غض البصر
بقلم: د.أحمد شاهين
أولاً التحذير من إطلاق البصر
إطلاق البصر سببا من أسباب فتنة المسلم فى دينه، وهو سبب فى وقوع الإنسان فى الهوى وتبعاته، وهو من أخطر المعاصى التى يقع فيها كثير من الناس، وهم لا يعلمون.
ولذلك جاء الأمر القرآنى بالوجوب فى الغض من الأبصار، قال تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) .
فالنظر بريد الزنى، لذلك ذكر الله حفظ الفرج بعد غض البصر، لأنه سبب له، ومقدمة للوقوع فيه. وختم الله الآية بقوله تعالى: (ذلك أذكى لهم) أى طهارة ونقاء للقلوب والنفوس.
إن الله تعالى نهى النساء عند المشى، بأن لا يضربن بأرجلهن، سواء كان بالحذاء أو بالخلخال، حتى يسمعن الرجال، فيلفتن الأنظار، قال تعالى: (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) .
وأجمعت الأبحاث على أن المؤثرات الخارجية وأهمها البصر-اللمس- الشم-السمع- على الترتيب هى التى تتحكم فى إنطلاق الإثارة الجنسية، وأن إفراز الهرمونات الجنسية التى تحفز السلوك الجنسى تأتى تبعا لذلك.
فالصورة تمر من العين إلى المخ، فتحدث تغيرات فى وظائف الجسم المختلفة، وكذلك الرائحة والصوت، تمر من الأنف والأذن إلى المخ، وتحدث تغيرات فى الجسم، فيشعر الانسان بعدم الاستقرار والاضطراب. ولما كان التمادى فى البصر، وتكراره يوقع العين فى الزنا، فجاء التحذير النبوى فى الحديث قال صلى الله عليه وسلم: " العينان تزنيان وزناهما النظر" .
وإطلاق النظر الحرام مدخل من مداخل الشيطان، حيث يتلذذ الإنسان بالنظر إلى محاسن المرأة، دقائق معدودة، ثم يتألم بعد ذلك، وقد يقوده ذلك إلى الحرام.
قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر) . وفى الحديث: "ما تركت بعدى فتنة أضر على الرجال من النساء" .
فالشيطان دائما يجعل صورة المرأة عند الرجل موضعا لتحريك فكره وغريزته، فجاء التحذير النبوى فى ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: “إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه" .
فالنظرة تولد الخطرة، والخطرة تولد الفكرة، والفكرة تولد الشهوة، والشهوة تولد الإرادة، والإرادة تولد العزيمة، والعزيمة تولد الفعل، والفعل يولد الطبع.فكن على حذر من الخطوة الأولى وهى النظرة المحرمة. قال الشاعر:
نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء فمصيبة.
فكان ما كان مما أنت تعرفه فظن شراً ولا تسأل عن الخبر
ولقد أمرنا النبى صلى الله عليه وسلم أيضا بإعطاء الطريق حقه، وقد سئل: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر".
من آثار إطلاق البصر
1-التعرض لنزول البلاء
قال الإمام على رضى الله عنه: "ما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة".
وفى الأثر أيضا "إن العبد لا يحرم الرزق بالذنب يصيبه" .
2- نسيان العلم
لأن العلم نور من الله والمعصية ظلام فى القلب ولا يجتمع النور والظلام فى موضع واحد، وأنشد الشافعى رحمه الله:
شكوت إلى وكيع سؤ حفظى
- فأرشدنى إلى ترك المعاصى
وأخبرنى بأن العلم نور
- ونور الله لايهدى لعاص
3- فساد القلب
وهم محل الإيمان ومحل نظر الله من العبد، فالنظرة تفسد الإيمان فى القلب كما يفسد السهم الرمية، فإن لم تقتله جرحته. قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: (وقد جعل الله ـ سبحانه ـ العين مرآة القلب، فإذا غضّ العبد بصره، غضّ القلب شهوته وإرادته، وإذا أطلق بصره، أطلق القلب شهوته).
ثانياً- فوائد غض البصر
كل عضو له تمام ونقصان، وتمام العين البصر، ونقصانها فى العمى، والبصر نعمة من أعظم النعم، لا يعرف قيمته إلا من فقده، لذلك يجب أن يستخدمه الإنسان فى النظر إلى ما أحل الله، وليس إلى ما حرم الله. ومما يعين على غض البصر ما يأتى:
1-التحصن بتقوى الله -عز وجل- والخوف من غضبه وعذابه فى الدنيا والآخرة، قال تعالى (ومن يتق الله يجعل له مخرجا)
2-استشعر المراقبة والمحاسبة من الله تعالى فى كل نظرة من نظرات العين، حيث يقول: (إن الله كان عليكم رقيبا)
وقال تعالى: (يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور) فالله هو وحده الذى يعلم الخفايا والطوايا، ويعلم يفكر فيه الانسان، وما حوله من الناس لا يشعرون به.
وأن يستشعر أن الجوارح كلها محل سؤال من الله يوم القيامة، والله يقول: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً)
3- دفع الوساوس والخواطر السيئة قبل أن تتحول إلى عزم أو فعل: وذلك بمجاهدة النفس وقطعهاعن الاسترسال والتمادى فى النظر الحرام (والصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده) وتوجه النبى صلى الله عليه وسلم بالنصيحة إلى سيدنا على-رضى الله عنه- ليحفظ له إيمانه وتقواه، حيث إن إطلاق النظر يذهب الإيمان، ويضعف التقوى، فقال يا على: "لا تتبع النظرة النظرة، فإن الأولى لك والثانية عليك"
وسئل النبى صلى الله عليه وسلم من نظرة الفجأة فقال: اصرف بصرك" .
4- الاستعانة بالزواج المبكر، أو الصوم فإنهما وقاية من الانحراف: وفى الحديث“إذا أحدكم أعجبته امرأة فوقعت في قلبه، فليعمد إلى امرأته فليوقعها، فإن ذلك يرد ما في نفسه".
وقال فى الحديث: "ومن لم يستطع –أى الزواج- فعليه بالصوم فإنه له وجاء" أى وقاية من المعاصى لأنه يضعف أثر الطعام فى الجسم فيكون الإنسان هاد ئ النفس.
5- الخوف من سوء الخاتمة أو الموت على المعصية: وفى الحديث: (يبعث كل عبد على ما مات عليه) فلماذا لا يتخيل الإنسان أنه قد يموت على معصية ولا يتوب منها فيضع نفسه فى حرج أمام الله يوم القيامة.
6- مصاحبة الأخيار والصالحين والبعد عن الأشرار ومجالسهم فطبائع الناس يعدى بعضها بعضاً بالمعاشرة والمخالطة قال تعالى: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه) وفى الحديث: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل"
7- الاستعانة بالله من خلال الدعاء المستمر فالعبد الصالح هو الذى يطلب الحماية من سيده بأن يحفظه من الفتن ما ظهر منها وما بطن ومن الأدعية المأثورة "اللهم عافنى بدنى اللهم عافنى فى سمعى اللهم عافنى فى بصرى" .
من فوائد غض البصر:
1-يورث القلب نوراً واشراقاً وقوة وشجاعة وسروراً وفرحاً وينعكس هذا النور على الجوارح والأعضاء ولذلك المتقين هم أحسن الناس وجوهاً.
2- يورث صحة الفراسة، قال أحد الصالحين: (من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة، وغض بصره عن المحارم، وكف نفسه على الشهوات وأكل من الحلال لم تخطئ فراسته).
3- يورث محبة الله تعالى ومرضاته والحياة الطيبة، والله تعالى يقول: (فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى)
4- تذوق حلاوة الإيمان، فإذا كان إطلاق النظر يذهب الإيمان، ويضعف التقوى، فإن العكس صحيح، والمحافظة عليه يقوى الإيمان والتقوى، وفى الحديث: (ما من مسلم ينظر إلى محاسن امرأة ثم يغض بصره إلا أحدث الله له عبادة يجد حلاوتها في قلبه) .
فثمرة المجاهدة أن يستشعر حلاوة الإيمان (ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه)
5- دخول الجنة: ولقد ضمن الرسول صلى الله عليه وسلم الجنة لمن تحكم فى جوارحه، وحافظ عليها من الآفات المحرمة، فقال: (اضمنوا لى ستاً من أنفسكم أضمن لكم بهن الجنة، اصدقوا إذا حدثتم، وأدوا إذا أؤتمنتم، وأفوا إذا واعدتم، وغضوا أبصاركم، واحفظوا فروجكم، وكفوا أيديكم) .
إن القوة والرجولة الحقيقية هى أن يكون الإنسان متحكماً فى غرائزه وشهواته، وليست هى التى تتحكم فيه، وأن لا يضع نفسه فى موضع يلام عليه، وأن يكون يقظاً من مداخل الشيطان، فلا يترك له ثغرة، ينفذ منها إلى إيمانه وقلبه وتقواه، كما أن مجاهدة النفس والشيطان، أشد من مجاهدة الأعداء والخصوم، والله تعالى يقول: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)
نسأل الله أن يعيننا على حفظ الجوارح،وأن يحفظنا من الذنوب والمعاصى ما ظهر منها وما بطن.