حقوق المتهم وأمن المجتمع

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
حقوق المتهم وأمن المجتمع


بقلم : المنشاوى الوردانى

( علاقة شائكة ) !!

الحفاظ على حقوق الإنسان خاصة المتهم في جريمة ما يقع على عاتق القائمين والمباشرين لشئون الناس ، فإن كانوا صالحين حفظت الحقوق وتحقق الأمن وإذا عرفوا قدر الإنسان كما قرره الإسلام قدروه وحفظوا له حقه . وإذا أكدنا مفهوم الترابط والتعانق بين حقوق الإنسان وأمن المجتمع فإن علينا أن نتدارس بعض الأمور التى تتشابك في المعانى وتحتاج الى تحديد دقيق .

الفرق بين معرفة أخبار الناس والتجسس عليهم

لولى الأمر أن يلم بأحوال مجتمعه ، وأن يعرف أخبار الناس ، وأن يعلم بكل ما يجري لهم فهذا من حقه بل لابد من ذلك حتى لا يفاجأ المجتمع بما لا يجب ولكن ليس من حقه أن يتجسس على رعيته .

فيذكر الكتانى في اتخاذ العسس أن : " أول من عس ليلا عبدالله بن مسعود أمره على ذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه ( 1 )

ولكى ندرك فهم عبد الله بن مسعود لطبيعة عمله التى لا يتجاوز فيها ولا يتعدى على أحد نقف على هذه الواقعة :

أتى عبدالله بن مسعود فقيل له : هذا فلان تقطر لحيته خمرا ، فقال عبدالله :

إنا نهينا عن التجسس ، لكن إن يظهر لنا شئ نأخذ به .( 2)

فعينه ساهرة ، وإن ظهر له شئ أخذ به ، ولكنه لا يتجسس على أحد وذلك مما تعلمه من النبي – صلى الله عليه وسلم – حيث يقول " إذا ابتغي الأمير الريبة في الناس أفسدهم " ( 3 )

ولقد سار الحكام الصالحون على نهج القرآن والسنة في عدم التجسس يقول عمر بن الخطاب – رضي الله عنه : " إنا كنا نعرفكم ورسول الله فينا ، والوحى ينزل وينبئنا بأخباركم وأما اليوم فإننا نعرفكم بأقوالكم فمن أعلن لنا خيرا ظننا به خيرا ، وأحببناه عليه ، ومن أعلن لنا شرا ظننا به شرا وأبغضناه عليه ، سرائركم فيما بينكم وبين الله " ( 4 )

فعمر – هنا – يأخذ بالأدلة الظاهرة دون البحث عن النوايا ، فاتخاذ الأعوان ( الشرطة ) مثلا لمعرفة الناس شئ ، والتجسس شئ آخر ، ففي شمائل الترمذي من حديث ابن أبي هالة الطويل : كان النبي – صلي الله عليه وسلم – يسأل عما في الناس ، قال ابن التلمسانى في شرح ( الشفا ) : ليس من باب التجسس المنهى عنه ، وإنما هو ليعرف به الفاضل من المفضول ومن باب النصيحة المأمور بها .

وقال المناوى في شرحة على الشمائل : وهذا إرشاد للحكام إلى أن يكشفوا ويتفحصوا ، بل ولغيرهم ممن كثر أتباعه كالفقهاء والصالحين والأكابر فلا يغفلوا عن ذلك ، لئلا يترتب عليه ما هو معروف من الضرر الذي قد لا يمكن تدارك رفعه . ( 5 )

ولولي الأمر أن يختار ما يناسب لمعرفة زمانه ومن يعيش فيه بنية الإصلاح لا التجسس . ونظرا لخطورة التجسس في إفساد الأفراد والمجتمع ، يري بعض المحدثين أن ينص على ذلك في دستور الدولة الإسلامية باعتبار أن الدستور محترم ومنفذ ، فيقول الأستاذ محمد أسد : " إنه من الضرورة بمكان أن يتضمن دستور الدولة الإسلامية مادة تنص على حماية كرامة المواطنين من العبث والعدوان الأخلاقي ، واحترام بيوتهم وصيانة شرفهم وعرضهم ، وتمنع الحكومة نفسها من القيام بأى عمل إداري يخالف هذا الضمان الجوهري "

اساس التجريم

ومن حق الانسان في المجتمع المسلم ألا يجرم بغير جريمة نص عليها الشرع ، ومعنى ذلك : أن صيانة الإنسان في المجتمع المسلم من الأهواء حين ينسب إلى إنسان ما لم يعتبره الشرع جرما .

بل يحكى لنا القرآن الكريم أن الأهواء والشهوات وصلت ببعض الأقوام إلى أن يصير الطهر جرما يعاقب مرتكبة بالنفي ، وكذلك اعتبار الايمان بالله العزيز الحميد سببا في عقوبة الإحراق فيقول الله تعالى : " ( وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ) ( البروج / 8 )

ويقول تعالى : ( ولوطا إذ قال لقومه أتاتون الفاحشة ما سبقكم بها أحد من العالمين . إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون . وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ) ( الأعراف 80-82 )

قال قتاده : عابوهم والله بغير عيب . ( 6 )

فالتجريم بغير جرم انتهاك لحقوق المسلم ، لأنه سيترتب على ذلك عقوبة في غير موضعها .

والعقوبات في الجرائم التى يحد فيها ، أو الجرائم التى يقتص فيها ، أو يودي ، مثل واضح لمبدأ الشريعة ، فالعقوبات محددة تحديدا واضحا صريحا لا لبس فيه ، وقد اتفقت كلمة فقهاء المسلمين على أن لا عقوبات – وخاصة في الحدود – مما لا يثبت بالرأى والقياس وأنها لا تثبت إلا بالنص . ( 7 )

وفي التقارير : يقول البعض : إن مبدأ الشريعة في العقوبة أهدر إهدارا تاما في التقارير ، لأن القاضي يطبق ما يشاء من العقوبات على ما يشاء من الجرائم ولكن بالنظر للفقه الجنائي الحديث ، الذي يقول بتفريد العقاب على المجرمين لوجدنا أن ذلك ما هو إلا صورة مطابقة لمبدأ التقارير ، فالجرم واحد ، ولكن يختلف حكم القاضي على كل بسبب الحالة الاجتماعية ودرجة ثقافته وقابليته فيحكم بمعاملته بالفئة ( أ ) او بالفئة ( ب ) وذلك في العصر الحديث .

فلو انعقدت الكلمة على عقوبات محددة من الجرائم جميعا لصارت مقدرة كالحدود وفي هذا حرج شديد ، لكن حكمة الشارع اقتضت أن يترك الأمر لكل حالة على حدة ، فما يناسب هذا من العقاب لا يناسب ذاك ، وهذا ما وصل إليه – الآن – الفقه الغربي بعد تطوره الطويل وهو ما يعرف بتفريد العقاب ( 8 )

فالتقرير يكون حسب الجانى والمجنى عليه والجناية ، فإن كان القول عظيما من وضيع القدر مخاطبا به لرفيع القدر بولغ في الأدب ، وإن كان العكس فالعكس .

ففي سنن أبي داود عن عائشة – رضي الله عنها – قالت : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم : " أقيلوا ذوى الهيئات عثراتهم إلا الحدود "

أصل البراءة

ومن حق الإنسان أن يبقي على أصل البراءة حتى تثبت إدانته ، وعلى ذلك لا يتخذ ضد الإنسان أى إجراء قبل إثبات التهمة بالوسائل المقررة في الشريعة الإسلامية والتى لا مجال للاستطراد فيها هنا .

فعن عبد الله بن عامر قال : انطلقت في ركب حتى إذا جئنا ذا مرة المروة سرقت عيبة لى ، ومعنا رجل متهم ، فقال له أصحابي : يا فلان ، اردد عليه عيبته ، فقال ما أخذتها ، فرجعت الى عمر بن الخطاب فأخبرته . فقال : من أنتم ؟ فعددته ، فقال : أظنها صاحبها – للذي اتهم – فقلت : لقد أردت يا أمير المؤمنين أن آتي به مصفودا . قال عمر : أتاتى به مصفودا بغير بينه ؟

فعمر هنا لا يري إلحاق الضرر بالمتهم في تكبيله قبل البينة ، ومعنى ذلك أنه يعامل معاملة البرئ حتى تثبت إدانته .

سرعة البت في التهمة

ومن حق المتهم سرعة البت في التهمة حتى لا يلحق به ضرر مادى أو معنوى ، ويبدأ الضرر بالمتهم منذ أن توجه إليه التهمة ، ويؤمر بالقبض عليه . فتوجيه التهمة بلا مسوغ إضرار يلحق المتهم في كرامته وشرفه وسمعته ، وهذه أضرار معنوية لها تأثيرها على جوانب مادية ، فإن كان تاجرا فيؤثر ذلك على تجارته ، وإن كان صانعا سيؤثر على صنعته ، وهكذا ستؤثر التهمة في مجال تعامله مع الناس ، ولذلك لا ينبغي أن توجه التهمة إلى إنسان إلا إذا قامت العلامات والأمارات ودارت الشبه حوله بحيث يحتاج الأمر إلى مواجهته للتثبت .

أما أن يؤمر بالقبض أو الاعتقال أو التحفظ على إنسان دون مبرر ، فإن هذا الاتهام يلحق الضرر المعنوى والمادى بالمتهم وعلى ذلك فهل يكون للمتهم بلا مبرر ضمان للمغارم المادي والمعنوى ؟ قد نفصل ذلك في مقاله قادمة – إن شاء الله . فإذا وجد مسوغ للاتهام فإن حق المتهم ألا يروع حتى تثبت التهمة ، وذلك يقتضي أن يكون طلب الاستدعاء بلطف ، وأن تتخذ له الإجراءات الصحيحة فيأذن القاضي في توجيه التهمة ، ثم توجه بأسلوب كريم كما يطالب الإنسان في أى عمل كريم وتصله دعوة الحضور في وقت مناسب لا يروعه .

فإذا ما حضر ، فإن من حقه أيضا سرعة البت في الدعوة حتى لا يضار معنويا وماديا ، فإن طول الوقت بلا نظر في التهمة والانتهاء منها نفيا أو إثباتا يلحق الضرر بالمتهم ، فطول المدة تعطيل له عن الكسب المشروع ، وهذا ضرر بالغ له ولمن يعول .

وطول المدة إضرار بنفسيته ، فهو في هم بسبب التهمة الموجهة إليه تتفاوت نسبة الهم بتفاوت حجم التهمة .

ولقد تنبه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لأثر طول المدة على الإنسان الذي يحبس للنظر في الدعوى ، فقد كتب إلى معاوية يقول :

" تعاهد الغريب فإنه إن طال حبسه – أى طالت إقامته وبعده عن أهله من أجل هذه الدعوي – ترك حقه وانطلق إلى أهله ، وإنما أبطل حقه من لم يرفع به رأسا " ( 9 )

هوامش

1- انظر التراتيب الإدارية 1/294 للشيخ عبد الحي الكتاني ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت .. وكان السلف يسمونها الشرطة . والعسس : الطواف بالليل لتتبع أهل الريب .

2- انظر ( تعويض المتهم ) – أ.د / محمد رأفت سعيد – أستاذ الشريعة والدراسات الإسلامية – جامعة المنوفية ص 18 – دار الوفاء

3- مسند الإمام أحمد 6/4 ، وأبو داود ( 4889 ) في الأدب .

4- أنظر موسعة فقه عمر ص 566

5- التراتيب الإدارية 14/363

6- انظر الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي 7/246

7- المتهم وحقوقه في الشريعة الإسلامية / أ.د رأفت سعيد ص 21

8- انظر : موقف الشريعة من نظرية الدفاع ، د . أحمد فتحى بهنس ص 119،120 دار الشروق القاهرة

9- موسوعة فقه عمر ص 565

المنشاوى الوردانى

مترجم بالتلفزيون المصري

المصدر