فلنلتمس العذر
بقلم: أ.علاء ممدوح
هذه رسالتي إليك يا من قال الشاعر في قدوتك صلى الله عليه وسلم:
- إذ رزقت التماس العذر في الشيم
فإلى من يحب نبيه ويهتدي بهديه فيقابل السيئة بالحسنة , ويضرب صفحا عن زلة أخيه يامن لايحب أن يرى عيب شيخه فضلا عن إبرازه والتشهير به يا من شعاره الصفح الجميل عن الهفوات يا من تمثل أخلاق و فضائل الاسلام العظيم ,وسار على هدي النبي عليه الصلاة والتسليم
إليك أرسل تقديري وأبثك محبتي وأذكرك ونفسي وإخواني بهذا الحديث الذي أحسبك مشكورا مأجوراً ممن يعملون به:
في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
( لا أحد أغير من الله ، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ولا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين ، ولا أحد أحب إليه المدح من الله ، من أجل ذلك أثنى على نفسه)
فتعال معي أخي وأنتم أيضا إخواني الفضلاء نتدبر معاني هذا الحديث مع كلام أئمتنا الكرام
يقول ابن بطال :
لا أحد أحب إليه العذر من الله » فمعناه ما ذكر فى قوله تعالى:
[وهو الذى يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات]
رحمك الله يابن بطال فقد ذكرتنا بصفات الله العليا وأنه تواب عفو يحب العفو .. فاللهم اعف عنا وعن إخواننا ومشايخنا ياكريم
ونقل ابن حجر عن عياض قوله :
ويحتمل أن يكون المعنى لا ينبغي لشخص أن يكون أغير من الله تعالى ، وهو مع ذلك لم يعجل ولا بادر بعقوبة عبده لارتكابه ما نهاه عنه ، بل حذره وأنذره وأعذر إليه وأمهله ، فينبغي أن يتأدب بأدبه ويقف عند أمره ونهيه
و حكى القرطبي في المفهم عن بعض أهل المعاني قال: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا أحد أحب إليه العذر من الله " عقب قوله " لا أحد أغير من الله " منبها لسعد بن عبادة على أن الصواب خلاف ما ذهب إليه ، ورادعا له على الإقدام على قتل من يجده مع امرأته ، فكأنه قال إذا كان الله مع كونه أشد غيرة منك يحب الإعذار ، ولا يؤاخذ إلا بعد الحجة.
نعم فإذا كان الله أغير من كل واحد فينا بل منا جميعا ومع ذلك يحب الإعذار ويحب العفو كما قال ابن بطال فما بال بعضنا لايصبر على أخيه ولا يجد لكلامه الموهم المحتمل مخرجا حسنا ولايرى لبعض العلماء والدعاة نية حسنة فيما قال أو فعل حتى لو كان مجتهدا فأخطأ ..
مابال بعضنا يسارع إلى الإسقاط دون التماس عذر ومع غياب الحجة والبينة فهذا الفريق لا يعجبه علماء الفريق الآخر حتى لو صدعن الحق؛ بينما إذا تبين خطأ علمائه هو التمس لهم العذر وهوَّن منه ؛ فمشايخه مبرؤون حتى لو زلوا ، وعلماء غيره مدانون حتى لو كانوا أصحاب سابقة وعملوا على رفع اللواء حينا من الدهر لم يكن فيه شعاع نور غيرهم ، أين هيبة العلماء التي يجب أن تملأ النفوس وتنتشر في المحافل والمنتديات ..
ما بالها غُيبت أم تراها ضُيعت..
لما لا نعمل على استنفاد الفرص الممكنة لالتماس العذر،خاصة مع العلماء وأهل الفضل من مجاهدين ودعاة وإخوة فضلاء يحبون الدين أكثر من نفوسهم التي بين جنبيهم
هلا نفذنا وصية الفاروق إذ يقول ـ رضـي الله عنه ـ:
«لا تظنَّ بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيراً، وأنت تجد لها في الخير محملاً».
وقال أبو قلابة:
«إذا بلغك عن أخيك شيءٌ تكرهه فالتمس له العذر جَهدك، فإن لم تجد له عذراً، فقل في نفسك:
لعل لأخيك عذراً لا أعلمه».
ألا نتدبر هذه المعاني ونقف معها طويلا فالله تبارك وتعالى من كمال رحمته وإحسانه بخلقه، أنه لا أحد أحب إليه العذر منه أفلا نقرأ ونسمع قوله تعالى (فاعفوا واصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم)
هذه أحبابي في الله تعالى كلمات محب وخطرات حريص على إخوانه الفضلاء ولعلي أختم كلامي هذا بكلام قيم نافع للإمام ابن القيم رحمه الله حول هذا الحديث يوضح فيه ما أردت توصليه بجميل بيانه يقول رحمه الله :
جمع في هذا الحديث بين الغيرة التي أصلها كراهة القبائح وبغضها ، وبين محبة العذر الذي يوجب كمال العدل والرحمة والإحسان ، والله سبحانه - مع شدة غيرته – يحب أن يعتذر إليه عبده ، ويقبل عذر من اعتذر إليه ، وأنه لا يؤاخذ عبيده بارتكاب ما يغار من ارتكابه حتى يعذر إليهم ، ولأجل ذلك أرسل رسله وأنزل كتبه إعذارا وإنذارا ، وهذا غاية المجد والإحسان ، ونهاية الكمال .
فإن كثيرا ممن تشتد غيرته من المخلوقين تحمله شدة الغيرة على سرعة الإيقاع والعقوبة من غير إعذار منه ، ومن غير قبول لعذر من اعتذر إليه ، بل يكون له في نفس الأمر عذر ولا تدعه شدة الغيرة أن يقبل عذره ، وكثير ممن يقبل المعاذير يحمله على قبولها قلة الغيرة حتى يتوسع في طرق المعاذير ، ويرى عذرا ما ليس بعذر ، حتى يعتذر كثير منهم بالقدر ، وكل منهما غير ممدوح على الإطلاق .
وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
إن من الغيرة ما يحبها الله ، ومنها ما يبغضها الله ، فالتي يبغضها الله الغيرة من غير ريبة وذكر الحديث.
وإنما الممدوح اقتران الغيرة بالعذر ، فيغار في محل الغيرة ، ويعذر في موضع العذر ، ومن كان هكذا فهوالممدوح حقا .
ولما جمع سبحانه صفات الكمال كلها كان أحق بالمدح من كل أحد ،ولا يبلغ أحد أن يمدحه كما ينبغي له ، بل هو كما مدح نفسه وأثنى على نفسه ، فالغيور قد وافق ربه سبحانه في صفة من صفاته ، ومن وافق الله في صفة من صفاته قادته تلك الصفة إليه بزمامه ، وأدخلته على ربه، وأدنته منه ، وقربته من رحمته ، وصيرته محبوبا ، فإنه سبحانه رحيم يحب الرحماء ، كريم يحب الكرماء ، عليم يحب العلماء ، قوي يحب المؤمن القوي ، وهو أحب إليه من المؤمن الضعيف ، حتى يحب أهل الحياء ، جميل يحب أهل الجمال ، وتر يحب أهل الوتر .
ولو لم يكن في الذنوب والمعاصي إلا أنها توجب لصاحبها ضد هذه الصفات وتمنعه من الاتصاف بها لكفى بهاعقوبة ، فإن الخطرة تنقلب وسوسة ، والوسوسة تصير إرادة ، والإرادة تقوى فتصير عزيمة ، ثم تصير فعلا، ثم تصير صفة لازمة وهيئة ثابتة راسخة ، وحينئذ يتعذر الخروج منهما كما يتعذر الخروج من صفاته القائمة به .