ بخبر وفاة أخي وحبيبي وأستاذي مهندس محمد العصار صاحب البسمة ومالك الحكمة وحارس الفقه الميسر في سجون العسكر حزنت واضطربت لكني فرحت وانشرحت! عرفته منذ ٤٠ عاما بالتمام والكمال وكان اول من جلست اليه لنتعرف علي الدعوة دون أن ندري ونتربى علي معاني القرآن دون تكلف ونفقه معني الأمة ونتعلم قيم الإيمان ونتحلى بأخلاق الاسلام في صمت ،يجلس معك فتجد نفسك العلامة الفاهم وانت ما زلت تحبو في الالتزام وتقليد الكبار المخلصين ! عشت معه سنين عمري ونادرا ما اختلفت معه في عمل اداري لكن في التربية والفقه كان استاذا ومعلما لأجيال يشدك حديثه وتبهرك أمثاله ويدهشك إسقاطاته دوما علي الواقع الذي نحياه كان يمثل عقلا وحكمة وفقها هي علي الشيطان أشد من ألف عابد ، لذا كان محبوبا لأنه كان سهلا لا ينغمس في خلافات بل عمله الدائم تأليف القلوب وصناعة الوعي ونشر الحكمة
رحمه الله كنت أحلم بلقائه بعد مرور هذه المِحنة ليحكي لنا دروسها ونظراته حولها وتقييماته لمحنة السجن وصحبته فقد كانت هذه هي المرة الاولي التي يزج به في سجون الظلم والعسكر لكنه كان يحياها مع اخوانه دخولا وخروجا منها
رحمه الله فقد قبضت روحه بعد حرمان من حريته لمدة خمس سنوات لكنه كان صابرا وكان شعلة من الامل وقوة داعمة لكل من حوله في السجن وبشكل مفاجئ رحمة من ربك ولعل بموته تم ايقاد شمعته التي ستضئ الطريق للآلاف والملايين فسيد قطب لم يكن يعرفه احد كثير داخل مصر فلما نال الشهادة بأذن الله سمعت به الدنيا هكذا حال الدعاة الربانيين يظن الظالم الفاجر المستبد انه يقضي عليهم في السجون ليرتاح منهم ولا يعلم هذا الغبي المأفون أنه يزيد من رقعة انتشارهم ووصول صوتهم وسيرتهم وتراثهم الي الدنيا كلها
خاب وخسر كل حاكم مغتصب باعتقاده انه يقتل الدعوة بقتل الدعاة في السجون إعداماً او إهمالا او تعذيبا بل هم يخلدون في قوائم الشرف بينما هو يذبل في مزابل التاريخ وحشتني اخي الحبيب نسأل الله ان يجمعنا بك في مستقر رحمته ويجزيك عنا خيرا وعزائي لأسرته الكريمة وعظم الله أجرهم وبارك فيهم جميعا وإنا لله وإنا اليه راجعون.
- وكتب الدكتور عبدالقادر حجازي – أحد قادة الإخوان بكفر الشيخ: قابلته في برج العرب وكان متفائلاً ومستبشراً فسألته؟
فقال جئتُ هنا لأستلم مكافئة نهاية الخدمة
فسألته وما هي تلك المكافئة؟
قال: أن أنال الشهادة في محبسي هذا؟
رحمه الله ، صدق الله فصدقه الله
- وكتب وائل الحديني: لم يكن يفصلنا عن غرفة المهندس العصار فى برج العرب سوى جدار .. لكن ربعنا كان مغلق وربعه كان مغلق بالتبعية ..فبقينا منفصلين .. كانت غرفته ـ تقريباً ـ هي الغرفة الأكثر هدوءاً على مستوى السجن .. لا مناوشات ولا أزمات : بسبب قيمة الرجل الكبيرة ووزنه.. وبسبب مرضه ..فلم يكد يمر يوم الا وينادَي من غرفته :
يا شاويش يا غفر ..ثم ينادي باقي العنبر .. حينها كنا ندرك انه مريض ويحتاج للذهاب الى المستشفى .. كنا نخرج سوياً فى الزيارات ..نراه هادئاً راضياً لا ـ يكاد ـ يمشي خطوه إلا ويجلس ليستريح على كرسيه الذي يحمله ـ دوماًـ د/ محمد رجب عطيه من (كفر الزيات).. كنت أشير اليه كل زيارة كنوع من التصَبر لي ولأهلي خاصة أبي وأمي .. والغريب أن كثير من شباب قضيته (المحافظة / دمنهور) خرجوا في النقض أو خفف حكمهم لـ 5 سنوات وخرجوا أيضاً ..لكن كبار السن فى القضية بقوا ..القاضي العسكري قضى عليه بـ 15 سنه .. وهو تحداه أنه لن يُتمهُم .. وكسب رهانه .. تقبله الله فى الصالحين
- وجاء في صفحة صوت الزنزانة (البحيرة) حكاية صورة حيث الشهيد بإذن الله محمد العصار أثناء شرحه لحديث أصحاب الأخدود؛ قصة (الراهب و الغلام). توقف وتذكر امرا ثم غلبته مشاعره، وروي بدموعه، حكاية هذه الصورة.
وتفاجأ بشاب صغير (الشهيد إسلام مسعود) يقول له: يا باشمهندس، نفسي أتصور معاك صورة أعيش العمر كله افتخر بيها.
ابتسم وقال له، اتصور يا بني بس سيبك من حكاية تفتخر بيها دي، احنا يا بني غلابة وما تخليش الدنيا تضحك علينا.
مرت الأيام، والغلام لقي الله شهيدا، علي يد البلطجية التي هجموا علي المقرات وحرقوها في البحيرة عام 2012م!!
وحينما سأل مين الشهيد قالوا له إسلام، قال لهم إسلام مين، اعطوه الصورة قال ودموعه علي وجهه، كنت عايز تفتخر بالصورة!!
يا بني؛ لقد فزت بأسمى امانينا.
- وكتب علاء الغرباوي: من مقولاته الخالدة للمعتقلين حين نزولهم لجلسات المحاكمة : " اذهبوا بالأمل وعودوا بالرضا" . المهندس محمد العصار أحد أبناء مدينة دمنهور بالبحيرة ، تجاوز من العمر 75 عاما .. ومعتقل الآن بسجن برج العرب يقضي حكمًا بالسجن 15 عامًا في قضية حريق مبني المحافظة ..
مفيش معتقل أو أسرة معتقل في برج العرب أو سجن الأبعادية إلا ويعلم قيمة وفضل هذا الرجل ..
معلم ومربي واب لكل نزلاء السجون التي حُبس بها .
قال أحد المعتقلين : "حاولت يوما، أن أخفف عنه، فابتسم وقال لي: يا بني، أنا ربنا اراد بي الخير كله؛ هنا انا معي رجال كتير، ودي فرصتي اوصلهم كل ماتعلمته طول عمري من اخواننا الكبار، وهتسمعوني غصب عنكم هتروحوا مني فين"
" وبعدين غيري بره في سني، إما نايم في بيتهم بيعملوا له اكل مسلوق، او في مستشفي متعلق له محاليل، لكن ربنا من عليا في اخر عمري ان اكون اسير ومرابط في سبيله، في بعد كده خير".
- كما نعته جماعة الإخوان بقولها الإخوان المسلمون بقولهم يحتسبون عند الله المهندس محمد العصار "مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا" (الأحزاب -23).
الإخوان المسلمون يحتسبون عند الله أخاهم المربي المهندس محمد عبد الوهاب العصار، عضو مجلس شورى الجماعة، شهيدًا محتسبًا بإذن الله؛ حيث فاضت روحه الطيبة إلى ربها إثر تعرضه لأزمة قلبية حادة في سجون الانقلاب بمعتقل برج العرب، عن 75 عامًا قضاها في رحاب العلم وخدمة الدعوة.
سائلين الله تعالى أن يتقبل منه سعيه وجهاده وأن يحشره في زمرة المخلصين، وأن يشفّع فيه الصيام والقيام والقرآن، وأن يأجرنا في مصابنا ويخلف لنا خيرا، وأن يلهم أهله وأولاده وإخوانه وتلامذته ومحبيه الصبر الجميل وحسن الاحتساب.
كما نتضرع إلى الله هو حسبنا ونعم الوكيل في من ظلم الراحل الكريم، وظلم إخواننا الذين سبقونا إلى الله؛ جرّاء الإهمال والتعذيب القسري في زنازين الظالمين، داعين الله أن يهيئ لمصرنا أمر رشد، وأن ينصرنا على القوم الظالمين.
(يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي) (الفجر 27-30)
الإخوان المسلمون السبت 20 رمضان 1440هـ = الموافق 25 مايو 2019م