مبادرة الإخوان للإصلاح في مصر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مبادرة الإخوان للإصلاح في مصر
17-03-2004

مقدمة

في مؤتمر صحفي كبير بمقر نقابة الصحفيين ظهرالأربعاء 3 من مارس 2004م 12 منن المحرم 1425 هـ، أعلن المرشد العام للإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف مبادرة الإخوان للإصلاح في مصر.

وقد جاءت المبادرة متضمنة مقدمة تبين دوافع إعلانها في ذلك الوقت، كما أوضحت مبادئ ومواقف عامة للإخوان حول ما هو مطروح على الساحة من مبادرات وكيفية تفعيل تلك المبادرة الإخوانية، ثم أكدت على المنطلقات العامةللإخوان كهيئة إسلامية عامة، وجاءت تفاصيل المبادرة في 13 مجالاً من مجالات الحياة بدءًا ببناء الإنسان المصري كمحور وهدف للتنمية وتقدم ورقي بجهده وعرقه، لذلك قدم المرشد المبادرة مذكرًا بأهمية أن يتحمل كل فرد مسؤوليته وأن يقوم بواجبه وألا يقتصر على مجرد المطالبة بحقوقه، مذكرًا بعبارة شهير للدكتور طه حسين عندما أطلق مجانية التعليم في مصر، متخوفًا من أن تؤدي إلى تعرف الناس على حقوقهم، فيطالبوا بها، وأن ينسوا واجباتهم فيقعدوا عن القيام بها.

في البداية ألقى المرشد العام كلمة قصيرة، شرحت أبعاد المبادرة على لسان نائبه الأستاذمحمد حبيب، والتي أعقبها إجابات المرشد على أسئلة الصحفيين والمراسلين الإعلاميين الذين حضروا بكثافة كبيرة، رغم انعقاد مؤتمر وزراء خارجية الدول العربية في الوقت نفسه بجامعة الدول العربية بالقاهرة، مما شكل مفارقة واضحة، حيث يشعر الجميع بعجز النظام العربي الرسمي عن القيام بواجباته وضعف الحكومات العربية وتراجعها أمام الهجمة الأمريكية الصهيونية، بينما أشعل الإخوان شمعةً لتنير الظلام الدامس في هذه الأوقات العصيبة، وقد أكد المرشد: أن القيام بريادة هذا الإصلاح لا تقوى عليه حكومة ولا أي قوة سياسية منفردة، بل هو عبء يجب أن يحمله الجميع، وأن المصالحة الوطنية العامة التي تؤدي إلى تضافر الجهود جميعًا هي فريضة الوقت، ليس لمجرد الوقوف ضد المخططات الهادفة إلى استباحة المنطقةـ بل للنهوض من عثرتنا وعلاج مشاكلنا.

ركائز المبادرة:

ارتكزت مبادرة الإخوان للإصلاح على ركائز أربع مهمة:

أولاً: رفض كل صور الهيمنة الأجنبية وإدانة أشكال التدخل الخارجي.

ثانيًا: التأكيد على دور الشعب وضرورة أن تبادر لانجاز الإصلاح الشامل.

ثالثًا: الإصلاح السياسي هو نقطة الانطلاق، ومفاتحه إطلاق الحريات العامة.

رابعًا: المصالحة الوطنية العامة والتكاتف العربي والتعاون الإسلامي هو أساس العمل.

تقول المبادرة: "إن واجب الوقت يقتضي من كل القوى السياسية والنخب الفكرية والثقافية وكافة المهتمين بالشأن العام أن يلتفوا حول إطار عريض ينطلق من المقومات الأساسية للمجتمع، وأن يتعاونوا في المتفق عليه – وهو كثير – وأن يتحاوروا حول المختلف عليه وهو قليل – من أجل الصالح العام لهذه الأمة".

كما تؤكد مبادرة الإخوان خطورة الوضع الحالي وضرورة الخروج من هذا المأزق الرهيب الذي وصلنا إليه، أن الثالوث المدمر لهذه الأمة من جمود سياسي، وفساد وظلم اجتماعي، وتخلف علمي وتقني يهدد مصر الآن في أمنها الوطني ومكانتها القومية وريادتها الإسلامية ودورها العالمي.

التوقيت والمفاجأة:

أ.عاكف وحبيب.

فاجأ الإخوان الجميع بإعلان مبادرة للإصلاح السياسي، وبرغم أن الساحة تموج بالمبادرات المختلفة حتى تحولت إلى سوق عكاظ وحتى وصف الأمين العام للجامعة العربية "عمرو موسى" الوضع بقوله: "إن السماء تمطر مبادرات" إلا أن مبادرة الإخوان كانت أول ولعلها لا تكون الأخيرة في المبادرات الشعبية.فالمبادرة الأمريكية للشرق الأوسط الكبير التي حركت المياه الراكدة، ما هي إلا تكرار واضح لمشروع شيمون بيريز رئيس الكيان الصهيوني الأسبق حول شرق أوسط جديد ولكنه يأتي ليقطف ثماره شارون مجرم الحرب وجزار فلسطين، وليس بيريز الذي أسس البرنامج النووي الصهيوني والذي يلبس مسوح الرهبان.

والمبادرات الأوروبية لا تجد سندًا بسبب الطغيان الأمريكي، وهي رغم أهمية المنطقة لأوروبا، مترددة واللاعبون الأساسيون في المنطقة لا يجدون في أوروبا بديلاً عن أمريكا، بل هي تابع لها، ولذلك فإن اللقاء المرتقب سيحسم الموقف بانضمام أوروبا إلى أمريكا وتبني الشارع الأمريكي كاملاً أو بعد تعديلات طفيفة عليه، ومن الواضح أن أمريكا تريد أن تبني مشروعها لشرق أوسط كبير على أنقاض الجامعة العربية.

وقد جاءت المبادرة المصرية خجولة تحاول إمساك العصا من المنتصف، وتردد إمكانية التعاون مع الدول الصديقة في الخارج، وتتحدث عن الجماعات المستنيرة في الداخل، وتربط الإصلاح الأمريكي المفروض بضرورة التقدم على مسار السلام الوهمي فيفلسطين وكأنه كان هناك سلام أو عملية سلام أو مشروع سلام.

لذلك جاءت مبادرة الإخوان في توقيت حاسم لتوضح للجميع أن صوت الشعب هو الذي يجب أن يعلو، وعلى الجميع أن يستمع إليه، وجاءت أكبر قوة شعبية ليس في مصر وحدها، بل في العالم العربي، ومعظم العالم الإسلامي، صوت يحظى بثقة الأمة، وله تاريخه النضالي والجهادي، صوت عاقل غير متشنج، يفتح جسور الحوار مع الجميع، ويتبرأ من العنف المدمر كوسيلة للحوار أو العمل السياسي، ويدعم صور المقاومة جميعًا، بل يمارسها في ارض الواقع ضد الاحتلال الأمريكي أو الصهيوني، يدعو إلى وحدة الأمة صفًا واحدًا، عربًا وبربر، أكرادًا وأفارقة، سنة وشيعة مسلمين ومسيحيين من كل الطوائف والعرقيات، وكل الأديان والمذاهب، لنهضة شاملة لصالح الجميع.

كان وقع المفاجأة على السلطات المصرية كبيرًا، لذلك لم تتخذ قرارًا بمنع إعلان المبادرة في مؤتمر صحفي، ولم يتدخل الأمن ليمنع اللقاء الحاشد الذي انتقلت فيه كاميرات الفضائيات ومراسلو الوكالات ومندوبو الصحف والمجلات من ساحة الجامعة العربية، إلى مقر نقابة الصحفيين المصريين، حيث عقد المرشد العام للإخوان المسلمين مؤتمره الصحفي الذي استمر نحو الساعة والنصف، وكانت المفاجأة أيضًا للقوى السياسية والأحزاب التي عزفت عن التنسيق مع الإخوان منذ حذرتهم الدولة بشدة في انتخابات عام 1995م، ثم انتخابات 2000م، ولم يكن الوقت كافيًا لترميم الجسور بعد وفاة المرشد السادس الهضيبي وما زال الوقت متسعًا للحوار حول المبادرة أو على الأقل الجزء المتفق عليه منها، ذلك جاءت المبادرة معبرة عن رؤية الإخوان الشاملة للإصلاح من منظور إسلامي، ودعا الإخوان فيها إلى التعاون في المتفق عليه،والتحاور حول المختلف فيه، ولعل الأيام المقبلة تشهد تفاعلاً إيجابيًا من بعض الأحزاب.

المبادرة والحزب

تساءل البعض ممن حضر المؤتمر، وفي التعليقات على المبادرة عن علاقة ذلك بالحزب الذي أعلن المرشد العام – استمرارًا لسياسة ثابتة – عن رغبة الإخوان وقدرتهم على تكوينه.

فقال البعض: هل تعد المبادرة بمثابة برنامج للحزب المزمع؟، وتساءل الآخرون: هل يمكنللإخوان أن ينشئوا حزبًا أو أن يتحولوا إلى حزب؟، واستفسر البعض: هل يمكن أن تتخلى الجماعة عن اسم الإخوان إذا كان ذلك شرطًا لإعلان الحزب؟، وغير ذلك من التساؤلات وهي مشروعة.

والحقيقة كما أعلنها المرشد – أن المبادرة شئ والحزب شئ آخر، وأن إعلان توقيت المبادرة أملته الظروف الدقيقة الحرجة التي تمر بها الأمة، والتهديدات والأخطار التي تتعرض لها، والضغوط التي تمارسها أمريكا وخططها للهيمنة.

أما الحزب فهو مشروع قائم منذ نحو عشرين عامًا، والذي يمنع من قيامه هو القانون الظالم الذي يقيد حرية تشكيل الأحزاب، والممارسات الحكومية التي تحاصر النشاط الحزبي، وأعلن الإخوان أنه لا جدوى من إضافة أحزاب جديدة إلى قائمة الأحزاب الحالية، إذا استمر نفس المناخ السياسي والحزبي، كما هو بنفس ترسانة القوانين سيئة السمعة، ونفس العقلية الأمنية التي تهيمن على كل شئ وتدبر شئون الأحزاب بما فيها الحزب الوطني نفسه.

وفي إعلان نادرًا ما يصدر في إجابة عن سؤال قال المرشد العام إنه لا مانع من إعلان حزب للإخوان المسلمين باسم جديد، وأنه لن يتمسك بالاسم الذي عرف به الإخوان ولا مانع لديه من تغيير الاسم طالما سيتم تشكيل الحزب.

وهنا لابد أن تشير إلى أن المرشد الجديد من أنصار الإبقاء على الإخوان كهيئة إسلامية عامة، وإعلان حزب سياسي كذراع سياسي لها وليس كبديل، أي أن الجماعة تبقى بينما يقوم فريق من أبنائها بتشكيل حزب سياسي تحت أي اسم جديد ولقد كان هو نفسه الأب الروحي لمشروع حزب الوسط وقضى في السجن 3 سنوات بسبب الإشراف على تأسيسه.

وهذا الرأي يقابله رأي آخر يتبناه بعض القيادات الإخوانية "مثل المرحوم المرشد السابق المأمون الهضيبي" وهو أن تتحول الجماعة ببرنامجها كله وتشكيلها كله إلى حزب سياسي. حيث إن ذلك هو الإطار القانوني المسموح به حاليًا ومنعًا للازدواجية التي قد يعاني منها الإخوان في حال سُمح للحزب بالنشاط، ومنعًا للمطاردات الأمنية التي قد يتعرض لها أعضاء الجماعة الذي لا ينضمون إلى الحزب، حيث إنه من المستبعد أن توافق الحكومة والنظام مرة واحدة إلا على إعادة الوضع القانوني للإخوان كجماعة وهيئة إسلامية، وتسمح بإنشاء حزب سياسي لهم.

والحقيقة أن الجدل حول هذا الأمر هو من قبيل التمرين السياسي والإداري لتنشيط التفكير وشحذ الهمم لأن المقدمة الطبيعية هي إطلاق الحريات وحينها لن يكون الإخوان تحت ضغط المساومات مع النظام، بل ستكون حريتهم كاملة لاختيار أفضل البدائل المتاحة بعد مناقشة مستفيضة حول إيجابيات وسلبيات كل بديل.

ما الذي دفع المراقبين إلى التساؤلات؟

إن شمول المبادرة تفصيلات كثيرة حول مناحي الحياة المختلفة كان الدافع إلى هذه التساؤلات، والمتأمل في المبادرة يرى أن الجزء الأول منها هو جوهر المبادرة وهو ما ناقشناه في ركائز المبادرة أما التفاصيل فقد جاءت لأكثر من سبب:

أولاً: التذكير بأن للإخوان برامج تفصيلية.

ثانيًا: التأكيد على شمولية الإصلاح.

ثالثًا: الرد على الذي يتهمون الإخوان بالعمومية.

رابعًا: توضيح أن الإخوان قادرون على تحمل أعباء الإصلاح ولهم رؤيتهم المحددة.

خامسًا: التمهيد لأي برنامج حزبي في المستقبل.

جدير بالذكر أن هناك تحذيرات شديدة من جهات الأمن للإخوان بشأن أمرين:

الأول: التفكير في إعلان حزب في هذه المرحلة؟

الثاني: محاولة إعادة التنسيق مع حزب جديد يمكن إعلانه.

والسبب في ذلك، سلسلة المقالات التي كتبها الأستاذ إبراهيم نافع في الأهرام خلال الشهر الماضي (5 مقالات) عن التغيير في مصر، وهي تحتاج إلى تحليل، أشار فيها إلى أمرين:

أن أي تغيير دستوري الآن غير وارد بالمرة، أن هناك تفكيرًا في إعادة النظر في قانون الأحزاب وقانون مباشرة الحقوق السياسية، وخلص إلى أن هناك أحزابًا قائمة بالفعل تحت التأسيس – تمثل تيارات موجودة في المجتمع المصري يمكن الترخيص لها قانونًا وذكر بالاسم (حزب الكرامة) الذي يمثل التيار الناصري، ويتزعمه النائب حمدين صباحي، وحزب الغد الذي يمثل التيار الليبرالي ويتزعمه النائب أيمن نور وكلاهما صحفي ونائب نشيط بمجلس الشعب الحالي، والثالث: وهذه هي المفاجأة حزب الوسط الذي يترأسه المهندس أبو العلا ماضي، وقصته معروفة.

ثم جاءت مؤشرات أخرى في تصريحات لمسئولي الحوار بالحزب الوطني مثل الأمين العام السيد صفوت الشريف والأمين العام المساعد كمال الشاذلي، أن هناك تفكيرًا جديدًا في إصلاحات قانونية جزئية في مجال قانون الأحزاب ونظام الانتخابات والنقابات المهنية والمجتمع المدني.

وفيما يتعلق برئيس الجمهورية، أكد الإخوان في مبادرتهم ضرورة تحديد مدة الرئيس ونائبه بدورتين متتاليتين فقط، وأن يتم تحديد صلاحيات الرئيس التنفيذية بحيث لا يتحول الوزراء إلى سكرتارية للرئيس وأن يتم انتخاب الرئيس ونائبه في انتخابات حرة مفتوحة بين العديد من المرشحين.

وقد كان هناك حوار لمدة خمس ساعات دار بين السيد جمال مبارك ومجالس إدارة أعضاء نادي هيئة التدريس في جامعة القاهرة قبل أقل من شهر لم يحظ بتغطية إعلامية، ومعروف أن أغلبية الأعضاء من الإخوان المسلمين، وقد قدم أساتذة الجامعات مقترح أجندة لأولويات الحوار الوطني، وعقدت جلستان طويلتان استمع فيها السيد جمال مبارك باهتمام بالغ وانصات تام لحوار جريء حول:

استبعاد التيار الإسلامي من الحوار الوطني الدور الأمني الذي تغول في كافة مجالات الحياة بما فيها الجامعة.

عدم جدية أي إصلاح إذا لم يسمح بتداول السلطة.

أهمية الإصلاح السياسي كبداية لأي إصلاح آخر.

ضرورة أن يكون الإصلاح الشامل هو جوهر النهضة.

رفض أي إصلاح أو تغيير مفروض من الخارج.

وكان تعقيب جمال مبارك عقب التعليقات التي استمرت أربع ساعات ونصف الساعة في نحو ربع ساعة فقط، تجنب فيها تمامًا الحديث عن الموقف من التيار الإسلامي أو مسألة تداول السلطة، وأعلن عدم النية في تغييرات دستورية، موضحًا أن هناك اتجاهًا لإصلاحات جزئية في مجالات الحياة الحزبية والنقابات المهنية والمجتمع المدني، مركزًا على أولوية إصلاح الاقتصاد والتعليم.

ولقد جاء قرار الرئيس مبارك – والذي رحب به الجميع – بإلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر مؤشرًا آخر على نوعية الإصلاحات الجزئية التي يعتزم النظام القيام بها، وأعلن كافة المرحبين بالقرار – الذي طال انتظاره ضرورة استكمال الإصلاحات بسرعة دون إبطاء، وإطلاق حرية إصدار الصحف وحرية الأحزاب..إلخ.

المصدر