حتى لا يغيب الحوار

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

حتى لا يغيب الحوار ..... بقلم / ميرفت محمد


هلَّت علينا نسمات العشر الأوائل من ذي الحجة؛ عشر الخير والبر والأضحية والتعاون والتراحم والتآخي.. ها نحن نتنفس عطرات ونفحات عرفات الله في بيوتنا.

فللحج قبسات روحانية واجتماعية وغيرها، فلننهل منها ونحن في بيوتنا؛ فشعائر الله كثيرة في الحج ولها أهداف كثيرة؛ فالعبادات جميعها مغزاها التقوى.. قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (الأنعام: 162)، فحياتنا يجب أن تكون وفق نهج الله عزَّ وجل؛ حتى نسعد بها، والحج شعيرة غير كل العبادات؛ حيث لها مواقيت محددة وتجمُّع واحد غير الصيام، يصوم المسلمون كلٌّ في مكانه، والصلاة عندما يحين موعدها تؤدَّى في نفس المكان إذا تعذَّر الذهاب إلى المسجد أو كان بعيدًا جدًّا، وكذلك يؤدي المسلمون الصلاة في مساجد في شتى بقاع الأرض، ولكن الحج له هدف التجمع للمسلمين جميعًا في جميع أنحاء الأرض على شتى اختلافهم، ثقافية.. اجتماعية.. مادية.. الكل في مؤتمر عام في قاعة واحدة.


في عرفات

جبل عرفات

مؤتمر عام مفتوح هدفه القرب من الله عزَّ وجل والتوبة والحصول على المغفرة من الله عز وجل؛ تبدأ فعالياته يوم التاسع من ذي الحجة فجرًا ومنتهاه في غروب ذلك اليوم.

وهناك هدف يسعى إليه كل إنسان؛ لأن الله عزَّ وجلَّ خلق الإنسان ماهرًا في التجارة يسعى إلى الحصول على أقصى ربح بأقل خسائر ممكنة.. قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ﴾ (التوبة: من الآية 111).

وقال تعالى: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)﴾ (إبراهيم).

وهنا أمرٌ من الله عزَّ وجل لسيدنا إبراهيم لدعوة الناس إلى هذا المؤتمر الكبير، وهذه الوسيلة (التجميع) يسهِّل الحوار؛ حيث يسهِّل عرض وجهات النظر المختلفة دون غموض؛ حيث أطراف الحوار مجتمعة، فلا يكون هناك لبس في مسألةٍ ما، فهنا الحوار يكون مباشرًا وواضحًا.


المنفعة

وهي هدف رئيسي من هذا التجمع؛ لأن الله عزَّ وجلَّ خلق الناس ليتعارفوا ويتفاهموا ويتقاربوا ويتعاونوا.. ليتعايشوا معًا رغم اختلافاتهم في أمان وسلامة وود وحب لإعمار الأرض قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات: 56).

ولا تتحقق هذه المنفعة إلا بالحوار الجيد، والذي يكاد يكون شعيرة خفية في كافة العبادات والشعائر؛ فرسولنا الحبيب صلوات الله عليه وسلامه أوصل لنا ديننا بالحوار مع أصحابه مع المسلمين عن طريق الوعظ والخطب والرد على تساؤلاتهم عن طريق سنته القولية والفعلية.

فموقف توضيح معاني العقيدة والإيمان والإسلام جاءه سيدنا جبريل في صورة رجلٍ شديدِ بياضِ الثيابِ شديدِ سوادِ الشعرِ، كما يصف الصحابة، ويسأله: ما الإيمان؟ ويرد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يسأله عن العقيدة، فيجيبه النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا حتى أوضح هذه المعانيَ التي يصعب إيصالها إلى المسلمين دون خوفٍ من وقوعهم في الشرك أو الكذب بالسؤال في الدين، وكذا الصلاة والصيام وكافة العبادات.

ومن هنا نعرِّف معنى الحوار أنه وسيلة مثالية للتعرُّف على ثقافة الآخر ومبادئه، ووسيلةٌ لإيجاد نوعٍ من التواصل الإنساني والفكري؛ فهو ليس مجرد مناظرة بين أطراف فكرية ثقافية سياسية أو دينية.


لا تقتلوا الحوار

فقتل الحوار يعني غياب الحرية والإنسانية في التعبير عن الأفكار والآراء، والميل إلى التحكم والاستبداد بالرأي، ومصادرة حرية الفكر والثقافة، وإبرازًا للحالة الفردية ونبذًا للآخر وإقصاءً له.

فالله عز وجل يرسل رسالة إلى المسلمين كل عام في عرفات ألا تختلفوا، بل اجتمعوا وتوحدوا، ولا تدعوا الجدال يطول، بل يجب أن نضع حدودًا للحوار حتى نحصل على ثماره.

وقد يسأل البعض: لماذا الحوار؟ فكل إنسان يعيش حياته من وحي أفكاره، فلا داعيَ لضياع الأوقات فيما لا يفيد.

فلنفكر جميعًا في ذلك التساؤل ونجيب: كيف يتعلم الإنسان وكيف تصل إليه المفاهيم والأفكار؟ وسوف نقول جميعًا: أولاً من مدرسته الأولى الأم، ثم البيت كله، ثم المدرسة والمؤسسات الاجتماعية الأخرى، كالنوادي والجمعيات والإعلام وخلافه مما يُنمي لدى الصغير المفاهيم والأفكار، وكذا رؤية حياة الآخرين والتعلم منها.

كل هذه الوسائل أدواتها الحوار وليس غيره حتى يحصل الإنسان على العلم والمعرفة والأفكار، وبالتالي فإن أفكاره هذه التي هي حياته لم تأتِ من سرابٍ، بل من احتكاكه بالآخرين بالنقاش والحوار والمشورة والتعلم.

وكذلك نجد القرآن الكريم في سورة القصص عبارةً عن حوارٍ بين فئتين للوصول إلى الحق وحتى في أصعب المواقف وأوقاتها.


أصعب حوار

حوار سيدنا إبراهيم مع ابنه وهو يريد أن يذبحه، قد يقول بعض الأبناء هذا هو حوار الآباء مع الأبناء دائمًا؛ يريدون إرغامهم وقهرهم على ما يريدون؛ ينحر الحوار ويُغلقه ببعض العبرات مثل: "إنتو جيل سطحي.. جيل جاهل.. لا تعرفوا مصلحتكم.. مفيش كلام نافع معاكم" وهكذا، أو حتى عدم إتاحة الفرصة للكلام أو الحوار من الأصل، وبالتالي هم الخاسرون؛ سوف يتحاورن مع غيرهم من الأصدقاء سواء كانوا أسوياء أو فاسدين.

مهلاً مهلاً أيها الأبناء الأعزاء.. ليس لدى الوالدين أغلى منكم، وفي حوار سيدنا إبراهيم مع ابنه تشريع للأمة ليس رأيًا شخصيًّا؛ فالله عز وجل يختبر إيمان عبده بهذا الابتلاء؛ فالله عز وجل يعلم بهذا الإيمان، ولكن ليوضِّح لنا هذه الصورة الرائعة في الاستسلام لأنوار الله عز وجل، وكيف أن الله عز وجل رءوف بعباده رحيم بهم.

أيها الابن الكريم هل حاولت أن تشارك والديك في تحمُّل ورفع أعباء الحياة معهما.. جرِّب وسوف تجد تفسيرًا مناسبًا لما يؤلمك.. ابدأ من الآن وشارك والديك وسوف تجد مناخًا رائعًا للأسرة المترابطة المتفاهمة.


إذن للحوار فوائد عظيمة، ولكننا لا نُجيد إقامة حوارٍ جيدٍ، فكيف نتعلم ذلك؟

أولاً: إرادة التجمع هي أولى الخطوات لإعداد حوار حقيقي ناجح؛ إرادة التجمع للتحاور.. يعلمنا الله عزَّ وجل ذلك من خلال رسالة سنوية في وقفة عرفات الله؛ الحفل والمؤتمر السنوي الجامع لجميع المسلمين من جميع أنحاء الأرض، وهذا الاجتماع لا يفرِّق بين سفير وغفير؛ هدفه واحد: الالتقاء على الطاعة.. التوبة.. المغفرة.. الرجوع كيوم ولدتنا أمهاتنا؛ هدفه المنفعة والصالح العام.

قال تعالى لسيدنا إبراهيم ليكون الراعيَ الرسمي لهذا المؤتمر: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾ (إبراهيم).

فهيا جميعًا إلى دعوة الحوار، في كل مكانٍ في بيوتنا.. في عملنا.. في مدارسنا.. في جامعاتنا.

لبيك اللهم لبيك.. لبيك في عرفات الله.. لبيك للحوار والتعاون والتشاور والتسامح.. لبيك لتحقيق منافع لنا.

وكل عام والأمة الإسلامية كلها بخير وتواصل وتحاور حتى تُحَل مشاكلنا، ونحقِّق منافع عامة للمسلمين جميعًا والإنسانية؛ فنحن ورثة الأرض المعمِّرين لها، فلننظر إلى حالنا وإلى أي شيء وصلنا إليه، وليكن هدفنا التوحد والتعارف والتآلف، ولنبدأ بالحوار الجيد البنَّاء.


المضدر : إخوان اون لاين