جديد كلينتون ونتنياهو ... وعباس
بقلم : معتصم حمادة
مع طي صفحة التجميد المؤقت للاستيطان، ومع البحث الدائر عن آليات وصيغ جديدة لاستئناف المفاوضات، تبدو مواقف الأطراف الثلاثة: واشنطن وتل أبيب ورام الله وكأنها تباعدت في ما بينها.
هيلاري كلينتون في خطابها في 10/12/ 2010 [يكاد يرقى في أهميته إلى خطاب أوباما في جامعة القاهرة في 4/6/ 2009 خطت إلى الوراء خطوات من شأنها أن تزيد الوضع تأزماً، وأن تعمق القلق لدى الفلسطينيين، وأن تعزز مواقع المعارضين للمفاوضات والداعين إلى خيارات بديلة. وزيرة خارجية البيت الأبيض لم تعد تتحدث عن حدود الرابع من حزيران أساساً لحل قضية الحدود، (مع تبادل طفيف للأراضي) كلينتون تتحدث عن مفاوضات لرسم الحدود بين الدولتين في المنطقة الممتدة ما بين نهر الأردن شرقاً والبحر الأبيض غرباً، في صيغة جديدة تتيح لنتنياهو وهيئة أركانه أن يرسموا لدولتهم نوعين من الحدود: السياسية منها، وتسير مع "الجدار" وتضم لإسرائيل أرضاً جديدة بلا سكان.
والعسكرية والأمنية منها، يتموضع عندها الجيش الإسرائيلي في مهمة أمنية بحتة (!) تشمل الأغوار والحدود مع الأردن وقمم الضفة الغربية مع خطوط إمداد لهذا الجيش، تخترق الضفة.
كلينتون، أيضاً، لم تعد تتحدث عن مرجعية دولية للمفاوضات ولا عن القرار 242، الذي شكل أساساً لانعقاد مؤتمر مدريد، بل عن حسن النيات لدى الطرفين، وضرورة إتخاذ القرارات الصعبة والقبول بالحل الوسط لتذليل العقبات في الفصول التفاوضية المقبلة. عبارات مطاطة، تدرك هيلاري أنها لا تعني شيئاً عملياً في علم السياسة، اللهم إلا التمهيد للضغط على الطرف الأضعف (وهو الفلسطيني كما يعترف صائب عريقات).
نتنياهو يرحب بالمواقف الأميركية الجديدة خاصة بعد أن أزيح جانباً مطلب تجميد الاستيطان.
لكنه يختلف مع هيلاري على الأولويات.
هي تقترح البدء بالحدود والأمن وما يستتبع هذين الملفين من قضايا كالمياه والمستوطنات، ثم تأتي القدس واللاجئون في وجهة للحل باتت معروفة: القدس عاصمة لإسرائيل مع ضمان وصول المصلين إلى أماكنهم المقدسة، واللاجئون قضية تحل بتوفير أماكن سكن دائمة لهم (خاصة من هم في لبنان ).
نتنياهو يرى في جدول أعمال كلينتون هدايا مجانية للفلسطينيين وتنازلات مسبقة تقود إلى المزيد من التنازلات كلما أوغلت المفاوضات في التقدم، ودون أن تتضح جدية الفلسطينيين في مسألة أمن إسرائيل. نتنياهو يتمسك بإعادة صياغة جدول للاعمال، يبدأ بجر الفلسطينيين إلى التنازلات وينتهي عند "القرار الإسرائيلي الصعب".
نتيناهو يرتأي حسم قضية اللاجئين أولاً بالتنازل عن حق العودة والكف عن المطالبة بهذا الحق، دفعة أولى على الحساب يسددها الفلسطينيون لاختبار حسن نياتهم إزاء الحل الدائم.
بعدها حسم مسألة الاعتراف الفلسطيني بالدولة الإسرائيلية ويهوديتها (حتى قبل رسم حدودها) كدفعة ثانية على حساب الدولة الفلسطينية.
الدفعة الثالثة المتوجب تسديدها فلسطينياً هي تلبية الاحتياجات الإسرائيلية الأمنية بما في ذلك الموافقة على فكرة الحدود السياسية، والحدود الأمنية.
بعدها الانتقال إلى رسم حدود الدولتين، والبت في ملف المياه.
أما القدس ، (عاصمة إسرائيل) فتبقى خارج المفاوضات عدا ما له علاقة بالأماكن المقدسة وأماكن العبادة الإسلامية والمسيحية، وحرية الوصول إليها وفقاً لإجراءات تحفظ السيادة الإسرائيلية على المدينة.
عباس من جانبه يتصرف (حتى الآن) وكأن شيئاً لم يتغير: تجميد الاستيطان، ومفاوضات بمرجعية دولية، وسقف زمني، تنتهي بقيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، بحدود الرابع من حزيران (مع تبادل طفيف في الأراضي) و القدس عاصمتها.
وحل عادل لقضية اللاجئين وضمانات أميركية بنجاح المفاوضات وعدم الاستسلام للتعنت الإسرائيلي على غرار ما جرى في الفصل السابق من المفاوضات.
عباس الأكثر ضعفاً ما زال متمسكاً بخياره التفاوضي، وكذلك بمتطلبات العملية التفاوضية وشروط نجاحها.
رغم اتساع مساحة الخلافات، فإن إمكان الجسر بينها يبقى ذا أرجحية بين الموقفين الأميركي والإسرائيلي. يلتقيان بشأن آليات رسم الحدود، واستبعاد المرجعية الدولية، وكذلك بشأن اللاجئين، ولا ترى كلينتون سبباً للخلاف حول القدس، بما في ذلك مصير الأماكن المقدسة ودور العبادة.
كلينتون تتفق مع نتنياهو في نتائج المفاوضات لكنها تختلف معه في ترتيب الأولويات. لكن كلينتون التي فشلت في إقناع نتنياهو بالتجميد الجزئي والمؤقت للاستيطان، قد يبدو مستعبداً أن تنجح في إقناعه بالتخلي عن أولوياته التفاوضية في حل قضايا جوهرية ذات انعكاسات بعيدة المدى على أوضاع إسرائيل وأوضاع المنطقة ومستقبل الفلسطينيين. حتى ولو فكرت في تقديم ضمانات خطية له فإن نتيناهو، يدرك أن الوقائع الميدانية كفيلة بتجاوز أكثر الضمانات الخطية صدقية.
وحده عباس يقف متمسكاً باشتراطاته، ولا يجد، لا مع كلينتون ولا مع نتنياهو، الحد الأدنى من التوافق للذهاب معاً إلى طاولة المفاوضات قريباً. ما يعني ان ميتشل سوف يعود إلى جولاته المكوكية، يسانده فيها هذه المرة المبعوث الأميركي السابق دنيس روس، الذي بدأ يتردد إلى إسرائيل ليبحث فيها المتطلبات الأمنية للحل مع الفلسطينيين، لاقتناع واشنطن أن الحل آتٍ، أياً كانت صعوباته. وبغض النظر ما إذا كان حلاً قابلاً للحياة أم حلاً يحمل بذور فشله في داخله.
المصدر
- مقال:جديد كلينتون ونتنياهو ... وعباسالمركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات