ثقافة العداء وسموم الانقسام
بقلم : نايف جفال ـ القدس
تأمل واكتب دون خوف أو صحوة ضمير، وأفسح المجال لمخيلتك لكي تبدع أوسع سيناريوهات الكذب والتلفيق، وحاول بكل الوسائل أن توضح بأنك الأكثر حقداً على الآخر، فهكذا ستكون من المرضي عليهم، ولا تقلق من احد ولا تتردد فأنت لسان الشعب الفلسطيني.
هي الرسالة التي افهمها والتي تجسدها المواقع والمنتديات التابعة لحركتي فتح وحماس، فمن يقم بزيارة هذه البؤر يشعر بحالة من الهستيريا الجنونية التي تضخها إدارة المواقع لتشوه الطرف الأخر والذي لا يعني وليس بالضروري أن يكون من فتح أو من حماس فمن يعارضهم سيتوفر له المساحة الوافرة من الإهانة والتشكيك والشتم والذم، ولا يتوقف إلى هذه الحد بل تلاحظ بأن حقداً متجذراً يوازي الحقد على الحركة الصهيونية قد وجد، كل هذا فيض ينبع من التوجهات الحزبية المستترة الاستمرار بالمسلسل الحزبي، فإعلاء كلمة حماس مهما كانت درجة جديتها ومصداقيتها تعلو فوق أي اعتبار، وتعتبر مصلحة وطنية وضرورة اللاهية، وانصياع لأولي الأمر، وكذا فتح أيضا لعناصرها تحرم النطق لغيرها، وتشرع بشرعيتها فوق الجميع وتعمل بكل السبل والوسائل لكي تبقى، فلا احد ينظر إلا من خلال منظاره الحزبي،
ويصنع من ذاته المشرع والمنفذ دون مراعاة لأبسط إشكال التعددية الحزبية والروح الديمقراطية والمصالح الوطنية. متناسيين بأن هناك هموم تلاحق الشعب الفلسطيني بشكل يومي إن لم يكن في كل لحظة، فها هي شبكة الحوار الفلسطيني "التابعة لحركة حماس" التي لا تمد لفلسطين بشيء إلا أسمها وباقي خزعبلاتها لا تمد للواقع في شيء، تنتهج الدجل المشرع بقوانين الفساد والعهر السياسي، و نفس الشذوذ وبنفس المنطق نلقى المنتدى الفتحاوي" التابع لحركة فتح"، فالتزوير والبلاء وافر لكل من يريده، حقد لا نعرف لأي سبيل سيغدو، والكل تائه في فوضى التنظير، ولا احد يلتفت لوحدة المصير، دعوات متكررة تلقاها من أعضاء المنتديات البائسة تدعو لقتل الأخر وسجنه وعدم شرعيته،
والتشهير بأسماء لا يعلموا من تكون، ولكن الهدف حرقها لزيادة ارتفاع نيران الانقسام، فلو كان التنظير المتبع يراعي النقاش السياسي، والاستناد لأدلة وبراهين فلن نغضب، ولكن الطريق مفتوح لكل ما هو فاعل في تعزيز الانقسام .
فأي مصالحة هي التي نبحث عنها وأي وفاق هذا الذي نتغنى به، فحالة الانقسام لم تبقي أي شيء يمهد لطريق الوحدة، وهذا ما يجعل من الواجب، العمل على مقاومة هذه المواقع بكافة السبل وإظهار الحقائق، وإبعاد الشعب الفلسطيني بكل جروحه عن طاولة المنافسة المخزية التي تسوقها فتح وحماس بهياكلهما الإعلامية وردحهم الإعلامي المقرف، فقبل أن نطالب بخطوات تمهيدية تساعد عن أنجاز الحوار المحنط، كالإفراج عن" الأسرى السياسيين" مثلا وقبل أن نختلف عن أماكن لقاءاتنا، وقبل أن نستمر بكذبنا على أبناء الشعب أن الوحدة لن تغيب وبغضون أسبوعين ستتحقق، يتوجب أولا وقف كامل حملات التحريض الإعلامية التي تفتت الشعب وتصهر ثقافته، فضروري جداً وقف هذه المهازل المعيبة التي تلحق بثقافتنا وتاريخنا، وحاضرنا،
ومستقبلنا الأذى والتشويه، فالحاجة ملحة في إيجاد رقابة فاعلة على المنتديات وملاحقة كل من تثبت أدانته في تلفيق التهم وتزوير الحقائق ونشر البغائض، فكثير من هم بغير الفلسطينيين يتصفحوا تلك المواقع وغيرها من المواقع المهتمة بالواقع الفلسطيني، وعند رؤيتهم لهذه الكوارث المخزية، سيتولد لديهم الكثير من الأفكار الكاذبة التي يسوقها المحتل المتربص بنا في كل خطاء مهما صغر لكي يستفيد من خلاله في تجميل مظهره وإيضاح عنجهيتنا وتخلفنا، ويؤكد للعالم اجمع بأن مشكلة الشعب الفلسطيني مع الإسرائيليين ثانوية، وان الهم الأكبر لديهم يتجلى بالمشاكل الحزبية والقبلية والافتقار لكافة معاني الحياة الديمقراطية.
فللمنتديات والمواقع الإعلامية الفلسطينية المردود الايجابي الهام في حشد الرأي والتعاطف العام العالمي، وفضح الجرائم وتعرية المجرمين، وإيصال الفائدة لأبناء الشعب والتواصل ما بينهم وإيضاح همومهم ومشاكلهم، فاستغلال هذه الوسائل بالطرق المجدية والمفيدة يعزز القدرة على الصمود والبقاء فلا "صاروخ القسام" يحرر الأرض وحده ولا مفاوضات الرئاسة تجدي نفعاً،
لذا اتقوا خيرا بهذا الشعب الصامد ولا تنسوا بأنكم لن تستطيعوا جمعه في معمعان ثقافتكم وأبواقكم العفنة، التي تثبت في كل لحظة همجيتها ضد الشعب وعنفوانها ضد الوطن ومغازلتها للعدو، فالشعب الذي يخطو بسنته الثالثة والستون من النضال لا يمكن أن يبقى محتمل كل هذا الدمار، فالتاريخ لا ينسى احد، وسيأتي اليوم الذي يزول فيه الضباب الحزبي عن عيون المنساقين، لكي تتضح الرؤية ويزول الخلاف ويبقى من هم تجارا للعداء وفتات الشعب في زاوية مظلمة لن تجلب لهم الرحمة ولا المغفرة، وستغرقهم في مهاوي الدمار الذي خلقوه بأيديهم النجسة.
المصدر
- مقال:ثقافة العداء وسموم الانقسامالمركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات