قمة العشرين الإقتصادية
اجتماع لندن هذا الأسبوع الذي حركته القوى العالمية الكبرى الثمان وجذبت إليه ما يليها من اقتصاديات لتشكل مجموعة العشرين التي تسيطر على ما يقرب من 85% (خمسة وثمانين في المائة) من اقتصاد الدنيا هذه المجموعة التي لا ندري هل ستنجح خطتها في إنقاذ العالم أم ستفشل بعد إطلاقها لأرقام فلكية من العملات الجزء الأكبر منها بلا رصيد حقيقي .. وبعد أن أصبح عصيا عليها الإجابة عن السؤال الأهم بالنسبة لها وهو هل ستنجح في إنقاذ اقتصادياتها هي ونظمها الاجتماعية ومنظومة القيم لديها أم ستفشل؟، وخصوصا أن الخلافات في الرؤى حول سبل العلاج كشفت توجها لدى جزء من الثمانية إلى نزع سيادة الدولار وإنزاله من على عرش التحكم الذي طال أمده واستبداله بعملة أخرى أو سلة عملات كما تدعو الآن روسيا والصين، إضافة إلى الاختلاف حول نتائج زيادة الإنفاق وحول قواعد الرقابة على مؤسسات النقد داخل الدول ومنها البنوك والاختلاف على فرض قيود على التجارة الخارجية لحماية المنتجات الوطنية لبعض الدول وحول صندوق النقد الدولي .. والأهم من كل ذلك حول نسب الفائدة على الأموال التي تذبذبت صعودا وهبوطا (وهي الاسم التجاري للربا المحرم في كل الأديان السماوية وعند أصحاب العقول الاقتصادية السليمة).
فقراء العالم من أمثالنا وغير المشمولين ببطاقة الـVIP لنادي الدول العشرين قد لا يستطيعون استيعاب حركة الأموال وأرقامها التي تم التصريح بها منذ بداية الأزمة مع بداية انهيار سوق العقار الأمريكي الذي تلاه مباشرة انهيار أسواق العقار في الدنيا كلها، فكيف يمكن استيعاب أمر أن شركتين أمريكيتين من شركتي العقار قد خسرتا مرة واحدة وفي أسبوع واحد مبلغ قدره 6 تريليون دولار بما يزيد عدة أضعاف عن ناتج مجموع الدول العربية السنوي مجتمعة بما فيها الدول النفطية وهل يمكن أن يكون لدى هاتين الشريكتين بعد الخسارة عقار حقيقي؟ وما حجمه؟، وكيف نستوعب أن خطة إنعاش للاقتصاد الأمريكي التي أطلقتها الإدارة الجديدة جاءت بقيمة 787 مليار دولار وهي تمثل فقط مبلغ 5.5% من إجمالي ناتجها المحلي في الوقت الذي يقول فيه الرئيس الأمريكي أن بلاده لا يمكنها أن تكون المحرك الوحيد للنمو في العالم، وأن العالم بأسره يجب أن يلحق بوتيرة النمو، ففهم البعض تصريحه بصياغة أخرى تقول (أنفقوا أموالكم علينا فإذا نجونا قد تنجون معنا، وإذا لم ننجوا فالجميع ذاهب إلى الجحيم).
وتطير الأرقام من مثل 400 مليار يورو لإنعاش الاقتصاد الأوروبي في عامين، وخطة بريطانيا بإنفاق 2 تريليون دولار، ومع تطاير أرقام الإنفاق وارتفاعها إلى مستويات غير مسبوقة والتي تقترح الدول إنفاقها في الشرق والغرب فإن معظم الدراسات المتخصصة تمسك عن التأكيد بأن أزمة الاقتصاد الحر الذي حكم العالم طوال الفترة الماضية ستكون أحسن حالا بعد العلاجات الجديدة من أزمة الرأسمالية والاشتراكية الماركسية اللتان واجهتا أمراض ومشاكل أنهت دولا بأكملها وأدخلت العالم كله في أزمة مماثلة في الثلاثينيات من القرن الميلادي الماضي .. ولأن المتخصصون قد أخطأوا سبل العلاج الصحيح في المرات السابقة فإن هذه الدراسات تخشى (لأسباب عديدة) أن تعلن أن الأجيال البشرية التي تعيش الآن ومعها أجيال قادمة لا يعلم عددها غير الله سبحانه وتعالى ستظل أسيرة السير في ظلام تغول النظام الاقتصادي العالمي وإصراره على علاج الخطأ بخطأ أكبر منه وهو اعتبار سعر الفائدة (الربا) عاملا أساسيا في النظام الاقتصادي.
أزمة الاقتصاد العالمي التي اجتمع لها العشرون الكبار (!!) لم ولن تقف فقط عند الحلول الصحيحة طالما أن خبراؤهم لا يريدون الاعتراف بما صرح به الرئيس الأمريكي أوباما حول التجاوزات المالية في بلاده التي أدت إلى خراب اقتصادها بأنها قد تمت كلها في إطار القوانين السارية، وهي القوانين التي وضعتها أجهزة تشريعهم التي يتحكم فيها آكلو الربا من الكبار ليسرقون به ويرتشون ويمتصون دماء العامة .. وبالقانون !!، وكما صرح الرئيس نفسه بأن دولته لا تستطيع أن تحاسب هؤلاء الكبار عما قاموا به لأنه القانون ويشك الكثيرون في قدرة الإدارة الأمريكية الجديدة على تعديل أغلبها، وكما حدث في بريطانيا أيضا عندما أعلن أحد أكبر بنوكها (بنك سكتلندا) عن خسائره الضخمة ثم عن راتب تقاعدي لرئيسه الذي تسبب في هذا الإفلاس بمبلغ يتجاوز مخصصات رئيس الوزراء البريطاني نفسه أثناء ممارسته لعمله ورفض رئيس البنك الذي تسبب في الخسارة التنازل عن أي جزء من هذا المبلغ لصالح المستثمرين في البنك ومنهم الدولة .. لأنه القانون الذي وضعه الكبار آكلو الربا.
عناوين كثيرة برزت مع هذه الأزمة ليس أخطرها بروز الطبقية الفاحشة والفوارق الضخمة بين الشعب الواحد وتأثر برامج الصحة والتعليم والتنمية، وحجم البطالة المتزايد التي يحشدون لاحتواء احتجاجاتها الآن قوات أمن وقمع ومقاومة شغب بتكلفة تبلغ مئات وآلاف الملايين مع توقع خسائر في المنشآت كانوا في غنى عنها لو وقف أولو العقول منهم وقفة بعد التجارب الإنسانية العديدة ليجربوا ولو لمصلحتهم فقط الابتعاد عن الربا الذي يُنْمي الأوراق المالية بلا أصول حقيقية ويحاولون الآن التخفيف منه دون الاعتراف بخطورته وما ينتجه من بلايا، ونعود إلى متاهات الأرقام عندما نعلم أن إنتاج العالم من كل مواردها قد بلغ 62 تريليون دولار في العام بينما بلغت قيمة الأوراق المالية والسندات والأسهم التي تعمل على هذا الناتج مبلغ 462 تريليون دولار وهي تزيد عن القيمة الحقيقية للسلع بأكثر من سبعة أضعاف وهي التي شكلت فقاعة كبيرة ما إن انخرمت حتى تطايرت وتطايرت معها عقول البشر الذين لم يستوعبوا أشياءً كثيرة ومنها أن البنك المركزي الأمريكي الذي يقوم على طبع الدولار كمقوم أساسي للعملة في العالم لا يتبع الحكومة الأمريكية وإن كانت تشارك في مجلس إدارته ببعض ممثليها وأن هذه الحكومة تشتري منه الأوراق المالية بالربا.
هذا الأسبوع ألقت السلطات الأمنية في الإمارات العربية المتحدة القبض على مجموعة من الأفراد أوهموا شخصا أنهم يملكون القدرة على استنساخ ورقة المائة دولار بورقة مثلها، وهي صورة تتكرر في أماكن كثيرة من الدنيا وبعض الناس من لا يجد من يرد إليه ماله كقضية هذا الأسبوع التي تحكمها قوانين جنائية منها القوانين التي تعاقب على السرقة والاحتيال حتى ولو كانت في حدود المائة دولار، وليس بالتريليونات التي يتواصل طبعها وتوزيعها على البشر في كل الدنيا بنسب توالد تفوق ما حدده النصابون في الإمارات العربية المتحدة.
حادثة يهديها فقراء العالم لأرباب المال ومرابيه الذين لا يجدون قوانين تردعهم مع رسالة تقول .. يا محتالوا العالم اتقوا الله.
المصدر: رسالة الإخوان 3 - 4 - 2009 / 7 ربيع ثان 1430 هـ العدد 587