حتى ينجح الاتفاق
بقلم : محمد السهلي
من شأن التقدم على طريق استعادة الوحدة أن يفتح الطريق على نحو أوسع باتجاه مؤسسات الأمم المتحدة و المجتمع الدولي لنيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة لدى الفلسطينيين الكثير مما يفعلونه بعد أن أنجز اتفاق إنهاء الانقسام.
وربما يكون ما قد أنجز في القاهرة على أهميته الوطنية مدخلاً لمسار استعادة الوحدة ويحفل الطريق لإنجاز هذا الهدف بالكثير من العراقيل المتوقعة والطارئة من داخل الحالة الفلسطينية وخارجها.
وإذا كانت قد توافرت ظروف موضوعية ساهمت إلى حد كبير بالوصول إلى هذا الاتفاق، فإن تنفيذه وفق المصلحة الوطنية يتطلب نضوج عوامل ذاتية كانت غائبة أو مغيبة منذ بروز مؤشرات السياسات الانقسامية واستفحالها وتحول الانقسام إلى واقع معاش أدى إلى كوارث وطنية كبرى.
ويتعلق الأمر برأينا بتوافر الإرادة السياسية لدى أطراف الحوار الوطني الفلسطيني وخاصة حركتي فتح وحماس بما يضمن تقديم المصلحة الوطنية العليا على أية اعتبارات أخرى فيما يتعلق بتحويل نصوص الاتفاق إلى واقع مادي ملموس وإنجاز يتحرك على الأرض.
فبقدر ما يحفل نص الاتفاق من عناصر وعناوين تفتح على دخول الحالة الفلسطينية في مرحلة جديدة، فإن هناك ما هو مؤجل للبحث المستفيض على طاولة الحوار الوطني في سياق البحث عن آليات تنفيذ الاتفاق.
ويلعب هنا العامل الزمني دوراً حيوياً في تحديد مصير الاتفاق. فكلما جرى التقدم باتجاه القواسم الوطنية المشتركة كلما تم اقتصاد الوقت الفلسطيني الحرج.
ننطلق في هذا القول من حقيقة أن الفلسطينيين في سعيهم لاستعادة الوحدة لا يبدأون من الصفر.
ومن أن نص الاتفاق الذي وقعوه في القاهرة لا ينعزل عما تم إنجازه في الحوارات الفلسطينية السابقة وبخاصة ما تضمنه إعلان القاهرة في العام 2005 حول منظمة التحرير الفلسطينية وإعادة بناء مؤسساتها على أسس ديمقراطية وبإشراف مرجعية وطنية تضم جميع أطياف اللون السياسي الفلسطيني.
ولا ينعزل الاتفاق أيضاً عما أجمع عليه الفلسطينيون في العام 2006 عندما اتفقوا جميعاً على وثيقة الوفاق الوطني التي حملت برنامجاً سياسيا متقدماً يكفل ويبرز العناصر الأساسية في البرنامج الوطني الفلسطيني التحرري.
ومثل ذلك تقريباً بما يخص إنجازات لا يستهان بها تبلورت في سياق الحوار الوطني الشامل في القاهر العام 2009 .
نسوق هذا الحديث من أجل الإشارة إلى أن الفلسطينيين يمتلكون قاموساً سياسياً وتنظيمياً موحداً يمكن إحالة أية خلافات متوقعة إليه في سياق تطبيق اتفاق إنهاء الانقسام الذي تم توقيعه مؤخراً.
وندرك بالوقت نفسه أن الاتفاق الذي أنجز بين حركتي فتح و حماس قبل اسبوع من توقيع الاتفاق الجماعي شكل حجر الزاوية في تقدم الجهود من أجل إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة وهو إنجاز مهم بالدرجة التي يفتح فيها على إنجاح هذه الجهود وتلافي بروز عقد مستعصية تقف عثرة في وجه الوصول إلى الهدف المنشود.
على هذا الأساس، يمكن أن نضيف بأنه بمقدار ما تفتح الحركتان على محصلة المواقف الوطنية بخصوص النقاط التي يمكن الخلاف حولها، يكون مسار استعادة الوحدة متجهاً نحو النجاح.
وإذا كانت كل من الحركتين عبرت بشكل واضح قبيل إنجاز الاتفاق بأن الاقتراب من وحدة الموقف لا يشكل تنازلاً من أي منهما لأنه في مصلحة الشعب الفلسطيني، فإن الاقتراب أيضا من مصلحة المواقف الجماعية لا يشكل خسارة أو تنازلاً لأي من الحركتين، لأن مصلحة الشعب الفلسطيني تكمن هنا أيضاً.
ونحن نفهم بأن تكرار ذكر مبدأ التوافق حول عدد من القضايا الرئيسية في سياق إنجاز الاتفاق إنما يعني إلى جانب العامل الإيجابي في إنجاز الاتفاق، أن الخلاف في التفاصيل سيكون حاضراً وبشكل رئيسي في ملف الأمن.
وهذه العقد لا يمكن تجاوزها دون البدء الفوري في إنهاء مظاهر الانقسام وتداعياته في كل من الضفة الفلسطينية وقطاع غزة دون أن يعني ذلك على الإطلاق توزيع آليات تنفيذ الاتفاق على مراحل زمنية متتالية.
بل المقصود أن تكون رزمة الإجراءات المنفذة للاتفاق في سياق تنفيذي واحد وعلى مختلف الأصعدة والمستويات والأماكن.
وربما يعني تشكيل الحكومة من الشخصيات الوطنية المستقلة أحد المفاتيح الهامة للبدء في تنفيذ الاتفاق على الأرض دون التوقف عند الكثير من الشروط والاعتبارات التي تنتمي في معظمها إلى مرحلة الانقسام البغيض. لأن هذا يساعد على البدء بتنفيذ مهمتين رئيسيتين في المرحلة القريبة القادمة وهما التحضير للانتخابات فوراً وبشكل يترافق مع إنهاء مظاهر الانقسام واستعادة الثقة، وعدم ربط هذه المهمة بأية ملفات أخرى ينبغي الاتفاق حولها بين حركتي فتح و حماس لأن ذلك يفترض وجود شكوك متبادلة تؤدي إلى ربط انجاز عنوان في الاتفاق بعنوان آخر وهذه المعادلة تصلح فقط بين خصمين لدودين ولا تصح بين شريكين في عملية وطنية كبرى يترقب الشعب الفلسطيني إنجازها بفارغ الصبر. والمهمة الثانية هي المباشرة بإعادة إعمار قطاع غزة.
ومن أجل ضمان الزخم اللازم في عملية استعادة الوحدة، ينبغي برأينا أن تباشر اللجنة الوطنية العليا المكلفة ببحث آليات إعادة بناء منظمة لتحرير الفلسطينية على أسس ديمقراطية عملها فوراً لأن هذا يمس مصالح الشعب الفلسطيني عامة وبشكل خاص في مواقع اللجوء والشتات بعد سنوات طويلة أفتقد الفلسطينيون فيها حضور المنظمة ودورها الجامع والموحد كعنوان وممثل للشخصية الوطنية الفلسطينية وبما يكفل النهوض بالمهمات المؤجلة تجاه التجمعات الفلسطينية التي يعاني عدد منها من ظروف حياتية وحقوقية صعبة.
ومن شأن التقدم على طريق استعادة الوحدة أن يفتح الطريق على نحو أوسع باتجاه مؤسسات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لنيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الأراضي الفلسطينية التي تم احتلالها في العام 1967 وعاصمتها القدس . ومن الطبيعي هنا أن يلعب الاتفاق الذي أنجز مؤخراً في القاهرة دوراً مساعداً في توسيع دائرة الاعتراف بالدولة المنشودة ويزيد من قدرة الجانب الفلسطيني على التحرك السياسي والدبلوماسي من أجل تشكيل جبهة من المواقف الإقليمية والدولية في مواجهة المحاولات الأميركية والإسرائيلية الهادفة إلى إفشال المسعى الفلسطيني بنيل الاعتراف بالدولة المستقلة.
كما يمكِّن الاتفاق الحالة الفلسطينية من توحيد خطابها السياسي أمام المناورات الإسرائيلية.
ونحذر هنا من المحاولات متعددة الجهات التي تسعى إلى إعادة المفاوض الفلسطيني إلى حلبة التفاوض وفق عناوين ودعاوى مختلفة وعدم النظر إلى هذا الاتفاق باعتباره خطاب موجه إلى واشنطن وغيرها لتحسين شروط المفاوضات طالما الرعاية الأميركية والجانب الإسرائيلي متفقان على شطب الحق الأساسي للشعب الفلسطيني في عودة لاجئيه إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها، وربط قيام الدولة الفلسطينية بالشروط والاعتبارات الأمنية الإسرائيلية.
وفق ما سبق، يفتح الاتفاق أبواباً فلسطينية كانت مغلقة لأسباب ذاتية، ويساهم بشكل جدي في إغلاق أبواب فتحت على الحالة الفلسطينية من أجل ابتزازها بفعل واقع الانقسام وتداعياته.
كما يتيح تنفيذ الاتفاق والوصول به إلى غايته المرتجاة إلى تعزيز الموقف العربي وتجاوز التجربة السلبية التي مثلتها مواقف لجنة المتابعة العربية عندما واكبت مسيرة المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي وشكلت بأدائها جبهة ضغط إضافية على الجانب الفلسطيني للقبول بالشروط الإسرائيلية والرضوخ للضغوط الأميركية.
وتساعد في هذا المجال التغيرات التي حصلت وخاصة في مصر التي من المرجح أنها ستلعب دوراً مساعداً، ونذكر هنا الدعوة التي أطلقها وزير الخارجية المصري د. نبيل العربي من أجل عقد مؤتمر دولي لبحث موضوع الصراع القائم في المنطقة وهي خطوة تتجاوز السعي الأميركي لإعادة إحياء المفاوضات بالشروط السابقة.
اتفاق إنهاء الانقسام إنجاز وطني مهم عندما يتجه الجميع نحو السير به نحو استعادة الوحدة الوطنية والقطع مع الانقسام وتداعياته.. وهذا يتطلب جهوداً كبيرة ومضنية.. لكنه ممكن.
المصدر
- مقال:حتى ينجح الاتفاقالمركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات