خطابات متبادلة بين المودودى ويهودية أسلمت !!!
مقدمة المترجم
"سأقوم بترجمة خطابات متبادلة بين يهودية أسلمت "مريم جميلة" ، ومولانا أبو الأعلى المودودي وذلك أثناء تحولها للإسلام ، وقد وجدت فى هذه الخطابات ثروة فكرية عن الدين الإسلامى وتفاعله قديما وحديثا مع البشرية ، فأردت ألا أحرم الناطقين باللغة العربية من هذه الثروة .
وسأنشر هذه المراسلات واحدة واحدة والرد عليها ، وهى تبلغ 22 خطابا ."
فورا بعد أن بدأت فى دراسة مطولة ومركزة
(وذلك فى سن 19 سنة) عن الأدب الإسلامى المتاحة صوتيا باللغة الإنجليزيةوذلك للحصول على معلومات دقيقة فى المقام الأول ، ماذا يعنى لى شخصيا أن أكون مسلمةوكذلك للحصول على تفاصيل أكثر لما يدور حاليا بالبلدان الإسلامية بأكثر مما يذكر فى الصحف والمجلات ، ولذلك بدأت فى التراسل مع درزينة من الشباب فى الدول العربية وفى باكستان .
ولم أستمر فى مراسلة كثير من هؤلاء أصدقاء القلم طويلا ، لأنى ضجرت منهم بسرعة وبمرارة لطريقة معيشتهم الغربية ولا مبالاتهم بل عداوتهم للإيمان بالإسلام وثقافته ، فى بعض الأحيان ، مع أفكارهم الطفولية .
وفى النهاية قررت التخاطب مع قادة المسلمين البالغين والمؤثرين ، خصوصا من بين العلماء .
وبنهاية عام 1960 تبادلت الخطابات مع "د. فاضل جمالى" مندوب العراق السابق بالأمم المتحدة ، و "د. محمود حب الله" رئيس المركز الإسلامى بواشنجتون ، والمرحوم "الشيخ محمد بشير الإبراهيمى" كبير علماء الجزائر ، والأب الروحى لصراع التحرير من السيطرة الفرنسية الإستعمارية ، و "د. محمد البابى" من الأزهر الشريف ، و "د. حميد الله" بباريس ، و "د. معروف الدواليبى" الخبير فى الشريعة الإسلامية ، وأستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة دمشق ورئيس الوزراء السابق بسورياو "د. سعيد رمضان" رئيس المركز الإسلامى بجنيف ، وقد حاولت جهدى الإتصال بالشهيد "سيد قطب"وقد كان ينفذ فى ذلك الوقت حكما طويلا بالسجن فى مصر .
وبالرغم من نشاطات المرحوم الشيخ "حسن البنا" وجماعة الإخوان المسلمين فقد حظوا بحظ وافر "بالطبع بصفة إنتقاصية" ، فى صحافة نيويورك ، إلا أن مولانا المودودى والجماعة الإسلامية لم يسترعوا الإنتباه من العلماء الأمريكيين والصحافة الأمريكية .
وتقريبا لعقد من الزمان ، كنت نهمة فى قراءة كل الكتب والنشرات عن الإسلام باللغة الإنجليزية التى أجدها ، ولكنى لم أقرأ شيئا عن مولانا المودودى ولا أعرف عنه شئ ولا عن الجماعة الإسلامية ، حتى عرفت بهم عن طريق "نصر الدين صديقى" فى مقالته "الإسلام الطريق المستقيم" (والتى نشرت فى صحف نيويورك بواسطة Kenneth Morgan, Roland Press, 1958) .
وبمحض الصدفة وجدت مقالة ممتازة منشورة فى "الملخص الإسلامى The Muslim Digest" بدوربان ، بنفس عنوان المقال السابق ، وفى نفس هذه اللحظة كنت متلهفة لمراسلة محرر المجلة لمعرفة عنوان المودودى .
سطرت خطابى الأول وأنا لا أتوقع أكثر من رد مختصر لتبادل العواطف المشتركة للأفكار المتبادلة .
وبذلك لم أكن أتوقع أن تكون هذه المراسلات سيكون لها تأثير على الفترة الأكثر حسما فى تاريخ حياتى .
لم يكن مولانا المودودى فى حاجة لحثى على تبنى الإسلام ، حيث أنى كنت فعلا على أبواب التحول إليه ، وربما أتخذ الخطوة النهائية حتى قبل أن تكتمل معرفتى به .
وكذلك فلم يمارس مولانا المودودى أى ضغط على للدخول فى الإسلام ، فقد كنت أكتب مقالات دفاعا عن الإسلام وذلك قبل سنة من تعارفنا وتبادل الرسائل ، كما أن المفاهيم الأساسية للإسلام تبلورت فى ذهنى بحزم قبل تخاطبنا المشترك .
على الرغم من ذلك ، فنتيجة لهذه المراسلات ، فقد اكتسبت زيادة واسعة فى المعلومات مما أثر على كتاباتى وأثر ذلك على عمقها ونضجها .
ولقارئ هذه المراسلات أن يرجعها إلى مناخها التاريخى ، ففى أمريكا ، كان "جون كيندى" هو رئيس الولايات المتحدة ، وقد وصلت الولايات المتحدة إلى مستوى لم يسبق له مثيل من القوة السياسية والرخاء الإقتصادى .
وقد بدأت "الحرب الباردة" بين روسيا أيام "خورشوف" فى الإضمحلال .
وكان الرئيس فى باكستان هو "أيوب خان" الذى كان يحكم بلا منافسة ، ولكى يدعم ديكتاتوريته ، فقد فرض الأحكام العرفية ، ومنع كل الأحزاب بما فى ذلك الجماعة الإسلامية .
وحتى فإن العلماء الأتقياء لم يتجاسروا على انتقاد السلطة العليا وتطبيقها للقوانين العائلية الغير إسلامية ، ضد رغبة الغالبية العظمى من الشعب .
وبعد ثلاث سنوات ونصف من المعاناة النفسية الغير مثمرة ، وسنتان من العلاج بالمستشفى ، فقد كنت أتحول من فترة طويلة من المراهقة الحزينة المليئة بالوحدة والإحباط ، وقد كنت أبحث عن نفسى ومكانى الصحيح فى هذه الحياة .
فقد كان من رحمة الله سبحانه وتعالى ورأفته بعباده ، أن أعطانى فى هذه الفترة "مولانا أبو الأعلى المودودى" ، وأعطانى الفرصة لحياة مفيدة وغنية وأرضية مثمرة التى يمكنى أن أبنى عليها حياتى وأنميها وأنجزها إلى الأفضل .
بقلم:مريم جميلة
جماد الثانى 14 / 1389
الخطاب (الأول)
مقالتك الرائعة "الحياة بعد الموت" والتى ظهرت فى عدد فبراير 1960 من مجلة "ملخص المسلم" التى تصدر بدوربان جنوب إفريقيا ، كانت إلى حد بعيد الأفضل والأكثر إقناعا من كل ما سبق لى أن قرأت .
وفى أول ما قرأت عنك ، فى نشرة "مظهر الدين صديقى" عن "الإسلام الطريق المستقيم" (والمحررة بواسطة كينث مورجان ، مطابع رونالد بنيويورك 1958) عن المسلمين بباكستان ، بالرغم من أن المؤلف كان يمثل التحرر وقد وصفك بأمور انتقاصية ، ولكنى فورا شعرت بالتعاطف مع ما تتطرحه .
خلال السنة الماضية ، أردت أن أكرس نفسى للصراع ضد الفلسفة العلمانية المادية ، والقومية التي ما زالَت منتشرة جدا في العالمِ اليوم وتهدد لَيس فقط بقاءَ الإسلامِ لكن الجنس البشري بالكامل .
وبهذا الهدف فى وجدانى ، فقد سبق لى أن حررت عدة مقالات ، نشرت ستة منها فى "ملخص المسلم The Muslim Digest" وكذلك فى "الدورية الإسلامية للعمل، بانجلترا The Islamic Review of Working" .
المقالة الأولى لى كان عنوانها "نقد الإسلام فى التاريخ الحديث A Critique of Islam in Modern History" كتبت بواسطة البروفسور "وليفرد كانتويل سميث" مدير المعهد الإسلامى بجامعة "ماك جيل" بمونتريال ، ويدحض المقال نقطة بنقطة حججه بأن العلمانية والتغريب يتفقان مع الإسلام ، وأن الإصلاحات التى قام بها "كمال أتاتورك" فى تركيا تعطى مثالا جيدا للبلاد الإسلامية الأخرى لتطبقه .
ومقالتى الثانية بعنوان "القومية وخطورتها على التكافل الإسلامى" تبين كيف أن المفهوم الحديث للقومية لا يتفق ويتعارض مع مفهوم الأمة العالمية والأخوة فى الإسلام .
ومقالتى الثالثة ، التى ظهرت فى عدد يونيو 1960 من "الدورية الإسلامية The Islamic Review" وكذلك فى عدد أغسطس من "ملخص المسلم The Muslim Digest" وهذه المقالة تفند ما ذكره "آصف أ. فيظى" (وكيل جامعة كشمير) ، من مناقشات عن تغريب الإسلام وتحديثه "وتحريره" إلى الدرجة التى يصبح فيها لا شئ ، ولكنه مفرغ من قيمه الأخلاقية ولا تأثير له فى تشكيل المجتمع وثقافته .
كما حررت عدة مقالات أخرى تدحض كلام عالم الإجتماع التركى "ضياء جوكالب" الذى حاول أن يخدع قراؤه ليؤمنوا بالقومية واعلمانية ، وأنها متوافقة مع الإسلام (كمال أتاتورك استقى إلهاماته مباشرة منه) ؛ السير "السيد أحمد خان" الذى اتخذ إلهه ، العلم والفلسفة الأوروبية ، "على عبد الرازق" الذى نشر كتابه "الإسلام ومبادئ الحكم" بعد سقوط الخلافة الإسلامية ، حاول أن يظهر بأن الخلافة لم تكن أبدا مرتبطة بالإسلام وبذلك يجب الفصل بين الدين والسياسة .
الرئيس "الحبيب بورقيبة" ، الذى هاجم فى العام الماضى الصيام فى شهر رمضان ، واعتبره من المعوقات للنمو الإقتصادى فى تونس ، "د. طه حسين" بمصر والمؤلف لكتاب "مستقبل الثقافة فى مصر" ، يردد بأن مصر هى جزء من أوروبا ، ولهذا يجب العمل على التغريب الشامل والعلمانية بصفتهما من الضروريات .
كل هؤلائكم المحسبون على الإسلام ، أخطر بكثير من الأعداء الخارجيين لأنهم يهاجمون الإسلام من جذوره .
وبنشر مقالاتى أردت أن أبصر قرائى من المسلمين لهذه الحقيقة .
العلمانية المعاصرة والقومية والمادية ، هم من نتاج فلاسفة الثورة الفرنسية ، أمثال "روسو" و "مونتسكو" و"وفولتير" وآخرين من أمثالهم يحبونهم .
التعصب والكراهية للدين هى المسئولة عن معتقداتهم بأن الإنسان يستطيع أن يحقق الخلاص والتقدم بدون إله .
الوهم بأن الإنسان مستقل عن الله وأنه لا توجد حياة أخرى ، أدى إلى الإعتقاد بأن التقدم الغير مقيد فى الحياة ، هو الهدف الأسمى للجنس البشرى .
بدون هذا الجو المعادى للدين ، مثل هذه المذاهب ، كالماركسية ، والفاشية ، والنازية ، والنفعية (كما أصلها جون ديو) والصهيونية (التى تسببت فى المأساة الفلسطينية) ، بسبب هذا الجو ، لم تكن هذه المذاهب لتتجذر .
وأنا أخطط لمقالة أخرى عن هذا المفهوم بتفاصيل أكثر .
ربما تتسأل من أكون ؟؟؟ أنا امرأة أمريكية ، أبلغ من العمر 26 عاما ، وقد أصبحت أهتم كثيرا بالإسلام وبأنه هو فقط المنقذ للبشرية حتى أنى أفكر فى اعتناقه .
مشكلتى الكبرى ، أنى لا أجد حولى بنيويورك حيث أعيش أحد من المسلمين وأشعر بالوحدة القاتلة .
لذلك حينما رأيت مقالتك فى "ملخص المسلم The Muslim Digest" سارعت بالكتابة للمحرر طلبا فى عنوانك ، أملا فى أن تراسلنى .
أرجو أن تزودنى بعينات من بعض مقالاتك ، وبالأخص إحدى نشراتك التى كتبتها منذ عدة سنوات بعنوان "منهجية الثورة الإسلامية" .
وبما أننا نحمل نفس الأهداف ونعمل لنفس النهايات لأعمالنا ، أرجو أن أسعد بالإتصال بك ومحاولة مساعدتك فى تطلعاتك .
بقلم: مارجريت مارقس
المتقدمة لك بوافر الإحترام
الخطاب (الثانى)
العزيزة الأنسة مارقوس
السلام عليكم
وصل خطابك المؤرخ فى 5 ديسمبر 1960 ، لى وقد كنت قد غادرت للعربية السعودية بناء على دعوة لى من الملك "ابن سعود" .
فقد كان الملك يرغب فى تأسيس جامعة إسلامية فى المدينة ، ودعانى للإعداد لمخطط لها .
ولهذا فقد بقيت بالخارج حوالى شهر .
وعند عودتى تسلمت خطابك والتسخ الثلاثة لمقالاتك .
ولا أستطيع أن أبين مدى السعادة التى غمرتنى بقراءة خطابك والمرفقات .
وقد تعمدت فى بداية خطابى أن أحييك بالتحية التى هى للمسلمين فقط "السلام عليكم" ، والسبب فى ذلك أنه بالرغم من أنك ما زلت تفكرين فى اعتناق الإسلام ، فأنا متأكد بأنك فعلا مسلمة .
الشخص الذى يؤمن بواحدانية الله وبأن محمد رسول الله الخاتم ويؤمن بأن القرآن هو كلمة الله ويؤمن بالآخرة ، هو فى الواقع مسلم أصيل سواء ولد فى بيت يهودى أو نصراني أو بيتا من عبدة الأصنام .
أفكارك تحمل الشهادة على حقيقة أنك تعتقدين بالأمور أعلاه .
وبناء على ذلك ، فأنا أعتبرك مسلمة وأخت لى فى الإيمان .
لا تعميد ولا طقوس أمام كاهن مطلوب للدخول فى الإسلام .
إذا كنت مقتنعة بحقيقة الإسلام ، فأنت لست فى حاجة أكثر من تأكدى بجدية "ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله" ، ومن ثم تغيرى اسمك لبعض الأسماء الإسلامية ( مثلا .. عائشة أو فاطمة) وتعلنى علنا باسمك الجديد وبديانتك الجديدة ، وذلك حتى يعلم العالم الإسلامى الكبير بأنك أصبحت عضوا فى الأخوة الإسلامية العظيمة .
ومن ثم تبدأين فى أداء الصلوات الخمس المفروضة يوميا وتتبعين تعاليم الإسلام الأخرى بثبات .
أجدك تماما على عتبة الإسلام وخطوة واحدة قوية ستلحقك بقطار المؤمنين به .
أعتقد أن هذه الخطوة الأخيرة طبيعية ومنطقية وهى ذروة أفكارك التى تتبنيها .
لقد طلبت من مساعدى أن يبعثوا لك بعض النشرات وتلك التى طلبتيها .
كما أنى أبعث لك ببعض الكتب التى حررتها .
وهذا بالرغم من الحقيقة بأنه لم يسبق لنا التعارف .
هذه العاطفة والتوافق فى الأفكار المتبادل ، هما نتيجة مباشرة لأننا نننهل من نفس المصدر .
هؤلاء المسلمون المغتربون الذين يفتقدون للروح الإسلامية هم نتاج الإستعمار الغربى فى البلاد الإسلامية .
الضربة الكبيرة من الإستعمار ، لم تكن فى السياسة أو الإقتصاد بل فى الروح والعقل .
لقد فرخ هذا الإستعمار عقولا مستعبدة له من بين ظهرانينا ، هذه الأرواح حتى بعد استقلالنا السياسى ، ما زالت خاضعة للغرب وتسير على خطى أسيادهم السابقين بإخلاص .
ومن هذا المنطلق ، أجد أن حربنا للإستقلال لم تنتهى بعد وما زال أمامنا حرب طويلة ضد هؤلاء المواطنين الأجانب .
والآن ، لا أستطيع أن أخفى حيرتى اللطيفة فى أمر واحد .
كيف بالضبط لبنت أمريكية أن تصل إلى هذا المفهوم الواضح والأصيل عن الإسلام ؟؟؟ وهل تستطيعى أن تكتبى لى فى وقت ما ، قصة قصيرة عن تطوراتك الفكرية وترسليها لى ؟؟؟ أنا أقدر شعورك بالوحدة وفقدانك لمجتمع إسلامى ، وبالطبع هذه هى معاناة المسلم الذى يعيش فى بلد غير إسلامى ، ولكن ما يعطيك بعض التعزية ، أن أن تعرفى أن المسلمين الحقيقيين فى هذا العالم يشاركوك ، هذا الشعور بالوحدة ولكن بطريقة أخرى .
إذا أتيح لك زيارة باكستان ، فسيكون من سرورى أن أستقبلك مرحبا بك كضيفة لدى .
كيف سيكون مدى سرورى أنا وعائلتى إذا حضرت وقضيت معنا شهر الصيام فى رمضان (الذى يقع هذا العام فى 17 فبراير إلى 18 مارس) ! سأكون بلاهور حتى نهاية شهر مارس ، وعبده سأذهب لإفريقيا حيث أتمنى أن أقوم بأعمال دعوية للإسلام هناك إن شاء الله .
وسأرجع للاهور فى نهاية مايو ، وبإذن الله سأبقى لنهاية العام حيث تجدينى بمنزلى .
أخوك فى الإسلام
الخطاب (3)
من عدة أيام مضت استلمت هديتك من الكتب باللغة الإنجليزية والنشرات والتى تقدر بمكتبة صغيرة .
لا أستطيع البداية بشكر كاف لك ، وفقط أخبرك بأنى سأحتفظ بهم وأحرص عليهم دائما .
وأمس فقط استلمت خطابك الذى تقول فيه أنك حينما قرأت مقالاتى فكأنك كنت تقرأ أفكارك أنت .
وأؤكد لك أننى أيضا حينما قرأت كتبك ونشراتك ، فشعرت كأنى أقرأ أفكارى ولكن بقوة وشمول أكبر مما يمكننى الكتابة بهما .
من مقالاتى التالية ، واحدة عن شعر العلامة "إقبال" ، الرجل الوحيد فى كل العلم الإسلامى المعاصر القادر على التعبير بالشعر للمعانى الثابتة الحقيقية كيف تكون مسلما ، وموضوع آخر عنوانه "منابع الفلسفة للمادية الغربية" ، والتى فيها أتتبع تطورات المادية الغربية من بدايتها فى العصر الإغريقى إلى عصر النهضة إلى ذروتها فى أيدلوجيات حديثة كالشيوعية .
وفى هذا المقال الأخير أبين كيف أن الشرور التى نشاهدها الآن هى نتاج منطقى للممارسات التى استمرت لخمسمائة عام مضت .
فى الحقيقة ، فكل القادة المفكرون الأوروبيون كانوا متحمسين للمادية ، والحضارة الغربية الحديثة هى ثورة على الكنيسة وعلى كل القيم الدينية والروحية .
وهكذا ، فالمادية جزء من نفس الجوهر للحضارة الغربية .
وكما أشرت بجدارة فى كتيبك عن "القومية والهند" فإن القادة فى آسيا وإفريقيا ، قد لقنوا فى نفس الوقت لكى يحتقروا تراثهم ويتبنوا هذه الفلسفات المادية .
لقد ملئوا بالكراهية والإستياء من سادتهم الأوروبين السابقين ، وكل ما يفعلوه هو رمى القمامة خلفهم فى وجوههم .
أعنى هذا كوصف للثورات العنيفة التى تحدث فى آسيا وإفريقيا ، وخصصوا فى الكونغو .
بعد ما سمعته عن العنف الذى يحدث بإفريقيا ، فأنا قلقة على سلامتكم .
من المؤلم لى أن أقرأ بأن الدول الإسلامية ، كالجمهورية العربية المتحدة "مصر" تنسخ بشكل خانع النظام الروسى والصينى الشيوعى فى سياستها الخارجية مع إفريقيا .
أريد أن أتعاطف مع مثل هذه الدول كالجمهورية العربية المتحدة ولكنى لا أتبين أى شئ إسلامى فى سياسات هذه الدول .
أى مسلم بسيط قد يبتهج من الجهود التى يقوم بها ناصر فى إفريقيا لرفعة شأن الإسلام .
ولكن من الواضح بما لا يدع مجالا للشك ، بأنه ليس معنيا بالإيمان بقدر ما يستخدم ذلك كشعار فعال لتمجيد شخصه ورفع سمعته .
وإنه لمن عميق اقتناعى المخلص ، أن مفاهيمك عن الإسلام كما وضحتها فى كتبك "نحو فهم للإسلام وشريعتة وقوانينه" (والتى من كرمك قد أرسلتها لى) هى الترجمة الصحيحة ، وآمل ألا أكون ضيقة الأفق لأقول هذا .
أقدرك وأقد التزامك بالإسلام النظيف جدا والنقى ، ورفضك للمساومات لاسترضاء "الحداثة" أو تزييفه بالفلسفات الدخيلة .
وأعتقد أن صورة الإسلام كما قدمتها فى كتاباتك هى الطريقة المثلى والطريق الوحيد إلى الحقيقة .
وللأسف الشديد فإن هناك من المسلمين من لا يتفقون مع ذلك .
فقد تلاقيت مع طلبة مسلمين يدرسون بالجامعات والكليات يرددون أن "مصطفى كمال أتاتورك" كان مسلما جيدا .
وأن الإسلام لابد له أن يواكب العصر والفلسفات المعاصرة ، وكل ما لا يتفق من الإسلام مع هذه الفلسفات فهو مردود .
مثل هذه الأفكار مشاد بها و "تحررية" و "تقدمية" و "نهضوية" ، بينما هؤلاء الذين يفكرون بطريقتنا هم "رجعيون" و "متعصبون" ويرفضون مواجهة الحقائق فى أيامنا هذه .
وفى نقطة فى أحد كتيباتك ، "القومية والهند" ، والتى تستحق الإشارة لها ، اعتراضك على أن يتزى المسلمون بالملابس الغربية .
والبعض ينظر إلى هذه النقطة بأنها ثانوية وبسيطة ، ولكنى أعتبرها فى غاية الأهمية .
الم يقل محمد "عليه الصلاة والسلام"من تشبه بقوم فهو منهم" ؟ أعتقد أن المسلم يجب أن يكون فخورا بأن يعبر عن تميزه بمنظره الطبيعى .
ولذلك حينما أرى أحد القادة من المسلمين يرتدى الملابس الإفرنجية وهو حليق اللحية ، لا أملك إلا أن أعتبره ضعيف الإيمان ، يخجل من أن يعلن لللعالم هويته الحقيقية .
هل سبق لك أن قرأت كتاب "الإسلام على مفترق الطرق" لمحمد أسد والذى يتطرق إلى هذه النقطة بإسهاب ؟؟؟
ليس من العجيب أن تتساءل كيف لبنت مولودة بأمريكا فى بيت أمريكى أن تتبنى مفاهيم الإسلام ؟؟؟ وسأذكر لك هنا كيف حدث ذلك .
فى سن العاشرة من العمر ، كنت منتظمة فى دروس الأحد اليهودية ، وبسرعة أصبحت منفعلة بالتاريخ المأساوى لليهود .
كما سحرت خصوصا بقصة إبراهيم "عليه الصلاة والسلام" وأبنائه الإثنين ، إسماعيل وإسحق ؛ إسحق المفروض هو أبو اليهود وإسماعيل هو أبو العرب .
ليس فقط علاقة القرابة هذه بين اليهود والعرب ، ولكن تاريخهم متشابك فى فترات كثيرة .
لقد درست أنه فى فترة حكم المسلمين لأسبانيا "الأندلس" لقد مارس اليهود عصرهم الذهبى والثقافى .
غير عالمة بالطبع ، بالطبيعة الشرية للصهيونية ، بسذاجة كنت أعتقد بأن يهود أوروبا يعودون لفلسطين لكى يصبحوا ساميين حقيقيين ويعيشوا سويا مع العرب .
وفرحت جدا لتحقيق الأمجاد السالفة والتعاون مع العرب كما كان الوضع فى أسبانيا .
لقدعانيت خلال فترة المراهقة المقاطعة الإجتماعية فى المدرسة وذلك لأنى كنت أفضل القراءة فى المكتبة ولم يكن لدى اهتمام بالجنس الآخر ، ولا الحفلات والرقص والسينما والملابس والمجوهرات وأدوات التجميل .
وكنت أعتقد بأن التدخين عادة مبتذلة ومضيعة للمال .
وبالرغم من الإعتقاد بأن المرء يجب أن يتناول المشروبات فى الحفلات ليكون مقبولا من المجتمع ، كما أن أبوى يعتبرون الإنغماس المعتدل فى النبيذ من "الأشياء الجيدة فى الحياة" ، ويالرغم من ذلك فلم ألامس الكحول فى حياتى .
ومنذ أن شاركت أترابى من البنين والبنات القليل من الإهتمامات فتقريبا لم يكن لى أصدقاء فى الثمان سنوات من دراستى الصغرى والكبرى .
وفى السنة الثانية فى جامعة نيويورك ، قابلت بنتا من بيت يهودى قررت إعتناق الإسلام .
وحيث أنى كنت مهتمة بالعرب فقد قدمتنى لكثير من أصدقائها العرب المسلمين فى نيويورك .
لقد كنا نحضر سويا نفس الصف الذى يدرس فيه حبر يهودى أحد الموضوعات عن "اليهودية فى الإسلام" .
حاول الحبر أن يثبت لتلاميذه ، تحت غطاء "مقارنة الأديان" بأن كل شئ حسن فى الإسلام فهو مشتق من التلمود والمدراش "Midrash" .
وقد كان الكتاب الذى ندرسه ( اليهودية فى الإسلام ، تأليف "أى , كاتش مطبعة ميدان واشنجتون ، نيويورك 1954) ومؤلفه هو نفس الحبر ، وقد تتبع السورة الثانية والثالثة فى القرآن الكريم آية آية ويحيلها إلى مصادر اليهود .
مضيفا مع هذا مقتطفات تحررية دعائية للصهيونية فى أفلام وممجدة للدولة اليهودية .
وبدلا من أن يقنعنى هذا بتفوق اليهودية على الإسلام ، هذا المنهج حولنى إلى وجهة النظر المعاكسة .
بالرغم من الحقيقة أنه يوجد بالعهد القديم صفات عالمية للإله ، وصفات أخلاقية عالية ، كما يبشر بذلك الرسل ، فاليهودية دائما تحتفظ بصورة الله العشائرية القومية .
وبالرغم من وجود بعض القيم النبيلة ، إلا أن الكتب المقدسة تشبه كتب التاريخ اليهودى وإلاههم القبلى .
وقد خرج ضيقى الأفق حديثا بمفهومهم هذا وعبروا عنه فى الصهيونية (ولكن بشكل علمانى جدا) .
لا يؤمن رئيس الوزراء الإسرائيلى "ديفيد بن جوريون" بشئ ، ولا يؤمن بإله عظيم ، ولم يذهب قط لكنيس يهودى ، ولا يراعى القوانين اليهودية ولا العادات ولا الطقوس ، وبالرغم من ذلك ، فهو يعتبر عند اليهود حتى الأتقياء منهم والأرثوذكس ، بأنه من أفضل الزعماء اليهود فى هذا الوقت .
معظم القادة اليهود يعتبرون الله (حاشا لله) ****ل عقارات ممتاز لهم ، خصص أرضا معينة لصالحهم !!! لقد أخذت الصهيونية أسوأ الصفات من المادية الغربية الحديثة والقومية وتبنتها لها .
مثل هذه الفلسفات النفعية والإنتهازية سيطرت على أذهانهم لتبرر لهم الحملات عديمة الرحمة لنفى أغلبية العرب والقسوة على الأقلية البائسة التى بقيت فى اسرائيل ، ثم بعد ذلك يقولون عن أنفسهم بأنهم هم حملة "التقدم" و "التنوير" إلى عالم عربى جاهل !!! وبالرغم من أن إسرائيل متقدمة علميا وفنيا ، إلا أن هذا التقدم هو تقدم عنصرى وأنهم هم "شعب الله المختار" ، وفى اعتقادى أن هذا المفهوم خطير على السلام العالمى .
لقد سمعت "جولدا مائير" تخاطب الجمعية العامة للأمم المتحدة قائلة "أنا أعارض أى شخص يعارض حق إسرائيل فى الأمن بالتخلى عن الحدود العربية التى احتلتها أثناء الغزو" .
القيم الأخلاقية هى فقط تلك القيم التى تجعل شعب إسرائيل يعيش فى دولته !!! (لا يهم جولدا مائير ، بالنسبة للبقاء ، فبقاء الآخرين أقل بكثير من بقاء اليهود) .
كما أنى اكتشفت أيضا أن حقد اليهود للنبى محمد أكبر من حقد النصارى له .
والتطورات اليهودية المنافقة هى أيضا غير مقبولة .
وهكذا بالرغم من أنى من عنصر يهودى ، إلا أنى لا أستطيع أن أميز مبادئ وتطلعاتى مع الشعب اليهودى .
لا أحد من أبوى يعتبر يهودى ملتزم ، وهم مقتنعون بقوة ، أن اليهود الأمريكان يجب أن يعيشوا ويفكروا ويظهروا ويتصرفوا بالضبط كما يفعل الأمريكان .
وبعد سنتين من البقاء فى المدرسة الدينية اليهودية ، التحقت فى النظام التعليمى لحركة الثقافة الأخلاقية التى تأسست فى نهاية القرن التاسع عشر بواسطة الراحل "د. فيلكس آدلر Dr. Felix Adler" .
وفى كتيبك "وجهة النظر الأخلاقية فى الإسلام" ، أشرت إلى هذه الحركة الإنسانية اللاأدرية والتى ترفض قواعد ما وراء الطبيعة ، معتبرة أنها راجعة إلى صنع الإنسان .
لقد كنت إنتظمت أسبوعيا فى مدرسة الثقافة الأخلاقية لمدة أربع سنوات حتى تخرجت منها فى سن الخامسة عشرة .
ومنذ ذلك الوقت إلى أن التحقت بصف الحبر "كاتش" فى جامعة نيويورك فى أكتوبر 1954 فقد كنت ملحدة أصيلة وأرفض كل الأديان الأرثوذكسية المنظمة رفضى للخرافة .
وفى أحد الأيام أثناء وجودى فى فصل الحبر "كاتش" أعطى الطلبة محاضرة حيث كان يذكر فيها أن القيم الأخلاقية المتعلقة بالإنسان كحق عالمى طبيعى هى مطلقة ومشرعة من الله وليست هى من صنع البشر كما سبق أن أوحى إلى فى دراساتى السابقة بأن أفكر .
لقد نسيت تفاصيل المناقشة ، ولكنها كانت نقطة التحول بالنسبة لى فى حياتى .
وحينما درست القرآن "الكريم" أكثر وأكثر وبعمق ، عرفت لماذا كانم الإسلام والإسلام فقط هو الذى جعل العرب أمة عظيمة .
وبدون القرآن فمن المحتمل أن اللغة العربية كانت ستكون منقرضة الآن .
وفى أحسن الأحوال ، بدون القرآن تكون غير مشهورة كزولو !!! كل الآداب والثقافة العربية مدينة للقرآن الكريم وتعتمد عليه .
بدونه كانت الآداب والثقافة لا قيمة لها .
وبالرغم منبوى لا يفهمون سبب عدواتى للثقافة التى أنشأونى عليها وبخاصة عداوتى للصهيونية ، فقد أعطونى الحرية لأخطط لحياتى الخاصة .
فى البداية حاولى أن يثنونى عن الإنغماس فى الإسلام ، خشية أن يبعدنى ذلك عنهم وعن العائلة .
ولكنهم الآن بعد أن رأوا إصرارى فقد أكدوا لى أنهم لن يحاولوا التدخل ليمنعونى عن ذلك أو ليمنعونى عن التحول للإسلام أو أن يضعوا العراقيل فى الطريقة التى أجد فيها سعادتى .
وبالرغم من ذلك ، فهم من حين لآخر بذكرون آراء مضادة لى وبالنسبة لكل شئ ، ولكنهم متسامحون وواسعى الأفق بقدر كاف ، بحيث أن لا شئ يعارضون فيه يجعلهم يهددونى بالحرمان أو قطع رابطتهم بى .
يالهما من عائلة تختلف عن الكثيرين الأرثوذكس الذين يعتبرون من يتحول إلى دين آخر من الأموات !!!
ولك أن تفضل الطريقة التى نعمل بها إما سويا وإما منفصلين ، فنحن ننهل من نفس القيم .
وبناء على القواعد التى ذكرتها مطولة فى خطابى هذا ، فأكون ممتنة لأى إقتراحات يمكن أن توافينى بها .
المتقدمة لك بوافر الإحترام
الخطاب "4"
عزيزتى الأنسة مارقوس
وصلنى خطابك المؤرخ 31 يناير متأخر بعض الشئ .
وأعتذر بتأخرى فى رد سريع بسبب بعض الإلتزامات السابقة الإضرارية .
وأخشى أن يكون هذا التأخير قد سبب لك بعض الضيق الذى أقدم اعتذارى عنه .
لقد درست مخطط حياتك بعناية فائقة واهتمام .
وحين قراءته ، أدركت كيف أن العقل المتفتح والغير متحيز يمكنه التوصل إلى "الطريق الصحيح" بشرط أن يبذل الجهد الثابت والمخلص .
قصة آلامك ومعاناتك وما احتوته من محن عقلية لم يرد فيها ما لم أتوقعه .
إذا مر شخص بمنازعة لأمر ثابت ومتجذر ببيئته المحيطة به ، وفى نفس الوقت لا يجد من حوله الذين يتعاطفون معه أو يقدرون أفكاره و قيمه ، فمن غير العادى ألا تمر أو يمر بانهيار حقيقى لأعصابه .
عدم توافقك هو محصلة طبيعية لمجتمعك .
مزاجك وذوقك وأفكارك وتصرفاتك هى فى الأساس مختلفة بشكل مباشر عن تلك التى فى مجتمعك الذى تعيشين فيه .
واحتكاكى الدائم بهم قد يكون سببا لألم أكثر مما حدث .
أنت تشبهين نبتة استواية زرعت فى منطقة قطبية وأنت تواجهين هذا الأمر المقدر .
من الأفضل لكل شخص أن ينمو ويترعر فى مناخ محبب إليه .
فى المناخ المعادى ، حرى بالمرء أن يفقد توازنه العقلى كما أن قراته الذهنية من المحتمل أن تذبل .
يضاف إلى ذلك أنك مازلت لم تتزوجين .
مجتمعك لا يحب إمرأة مثلك .
كل مميزاتك تعتبر عيوبا عندهم .
قد لا تستطيعين أن تجدى رفيق حياتك المتاسب فى وضعك الحالى ، وإذا كنت مرتبطة بشكل متكلف ، بشخص ما هناك ،فهذا بالكاد يثبت إمكانية ترتيب زواج ناجح أو مرغوب فيه .
ومنذ استلامى لخطابك الأول ، وأنا مشغول الفكر بمشاكلك .
وأعتقد أنه ليس أمامك إلا أحد البديلين ، إما أن تعملى للإسلام بشكل علنى فى أمريكا وتجمعى حولك مجموعة من المتعاطفين للإسلام ومساعدين لك ، أو أن تهاجرى إلى إحدى الدول الإسلامية وأفضل لك باكستان .
وبالنسبة لى ، فلا يمكننى أن أختار لك أحد البديلين الذى يناسبك .
ذلك يتوقف على ظروفك وكفاءتك التى أنت أدرى بها منى .
ولكن لو قررتى الحضور لباكستان ، فستكونين فى وسط أناس يتشابهون معك فى الرأى ، مع وجود اختلاف فى اللغة .
بإذن الله ، ستجدين هنا كل القيم وكذلك كل التعاون والتشجيع .
كما أنك قد تجدين هنا رجلا طاهرا مناسبا ليرافقك فى الحياة .
وفى حالة حضورك لباكستان ، فيمكننى تقديم كل المساعدات لك ، ولكنى آسف جدا لأن أرسل لك مساعدة مالية للحضور نظرا للقيود الصارمة هنا فى تحويل العملات الأجنبية .
وأتمنى ألا يقف والديك وكل محبيك أمام اختيارك ، ويجب أن يدركوا الحقيقة بأن وقوفهم أمام رغبة ابنتهم فى تخطيط حياتها قد يؤدى بها إلى اليأس وإلى خطورة الإنهيار العصبى .
وعلى العكس ، إذا كانت محظوظة بما فيه الكفاية ، لتعيش فى جو مجتمع ودى ومناسب لها ، فسيكون رأيها متفتحا صحيا ويزداد حماسها وتصبح قادرة على حياة مفيدة ومنتجة .
وأعتقد لو أنهم استوعبوا هذه النقطة كاملة ، لن تكون هناك مقاومة من ناحيتهم .
فى الواقع ، أنه ليس من غير المحتمل أنهم سيرحبون باقتراحاتى هذه .
لقد سلتنى عن كتاب "الإسلام على مفترق الطرق" .
لقد قرأت هذا الكتاب وذلك مع كتب أخرى لمحمد أسد ، الذى أتيحت لى فرصة التعارف معه شخصيا بعد أن اعتنق الإسلام ، واستقر فى شبه القارة الهندية-الباكستانية .
وربما تكونى مهتمة لتعلمى بأنه أيضا كان يهوديا من أصل نمساوى .
وأحترم كثيرا عرضه للأفكار الإسلام ونقده للثقافة الأزروبية وفلسفتها المادية .
وآسف أن أقول ، على كل حال ، بأنه فى أيامه الأولى من اعتناقه الإسلام كان وفيا وملتزما بتعاليم الإسلام ، ولكنه بالتدريج انحرف إلى من يسمون بالمسلمين "التقدميين" ، مثل اليهود "الإصلاحيين" .
ومنذ فترة قريبة طلق زوجته العربية وتزوج ببنت أمريكية مودرن ، عجلت بالتأكيد كثيرا فى انحرافه .
وبالرغم من أن هذه الحقائق السوداوية لا يجوز معارضتها ، ولا تبريرها كثيرا ، فأنا لا ألومه كثيرا عليها .
أثناء السنة الأولى من اعتناقه الإسلام والتى تقابلنا فيها ، تغيرات طيبة ودمثة شملت حياته .
ولكن حينما يبدأ المرء فى العيش كمسلم حقيقى ، كل قدراته تفقد قيمتها السوقية .
هذه القصة الحزينة مع "محمد أسد" ، الذى كان معتادا على العيش فى مستو مرتفع ومواصفات حديثة للحياة ، وبعد اعتناقه للإسلام واجه شظف العيش وصعوبات مالية .
ولهذا فقد أجبر على تقديم التنازلات واحدة بعد الأخرى .
وما زلت آمل بعد هذه التغيرات المضادة ، ألا تكون أفكاره وقناعاته قد تغيرت بالرغم من أن حياته العملية قد شابها كثير من التعديلات .
يقول الرسول عليه الصلاة والسلام "أنه سيأتى زمن القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر" .
وقد تحققت هذه النبوءة .
فى أيامنا هذه ، إذا أراد المسلم رجلا أو إمرأة أن يطبق ما تعلمه من الإسلام يقابل مقاومة شديدة من الحضارة المادية فى كل خطوة يخطوها .
البيئة بكاملها تنقلب ضد هذا المسلم .
إما أن يقدم تنازلات ، أو يصبح معاديا للمجتمع .
الأعصاب القوية والثابتة ، لاغنى لها عن الكفاح الحازم والمتواصل .
هل اتصلت بالمراكز الإسلامية بواشنجتون د. س . أو مونتريال ، فقد تكون مفيدة لك ؟؟؟ عنوان المركز الإسلامى بمونتريال هو كالآتى :
(The Islamic Center, 1345 Red Path Crescent, Montreal-2, and Quebec, CANADA).
أشكر لك تعبيرك عن خوفك على فى رحلتى المتوقعة إلى إفريقيا .
ولحسن الحظ ، الأجزاء التى أنوى الذهاب إليه آمنة وسليمة جدا .
أنوى الذهاب إلى الصومال ، وكينيا ، وأوغندا ، وتنجانيقا ، وزنجبار ، وموريتوس ، وجمهورية جنوب إفريقيا ، كلها بها تجمعات من الهند وباكستان والمسلمين العرب ، وبمعونتهم آمل أن أنشر الإسلام فى إفريقيا .
"مداخلة :::
هذه الفقرة انتقد فيها عبد الناصر انتقادا شديدا ، ربما يتفق معه الكثير ولا يتفق معه آخرون ، وحرصا على احترام الجميع وحساسية البعض ، فلم أشأ أن أرفقها" .
فقط المخلصون المتواضعون منكرى الذات المجاهدون بصلابة الذين لديهم الإستعداد للتضحية بمكاسبهم الشخصية وطموحاتهم ، هم الذين يدافعون عن الإسلام .
لقد سعدت جدا بأنك أصبحت مسلمة ملتزمة تؤدين الصلوات اليومية وتصومين رمضان .
أهنئك ، وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يحفظك ويثبتك ويهديك لطريق الإسلام .
أخوك فى الإسلام
الخطاب (5)
عزيزى مولانا المودودى
استلمت خطابك المؤرخ 25 فبراير وقد سعدت بقراءة أجاباتك المفصلة والمدروسة لكل الأشياء التى كانت تدور بخلدى منذ فترة طويلة .
وأرفق مع هذا الخطاب مقالة مصورة من "مجلة الموضة Look Magazine" عن آخر الموضة لملابس المرأة ، والتى بالنسبة لى فهى بغيضة جدا ولا أستسيغ لبسها وأتمنى الموت من أن أ ُرى مرتديتها .
يبدو أن مصمموا الأزياء الأوروبيين والأمريكان بعملون جهدهم لتكون المرأة الغربية مبتذلة فى الشارع .
المومسات المحترفات لا يمكن أن يذهبن إلى هذه الحدود التى يقال إنها للمرأة المحترمة .
يقول "أوسكار وايلد" الحقيقة حينما قرر مرة أن أن الموضة هى شئ قبيح ، ويجب تغييرها كل ستة شهور .
أحد وظائف الملابس بالطبع هى التواضع ، وكما ترى من الصورة التى فى المقال ، أن الموضة بالنسبة للمرأة الغربية الحديثة هى مصممة خصيصا لتجارة الجنس .
وأول شئ فعلته بعد اقتناعى للإسلام ، وأداء صلواتى ، هو أن أطلت من تنوراتى .
وقد اندهش أقاربى كثيرا من أن ألبس هذا الزى فى حين أن المرأة الأمريكية تنورتها فوق الركبة .
هناك دعاية متزايدة فى الصحف والمجلات الأمريكية بأن المرأة فى الأراضى الإسلامية "تتحرر" بتأثير الثقافة الغربية عليها وتقليدها لها .
وبالرغم من أنى أعتقد أنه يجب على المرأة أن تتعلم إلى أقصى طاقاتها الذهنية ، ولكنى أثير سؤالا عن مدى الفائدة من تركها البيت "خصوصا الأم التى لها أولاد صغار" لتتنافس فى مكاتب العمل والمصانع مع الرجال ، والإستعاضة بالممرضات وجليسات الأطفال لشئون المنزل وتربية الأطفال .
هذا بالضبط ما حدث بروسيا الشيوعية والصين ، لنشر ما يقال أنه "تحرير المرأة" وذلك لتحطيم الأسرة بتعمد فى المجتمع .
وهذا يحدث بدرجة أقل فى المجتمع الأمريكى .
وبدرجة أقل تتحطم الأسرة فى مجتمعى .
لقد فاجئنى وأثارنى وأحزننى بعمق ما ذكرته عن "محمد أسد" .
لم أشك قط فى أنه لم يكن ملتزما بالإسلام ، وذلك من كتاباته الحديثة والخطابات المتبادلة معه .
لا أنسى مطلقا هذا الفصل الرائع فى كتابه "الإسلام على مفترق الطرق" على أن يتمسك المسلم بقوة بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام ، وأن يتبع القرآن الكريم ، وذلك إذا أراد رفعة للإسلام .
لقد كانت حججه عن صحة الأحاديث واضحة جدا ومقنعة ، وشعوره بالإسلام كان واضحا ، وفيما عدا أحواله المالية التى ذكرتها لى ، فأنى لا أملك إلا أن أتصور أن هذا السبب هو الذى غيره .
أدعو الله سبحانه وتعالى ألا يحدث ذلك لى .
هل من فضلك ، يمكنك أن ترسل لى الخطوط العريضة للجامعة الإسلامية الجديدة "جامعة الملك ابن سعود" ؟؟؟
لقد اعتقدت بداية أنها ستكون على غرار الأزهر الشريف .
ولكنى منذ أيام قرأت مقالة بأن الجامعة المقترحة ستكون جامعة علمانية مواشاة ببعض الدراسات الإسلامية .
وفى نفس المقالة ، ذكر أن الملك سعود سيعيد بناء مكة والمدينة المنورة .
وبالرغم من أنى أعرف أن هناك فى المدن المقدسة ، مبانى كثيرة قديمة ومتهالكة ذات طابع عتيق ، تحتاج إلى ترميم ، غير أنى أتمنى ألا تبنى مبانى حديثة بعيدة عن النمط الإسلامى حتى لا يتغير المناخ الإسلامى ليواكب الحداثة المفرطة .
أنا أمقت شخصيا المعمار الحديث ، الذى يتناقض مع معايير الجمال والتناسق والسحر والهدوء .
فى كل مرة أزور فيها مبنى رئاسة الأمم المتحدة (التى تعتبر مثال بارز للمعمار الحديث) أجدنى ممتلئة بالكآبة لجدب وبرودة المبانى العالية ، والتى لا تشبه إلا صناديق مرتفعة بها نوافذ زجاجية .
أعتقد أن هذا المعمار الحديث والذى أفقد مدننا جمالها ، هو إنعكاس لرفض كل القيم الروحية لمصممى هذه المبانى .
أفضل لمكة والمدينة أن تبقيا على الروح القديمة من أن تتحول لهذا المفهوم الحديث المدمر .
وبالرغم من أنى لم أكن أعلم شيئا عن المركز افسلامى بمونتريال منذ إستكماله ، إلى أن ذكرته لى فى خطابك السابق ، إلا أنى كنت فى اتصال دائم مع مسجد واشنجتون ، وقد أجريت له زيارة خاصة وتحدثت مع مديره "محمود حب الله" ، وهو مثل "د. شريبة" متخرج من الأزهر .
لقد بنى مسجد واشنجتون حسب العمارة الإسلامية وهو فى جمال المبانى الأخرى فى العالم .
وما آلمنى هو أن السلطات الأمريكية تمنع رفع الأذان من مئذنته حتى لا يزعج اجتماعيا سكان المنطقة .
والمسجد فقط لأداء صلاة الجمعة ، فالإقبال على بقية الصلوات الخمس كما لاحظت يكاد يكون شبه معدوم .
هل تعرف شيئا عن الحملة التى يشنها "الحبيب بورقيبة" فى تونس ضد صيام شهر رمضان ؟؟؟ وبأنه السبب فى التأثير على الصحة وتراجع الإقتصاد فى هذا الشهر لبطء الأداء فيه ، وأن هؤلاء الذين يصرون على الصيام فيه رجعيون .
وأحد أهداف بورقيبة الخبيث هو القضاء على جامعة الزيتونة التى أسست منذ قرون فى شمال إفريقيا .
وقد قرأت فى الصحف أنه فى روسيا الشيوعية ، فإنهم كلما اقترب شهر رمضان يعملون على زيادة الهجوم على الإسلام .
الدعاية الشيوعية لا تتوقف أبدا عن وصم شهر رمضان بأنه السبب فى تحطيم الإقتصاد فى هذا الشهر ، وأن العمال فى المصانع يتباطؤون فى العمل ويضيعون الوقت فى الصلاة مما يخرب معدل الإنتاج .
والمفروض فى الحبيب بورقيبة أن موال للغرب ولكنه يفعل ما يفعله الشيوعيون .
لعلك سمعت عن المستشرق ، "د. ولفرد كانتويل سميث D. Willfred Cantwell Smith" ، الذى يعمل مديرا للدراسات الإسلامية فى جامعة ماكجيل بمونتريال ؟؟؟ ، فى حالة معرفتك به ، هل قرأت كتابه "الإسلام فى التاريخ الحديث" ، والذى يذكر فيه بأن الإسلام كما شرحه وبشر به النبى عليه الصلاة والسلام لا يصلح وأنه "منتهى الصلاحية" ولابد أن يأخذ الآن بالعلمانية لكى يعيش فى المستقبل ؟؟؟ وفى الفصل عن باكستان ، تطرق فيه عنك قائلا :
(.... يقدم المودودى الإسلام كنظام ، زود البشرية من قديم بالإجابة على كل مشاكلها ، فضلا عن أنه أمدها بالإيمان بالله الذى يتجدد كل صباح وأن الله يريهم أياته التى تتكلم عن نفسها ..... الإتجاهات الحديثة تظهر نظام المودودى كما أرخ ، غير كاف فى هذا المجال ، كما أنه يعتبر متشددا جدا فى الشكل ليحقق بإخلاص حقيقة الإسلام وأولويات اليوم فى عالم القيم وديناميكية الروح ... وعلاوة على ذلك ، لنحكم على أطروحاته ، فإنه يتبين منها أنه يريد فرض نظامه على باكستان ، إذا أتيحت له فرصة أن يكون هو وأتباعه فى مرقع القوة ، وأيضا فى طريقة منظمة صارمة يبرهن المودودى ، ولكن بقليل من التخوف ، كلا من البشرية ورفاهيتهم الشخصية للذين يعيشون تحت نظامه .
تبدو أيدلوجيته أنها ستقدم منحة قليلة من الرغبات ومن المصداقية للمحكومين ، أو لأن ميل الرجال فى مواقع السلطة كانت دائما فى الغالب وفى مراحل التاريخ حتى المزدهرة منها ، متأثرة بالإنحراف الشخصى .... حركة المودودى هى خليط وتكييف بين التاريخ الإسلامى القديم ومتطلبات الحداثة فى حياتنا الآن ، والتى أخرج منها نموذجه الثابت ، ولا يعتبر ذلك رؤية خلاقة ..."
وحيث أتوقع بأن يصلك خطابى هذا وأنت مشغول فى الإعداد لرحلة أفريقيا ، فلن تتمكن من الإجابة عليه إلا بعد عودتك للاهور فى نهاية شهر مايو .
المتقدمة لك بوافر الإحترام
الخطاب (6)
لاهور ، 1 أبريل ، [[1961]
عزيزتى الأنسة مارقوس
وصلتنى رسالتك المؤرخة فى 8 مارس فى وقتها ، ولكنى لظروفى الصحية لم أستطع الرد عليك .
فأنا منذ منتصف شهر رمضان وأنا أعانى من آلام شديدة ومستمرة فى كتفى الأيمن ولم أحصل على علاج شافى يريحنى .
وأخيرا نصحنى الأطباء بأن أحصل على علاج بأشعة (×) .
لقد قرأت خطابك باهتمام .
وصور ملابس النساء التى أرسلتيها ليس جديدة على .
فعادة ما نرى نساء أوروبيات وأمريكيات بلاهور يلبسون نفس المودات .
ولقد رأيت نساء عربيات فى القاهرة وبيروت ودمشق فى نفس الزى .
ببساطة ، لا أستطيع أن أتصور كيف تستطيع إمرأة تحمل بين جنباتها أى معنى للحشمة أن ترتدى مثل هذه الأزياء حتى فى بيتها أمام المقربين من أقاربها ، لا أن تخرج إلى الشارع بهذه الأزياء .
وأنا سعيد جدا أن أعلم بأنك تستهجنين ذلك الزى .
إذا أمكنك أن تتعلمى اللغة العربية أو اللغة الأوردية ، وتدرسى بصورة مباشرة التعليمات التفصيلية لرسول الله محمد عليه الصلاة والسلام على الأخص للمرأة ، فآمل أنك ستجدين فيها الخصائص الصحيحة والمناسبة للطبيعة الأنثوية .
الدور الإجتماعى الذى تلعبه المرأة الغربية ، ليس فى الواقع هو "التحرر" ولكنه الإفساد والعبودية ، وكنتيجة للدعاية الخاطئة والمضللة ، المرأة تحاول أن "تتأنث dewomanize" نفسها .
إنهن يعتقدن أنه من العار أن يملأن حياتهن ويؤدين العمل الذى يتفق مع طبيعتهن التى خلقن لها .
وبدلا من ذلك يردن أن يتشبهن بالرجال .
لقد أثبتت الحضارة الغربية أنها فى منتهى القسوة للأنوثة .
من ناحية ، فهى تطلب من المرأة أن تتحمل وطأة الطبيعة بمفردها ، ومن ناحية أخرى تدعوها هذه الحضارة بأن تؤدى الواجبات المختلفة للرجل .
وهكذا فقد وضعت بين شقى الرحى .
وعلاوة على ذلك ، فقد أغرت نفس هذه الدعاية النساء بأن يصبحن أكثر وأكثر جاذبية للجنس الآخر وبذلك يخرجن عن حشمتهن ويرتدين القليل من اللباس أو حتى يتعرين منها .
لقد تحولن إلى لعبة فى أيدى الرجال .
أثبت الإسلام بأنه هو الذى كرم المرأة حقا ، بأن جعلها فى عصمة رجل واحد وحجبها عن بقية الرجال .
الإسلام يعطى طبيعتها فى الحياة المخصصة لها ، القيمة العالية .
بينما فى المقابل ، تستعبدها الحضارة الغربية لعدة من الرجال ، وربطتها بمفهوم خاطئ ، بأن الأعمال التى تؤهلها لها طبيعتها هى من العار والخزى .
المعلومات التى حصلت عليها عن جامعة المدينة ، غير صحيحة .
فالمنهج الذى قدمته بمعرفتى وتمت الموافقة عليه من قبل لجنة شكلت بواسطة الملك ، يحتوى على دراسة القرآن الكريم ، والحديث ، والفقه وعلم الكلام والتاريخ الإسلامى بالإضافة إلى الفلسفة الأوروبية وعلم الشريعة والتاريخ والإقتصاد والسياسة والأديان المقارنة مع لغة أجنبية واحدة (الإنجليزية .. الفرنسية ..
الألمانية) كمادة إجبارية .
وهذه الدراسات لا يجوز أن يطلق عليها بأنها "علمانية" أو "دينية" بالمفهوم الضيق لهذين المتطلبين .
تم التخطيط لهذه الجامعة بحيث لا تشبه غيرها من الجامعات الحديثة أو المدارس القديمة ، وستحتل مكانا فريدا خاصا بها .
نتمنى تخريج علماء مسلمين متمكنون من العلوم الإسلامية بالإضافة للعلوم الحديثة وبذلك يكونوا مؤهلين للحياة المعاصرة .
مثل كل الأراضى الإسلامية الأخرى ، فالسعودية الآن تشهد حضارتين متناقضتين .
فاكتشاف البترول قد أدى إلى تضخم الثروات بشكل غير محدد ويفوق الخيال ، وقد فتحت البوابات للحضارة الغربية على مصراعيها .
وقد أقيمت مدينة الرياض الحديثة فى الصحراء ، كتوأمة لعواصم المدن الغربية .
وكذلك مدن أخرى لجدة والظهران .
حتى مكة والمدينة فى سبيلهما للحداثة .
وفى ظل هذا الوضع الحرج ، فلو فشلنا فى إخراج علماء من الدرجة الأولى الذين يمكن لهم تجهيز العربية السعودية بالثقافة والقيادة العملية ، هذا الحصن للإسلام ، أخشى أن ننجرف للثقافة المادية كما حدث فى كل من تركيا والآن مصر وتونس ومراكش وأندونوسيا وباكستان التى تواجه قبضة هذه الثقافة القاتلة .
أعتقد أنه من واجبنا العمل بكل ما نقدر على إنقاذ هذا المركز الإسلامى من هذا الخطر المتصاعد .
الحبيب بورقيبة رئيس تونس ، يتبع خطوات "كمال أتاتورك" التركى بحذافيرها .
وكل هؤلاء الزعماء الذين ينسبون أنفسهم للإسلام الحديث ، يلعبون لعبة الغدر فى بلدانهم الخاصة .
حينما ينطلق هؤلاء للكفاح ضد الإستعمار الغربى ، يناشدوا المسلمين باسم الإسلام ، ولكن فور يمتلكون القوة ، يجعلون الدين هو كبش الفداء "للتأخر" ويخمدون بكل قسوة ، كل توضيح للأفكار الإسلامية والثقافة الإسلامية .
كل هؤلاء القوم هم نتاج الإستعمار الغربى .
ليس لديهم معرفة أو تقدير للإسلام .
لقد تعلموا فى البلدان البريطانية أو الفرنسية أو الأوروبية .
البعض منهم متزوجونمن زوجات أجانب (بورقيبة زوجته فرنسية) .
هم نماذج مماثلة فى تصرفاتهم وحياتهم الشخصية للأوروبين .
لقد قبل المسلمون قيادتهم ليحصلوا على حريتهم السياسية من الإستعمار الغربى ، ولكن هؤلاء القادة المغتربون ، يحاولون إزالة الأثر الأخير من الحضارة الإسلامية من عوالمهم ، ليزدادوا قوة وأمنا .
لقد تقابلت مع "د. ولفرد كانتويل سميث" وجها لوجه عام 1958 حينما قدم لى نسخة مكملة لكتابه الذى ذكرتيه فى خطابك الأخير ، مثل هؤلاء الرجال يريدون أن يصنعوا إسلاما جديدا ويحاولون فاشلين ، أن يبعدونا عن الإسلام الحقيقى الذى يستند إلى الكتاب والسنة ، وأن نقبل النسخة المعدلة حسب الطلب وحسب أهوائهم .
المسلم يجب أن يبقى مسلما بإحساسه الأصيل ، أو أنه ويأبى الله ذلك ، إذا خرج عن نقاء الإسلام فإنه سيختار منتصف الطريق بين الإثنين ، وفرص البقاء فى الإسلام الدافئ يكون خافتا جدا فى الحقيقة .
أنا متعجب جدا من الحماقة الأوروبية !!! حينما يريدون محاربة الشيوعية يلجأون للإسلام لمحاربتها لأنه الكفر ، ومن الناحية الأخرى ينظرون إلى الإسلام الحقيقى على أنه خطر عليهم ، ويعملون على إخراج المسلمين من دينهم ويشجعون كل أنواع الإبتداع والإرتداد منه .
مساكين هؤلاء القوم ، إنهم لا يفهمون النتيجة الحتمية لحماقتهم تلك كيف ستكون ؟؟؟ دائما يشجعون هؤلاء الذين يفرزون أشياء غير إسلامية فى البلاد الإسلامية ، ولا يتعبون من دمغ هؤلاء الأشخاص الذين يعملون ويكافحون من أجل إبقاء الروح الحقيقية للإسلام ، يتهمونهم بأهم "رجعيون ومتعصبون" .
ولا يكتفون بهذا الهجاء بل يعملون على أن يكون هؤلاء الزعماء المحدثين مضطهدين للمسلمين الذين يعملون على صحوة الإسلام .
الله وحده الذى يعلم إلى ماذا ستؤدى هذه الإنتقادات الخاطئة والغير متعقلة من نقادنا الأوروبيون .
فليتأكد ويطمئن كل من د. ولفرد كانتويل ونظرائه الذين هم من بين أظهرنا ، أن الغلبية العظمى من المسلمين لن يستبدلوا دينهم ويعتقدون بهذه النسخة المشوهة التى يريدونها لهم .
الحمد لله فإن المصادر الأساسية ، القرآن الكريم والسنة النبوية قد حفظت لنا سليمة لا يشوبها شئ .
وحتى لو بقى مسلم واحد له القدرة بأن يطلع على المصادر الأساسية لا تلك المنحرفة ، فهذه الأخيرة لن يكون لها موقع فى الإعتقاد بين المسلمين .
رحلتى لأفريقيا قد تتأجل حتى شهر يوليو نتيجة لأن حالتى الصحية لا تسمح لى بالسفر .
كما أن أصدقائى يفضلون الذهاب لإفريقيا عندما تهدأ مرحلة الإنتخابات ويسود الهدوء السياسى هناك مرة أخرى .
مع تحياتى وتمنياتى الطيبة .
المخلص
الخطاب (7)
عزيزى مولانا المودودى
لقد صدمت حينما علمت بأنك لن تقوم برحلتك لإفريقيا لاعتلال بصحتك ، وأنك تعانى المرض منذ شهرين .
أتمنى أن يصل الطباء إلى العلاج الذى يريحك .
ويخفف عنك الألم .
معاناتك لهذا الألم ، لاشك أثقل عليك لتكتب لى هذا الخطاب المفصل ، والإجابة على أسئلتى لتريحنى .
نستمع هذه الأيام بكثرة فى الراديو والتلفزيون والصحافة الحث على "رفع مستوى المعيشة" و "التطور الإقتصادى" فيما يسمى "بالدول النامية" .
وفى سبيل الوصول إلى ذلك لابد من مساعدات ضخمة خارجية من الولايات المتحدة أو الإتحاد السوفيتى .
لقد أصبح الكلام هن "التطور الإقتصادى" فى هذه البلاد المسماة "الدول النامية" هوسا .
التطور الإقتصادى للدول النامية ، يترجم ليعنى ، التعمير والتصنيع والزراعة الميكانيكية .
ولنكون عمليين فى الكلام ، فالتطور الإقتصادى ببساطة يمكن أن يترجم على أنه أداة لنشر التغريب فى دول آسيا وإفريقيا .
محاربة الأمية ونشر التعليم دائما مطلوب بالتأكيد ، ولكن فى أيامنا هذه تحت هذا السياق فهو يعنى تعليم العلمانية الحديث على أسس غربية وضغوط تكنولوجية .
وسائل الإسلام للوصول إلى العدالة الإجتماعية والتوزيع العادل للثروة ، يتم عبر الزكاة وقوانين التوريث وقواعد الأوقاف والتحريم المطلق للفوائد على رؤوس الأموال .
الحركة الوحيدة فى أيامنا هذه التى حاولت تطبيق قواعد الإسلام هى حركة "الإخوان المسلمين" المحظورة ، والتى اسسها "حسن البنا" عام 1928 .
أثناء مراهقتى ، كنت مبهورة بشكل كبير لبعض مؤسسات الأمم المتحدة كاليونسكو (the United Nations Educational and Cultural Organization) ، لأنى كنت دائما منفعلة-عالميا ومهتمة بتعجيل التبادل الثقافى والفهم الصحيح بين الأمم المختلفة فى العالم .
ولكنى مؤخرا بدأت أنظر نظرة قاتمة حتى إلى اليونسكو .
لقد قرأت كل مطبوعاتها ونشراتها منذ حداثتى فى سن 12 عاما ، عام 1946 ، منذ نشأتها ، وبالرغم من أنه من المفترض ، أن يكونوا موضوعيوين وعلى قدر كبير من النزاهة ، إلا أنهم كالغربيين ، كانوا ضد مفهوم الحياة الإسلامية .
فى الحقيقة ، فأنا أنظر إلى مؤسسات الأمم المتحدة إلى أنها تعمل على انتشار التغريب والمادية الحديثة .
أول مدير لليونسكو "السير توماس هكسلى" هو حفيد الإحيائى الإنجليزى المشهور ، "توماس هكسلى" مؤلف عدة كتب عن الإلحاد والمادية .
فى الفصل الأخير من قصتى "أحمد خليل" عن السيرة الذاتية للاجئ عربى فلسطينى ، والتى نشرت فى مارس 1961 فى "الملخص الإسلامى .. بديربان" ، ومنذ نشرها وأنا أتلقى تعليقات عليها من كتاب مسلمين يعترضون على تعاطفى مع صور من الحياة فى العصور الوسطى ، من لبس ملابس تختص بالعصور القديمة ، والأكل بالأصابع فى صحن مشترك ، والنوم على الحصير على الأرض ، الخ .... ويصرون على أنى أسأت إساءة بليغة للقضية العربية بتصويرى لأشخاص يعيشون بهذه الطريقة المتخلفة ، ما رأيك أنت فى ذلك ؟؟؟
فى تصورى أن النخبة الحاكمة فى كل من آسٍيا وإفريقيا مهوسة بدعوى "التطور" فى بلادها ، ليس فى الحقيقة لرفاهية الشعب ، ولكن بالأحرى ، لأنهم فى خجل منهم !!! إنهم يرتعشون بحدة من عقدة النقص كلما ذكرت بلادهم بأنها "متخلفة" .
أعتقد أن هوس جذور التصنيع ليس لأى شئ حقيقى إيجابى تكتسبه البلاد ، ولكن بسبب أن المصانع العملاقة وسدود الأنهار الضخمة والمشروعات الهيدروكهربائية تزيد من سمعة وإحترام البلاد لاعتبارخا من الدول المتقدمة .
الأمم ليست مختلفة عن الأفراد الذين يتكالبون على جمع الثروة بكل ما أوتوا من قوة للفخر بها .
ويصور القرآن الكريم بجمال هذه الصورة إذ يقول "اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ" ، هذه الآية القرآنية أكثر وضوحا هذه الأيام عما كانت فى عهد الرسالة .
"مداخلة : هذا زهد مبالغ فيه ، فالإسلام لا ينهى عن عمارة الأرض وعن تنفيذ ما ينفع الناس" .
حاليا أفهم لماذا الإيمان باليوم الآخر ضرورى وجزء من الإيمان بالإسلام ، وكثير من الآيات القرآنية تركز عليه .
بمجرد أن يؤمن الإنسان باليوم الآخر ، فقيمة هذه الدنيا تضمحل أمام عينيه وتفقد أهميتها عنده .
الإيمان باليوم الآخر يعطى للمؤمن منظورا حقيقيا للحياة بحيث يستطيع التمييز بين ما هو حقيقى وهام وما هو غير ذلك .
يبدأ هو أو هى فى التطلع للأفضل، والذى يبقى له فى الآخرة وليس إلى كل ما هو مادى يفنى سريعا ولا يترك له أثرا خلفه .
الإيمان بالحساب فى اليوم الآخر ، هو المحرك الخلفى لكل القيم الأخلاقية .
بدون هذا الإيمان فالقيم الأخلاقية لا معنى لها .
إذا كانت الآخرة فى حد ذاتها قيمة أخلاقية ، فلا يجب أن تكون نتيجة أمنيات فكرية ، كما يقول المشككون ، لكن يجب أن تكون حقيقة موضوعية .
لقد سبق أن ذكرت لك شعورى الإنعزالى من أؤلئكم الذين يشاركونا فهمنا .
هنا فى نيويورك ، مجموعة صغيرة من المسلمين الذين أقابلهم فى المسجد أسبوعيا حينما أذهب هناك لتعلم اللغة العربية .
أنا أذهب يوم الجمعة لجامعة كولومبيا لأقابل مجموعة من الطلبة المسلمين من بلاد مختلفة ومن ضمنها "باكستان" ، حيث نتجمع لصلاة الجمعة ، ثم نلتقى على عداء للمناقشة ، ولكن أفكارهم تشبه آراء أبوى ، وتصطدم معى فى كل شئ .
هم يعتقدون بقوة بأن الإسلام لابد أن يلتقى مع الحضارة الأوروبية وقيمها ويمارسوا التعديل وفقا لذلك .
حتى أن بعضهم ينتقد التعاليم الإسلامية الأساسية .
والكثير منهم يشكك فى صحة الأحاديث النبوية .
وبالرغم من أنى أبذل كل جهدى لأكون مؤدبة ولبقة معهم ، لكنى لا أستطيع إقناعهم كما أنهم لا يستطيعون إقناعى .
أتركهم دائما وأنا محبطة .
مدرسى للغة العربية فى المسجد ، وهو مصرى من القاهرة ، قال لى أن ينظر لكونه مصرى كما ينظر لكونه مسلما !!! وأن هذا الشعور ليس صناعيا وبعيد عن التغريب ، فهو يولد فى قلب الإنسان فى كل مكان .
أريد أن أسألك ماذا أفعل فى هذا الأمر ؟؟؟ ومنذ نوفمبر 1959 لقد كتبت عدة مقالات أدافع أدافع فيها عن هذه النقطة ، وقد نشرت فى كثير من المجلات باللغة الإنجليزية ، ولكنى أشعر بأنها ليست كافية .
وبالإضافة للكتابة ، أكون ممتنة لو أرشدتنى إلى شئ عملى بهذا الخصوص قمت أنت به وتقوم به حاليا .
مع كل دعواتى لك بالتحسن فى صحتك ، أرسل لك السلام لك ولأسرتك .
المتقدمة لك بوافر الإحترام
الخطاب (8)
عزيزتى آنسة مارقوس
استلمت خطابك المؤرخ فى 12 أبريل ، وأعتذر إليك مرة ثانية ، للتأخير فى الرد ، فكما تعلمين السبب هو تأخر صحتى ومزيد من الأعمال .
والحمد لله فبعد فترة مرض طويل ، عولجت بأشعة (×) ، وتقريبا تماثلت للشفاء ، مع شعور بأنه ما زال هناك بعض الضعف .
لقد قرأت باهتمام قصتك فى "المرجع الإسلامى" والتى أرفقتيها بخطابك .
لقد سطرت يداك صورة دقيقة عن قوة تأثير المادية الغربية على المسلمين العرب .
لقد رأيت بعينى أثناء زيارتى الأخيرة ، مدى هذا التأثر على حياة العرب ، وناقشت تلك المسائل مع المفكرين والمصلحين المحبين للإسلام .
التعليقات التى استقبلتيها عى قصتك ، لا تدهشنى بالمرة .
حتى المخلصين من المسلمين يخشون من أن الغربيين والمسلمين المحدثين قد يشمئزوا حينما تعرض هذه الصور "التقليدية" عليهم .
من الطبيعى أن يكون رد فعلك على هذه الآراء المضادة مختلطا بالفزع ، ولكنيجب عليك أن تتفهمى هذا الوضع .
إذا صبرتى على نشر حقيقة الإسلام ، فتأكدى بأنك ستنجحين وستفوزين فى جهودك فى النهاية ، وستربحين بمن يعتنق الإسلام .
وأنصحك بألا تحاولى إقناع كل الناس ، خصوصا هؤلاء الذين لا يأبهون للسماع لك ، وآراؤهم مخالفة تماما لآرائك ، حتى ولو كانوا هم أبائك المحبوبين .
فالله سبحانه وتعالى يقول لنا "فذكر إن نفعت الذكرى" .
عليك دائما بالبحث عن الأرواح التى يمكنها الإرتفاع عن المفاهيم المادية البحتة ويقدرون القيم الروحية والأخلاقية العليا .
ما لم تتوصلى لمثل هؤلاء الأشخاص ، فستشعرين بالعزلة وتظلين فى متاهات المادية المتوحشة ، والمهاترات والمناقشات مع أشخاص معادين يحاولون أن يزرعوا الكآبة فى ذهنك .
من الطبيعى أن تريد هذه الدول المسماة "الدول النامية" العمل على أن يضعوا حدا لتخلفهم بالسرعة الممكنة ، ويلحقوا بالدول الغربية فى سباقها للتقدم المادى .
ولكن المأساة ، أن المعونة من الدول الأجنبية الغنية ، هى مقدمة لطوفان من التبعية الثقافية المدمرة لديننا ، وقيمنا وحضارتنا ، وكل ما هو قريب من نفوسنا وعزيز لدينا نجد فيه معنى حقيقيا للحياة .
الأنكى من هذا ، هو أن يسند أمر الأمة إلى أناس من ذوى الأفكار المهزومة والذين يعملون على تغيير أسس الشريعة بالرغم من ضآلة معلوماتهم .
هذا الوضع ذو خطورة مزدوجة .
ليس فقط أنها تهديد للنموذج الإسلامى ، ولكن أيضا إمكانية أن تقع البلدان الإسلامية فى أحضان الشيوعية .
حينما يشاهد المسلمون مقدساتهم وقيمهم السامية فى الحياة تداس تحت الأقدام ، وأنه لم يبقى لهم إلا الأفكار المادية التى تقود حياتهم وموتهم ، بالتأكيد فسيكونون تربة خصبة للدعاية الشيوعية والتسلل والمؤمرات .
أعتقد أن السياسة الأمريكية ستعانى ولن تعوض الخسائر فى الدول الإسلامية .
وقد بلاقوا نفس المصير الذى واجهته فى الصين وجميع التبرعات النقدية والعينية وتقع فى أيدى العدو .
التحيز المتجذر ضد الإسلام وكراهية المسلمين بين الأمريكان والغرب أعماهم حتى عن خسائرهم هم .
السؤال الذى أثرتيه فى نهاية خطابك السابق ، هو سؤال هام لا شك .
هذا بالضبط هو السؤال الذى كنت احاول أن أصل لحله منذ السنوات الخمس والثلاثون الماضية .
بدأت جهودى فى فهم الإسلام والعمل لإحيائه منذ شبابى فى الثالثة والعشرين من العمر ، ومنذ ذلك الوقت فقد كرست كل حياتى وعملى له .
لم يكن لدى أية تطلعات لمجرد منهجية دفاعية أو خلفية دفاعية .
فقد انطلقت من ثلاثة محاور هجومية .
فمن أحد النواحى ، فأنا أعرف بمنتهى الوضوح القواعد والأسس التى ينبنى عليها الإسلام .
لقد شرحت بشكل مفصل كيف أن طريقة الحياة فى الإسلام تتفوق كثيرا فى جميع النواحى عن مثيلاتها الغربية .
وثالثا ، قدمت حلولا إسلامية عملية للمشاكل ... التى حتى المراقبون المسلمين ... يرون أنه لابد من اتباع الغرب فى حلها .
ونتيجة لهذا العمل ، فإن الملايين من المسلمين فى باكستان والهند ، من كل مشارب الحياة ، يشاركونى الحماس لعودة النظام الإسلامى .
حوالى 25 من كتبى باللغة الأردية قد ترجمت للغة العربية ، ونسبة كبيرة من المسلمين فى العالم العربى يقدرون ويدعمون أفكارى .
إننى أحنى جبهتى لله سبحانه وتعالى وأحمده على كل هذا .
وللأسف فحتى الآن القليل من أعمالى ترجمت للغة الإنجليزية .
ولو أمكنك تعلم اللغة الأردية ، فربما تساعدك كتبى فى صراعك للدعوة للإسلام فى أمريكا .
ياترى هل تعلمين بأن منظمة باسم "الجماعة الإسلامية" كانت تعمل منذ عام 1941 فى الهند-باكستان فى شبه القارة الهندية ؟؟؟ .
تسعى "جماعة الإسلام" على نشر وتطبيق المفاهيم التى ذكرتها فى كتاباتى .
وبعد إنفصال باكستان عن الهند ، أصبح هناك جماعاتان ، أحدهما بالهند وأخرى بباكستان .
وقد منع الرئيس "أيوب خان" الجماعة الثانية مع كل الأحزاب السياسية الأخرى ، حين صدور الأحكام العرفية عام 1958 ؛ والجماعة الأولى ما زالت تعمل فى الهند تحت قيادة مستقلة .
لقد سردت لك هذه القصة لأجعلك تعلمين بأنه لكى تحصلى على بعض المكاسب الإيجابية فى الدعوة للإسلام ، لابد من التضحية بصبر لأعوام عدة .
علاوة على ذلك ، لكى تحققى النجاح فى أمر ما ، لابد تحيطى علما بالمناخ العلمى والأخلاقى الذى حولك .
إنه طريق صعب وغير مريح على طول الخط .
أنت الآن قد بدأت هذا الطريق .
أقدر تماما مدى الصعوبة والألم التى تواجه شابة غير متزوجة تتحول لتعمل للإسلام فى بلد كأمريكا ، ولكنك حينما اعتنقت الإسلام لا شك تشبعتى بوضوح الواجبات التى أنيطت بك ، يجب عليك أن تستعينى بالله العظيم وأن تحتسبى كل المسئوليات التى اختارك الله سبحانه وتعالى لها .
كل ما تبذلينه من جهد وإخلاص فيه ، سيعود عليك بتوفيق وعون من الله سبحانه وتعالى ، وستفتح أمامك الطرق والسبل بما لم تكونى تتوقعيه مسبقا .
أعترف بأنى مفرط فى صحتى ، ولكنى مضطر لأداء كثير من الأعمال .
يوميا هناك الكثير الذى يجب أن أقرأه وأحرره ، تصلنى كثير من الخطابات من الناس ، والكثير يأتون لزيارتى ، ولذلك فإذا تأخرت فى الرد على خطاباتك فلا تنزعجى واستمرى فى مراسلتى حتى أظل على علم بمجهوداتك ونشاطك .
أنا مهتم جدا بكفاحك فى سبيل الإسلام .
وأيضا ، فأنا أرغب فى نشر بعض مقالاتك فى الصحيفة الأردية الشهرية ، "ترجمان القرآن" متضمنة بعض خطاباتك ، ولكن لن أذكر فيها الأشياء الشخصية الحميمة .
وأرجو ألا يكون لديك اعتراض على هذا .
هل لى أن أسألك ، هل اتخذت اسما إسلاميا لك ؟؟؟
مع السلامات والتمنيات الطيبة .
المخلص
الخطاب (9)
عزيزى مولانا المودودي
لقد سعدت جدا باستلام رسالتك المؤرخة فى 20 مايو وشعرت بارتياح حينما علمت بأئك تتعافى من مرضك .
وأتمنى لك الشفاء العاجل .
لك كل الحرية فى نشر خطاباتى ومقالاتى فى "ترجمان القرآن" ، كما تشاء ,
من كل الخطابات التى استلمتها تعليقا على قصتى القصيرة ، فتعليقك هو الوحيد الذى تفهم الذى كنت أريد أن أقوله فيها .
كما أخبرتك فالفصل الأخير من هذه القصة القصيرة "أحمد خليل" : السيرة الذاتية للاجئ عربى من فلسطين ، فقد بدأت فيها الكتابة فى أغسطس 1949 حينما كنت فى الخامسة عشر من العمر .
الجزء الأول يتكلم عن طفولته المبكرة فى قرية صغيرة جنوب فلسطين ، بيته والبيئة المحيطة وأفراد عائلته ، ينتهى الأمر بطردهم المأساوى من بيوتهم خلال حرب فلسطين عام 1948 ، وما حدث من دمار شامل للقرية (ومع هذا الدمار دمار كلى للقرية) بواسطة القوة المتفوقة الصهيونية .
يبدأ الفصل الثانى ، حينما كان عمر "أحمد خليل" ثمانية عشرة عاما وقد تزوج قبل عامين ، وقرر أن يترك مخيم اللاجئين بدون إذن من الحكومة ، مصطحبا البقية الأحياء من عائلته ليؤدوا الحج فى مكة "بشكل غير قانونى" ، وقد قرر أن يجعل المدينة مقره الدائم لحين العودة لفلسطين .
باقى القصة تركز على ابن عمه "رشيد" ، الذى كان خلال حياته صديقه الحميم ورفيقه ، وأخيه الصغير المتخلف عقليا "خليفة" ، وابنه المتبقى على قيد الحياة "إسماعيل" ، وابنه المتبنى ، "عبد الرازق" طالب دين بالأزهر الشريف ضرير وقد أصبح راحته الوحيدة .
الجزء الأول من القصة بؤكد على شرور المادية الغربية واحتضانها لأغراض الكيان الإستعمارى الصهيونى ، وتنتهى الفصول الأخيرة مبينة الأثر الضار لصناعة النفط فى السعودية حيث يمتد إلى الحياة اليومية والمصير المحتوم لهذه الأسرة العربية المسلمة .
قصتى تعبر عن نفس أفكارك التى فى كتبك ، فقط فى صورة قصة .
ولأسباب واضحة ، (بعيدا عن قيمتها الأدبية أو قصورها) "أحمد خليل" غير مرغوب فيه هنا ، ولم أتمكن من الحصول على فرصة مع الناشرين الأمريكان .
الأن أنا فى صدد تجميع كتاب آخر ، حيث سيكون عنوانه ، "الإسلام يهاجم من الداخل ومن الخارج" :
دعاية أدبية عن معاداة الإسلام .
ليس غرضى منه أن أظهر فقط بالتفصيل كيف أن الإسلام يحارب بواسطة المستشرقين الأوروبيين والمسلمين المتغربيين من الداخل ؛ أريد فوق كل هذا لأعرض لعقلية خصومنا .
لن يفيدنا مجرد إدانة أعدائنا .
لكى نحاربهم بكفاءة ، أعتقد أنه من الضرورى لنا أن نفهمهم ونعرف كيف يفكرون .
من بين المؤلفين ، أريد أن أتكلم بالتفصيل عن "ولفرد كانتويل سميث..مدير المعهد الإسلامى بجامعة ماك جيل بكندا" .. "هـ . جـ , ويلز .. المؤرخ البريطانى الشهير" .. "أرنولد توينبى" و "ويليام دوجلاس .. القاضى والذى يعمل حاليا فى المحكمة المريكية العليا" و "جوليان هكسلى .. الأحيائى والمدير السابق لليونسكو من 1946 - 1948 " و "ألبرت شويتزر" و "مسز إليانور روزفلت" و "جون س. باندو ,, المدرس السابق بالكلية الأمريكية ، وويعمل الآن سفيرا لأمريكا بالجمهورية العربية المتحدة" , ومن بين المتغربيين المسلمين ، سأضمن الكتاب ، "ضياء جاكالب" و "د. طه حسين" و "آصف ايه فايز .. وكيل جامعة كشمير" .
كل اقتباس ، سيبدأ بفقرات تمهيدية ثم يتبع بتعليقات تفصيلية .
وسأكتب مقدمة طويلة فى مقدمة المختارة الأدبية ، وخاتمة الكتاب ستكون مختصرة ومشرقة .
كنت توا أقرأ كتابا يحتوى على معلومات مفيدة ، للراحل "محمد على" ، الرئيس السابق للحركة الأحمدية بلاهور وعنان الكتاب "المسيح الدجال ويأجوج ومأجوج" ، ويشرح فيه ، يكف أن النبوءات للرسول محمد عليه الصلاة والسلام فى هذا الخصوص قد تعنى هيمنة المادية الغربية على العالم .
وبالنسبة لتخوفى أن ما يسمى "المساعدات التقنية" لبلدان العالم النامى تعنى فقط توسع المادية الغربية ، نبينا عليه السلام ، كان يعلم ذلك جيدا وقد قال : "أن الدجال سيعطى فقراء المسلمين طعاما ، ولكنه سيخرجهم عن إيمانهم" .
وللأسف ، لقد أفسد الكتاب ، حيث أراد أن يقنع قراءه بأن "ميرزا غلام أحمد" القديانى ، هو المهدى المنتظر .
فى الشهور الأخيرة ، كنت أحاول الإتصال مع "سيد قطب" ، وكما تعرف أكثر من اى شخص آخر ، فقد سجن تحت "ناصر" ، ومنذ حلت الإخوان المسلمون فى عام 1954 .
وبالرغم من أنه لم يكن قادرا على الكتابة لى بنفسه ، فقد استلمت من أخته "أمينة قطب" خطابا جميلا تقول فيه بأن خطاباتى له قد وصلته فى زنزانة السجن وأنها تريد أن تكتب لى بالنيابة عنه .
سيد قطب عالم ومؤلف لعدة كتب ويعتز بك كثيرا ، وقد أثنى على كتبك ونصحنى بقراءتها .
ما أيشع هذا الذى يجرى فى الدول المسماة إسلامية ، الإسلام مضطهد جدا أكثر مما فى الدول الغير مسلمة .
أرفق مع خطابى هذا نسخة من النشرة الأسبوعية للكنيسة المحلية "يونيتاريان Unitarian" ، وآبائى وأختى الكبيرة بفكرون بأن يكونوا أعضاء فيها .
حتى الآن مازلت تحت الإنطباع بأن هذه الكنيسة هى من الطائفة النصرانية ، التى رفضت التثليث وألوهية المسيح ، وتنظر إلى سيدنا عيسى عليه السلام بأنه نبى وتؤكد على وحدانية الله .
على كل حال ، فأبوى وأختى يعتنقون عقيدة لا تختلف عن "الإنسانية اللاأدرية" لحركة الثقافة الأخلاقية .
منذ خمسة أيام مضت ، فى عيد الأضحىوبعد الصلاة ، وبحضور اثنان من أصدقائى المسلمين ، رسميا نطقت بالشهادتين ، وذلك يدخلنى كاملا فى الإسلام .
وقد استلمت من البعثة الإسلامية لأمريكا فى بروكلين ، من الشيخ "داوود أحمد فيصل" شهادة إعتناقى للإسلام .
واسمى الآن "مريم جميلة" ومن الآن فصاعدا سأمهر به كل مراسلاتى وكتاباتى .
وبما أن آبائى لا يريدون مناداتى بالإسم العربى وكذلك آخرين من العائلة ، فلن أصر عليه معهم ، ولكن معك ومع كل إخوانى وأخواتى فى العقيدة ، فسأستخدم فقط الإسم الجديد الذى أعتز به وأفخر به .
متمنية لك دوام الصحة والتحسن فيها ،لك فى الإسلام
الخطاب (10)
لاهور فى 20 يونيو
عزيزتى مريم جميلة
لقد استلمت خطابك المؤرخ فى 29 مايو وقد سعدت قلبيا بأن أعرف أن أصبحت جزءا لا يتجزأ من الأخوة العظيمة للإسلام ، وذلك بنطقك بالشهادتين وتبنى اسما إسلاميا لك .
كل ذلك كان أمر طبيعيا نتيجة أفكارك وقناعاتك .
وأتضرع إلى الله سبحانه أن يقبل إخلاصك له ، ويمنحك القوة على العيش والعمل للإسلام ، كما يمنحك ويساعدك على مواجهة الجو المعادى لك والمحيط بك .
وأنا ممتن لك على القلق حول حالتي الصحية.
الحمد لله حالتي الصحية قد عادت الى حالتها الطبيعيه.
وإن شاء الله ، أنوي المغادره إلى إفريقيا فى يوليو المقبل .
شكرا على السماح بنشر اجزاء من مقالاتك ورسائلك .
وفى إعتقادى ، انها ستكون بمثابة فتح لأعين الشباب المسلم هنا ، فستمدهم باكتشاف مغاير لما هم عليه من تغريب أنفسهم ، رغم ولادتهم في مجتمع مسلم وهاهى فتاة ولدت في نظام يهودى فى امريكا الحديثة ، والذي كانت تناضل من أجل الحقيقة وتسعى إلى ممارستها ، وها قد وجدتها فى النهاية .
أرجو أن تكونين مثالا لهم يعلمهم درسا .
أرجو أن ترسلى لي نسخة من رواية "أحمد خليل" .
سأحاول أن أجد الوقت لقراءتها ، ثم عرضها على دور النشر التى تنشر لى ، "السادة المنشورات الاسلامية المحدوده .. بلاهور" .
ويسرني إذا وافقت على طباعتها .
مقتطفاتك عن الدعايه ضد الاسلام يمكن أن تكون مفيدة جدا وومرشدة .
هناك العديد من الحقائق التي لا ينبغي ان تغفلى عن ذكرها .
أن الشيوعيين فى الشرق ، والديموقراطيين فى الغرب يضعوا أيديهم فى أيدى بعضهم البعض فى العداوة للإسلام .
ثانيا ، حينما يخرج أحدهم من أو ينحرف عن الإسلام ، ترتفع الأصوات عاليا في الاوساط الغربية ، مما يشجع المسلمين المحدثين على الجرأة على الإسلام وأكثر تبجحا فى إيذاء الدعاة للإسلام .
واستنادا لهذه الانتقادات ، فهم يفسرون الخروج عن الاسلام مرادف "للتنوير" و "التقدم" ، وفى أفراطهم المتزايد ، يكتسبون المعجبين من الذين يدعون تحديث الإسلام ويزدادوا أكثر حماسا فى مخططاتهم .
ويجعلون الحكام يشنون حربا مفتوجة على المحكومين ، وكنتيجة لهذا الصدام الداخلى ، تصبح البلاد الإسلامية خالية من الحيوية .
وكنتيجة أخرى لهذا الموقف الذى يفتقد الحكمة ، فإن ما يسمى "بدول عدم الإنحياز" ، يصبح خط دفاع ضعيف وغير حصين .
وإلى الآن ، فالشيوعية تضطهد المسلمين فى البلاد التى تحكمها ، بينما الدول الغير شيوعية تعمل على إثارة الفوضى فى الدول الإسلامية الحرة ، وبذلك فالهدف الرئيسى من الدفاع المشترك يكون مهزوما .
ولذلك فالمسلمين الحقيقيين قد فشلوا فى رؤية أية فروق بين القوتين ، وأجبروا على الإعتقاد بأن جوهرهم هو نفس الشئ .
وفى ظل هذا الإشمئزاز والنفور الشديد من الأغلبية الساحقة من المسلمين ، ترى أن التحالفات التى يجريها الحكام هى تحالفات صناعية ، وقد فقدت معناها .
أنتقل الآن إلى سؤالك عن الدجال .
فى اللغة العربية فكلمة الدجال تعنى الكذاب والمخادع .
ومن هذا المفهوم ، فكل شخص مخادع ، وكذلك كل مجموعة مخادعة قهم دجاجلة .
وعلى كل حال ، قالأحاديث التى وردت عن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام عن الدجال ، (المخادع) تشير إلى أنه شخص فرد .
أثناء سلطة الدجال ، كما أخبر بذلك رسولنا ، فإن المسلمين سيقاسون من الإضطهاد .
وحينما أرجع إلى الأحاديث التى وردت فى الدجال أو "المسيح الدجال) ، أعتقد أنه لم يأت بعد ، ولكنى أعتقد أن الوقت قد حان لوصوله وستحقق هذه النبوءة سريعا .
كما أعتقد أن ظهور الدال سيكون بـ "إسرائيل" .
أنا سعيد باتصالك بسيد قطب وعائلته .
وبالرغم من أنه لم تتح لنا فرصة اللقاء وجها لوجه ، غير أن كلينا يعرف الآخر معرفة وثيقة .
لقد أرسل لى كتبه من السجن ، وقد قابلت أخاه "محمد قطب" حينما زرت القاهرة عام 1960 .
المحن التى يواجهها الإخوان المسلمون بالحديد والنار ، وكذلك كل المسلمون الأصليون فى كل مكان ، لا يجب أن تثير استغرابك .
فحينما ينشأ المسلم تحت مظلة الكفر وسيطرته ، ويرفع أعلامه بين يديه ، فسيصل إلى هذا الحد فى اضطهاد اخوته فى الدين ويعاملهم معاملة قد لا يجرؤ غير المسلمين عليها ، ولكن عاجلا أم آجلا وبالتأكيد ، سيأتى الوقت الذى يحصد فيه ما بذر .
دعواتى لك بالتقدم الثابت على طريق الإسلام .
المخلص
الخطاب (11)
عزيزى مولاناالمودودى
شكرا على خطابك فى 20 يونيو ، وأنا سعيدة خاصة وأنى قد سمعت بأن صحتك قد عادت لطبيعتها وبناء عليه فيمكنك أن تذهب فى رحلتك لإفريقيا .
وسأبعث لك خطابى هذا بالبريد السطحى ، حيث أنى لا أتوقع ردك عليه قبل عودتك للاهور فى سبتمبر .
ومما جمعته من قراءاتى ، فإفريقيا تظهر كنقطة مضيئة على الخريطة ، فيما يخص الناحية الإسلامية من معنى .
خصوصا فى نيجيريا ، حيث القيادة القادرة لأحمدو بيلو وأبو بكر توفا بلاوا .
فالإسلام ينتشر بقفزات بحيث بالمقارنة ، فكل وثنى واحد يعتنق النصرانية يقابله عشرة يعتنقون الإسلام .
فبالرغم من الكاثوليك والبروتستانت يملكون الثروات الضخمة ومن ورائهم الدعم من القوى الغربية ، وهم يحتكرون التعليم والمستشفيات والأعمال المحببة للبشر تقريبا منذ قرن ، ولكنهم يكتسبوا فقط حفنة ممن يعتنقون دينهم ، بينما الإسلام فى عدة أسابيع أو شهور ، تتحول إليه قرى كاملة .
ونشرت مؤخرا النيويورك تايمز بأن محرررها قابل بعض المبشرين الكاثوليك فى بلدة نيجيرية الذين أخبروه بأن معظم الإفريقيين الذين عمدوا ، يواظبون اليوم على حضور المسجد المحلى ويراعون الصيام فى رمضان .
أعتقد أن واحدا من أهم الأسباب لهذه الحقيقة ، أنه ليس هناك تمييزا عنصريا فى الإسلام كما هو مقبول فى النصرانية ، فكل الكنائس تعزلهم بصلابة ، بينما يرحب بهم فى المساجد ويشعرون كأنهم فى بيوتهم .
لو نظم العمل التبشيرى الإسلامى بكفاءة ، فسيجد مجالا خصبا فى العشرين مليون أسودا من الناس ، خصوصا الفقراء منهم ، والعاطلون والمنبوذون والمحتقرون ، الذين يعيشون فى "الجيتو" فى نيويورك وشيكاغو .
فى مختاراتى عن الدعاية ضد الإسلام ، ضمنت مقالا يمدح "الرئيس الحبيب بورقيبة" وحملته ضد الصيام فى رمضان ولاتى ظهرت فى "النشرة الإسلامية" ، والتى أعتقد بأنها معيبة ولا تغتفر .
معظم المعلقون والمشاركون فى مختاراتى ، على صلة بالجامعة الأمريكية ببيروت والكلية الأمريكية بالقاهرة .
هاتين المؤسستين هما مشاريع للتبشير البروتوستانتى وبالرغم من أنهم اكتسبوا عددا قليلا جدا ليتحولوا إلى النصرانية ، إلا أنهم حققوا نجاحا كبيرا فى صد الكثير عن مفاهيم الإسلام وجذبهم لطريقة الحياة الغربية .
ومنذ أيام قابلت طالبا مسلما من السعودية يدرس فى جامعة كولومبيا فى مجال التدريس ، حصل على شهادتى "أ ، ب" من الجامعة الأمريكية ببيروت ، وأخبرنى بأن كل الطلبة المسلمين لابد أن يحضروا الصلوات النصرانية بالكنيسة .
وهؤلاء الذين يرفضون الحضور ، عليهم أن يدرسوا فصلا إلزاميا فى "الأخلاق النصرانية" .
لقد تدربت فى أحد المدارس العملية على الكتابة على الآلة الكاتبة ، وذلك لاعتقادى بأن ذلك سيسر على الحصول على وظيفة كسكرتيرة .
وفى بداية بحثى عن عمل ، توجهت أولا إلى "مركز استعلامات عربية" حيث كنت أعتقد أن اهتمامى المتزايد فى الدول الناطقة باللغة العربية وفى الإسلام سيكون له قيمة ، ولكن سريعا حينما يعرفون أنى يهودية اعتنقت الدين الإسلامى وأننى لا أتعاطف مع الرئيس جمال عبد الناصر وشعاره "القومية العربية" ، فإنهم يواجهونى بلقاء بارد مما يجعلنى لا أعود إليهم مرة ثانية ، بعد ذلك ، زرت مقر "الأصدقاء الأمريكان للشرق الأوسط" فواجهتنى شابتان جميلتان بالمكاتب الأمامية وأبلغتانى بصراحة ، أن الأديان الأرثذوكسية قد اندثرت ولإن لم يضع العرب الإسلام خلفهم وينظروا إليه كرداء بالى ، فإنهم لن يحققوا تطورا إقتصاديا ويرفعوا مستوى معيشتهم .
وسريعا تبينت أن المنظمات الأمريكية التى تعنى بالشرق الأوسط ، مدارة إما بالصهيونية أو بواسطة الإرساليات التبشيرية النصرانية أو أنها تجارية صرفة .
منذ أيام كنت أمر فى نيويورك فرأيت مركز التجارة التونسى .
انتبهت بشدة للسجاجيد اليدوية والنحاس المطروق المعروض بنافذة العرض ، وقررت الدخول للمعرض لإلقاء نظرة هناك .
وقد تلقيت صدمة لم أكن أتوقعها فى حياتى ، لم أر شيئا إلا أرفف مزدحمة بقنانى النبيذ والويسكى وشراب الروم والبيرة .
وسألت السسيدة المسئولة فى المكاتب الأمامية ، هل هذه منتجات تونس المستقلة ؟؟؟ فقالت لى أن هذه المنتجات للإستعمال الشخصى وللتصدير إلى الخارج ، وهى تمثل التقدم الإقتصادى للرئيس الحبيب بورقيبة الذى جلبه لتونس .
وقالت أن الإسلام كان فقط من آثار العصور الوسطى ، وكلما أسرعنا فى التخلص منه كان ذلك أفضل !!! وقد لا حظت أن لهجتها تميل إلى اللكنة الفرنسية ، فسألتها هل أنت من الجنسية الفرنسية ؟؟؟ فأجابت بشدة نعم .
وقالت لى أن الحكومة التونسية ورئيسها بورقيبة يرغبون فى تنمية العلاقات والصداقة مع فرنسا .
وأنا اليوم أنوى الذهاب بعد الظهر إلى جامعة نيويورك ، التى سبق أن درست بها ، لأتكلم مع يهودى كان قد اعتنق الإسلام ونطق بالشهادتين فى المسجد .
وحينما علمت أنه باعتناقه الإسلام ، أخذته إلى الكنيس اليهودى حيث أجبره الحبر على الردة إلى اليهودية .
لم يكن أمامه خيار ، وذلك لأن أمه (أبوه قد مات) هددته بسحب دعمها المالى عنه إذا استمر على الإسلام .
وبما أنه كان طالب طب ، فلن يستطيع أن يعول نفسه للأعوام القادمة .
وأنا أحمد الله سبحانه وتعالى على أن رزقنى أبوين ليسوا بهذا الضيق فى التفكير وليسوا غير متسامحين كهذين الأبوين .
فى غاية الشوق لتلقى ردك على فى سبتمبر وكل التفاصيل الهامة عن رحلتك لإفريقيا .
أختك فى الإسلام
المصدر
- مقال:خطابات متبادلة بين المودودى ويهودية أسلمت !!! موقع : بلا حدود