لشهيد القائد أحمد ياسين لا يزال النجم الأكبر في سماء المسلمين
في الذكرى الخامسة لاستشهاد الشيخ المجاهد أحمد ياسين مؤسس حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، لا يزال المهندس فريد زيادة من قرية مادما جنوب نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة يستذكر ثلاثين يوما قضاها قبل نحو أربعة عشر عاما قضاها بصحبة الشيخ في سجن كفار يونا الصهيوني.
دموعي سبقتني
ويقول زيادة عن لقائه الأول بالشيخ:" كنت معتقلا في سجن نابلس المركزي في العام 1995 م وكان الاحتلال يعرض على المعتقلين من يقوم بخدمة الشيخ في معتقله، فسارعت إلى الموافقة على ذلك كي أحظى بهذا الشرف في خدمة شيخنا رحمة الله عليه، وبعد الموافقة ذهبت إلى الشيخ وكانت لحظات لا توصف، حيث كانت أمنيتي أن أتعرف عن قرب عن هذا الشيخ الذي سمعت وقرأت عنه، وكان بودي أن أكون قريبا منه وأن أعايشه وأن ألمس هذه الصفات التي قرأتها عنه واقعا ملموسا، فكان لي هذا الشرف العظيم، وكانت هذه الأيام من أجمل وأفضل لحظات حياتي، فهي وإن كانت حقيقة داخل سجن لكنها أكسبتني حياة جديدة ونمط حياة جديد".
ويتابع زيادة:" دخلت سجن كفار يونا حيث يقبع الشيخ في حدود الساعة العاشرة وكان حينها وقت "الفورة"، فجئت عليه وهو في ساحة السجن وكان لقاء بفضل الله من كثرة الفرحة الدموع سبقتني خلال السلام عليه".
مدرسة متكاملة
أما عن الصفات التي كان يتمتع بها الشيخ ياسين، فيقول زيادة:" وجدنا في الشيخ كل شيء خير، فقد كان مدرسة متكاملة ولا أستطيع في هذه العجالة أن أبين كل صفاته، فنحن نتحدث عن أربعة عشر عاما مضت، ولكن ما زالت هذه اللحظات في ذاكرتي ولن أنساها قطعا؛ لأنها لحظات مهمة وتستوقفني في كل حين كلما أتذكرها".
ويؤكد زيادة أنه تعلم من الشيخ دروسا مختلفة في الصبر سواء أمام السجن أو أمام الجلاد، مضيفا:" الكل يعلم أن الشيخ معاق، ولكنه كان معاقا بجسده إنما قلبه وعقله ولسانه كان نيرا، ومع هذا العناء فهو لم يكن يستطع أن يخدم نفسه ولعل أي إنسان سيشعر بالضيق من ذلك، إلا أننا وجدنا نحن الأصحاء بأجسامنا وسجننا بضع سنوات مقابل سجنه المؤبد في حينه، وجدنا أنه يعلمنا الصبر وسعة الصدر والتعالي على كل هذه المآسي".
وعن مواقف الصبر التي كان يتعامل بها الشيخ معهم، قال زيادة:" كان أهلنا يزورنا في المعتقل، وكان هو ممنوعا من الزيارة، وعندما نعود من الزيارة تكون نفسيتنا متأثرة نوعا ما، إلا أنه كان يرفع معنوياتنا مع أنه محروم من الزيارة.
وعلى الرغم من صبره وجلده الشديد إلا أن الشيخ أحمد ياسين كان يمتاز بروح الفكاهة والدعابة، التي كان من خلالها أن يخفف عن المعتقلين الذين يقومون بخدمته.
أجمل اللحظات
ولا يزال المهندس زيادة وعلى الرغم من مرور أربعة عشر عاما على لقائه بالشيخ، إلا أنه يعتقد أن أجمل لحظات حياته هي التي أمضاها بصحبة الشيخ، مضيفا:" الفترة التي أمضيتها معه لا تتجاوز شهر، ولكن هذه الأيام هي عن عمري كاملا، وكانت هذه الفترة تعلمت فيها الشيء الكثير الذي لم أتعلمه في المدارس أو الجامعات التي التحقت بها".
وعن تعامل سجانيه معه، يؤكد زيادة أن الشيخ كان بصفاته وأخلاقه يفرض احترام الجميع عليه، وعن ذلك يقول:" كان زعيما خارج السجن وفي داخله وزعيما في حياته وزعيما عن استشهاده ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يكون زعيما في الجنة ورفيقا لمحمد صلى الله عليه وسلم وأن نكون رفقاء له، لقد كان اليهود يكنون له كل احترام وتقدير، ففي بعض الفترات كان يأتي له وزراء ومسئولين وصحفيين وغيرهم، فكانوا ينحنون له احتراما وتقديرا وإجلالا، فكنت ترى بفضل الله هيبة الشيخ تسيطر على من يتحدث مع الشيخ، فكان من يريد الحديث معه لا يقول له إلا :يا شيخنا، يا سيدنا، فهذا الذي يتحدث مع الشيخ كان يجد نفسه مجبرا على أن يتحدث بهذه اللغة أمام عظمته وهيبته".
وأضاف:" لقد كان السجانون حريصون عليه كل الحرص، وكانوا يوصوننا به بشكل مستمر ويقولون لنا: هذا الشيخ أمانة في أعناقنا، فقد كانوا حريصون عليه مع أنهم يدركون أنه ألد أعدائهم، إلا أنه كان يفرض عليهم احترامهم وكانوا يتعاملون معه جميعا كذلك من أكبرهم إلى أصغرهم".
ألم الفراق
ويستذكر المهندس زيادة لحظات ألم تعرض في حياته، غير أن هذه اللحظات تختلف عن سائر الناس، ويضيف:" إن الإنسان يفرح كثيرا عند الإفراج عنه من سجون الاحتلال، ولكنني والله تأثرت من قرار الإفراج لمغادرتي السجن، ورفضت أن أترك الشيخ إلا بعد أن جاؤوا ببديل عني حتى أطمئن بأن الشيخ عنده بديل يقوم بأموره بدلا مني، وبشيء من المداعبة قال لي الشيخ: روح يا عمي أولادك أفضلك مني".
وبالإضافة إلى ذلك، فقد كان نبأ استشهاد الشيخ وقع بمثابة الصاعقة على نفس المهندس فريد زيادة، مضيفا:" لم أجد بعد سماعي الخبر إلا البكاء والدعاء لله أن يجمعنا به في الجنة، وأن يعوضنا بمثله؛ لأننا لا نجد من هو أفضل منه، فقد كانت تلك اللحظات صعبة جدا على نفسي، فلو أني فقدت أغلى شيء في حياتي لن يكون بصعوبة سماعي نبأ استشهاد الشيخ رحمه الله".
حماس تغيرت بعد استشهاده
وبعد استشهاد مؤسس أوسع تنظيم فلسطيني، باتت عدد من وسائل الإعلام تتحدث عن أن "حماس" حادت عن طريقه بشكل كبير جدا بعد استشهاد مؤسسها الشيخ أحمد ياسين، غير أن القيادي في الحركة الدكتور صلاح البردويل علق ذلك بقوله:" إن كانت تغيرت حماس بعد استشهاد الشيخ فقد تغيرت إلى الأحسن، وهي تغيرت إلى الأحسن؛ لأنها استفادت من كل ثقل الشيخ ومن تاريخ ومبادئ الشيخ وبنت عليها، وهي في تقدم كبير جدا وأنجزت إنجازات كبيرة جدا بعد استشهاد الشيخ".
ويؤكد البردويل أن ذكرى الشيخ باقية في كل يوم وفي كل لحظة تمر على الحركة، مضيفا:" الشيخ ليس مجرد ذكرى، وإنما هو مؤسس وهو كيان ويسري في عروق كل أبناء الحركة بما تركه من مبادئ وأفكار وروح متوقدة كانت تسري في جسده".
وتابع:" رغم أن هذا الجسد كان مشلولا، إلا أنه كان لديه إرادة وقلب وعقل وضمير وإقدام، وهذا العقل والإقدام والإرادة هي التي تتجسد في كل أبنائه سواء كانوا من العسكريين أو السياسيين أو من الإعلاميين أو الاجتماعيين".