حرب العراق عدوان على الإسلام
بقلم : راشد الغنوشي
لندن- هادي يحمد- إسلام أون لاين.نت / 3-4-2003
اعتبر 'راشد الغنوشي' المفكر التونسي زعيم حركة النهضة الإسلامية في تونس أن العدوان الأمريكي البريطاني على العراق يعد حربا على الإسلام، بالنظر إلى الطابع الثقافي لهذه الحرب. وطالب الغنوشي في حوار مع شبكة 'إسلام أون لاين.نت' الخميس 3-4-2003 المسلمين بالارتفاع إلى مستوى المعركة، وتوحيد الصفوف، مؤكدا أنه 'لا وقت ولا مجال للحديث عن الجزئيات التي تفرق الأمة'.. وفيما يلي نص الحوار:
سؤال: ما هو توصيفكم للحرب الجارية حاليا في العراق؟
جواب: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، هي باعتقادي حرب ظالمة ولا ريب؛ إذ نستطيع القول: إن أبرز توصيف لها أنها حرب إمبريالية، أو هي 'عملية سطو مسلح' كما وصفها وزير الخارجية السوري، فهي نهب لثروات العراق -ثاني أكبر احتياطي عالمي من البترول- وهي ضرب لقدرات بلد يحمل رمزية تاريخية بوجوده في قلب المنطقة العربية والإسلامية، وهي تدشين لتحول الولايات المتحدة إلى إمبراطورية تتميز بالقوة والهيمنة.
وللحرب أيضا أبعاد أخرى غير الأبعاد الاستعمارية، فهي حرب على الإسلام، بمعنى أنها ذات طابع ثقافي؛ إذ تأتي في سياق ما يسمى بالصراع الحضاري، بناء على تقدير أن الثقافة الإسلامية هي المسئولة عن أحداث 11 سبتمبر وهي المسئولة عن العداء لأمريكا الذي يختزنه الضمير العربي والإسلامي؛ وبالتالي أصبح من الضروري بالنسبة للولايات المتحدة الهيمنة على الثقافة الإسلامية، وتوجيه برامج التعليم، خاصة إذا علمنا أنه من جملة المناقصات المطروحة على الشركات الأمريكية لفترة ما بعد الحرب مناقصة لإعداد برامج تربوية للعراق لا تتيح إمكانية إنتاج هذا النوع من البشر الذي يقاوم الهيمنة الأمريكية.
ولا شك أن للحرب أبعادها الإستراتيجية من مثل حماية الأمن الإسرائيلي؛ على اعتبار أن العراق ظل باستمرار في العقيدة الصهيونية-اليهودية يمثل خطرا، لا سيما مع طموحاته لتطوير قدراته التقنية؛ لذلك فقد تدخل الكيان الصهيوني لضرب المفاعل النووي العراقي.
والحقيقة أن التراث الثقافي اليهودي مشحون بالعداء للعراق؛ على اعتبار أن البابليين -أي العراقيين القدامى- هم الذين هدموا المملكة العبرية القديمة وأجلوا اليهود عن فلسطين، فهناك حقد وثأر تاريخي تحمله هذه الثقافة للعراق، وربما تدعّم هذا القول إذا علمنا أن العناصر المتنفذة في الإدارة الأمريكية والتي تقود الحرب اليوم هي عناصر تحكمها العقلية المسيحانية-الصهيونية، وهي عقلية مشحونة بالعداء للعراق وللإسلام وللثقافة العربية الإسلامية.
ومن أبعاد هذه الحرب الإستراتيجية أيضا ما يتجاوز العراق ومنطقة الشرق الأوسط بصفة عامة إلى كل المنطقة والعالم؛ لأهمية هذه المنطقة باعتبارها خزانا للبترول، وما للبترول من أهمية باعتباره روح الصناعة والحضارة، فمن يضع يده على البترول يضع يده على الحضارة المعاصرة؛ ومن هنا نفهم أسباب المعارضة التي تلقاها الولايات المتحدة ليس من المسلمين فحسب بل من القوى العظمى كفرنسا وروسيا وألمانيا والصين، فسيطرة الولايات المتحدة على هذه المنطقة تؤدي إلى انتقالها من دولة عظمى إلى إمبراطورية تتحكم في العالم، وما من إمبراطورية في التاريخ إلا ووضعت يدها على الشرق الأوسط؛ باعتباره صرة المواصلات في العالم، ومركز الحظارات والديانات.
سؤال: على قدر الخطورة التاريخية التي تحملها المواجهة في العراق بقدر ما نلاحظ أن مواقف بعض العراقيين كانت مخيبة للآمال، وخاصة ما ارتبط بمواقف المعارضة الإسلامية بفرعيها الشيعي والسني.. وباعتباركم أحد قيادات الحركة الإسلامية في العالم كيف تنظرون إلى موقف الحركات الإسلامية العراقية؟
جواب: في تقديري أن هذه الحرب بقدر ما تحمل من خطورة على الإسلام وعلى الحضارة الإسلامية وعلى العرب والمسلمين -بل على القوى التحررية في العالم- بقدر ما تحمل من فرص لمن يملك الوعي بها ويملك القدرة على الاستفادة من هذه الفرص، ومن هذه الفرص الارتفاع إلى مستوى المواجهة، فإذا كانت هذه الحرب مواجهة مصيرية لأمتنا بكل تياراتها الإسلامية والقومية والوطنية واليسارية، وبكل مذاهبها الدينية سنية كانت أو شيعية.. فإذا كانت الحرب تمثل خطرا على الجميع فالمطلوب منا جميعا أن نرتفع إلى مستوى المواجهة، ومن شروط هذا التمشي توحيد صفوفنا؛ بحثا على الأرضية المشتركة بين مكونات أمتنا، بل أوسع من ذلك مع كل القوى التحررية في العالم؛ فهذه الحرب تعطينا الفرصة للانفتاح على قوى عالمية تشاركنا أيضا الشعور بالخطر، وبالمخاطر التي تحملها هذه الحرب .
سؤال: فما هو المطلوب برأيك من المعارضة الإسلامية العراقية؟
جواب: المطلوب هو الارتفاع إلى مستوى المعركة؛ فهناك اليوم مواجهة مصيرية من المفترض أن نواجهها بمستوى من الوعي والمسؤولية وتوحيد الصفوف، بما يتناسب مع المعركة؛ فلا وقت ولا مجال للحديث عن الجزئيات التي تفرق الصفوف كالصراع بين السنة والشيعة، أو الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين، أو بين الحكام والمحكومين في العراق، أو بين المسيحيين والمسلمين؛ بدليل أن كبار المراجع المسيحية في العالم يقفون ضد الحرب، وكذا الأمر بالنسبة للمرجعيات الإسلامية من الأزهر مرورا بالنجف الأشرف، ووصولا إلى مختلف علماء الأمة الذين أجمعوا على أن هذه الحرب ظالمة، وأن مقاومتها واجب شرعي وهي فرض عين على كل مسلم.
سؤال: هناك موقف آخر لحكومة توصف بأنها إسلامية أثار أيضا الكثير من الجدل.. يتعلق الأمر بموقف حزب العدالة والتنمية المشكِّل للحكومة التركية التي جعلت أراضيها قاعدة تنطلق منها الطائرات الأمريكية لضرب العراق.. فكيف تنظرون إلى 'إسلاميين' يشاركون في العدوان؟
جواب: على كل حال، حكمنا ينبغي أن يكون نسبيا؛ فبالقياس إلى ما يجب أن يكون من سلوك حكومة يديرها إسلاميون نستطيع القول إن أداء الحكومة التركية أداء ضعيف ودون المطلوب. فالمفترض في هؤلاء أن يأخذوا بعين الاعتبار معانيَ كثيرة كمعاني الجوار والتاريخ المشترك بين العرب والأتراك، فالعراق كان بالأمس ولاية عثمانية.. فما الذي تغير لتتحول تركيا اليوم إلى قاعدة انطلاق لضرب ولاية كانت بالأمس تركية؟!
ومن هذا المنطلق فإن موقف حزب العدالة والتنمية منتَقد من طرف العديد من الإسلاميين الأتراك ذاتهم، من ذلك أن مؤسس الحركة الإسلامية 'نجم الدين أربكان' أدان هذا التمشي، كما أنني أعتقد أن الإسلاميين في كل مكان يشعرون بعدم الارتياح ونوع من القلق عندما يرون حكومة -لا أحد يقول إنها إسلامية، ولكن يديرها إسلاميون- لا أحد يقبل عملية المساومات التي تجري.
ولكن ومن جهة أخرى إذا قسنا موقف الحكومة التركية بجملة الظروف التي تعمل فيها، وإذا قسناها بما هو مطلوب منها أمريكيًا، وقسنا مواقفها أمام مواقف الحكومات العربية -فسنجد أن الموقف التركي بكل هذه المقاييس موقف مناسب؛ فهذه الحكومة الموصوفة بكونها إسلامية تعمل في إطار مرجعية الجيش العليا، فهي حكومة محكومة بسلطة الجيش أي الباب العالي بمنطق المصطلحات العثمانية، وبالتالي فصاحب السلطة ليس هو رئيس الحكومة وإنما هو رئيس الأركان.. الأمر الثاني: كلنا يعلم أن تركيا عضو في الحلف الأطلسي، وهذا ضابط من الضوابط؛ إذ هناك التزامات وخطوط حمراء أمام الحكومة التركية الحالية أو أية حكومة مكانها.
أما المقياس الثاني متمثلا في المطلوب أمريكيًا فنستطيع القول: إن أداء الحكومة التركية يعتبر أفضل من أداء الحكومات العربية المجاورة للعراق، والتي منها من كان قاعدة انطلاق بري للعدوان، ومنها من احتضن مركز قيادة، ومنها من برّر فتح ممراته المائية للقوات الغازية.. لذلك ففي اعتقادي أن ما هو مطلوب من الحكومة التركية أمريكيًا لم تؤده، بل أستطيع القول: إن مواقفها أحدثت أكبر ارتباك للخطة الأمريكية، بل إن من أسباب فشل الخطة الأمريكية الآن الموقف التركي الذي رفض فتح جبهة الشمال، وترك العراق يواجه العدو من جهة واحدة، فعدم إتاحة المجال للقوات الأمريكية للانطلاق من جنوب تركيا نحو شمال العراق جعل الغزو ينطلق مشلولا، وهذا ينبغي في رأيي أن يحسب للحكومة التركية.
سؤال: ما هي برأيك الآثار المحتملة لهذه الحرب على الحركات الإسلامية؟
جواب: في اعتقادي ينبغي أن ننظر إلى هذه الحرب على اعتبارها من الأحداث الكبرى التي يؤرخ بها لما قبلها وما بعدها، وهي من نوعية الأحداث التي تحدث منعطفات في التاريخ؛ وبالتالي فالمسألة المطروحة ليست موضوع الحركات الإسلامية، فالذي يخطط الآن لا يخطط للإسلام فقط -الإسلام الذي يقاوم طبعا- فالمستهدف ليس الإسلام أو الإسلاميين فقط ولكنه كل المنطقة من جاكرتا إلى طنجة، والأمر يتعلق هنا أيضا بمنظومة العلاقات الدولية التي تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية كمبدأ احترام سيادة الدول؛ إذ لو كُتب لهذا الغزو الغلبة -لا سمح الله- فمعنى ذلك أن العالم العربي والإسلامي والعلاقات الدولية كلها ستستقبل طورا جديدا، وسنجد أنفسنا أمام عالم آخر تصبح فيه الولايات المتحدة هي المتحكمة، وهذا إيذان بموت منظومة وسيادة أخرى.
فالحركات الإسلامية انطلاقا من هذا التمشي ليست وحدها المستهدفة، بالرغم من كونها تمثل اليوم رأس الحربة في المقاومة ضد الهيمنة الأمريكية، وهي العمود الفقري والمفجر الأساسي لحركات التحرر التي تسود العالم الإسلامي اليوم؛ لذلك يجب أن نخرج الموضوع من اعتباره يهم مجموعة معينة أو حزبا أو قطرا أو طائفة إلى اعتباره أمرا يهم كل القوى، إسلامية كانت أو غير إسلامية.. إنه أمر يهم كل القوى على السواء بقدر ما تمثله مقاومتها من خطر على المشروع الإمبراطوري الأمريكي.
سؤال: ما هو السبيل الآن لوقف هذا المشروع الإمبريالي الأمريكي؟
جواب: أنا أقول إن وقف هذه الحرب الظالمة هو البداية لإفشال هذا المشروع، فعلى القوى الإسلامية أن تعبئ كل القوى من أجل وقف هذه الحرب، وهو الذي يعني الحكم على المشروع الأمريكي بالفشل وهذا وارد جدا؛ لأن المعركة لا تُكسب بقوة الأساطيل وعدد الطائرات والجنود، ولكن تكسب بقوة المعاني والقيم، فعندما سئل الجندي الأمريكي الأسير عما جاء به العراق قال 'بأنهم أمرونا بذلك' بينما الجندي العراقي والعربي يحمل مشروع الدفاع عن القيم العربية والإسلامية، كما يحمل قيم الدفاع عن الأرض والمقدسات.
المصدر
- مقال:حرب العراق عدوان على الإسلامموقع:الشبكة الدعوية