رحم الله قوم نوح

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
رحم الله قوم نوح


بقلم : محمد فتحي النادي

لقد أصبح اتخاذ التماثيل في الميادين العامة في بلاد المسلمين أمرًا غير مستنكر؛ لأن ذلك يتم بإذن من الدولة وتحت رعايتها وإشرافها، ومن خلال وزارات الثقافة وصناديقها التنموية التي هي من أموال الشعوب ومدخراته،وبدلاً من استثمارها في المشاريع الثقافية النافعة تنفق على التماثيل والأحجار.

وبعد أن كانت تتباهى المدن بأنها مدن المساجد والمآذن وأنها مدن الألف مئذنة، أصبح من الجائز أن يطلق عليها مدن الألف تمثال ومئذنة.

والأدهى من ذلك أن هذه التماثيل لأهل الظلم والفسق والبدع الذين ضلوا وأضلوا، وغرست تماثيلهم في الميادين لإشعار الشعوب أنهم أصحاب الريادة والقدوة، وأنهم الأسوة التي يجب أن يحذوها حذو القذة بالقذة.

ولو كانت هذه التماثيل مثلاً لأهل العلم النافع لكان الخطب أسهل إلا أننا أبينا ذلك، ونحينا منحىً خطرًا على العقيدة السليمة والفطرة السوية.

فمن أراد أن ينافق حاكمًا ظالمًا سول له صنع تمثال له بدعوى تذكير الشعب بجهوده وإنجازاته، نعم كانت له جهود وإنجازات لكنها في قمع الشعب، والفتك به.

ولقد نعى الأستاذ سيد قطب منافقة الحكام؛ فقال:

هبلٌ...هبلْ

هبـلٌ...هبل رمز السخافة والدجل

من بعد ما اندثرت على أيدي الأبــــاة

عادت إلينا اليــــوم في ثوب الطــــــــــغاة

تتنشق البخور تحرقه أساطيــــر النفاق

من قيدت بالأسر في قيد الخنا والارتزاق

وثن يقود جموعهم...يا للخجــــــــــــــل

هبلٌ...هبلْ

رمز السخافة والجهالة والدجـــــــــــــــــل

لا تسألن يا صاحبي تلك الجمــــــــــــــــوع

لمن التعبد والمثوبـــــــــة والخضــــــــــــــــــوع

دعها فما هي غير خرفان...القطيـــــع

معبودها صنم يراه...العــــــم ســــــــــام(ديوان سيد قطب، جمعه ووثقه وقدم له: عبد الباقي محمد حسين، دار الوفاء، المنصورة، الطبعة الأولى، 1409هـ-1989م، ص(289) )

ومن أراد أن ينشر الرذيلة على أنها الفضيلة، والإسفاف على أنه العفاف، والعفن على أنه الفن، والردة على أنها التنوير، قام بنشر هذه التماثيل لمن يمثلون هذه الاتجاهات المأفونة.

فإذا حاولنا المقارنة بين حالنا وحال السابقين، لقلنا: رحم الله قوم نوح، فهم لما اتخذوا أصنامًا للعبادة لم تكن هذه التماثيل إلا لقوم صالحين بلغوا القمة في العبادة والتقى، فأرادوا أن يسيروا على نهجهم فسول لهم الشيطان أن ينحتوا لهم تماثيلاً لتذكر هذا النمط الصالح دائمًا، حتى غلب عليهم عبادة هذه الأصنام من دون الله، قال ابن كثير: \" وكان أول ماعبدت الأصنام أن قومًا صالحين ماتوا فبنى قومهم عليهم مساجد، وصوروا صور أولئك فيها ليتذكروا حالهم وعبادتهم فيتشبهوا بهم، فلما طال الزمان جعلوا أجسادًا على تلك الصور، فلما تمادى الزمان عبدوا تلك الأصنام وسموها بأسماء أولئك الصالحين ودًا، وسواعًا، ويغوث، ويعوق، ونسرًا\"( فسير القرآن العظيم: ابن كثير ، تحقيق: طه عبد الرءوف، مكتبة الإيمان، المنصورة، الطبعة الأولى،1417هـ-1996م، (3 / 264)).

أما في هذا العصر، فالتماثيل كما قلنا لشر خلق الله في الأرض، الذين يحاربون الله جهارًا نهارًا، فأي قدوة هم؟! وأي مثال يحتذى؟! حتى تكون لهم تلك المكانة، وهذا البروز.

ونحن لم يكن حديثنا على هذا الأمر من باب أن الأولى صنع تمثال لمن هم أولى ممن صنعت تماثيلهم، فالكل في ميزان الإسلام حرام؛ حيث جاء نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ الصور والتماثيل؛ فعن هشام ابن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن أم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة يقال لها: مارية، فذكرت له ما رأت فيها من الصور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: \"أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح أو الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله\"( أخرجه البخاري في كتاب \"الصلاة\"، باب: الصلاة في البيعة، ح (434)). وقال عمر : \"إنا لا ندخل كنائسكم من أجل التماثيل التي فيها الصور\"، وكان ابن عباس يصلي في البيعة إلا بيعة فيها تماثيل(صحيح البخاري بحاشية السندي، دار إحياء الكتب العربية، (1/87) ).

وهذا مجرد إعذار إلى الله من رجل فتت الغيظ حشاه مما وجد من انتشار التماثيل في المدن الإسلامية دون نكير من أحد، وكأن من ينادي برفع هذا الأمر يخاف أن يتهم بأنه من الرجعيين الذين لا يعترفون بالفن والجمال، ولكن مهما قال القائلون، وأرجف المبطلون، فإن هذا الأمر مما لا يقره شرع، وأن ما ينفق على هذه الأمور كان من الأولى أن ينفق على تلك الشعوب الكادحة.

تسيل جهود أو دمــاء نقيــة

لينصب تمثال؛ ويرفع منــــزل

وما نصب التمثال للكادح الشقي

وليس له في ذلك القصر موئل

ولكن قصاراه شراب ولقمـــة

ومأمله في ذلك الصلد مأكــل

( ديوان سيد قطب، ص(242))

وهذه التماثيل من باب التبذير والإسراف، قال تعالى:{إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ}( الإسراء:27).

وإذا كانت هذه التماثيل من عناوين النهضة والتقدم فبئست تلك النهضة وهذا التقدم؛ لأن ذلك ما هو إلا تقليد للغرب في أفعاله، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: \"لتتبعن سنن من قبلكم شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه\". قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: \"فمن؟!\"( أخرجه البخاري في كتاب \" أحاديث الأنبياء\"، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل، ح (3456)) .

المصدر