سنن الله في كونه ماضية إلى يوم القيامة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
سنن الله في كونه ماضية إلى يوم القيامة


بقلم : مأمون الهضيبي

رسالة من المستشار محمد المأمون الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين

الحرب الأمريكية الوحشية على العراق تزداد وحشية.. وتهدف إلى السيطرة على كافة ديار وأراضي العراق، وقد وصلت الوحشية في التعامل مع الشعب العراقي من البصرة حتى بغداد في الوسط إلى الموصل في الشمال، إلى مستوى التدمير الشامل لمظاهر الحياة وأسبابها في إبادة همجية للشعب الأعزل، ودون اكتراث بالرعب والذعر وقد سيطر على الأطفال، أوانتهاك حرمات النساء داخل البيوت، ينهال عليها القصف أو يقتحمها جنود الغزو بالسلاح والإرهاب.

صواريخ أمريكا.. وقنابل طائراتها.. رصاصات جنودها تنهال بشكل متواصل على كافة المدن والقرى، مع فرض الحصار حولها بعد تخريبها وتدميرها؛ ليعانى أهلها العزل المذعورون.. الجوع والعطش وغطرسة ووحشية جنود الغزو.. وهم ينشرون الهلع والخوف مع القتل والإبادة.

لقد اعتمدت الحرب الأمريكية على العراق أسلوب القوة والبطش،.. بعد أن احتلت المصالح والأهداف والغايات الأولوية وحظيت بكل الاهتمام.. على حساب قيمة الإنسان في عالمنا العربي والإسلامي، وقد استبيح دمه وحرماته.. وصودر حقه في الحياة دون التزام من قريب أوبعيد بقيم أومُثل.

وحتى يعلن الذين شنُّوا الحرب الظالمة الطاحنة على شعب العراق أنهم قد حققوا النصر، شددوا الحصار الأمريكي مع القصف الوحشي لبغداد.. وواصلوا التدمير والتخريب في ديارها ومساكنها ومؤسساتها.. كما واصلوا سفك دماء أبناء الشعب العراقي فيها بهدف اقتحامها والاستيلاء عليها.... مع مواصلتهم الاستهزاء بعقول الأحرار والشرفاء على ساحة العالم حين يظلون مصرّين على أنهم إنما يسعون لتحرير شعب العراق.. وإعادة الإعمار والتأكيد على تدمير كافة أسلحة الإبادة الشاملة المزعومة.

لكن – لا سمح الله - إذا تغلبت عجلة الحرب الأمريكية وآلتها الرهيبة.. واستطاعت جحافل الغزاة أن تدخل بغداد.. وغير بغداد.. واستطاعت أمريكا بعد أن نحَّت القيم والمثل.. وغلبت عليها المصالح في أجواء التمزق والتراجع العربي الذي وصل إلى مستوى العجز والتخاذل، فهل يعني ذلك نهاية المعركة أوالوصول إلى نهاية المطاف؟!!

حقائق تطرح نفسها

إن ثمة حقائق تفرض نفسها بعد ما يزيد على العشرين يومًا من الحرب الوحشية على العراق، وهي حقائق نودّ ألا تغيب عن الأذهان، سواء أذهان الذين شنّوا الحرب الظالمة الوحشية على شعب العراق أوالذين أصابهم الوهن.. وحلّت أو أحلّوا في صفهم الفرقة.. وجافوا أو عزفوا عن وحدة الصف والكلمة وتوحيد الطاقات والإمكانات والجهود.. وغلّبوا مصالحهم الذاتية على مصالح الأمة.. وأرهبتهم قوة الذين زحفوا على الديار مدججين بكافة أسلحة القهر والبطش.. وتناسَوا أوغفلوا عن سنن الله في خلقه وكونه، وهو القائل سبحانه: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ*وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآَخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ* قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أولَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ* فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ*وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلاَ يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ* فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِين)َ (القصص:76-81)، أوقوله وهو الصادق عز وجل (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ* إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ* الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاَدِ* وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ* وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَادِ* الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلاَدِ* فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ* فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ* إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) (الفجر:6-14).

ثمة حقائق تفرض نفسها اليوم.. نحسب ونرجو ألا تغيب عن أذهان الذين تولّوا الحكم والسلطة في ديار العرب والمسلمين.. وكان ومازال لهم الصولجان والسلطان.. وصار لديهم المنفذون والمؤتمرون، وتحت أيديهم الخزائن ومصادر الثروة.. فلم يعتمدوا سياسة رشيدة.. تنهض بالأمة إلى مستوى العصر علمًا وبحثًا وتقدمًا بما يوفر لها السلاح الفاعل الذي تدافع به عن نفسها.. وترد به العدوان عن أرضها.. وتحرر مقدساتها.. وتؤكد به عزتها وكرامتها.. وتمارس به ومن خلاله دورها الريادي على مستوى تأكيد السلام الصحيح، والأمن والحرية حقًا فطريًا منحه الله لكافة عباده على اختلاف الأجناس والألوان.. وألزمهم الدفاع عنه وعدم التفريط فيه أوالتحكم والمتاجرة به أومصادرته والعدوان عليه.

من هذه الحقائق:

1) أن العراق وبغداد تعرضتا لأكثر من هجمة بربرية وحشية من قبل، كما تعرضت مدن وديار وأقطار عربية وإسلامية أخرى، وطرقت أبوابها أواجتاحتها جيوش جرارة.. كالتتار والصليبيين...لم تلتزم قيمًا أو مثلاً في التعامل مع الإنسان في العراق أوغير العراق.. بل سيطر على سلوكها منطق القوة والهيمنة.. فسفكت أنهار الدماء في شوارع بغداد!، واقتحمت المساكن على الحرائر!!، واستلت السيوف في حمق لتجتز رقاب الأبرياء!!، ولم يرْعَ الذين اجتاحوا بغداد أوغير بغداد عهدًا أوذمة.. بل بلغت بهم الهمجية حد عبور دجلة التي تخضبت مياهه بدماء الألوف من أبناء بغداد على كتب العلم والمعرفة، بعد أن أفرغوا مكتبات بغداد في مياهه.

2) أن الأيام دول... والمعارك قادمة.. خاصةً وأن طبائع وشيم هذه الأمة التي لم تعرف الاستسلام لأجنبي بالأمس، لا تعرف الرضوخ لأمريكي اليوم؛ لأنه سرعان ما تستيقظ روح الجهاد في الأمة.. وتتحرك في نفوس أبنائها معاني ومعالم العزة التي جعلها الله من صفاتها، وأمرها الحفاظ عليها والموت دونها حين قرن عزتها بعزته في قوله سبحانه (وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) (المنافقون: من الآية8)، ومن ثَم فقد ردت بغداد وغير بغداد المعتدين.. وتهاوت قبضة الغاصبين وارتفعت أعلام الحرية والأمن.

3) أنه حينما تكون الغفلة عن شرع الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-.. ويكون التهاون فيما فرض الله من فرائض وأوجب من واجبات، وسنّ من سنن في كونه، ويكون السعي من أجل كسب رضا أو دعم الأجنبي مصحوبًا بالخشية من قوته وسطوته، وتجنب غضبه وسخطه.. إضافةً إلى تغليب مصالح الحكم وتهميش أوتغييب مصالح الشعوب.. مع إفساح المجال للفساد والمفسدين، وغض النظر عن الظلم والظالمين، ومصادرة الحريات وملاحقة ومطاردة الدعاة، بل وتعليقهم على المشانق، وإغلاق الآذان، دون سماع النصيحة وإفساح الصدور للناصحين.. يحلّ الضعف والتراجع والتخاذل، وأسباب النصر، وتسيطر عوامل الانهزام، مما يغري المتربصين على اجتياح الديار ومصادرة حق أصحابها في الأمن والحياة.. والاستيلاء على مصادر الثروات.. وتنفيذ ما على أجندة السياسات الأمريكية وغير الأمريكية من أهداف وغايات.

4) أن الحرب الأمريكية الوحشية على العراق هي معركة في مسلسل الصراع بين الحق والباطل، وهو صراع بدأ منذ آدم عليه السلام.. ومستمر حتى قيام الساعة، وهو صراع محسوم للحق، وقد أبان الحق -تبارك وتعالى- لعباده أسباب وعوامل نصرة الحق يوم أن رسم من خلال قرآنه الكريم، ومن خلال سنة نبيه الأمين -عليه الصلاة والسلام- دور هذه الأمة فقال سبحانه: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران:110)، وقوله سبحانه (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)(سورة البقرة:143) لقد حدد الله للأمة مكانها ودورها.. كما فرض عليها من الفرائض وأوجب عليها من الواجبات.. ما جعلها بالأمس- وحري أن يجعلها اليوم- في مستوى الدور العقائدي والقيمي والحضاري المنوط بها.. وحسم سبحانه القضية في قوله(فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأمْثَالَ) (الرعد: من الآية17)، وفي قوله سبحانه (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة: من الآية40)، ومن ثَم فالباطل لا يتحرك ويعتدي ويوغل في العدوان إلا في غفلة أهل الحق عن واجبهم.. ودورهم، ولعل من آثار الحرب الأمريكية رغم وحشيتها بالنسبة لأهل العراق وغير العراق.. أنها حرّكت الإيمان في القلوب والنفوس.. وهزّت ملايين القلوب التي غشيتها الغفلة؛ لتستيقظ على حقيقة ما يجري في العراق وما سيجري في غير العراق، لو طال الرُكون إلى الغفلة، أو تأخر استيقاظ القلوب والعقول.

6) أن الألوف من العرب والمسلمين الذين هزّتهم نداءات الجهاد.. فأقبلوا متدفقين على أماكن التطوع، في استعداد للتضحية بالنفس وما يملكون، باحثين عن سبيل للرحيل إلى العراق؛ لنصرة شعبه العربي المسلم في محنته.. مثل فتاوى علماء المسلمين تنبعث من الأزهر، ومن أكثر من قطر عربي.. تتردد في أجواء عالمنا العربي والإسلامي تعيد إلى الأذهان دور العز بن عبدالسلام، الذي حرّك الأمة ودفعها لمواجهة وسحق التتار في عين جالوت.. ومثل الأذان ينبعث من مآذن بغداد وهي تتعرض للقصف الوحشي يفجِّر الإيمان ويبعث السكينة والعزم والشجاعة في قلوب أهل بغداد في مواجهة القذائف والصواريخ والطائرات التي تواصل قذف بغداد؛ لتؤكد أن الله أكبر من كافة الطغاة ومن كافة الظالمين.. وأن الركون إلى جانبه والعمل بما فرضه وأوجبه إنما يحقق المنعة والغلبة والنصر، كما يذكر الذين يحملون السلاح في مواجهة البغاة دفاعًا عن أرض الإسلام، وذودًا عن أعراض أبناء الشعب العراقي وأمنهم وديارهم، وفي نية خالصة تبغي رضا الرب ونصرته، بأنهم بالغون الغاية.. على أحد وجهيها: إما النصر، وإما الشهادة، وكلاهما انتصار للحق، وصدق الله القائل (إِن تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد: من الآية7).

7) أن صمود أبناء الشعب العراقي الصادقين-الذين حملوا السلاح انتصارًا للحق، ودفاعًا عن الدين والأرض والعرض، مرددين صيحات وشعارات الجهاد، مخلصين النية على نصرة الحق وحده- إنما هو صمود يجسِّد موقف الشعوب العربية والإسلامية.. فقد هبت ملايينها في كافة الأقطار تطالب بفتح باب الجهاد؛ لنصرة شعب العراق. ونادت وتنادي حكامَها بالارتفاع إلى مستوى الخطر الأمريكي الداهم، الذي يسعى لإلحاق الدمار بالأمة.. وعقيدتها وأرضها وبأن ينفضوا ثوب التراجع والتخاذل.. ويشحذوا الهمة والعمل والجهد لتوحيد الصف، وفي إخلاص للنية والوجهة مسارعين لرفع المظالم بتحكيم شرع الله -عز وجل-؛ ليعم العدل والإنصاف ويزول الفساد، ويتلاشى التخلف والجهل، ويسود العلم والمعرفة، وليتحقق التقدم والتفوق.. وحشد كافة الإمكانات والموارد؛ لتحقيق أهداف وغايات الأمة.. وعزها ومنعتها.. مع تسخير أجهزة الإعلام والثقافة؛ لحفز الهمم وإنهاض العزائم في تأكيد للأصالة والهوية وترسيخ وتعزيز القيم والمثل، وإلا فالطوفان يهدد الجميع، والفتنة لا تصيب فقط الظالمين.

أحسب أن الحرب الأمريكية على العراق- وقد حفّزت الشعوب فأعلنت غضبتها وعرفت وحددت مطالبها من الأنظمة الحاكمة- ستترك ولا شك بصماتها على المستقبل مثل حرب فلسطين، إن لم تتفاعل النظم مع مطالب وتطلعات الشعوب.. وتتجاوب مع غضبتها وثورتها فتسارع بإعادة ترتيب البيت.. وتمديدها للشعوب في تعاهد على إعادة البناء على أساس من الإيمان في القلوب.. وتطبيق للشرع عبر الجوارح.. وفي السياسات والتوجهات مع توطيد الثقة وتوثيق الروابط.

بعد أن سقطت المزاعم

لقد سقطت المزاعم الأمريكية، وافتضحت دعاوى تحرير شعب العراق.. كما تأكد زيف مزاعم أسلحة الدمار الشامل، التي ظلت أمريكا ترددها وهي تدمر وتخرب مدن وقرى العراق وتقتل وتغتال شعبه.. كما افتضحت مزاعم إعادة الإعمار حين بدأت أمريكا تدك كافة أرجاء العراق بصواريخها، وتهلك الزرع والضرع، ثم عادت لتعلن على لسان مسئوليها أن إعمار ما خربته حربها على العراق سيكون من بترول العراق وعلى حساب العراق.

لقد وضح للرأْي العام العالمي مدى زيف الدعاوى والمزاعم حين أفصح الأمريكيون عن المخططات الأمريكية إزاء تعيين جنرالات وإدارات أمريكية لحكم العراق تحت رماح قوات الاحتلال الأمريكية، أو حين بدأ الأمريكيون في توزيع الأسلاب والمغانم من خلال عقود إعادة الإعمار.. أومن خلال الاستيلاء على البترول العراقي واستغلاله بواسطة شركات أمريكية.

وأخطر من هذا وذاك ما نراه من علامات ومؤشرات تؤكد الالتقاء الأمريكي الصهيوني حول تفريغ الضفة وغزة من شعبها الفلسطيني بتهجيره قسرًا إلى العراق، في إطار مشروع أمريكي صهيوني معدّ سلفًا لوضع نهاية للقضية الفلسطينية، ومن ثَم يتم إغلاق الملف وإكمال التصفية.

المذابح والمجازر الأمريكية في العراق توازي المذابح والمجازر الصهيونية الوحشية في فلسطين، والتي دخلت عامها الثالث... هدم وتدمير القرى والمدن في العراق.. يوازيه هدم وتخريب المدن في فلسطين، الحصار الأمريكي الخانق حول مدن العراق مع اجتياحها بقوات تبطش وتنكل بالعزل الأبرياء وتنتهك الحرمات.. يوازي الحصار الصهيوني الخانق على الشعب الفلسطيني، ودفعه بقوات مجرمة تنكل وتبطِش بالأشقَّاء الفلسطينيين العزَّل وتنتهك الحرمات.

التصريحات التي يطلقها الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء البريطاني بتحريك عملية السلام- والسعي لإيجاد تسوية في الشرق الأوسط وبعث ما يسمى بخريطة الطريق، وأنها صارت على وشك التنفيذ، وأن الدولة الفلسطينية تحتل مكانها في الذهن الأمريكي والذهن البريطاني- ليس إلا محاولة لتهدئة الخواطر.. أو تسكين الغضب العربي والإسلامي على المستوى الشعبي، الذي تضاعَف ويكاد ينفجر بعد بدء الحرب الأمريكية على العراق، وليس تصريح وزير الخارجية الأمريكي ببعيد حين قال: 'إن وضعًا أمريكيًا جديدًا في العراق.. يخدم مصلحة وسلام الكيان الصهيوني'.

إنها محاولات لتمرير وتسويق الحرب على العراق.. كما تأتي في إطار الانحياز الأمريكي السافر للكيان الصهيوني، ودعم أمريكا وتبنيها لخططه الهادفة إلى دفع الشعب الفلسطيني في الضفة لهجرة أرضه..

ولو كانت ثَمة مصداقية تتمتع بها السياسة الأمريكية أوالبريطانية لما كان هناك هذا الصمت الأمريكي إزاء المذابح الصهيونية، التي تجتز رقاب إخواننا الفلسطينيين في غزة والضفة بأسلحة الدمار الأمريكية..

إن المذابح الأمريكية التي تجتزّ رقاب أبناء الشعب العراقي في العراق.. تفضح حقيقة السياسة الأمريكية إزاء العراق.. كما تفضح أسلحة الدمار الأمريكية التي يستخدمها الصهاينة في اجتزاز رقاب الشعب الفلسطيني-وهذه هي السياسة الأمريكية إزاء القضية الفلسطينية- فهل يستيقظ حكامنا على الحقائق، ويتجاوبون ويلتقون مع شعوبهم.. وينصرون الله؛ لينصرهم، ويستجيبون له فيزودون عن أرضهم وأوطانهم وشعوبهم ودينهم، وقد دهمها وأوشك أن يجتاحها الخطر الأمريكي؟! متذكرين قول ربهم (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِير)ٍ (الشورى:47).

المستشار/ محمد المأمون الهضيبي
المرشد العام للإخوان المسلمين
القاهرة: 8 من صفر 1424هـ
الموافق 10/4/ 2003م

المصدر