ثمن الدماء - هيثم صلاح
8/2/2014
إشكالية أزلية .. الحق و السياسة .. لا تعرف السياسة معنى الحق بقدر ما ترى موازين القوة و هذه من السمات الأساسية للأرض .
لا تعرف الصراعات حقوقا لطرفيها و إنما تعتمد النتيجة دائما على قدرة كل طرف على الحصول على ما يراه حقه .
خلق الله العالم هكذا و علمنا نبينا صلى الله عليه و سلم التعامل مع هذا العالم من خلال سيرته , أبرز مثال هو صلح الحديبية .
لم يكن هذا الإتفاق مثال للتنازل كما يروج المنبطحون دائما و إنما فقط تعبير عن الواقعية السياسية ليعلم المسلمون أنها ليست حرام و أن ترتيب الأولويات سياسيا لا يتعارض مع الإيمان .
أرسى النبي صلى الله عليه و سلم القاعدة " إني رسول الله .. و لست أعصيه .. و لن يضيعني " .
هو مثال عن الواقعية السياسية و بالتالي لا تبرر به تنازلك دائما , تعلم منه قراءة واقعك جيدا و ترتيب أولوياتك و للعلم.. لا يتطلب الواقع الإنبطاح دائما .
في مصر أضاعت النخبة السياسية لحظة تاريخية إرتبك فيها النظام العسكري الذي يحكمنا منذ عقود - بثورة 25 يناير - و لم تستغلها لإسقاط النظام بالكامل .
سمحت للمؤسسة العسكرية بامتصاص صدمة الثورة و التخطيط لإحتوائها و إعادة بناء النظام الفاسد مرة أخرى و إتبعت الخطة المرسومة .
التفاصيل معروفة و النتيجة أن هذه النخبة أعادتنا للحظة المواجهة مرة أخرى بوضع مختلف . فالنظام قد تعلم دروس الثورة و أعد نفسه لمواجهة ما يترتب على الإنقلاب العسكري و المؤسسة العسكرية في المواجهة لحماية عودة النظام . المعركة معركة وجود بالنسبة له و قد أثبت أكثر من مرة أنه مستعد للقتل لحماية مشروعه .
قبل فض رابعة كان موقف الثورة ضد الإنقلاب قويا بقدر كاف .. يسيطر المتظاهرون على منطقة عسكرية كاميرات يومية عند مواقع حساسة كالمخابرات الحربية .. كان هناك إعتصام على الأقل .
بدا أن الوضع مناسبا لإتفاق سياسي يتنازل فيه كل طرف بعيدا عن المعركة الصفرية .
و لكن قيادة التحالف لم تكن قادرة على تقديم تنازلات يرغب بها العسكر و أكدت المعركة الصفرية .
تم فض إعتصام رابعة و سالت الدماء و مرت فترة من المظاهرات المحدودة اليومية قوبلت بالإمتناع عن القتل .
كانت الرسالة أن أي تصعيد خارج نطاق السيطرة سيواجه بالقتل , حدث هذا يوم 6 أكتوبر و يوم الجمعة الماضية عند بداية مرحلة حرب اللاعنف التي أعلن عنها التحالف . لا يمتلكون ردا آخر سوى القتل .. على حرق المركبات أو الصمود في الشوارع .. هي معركة صفرية أداتها الوحيدة القتل .
في المقابل أعلن التحالف أن خياره الوحيد لإسقاط الانقلاب هو السلمية , و عندما يتحدث السياسي عن " الخيار الوحيد " إعلم أن خطأ ما يحدث .
يتم ربط السلمية بإسقاط الإنقلاب إعتمادا على نماذج تاريخية مثل الثورة الإيرانية التي إستمرت سلمية حتى اللحظة النهائية و نجحت السلمية في زعزعة النظام فعلا .
و لكن هذا المنطق يحوي ثغرة كبيرة و هي أنك لست الوحيد الذي قرأ هذا النموذج فمن المؤكد أن خصمك درسه أيضا و أعد العدة لمواجهته .
هذا فضلا عن وجود النموذج السوري الناجح - حتى الآن في حماية رأس النظام - و ربما يجعله ينجو من الدماء في النهاية بإتفاق سياسي إذا لم ينجح الثوار في الوصول إلى بشار و القصاص منه ..
فلم يستسلم لسلميتك ؟الحقيقة أن " الخيار الوحيد " لا يتفق حتى الآن مع الأهداف المعلنة من قبل التحالف و الحديث المتكرر عن ترنح الإنقلاب و قرب سقوطه لا يعدو كونه وسيلة للحفاظ على صمود المتظاهرين في الشارع دون تحديد النهاية المتصورة لهذا التظاهر .
ربما إكتشفت القيادة السياسية للتحالف أن النهاية لن تكون إلا باتفاق سياسي يحوي تنازلات متبادلة و لكن تقف الدماء عقبة أمام هذا السيناريو فلم تقدم التنازلات الآن بعد قتل الآلاف بينما كنت قادرا على تقديمها قبل الدماء و من موقع أقوى ؟
لم توجد منذ البداية رؤية إستراتيجية واضحة تتفق مع الأدوات التي تمتلكها قيادة التحالف لخوض هذا الصراع و هذا أحد أوجه أزمة القيادة التي نعانيها .
فبينما وضعت خطوطا حمراء لتحركها في مواجهة خصم لا خطوط مماثلة لديه حددت أهدافا تتجاوز هذه الخطوط بكثير .
و يصبح الوضع إما الإستمرار في التظاهر مع التصعيد مع خطورة إحتمال إنفلات الأمور إلى المساحة التي لا يريد التحالف الوصول إليها و هو المرجح لأن الإنقلابيين لا أخلاق و لا حدود لهم .
أو إبرام إتفاق لا يتناسب مع الثمن الذي دفعه الثوار و هو ما لن يقبله الشارع بالتأكيد .
و بعيدا عن كل الجدل و الشكليات نريد أن نرسي قاعدة .. أي نهاية لهذا الصراع لا تؤدي إلى إعادة هيكلة مؤسسات السلاح ووصول الثورة إليها تعني أن كل الدماء قد ذهبت هدرا و خرج الثوار دون أن يحققوا شيئا حتى لو عاد مرسي رمزيا .
إما أن يتم هذا من خلال إتفاق سياسي أو عن طريق فرض الأمر الواقع يجب أن يتم و في المقابل - كما أرى - يمكن التنازل عن أي شيء سواء عودة مرسي أو مجلس الشورى أو حتى الدستور .
و عندما يتم طرح هذه الفكرة على الإنقلابيين و المجتمع الدولي سيبين حجم الرفض لها و التمسك بمؤسسات السلاح في أيديهم حقيقة الصراع و يعيدنا إلى أرض الواقع مرة أخرى ... و هي تقول ان الحقوق لا تستجدى.
المصدر - رصد
المصدر
- مقال:ثمن الدماء - هيثم صلاحموقع:شبكة رصد الإخبارية