سينفقونها وستكون عليهم حسرة
بقلم : ياسر سعد
جاء حفل افتتاح دورة الآلعاب الاسيوية "التاريخي" وغير المسبوق بعد أهدار ما يزيد عن 2.8 مليار دولار ما بين الإعداد والتجهيز والإنفاق، من دولة تنتمي لأمة تقبع في ذيل قائمة الأمم من الناحية العلمية والصناعية ولا يتعدى دورها (الامة بأسرها) على الساحة السياسية اقليميا وعالميا دور المتفرج بل والمتلقي للصفعات المهينة والاهانات المرة وبشكل لا يكاد ينقطع. فيما الحريق العراقي يكاد يمتد الى دول الجوار ببؤسه وويلاته وفظائعه، وفيما الجوع يفتك بمئات الملايين من العرب والمسلمين إما نتاج حروب ظالمة او فساد اقتصادي مزمن او حصار جائر او مجاعات مهلكة –كالنيجر- مثلا، جاء الحفل صارخا في استفزازيته وجارحا لمشاعر عموم أبناء الأمة في إسرافه وتبذيره. حفل الافتتاح المبهر للانظار واللافت قطعا في بذخه مع الاستعانة بطبيعة الحال بالخبرات الاجنبية في إهدار المليارات يشكل حلقة جديدة في مسلسل نازف ومستمر يتواصل على الأمة مستهدفا إمكانياتها وقدراتها وعابثا بأولوياتها.
وإذا كان للذين نظموا الدورة هدفا رئيسيا يتمثل في لفت الأنظار ونيل الثناء البشري والحصول على المديح في انجازات صورية تؤخر ولا تقدم، فإن ما كان للأقدار أمرا آخر، فلم تكمل الدورة يومها السادس حتى خيم الحزن على المشاركين فيها بسبب وفاة الفارس الكوري الجنوبي كيم جونغ، وذلك خلال سباق الضاحية ضمن منافسات الفروسية في الدورة ، وفاة الفارس كان كبذخ حفل الافتتاح أمر غير مسبوق بالدورات السابقة. بدورهم لم يصمت الكوريون، إذ سرعان ما اتهم رئيس اللجنة الاولمبية الكورية الجنوبية كيم جونغ كيل، الجوانب التنظيمية بالتسبب في الحادثة تلميحاً لا تصريحاً، حين قال في مؤتمر صحافي: "لدينا شكوك حول برنامج المسابقة المزدحم والإرهاق الذي يصيب الجياد، وعلى اللجنة المنظمة للألعاب والاتحاد الآسيوي للفروسية أن يتنبها لهذه الأمور". وطالب كيل بتحقيق كامل لمعرفة أسباب وفاة كيم قائلاً: «اجتمعنا مع المسؤولين واتفقنا على ضرورة إجراء تحقيق شامل لمعرفة سبب الوفاة»، مضيفاً: «نريد معرفة ما اذا كان المطر سبباً في ذلك أم هو سوء إدارة المسابقة. كما أعلن الكوريون الانسحاب من المنافسات التي تنتهي في الـ12 من الشهر الجاري.
القطريون اكتفوا بنقل التعازي لأسرة الفارس وللكوريين، عن طريق الناطق باسم اللجنة المنظمة العليا لألعاب الدوحة 2006 أحمد عبدالله الخليفي، وكذلك المدير العام للمجلس الأولمبي الآسيوي حسين المسلم، اللذين أبديا أسفهما وحزنهما لوفاة كيم، وهكذا تبدل فرح المنظمون حزن وآسفا رغم الإنفاق الباذخ والإعداد الأسطوري مع التذكير بأن وفاة الفارس الكوري، سبقتها وفاة متطوعة هندية تعمل في الدورة في حادثة سير في أحد شوارع الدوحة.
في جانب اخر اعترف منظمو الدورة، بالتقصير الأمني خلال المباراة التي خسرها منتخب بلادهم أمام أوزبكستان حيث رمى المشجعون القطريون الغاضبون الزجاجات الفارغة على أرضية ملعب السد عقب انتهاء المباراة ، احتجاجا على إلغاء الحكم هدفا لبلادهم لاعتباره إن صافرة نهاية الشوط الأول سبقت تسجيل الهدف، وأمطر المشجعون الغاضبون اللاعبين بالزجاجات الفارغة. من جهته اعترف احمد الخليفي المتحدث باسم اللجنة المنظمة أن هناك بعض التقصير من رجال الأمن المسئولين عن التأكد من عدم إدخال الجماهير المأكولات والزجاجات إلى الملعب، مضيفا "اللجنة الأمنية الخاصة بالدورة تحقق ألان بالحادث في سعيها للكشف عن المشجعين المتورطين ونحن ندين هذا النوع من التصرفات، نحن غير معتادين على هذه التصرفات في قطر ونطلب من الناس ان يكونوا مضيافين وان يظهروا الاحترام للمشجعين والرياضيين"، وأردف "لكن المشكلة في إستاد السد إن المتفرجين قريبون جدا من أرضية الملعب".
المطر كان غزيرا في أمسية الافتتاح كما تدخل عدة مرات ليتسبب في تأجيل بعض المنافسات في دورة الألعاب "التاريخية"، فقد تسببت الأمطار الغزيرة في تأجيل نهائي مسابقة كرة المضرب لمنتخبات الرجال بين اليابان وكوريا الجنوبية. كما تأجلت مسابقات السوفت تنس وسباق الضاحية والفروسية. فيما أشار المسئولون القطريون أن نسبة الأمطار التي هطلت خلال سبعة الأيام تعتبر معادلة لـ42 عاما في بلد لا تتجاوز فيه نسبة هطول الأمطار 75 مم سنويا. كما تسببت الأمطار الغزيرة في الأسبوع الأول من منافسات الدورة بتسرب المياه من سطح مجمع أكاديمية التفوق الرياضي "أسباير" مما تسبب بتعطيل أحد الملاعب المخصصة للبادمنتون.
من جهة أخرى طالبت اللجنة المنظمة للدورة اللجنة الأولمبية الهندية باعتذار فوري وغير مشروط من الرامي الهندي راجي أفاردهان سي راثور بسبب ادعاءاته غير المبررة والخارجة عن السياق خلال المنافسات حسب المنظمون. وتأتي شكوى اللجنة المنظمة بعد الاحتجاجات التي أطلقها الرامي عند ذهابه إلى ميدان الوسيل للرماية لبدء تدريب غير مدرج ضمن الجدول المخصص له. وأوضحت رسالة اللجنة أنه لم يتم منع الرامي راثور من الدخول كما زعم، لكنه أراد التدريب خلافا للقوانين وذهب إلى مجمع الرماية للتدريب على الرغم من قرار المجلس الأولمبي الآسيوي بالسماح للرماة بالتدرب وفق الحصص المقررة لتوفير فرصة عادلة للتنافس بين جميع الرياضيين. وأضافت أن سلوكه العدواني وتعليقاته الفظة ضد المتطوعين والمسئولين كانت بعيدة كل البعد عن الروح الرياضية وغير مقبولة إطلاقا والادعاءات التي أطلقها باطلة. إخفاقات كثيرة وشكاوى مريرة وحوادث ماسآوية رافقت الدورة التي صممت لتكون تاريخية في بذخها والإهدار المالي عليها. ترى كيف سيكتب التاريخ سيرة هذه الأمة في هذا العصر؟ وكيف ستقرأ الأجيال القادمة هذا التاريخ؟ وهل سننضم بحقبتنا إلى الصفحات السوداء من تاريخ الأمة جنبا الى جنب مع ممالك الطوائف في الأندلس وغيرهم من المتخذلين والمتهافتين؟ وأين هم علماء الأمة ومفكروها من هذا الاعتداء الصارخ على مقدراتها وإمكانياتها ومستقبل أجيالها؟.
المصدر
- مقال:سينفقونها وستكون عليهم حسرةموقع:الشبكة الدعوية