تواطؤ أوروبي مع إرهاب الموساد

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
تواطؤ أوروبي مع إرهاب الموساد

21-02-2010

بقلم: عبد الباري عطوان

عملية "الموساد" التي تمثلت في اغتيال الشهيد محمود المبحوح، أحد مؤسسي كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة "حماس"، لم تفضح فقط بعض الأجهزة الأمنية في السلطة الفلسطينية، وتعاون بعض عناصرها وقياداتها مع المخابرات الصهيونية، وإنما فضحت الدول الأوروبية وتواطؤها مع الإرهاب الصهيوني، خاصةً أن هذا الإرهاب موجه فعلاً إلى العرب والمسلمين.

فوجئنا بصمت الحكومات الغربية التي استخدمت وحدة "الموساد" جوازات سفر عددٍ من مواطنيها لتنفيذ عملية الاغتيال هذه في مدينة دبي، وفوجئنا أكثر بالتقارير التي نشرتها صحف بريطانية صباح الجمعة، وتقول إن الصهيونيين أبلغوا نظراءهم البريطانيين أن عملاءهم سيستخدمون جوازات سفر بريطانية؛ الأمر الذي يؤكد أن الأجهزة البريطانية متواطئة أولاً، وتشجع الإرهاب الصهيوني ضد العرب.

صحيح أن الحكومة البريطانية سارعت إلى نفي هذه التقارير الصحفية، ولكن عدم إقدامها على اتخاذ أي إجراء ضد الصهيونيين، يؤكد أن الغضب البريطاني الرسمي الذي شاهدناه من خلال استدعاء السفير الصهيوني إلى مقر وزارة الخارجية البريطانية كان مسرحية سيئة الإخراج والتمثيل معًا.

السيدة مارجريت ثاتشر رئيسة الحكومة البريطانية السابقة طردت 13 دبلوماسيًّا صهيونيًّا، وأوقفت التعامل الأمني مع إسرائيل عام 1987م عندما استخدم "الموساد" جوازات سفر بريطانية في تنفيذ عمليات إرهابية مماثلة، ونشك أن يُقدِم جوردون براون، رئيس الحكومة وأحد أبرز المؤيدين لإسرائيل، ورئيس جمعية أصدقائها الأسبق على خطوة كهذه.

إن هذه المواقف المخجلة والمتواطئة من قِبل حكومات أوروبية استُخدمت جوازات سفرها، يؤكد لنا أن المسئولين الصهيونيين كانوا على حقٍّ عندما قالوا "إنها زوبعة في فنجان"، وسرعان ما يهدأ غبار هذه الضجة، وتعود المياه إلى مجاريها بعد أسبوع على الأكثر.. فكل ما يتطلبه الأمر هو "اعتذار" صهيوني ويتم طي هذا الملف.

"إسرائيل" استخدمت أسلوب الاعتذار نفسه مع كندا ونيوزيلندا عندما استخدمت جوازات سفرها في عمليات مماثلة (محاولة اغتيال خالد مشعل في عمان عام 1997م)، ومع ذلك لم تتأثر العلاقات الكندية- الصهيونية مطلقًا بل ازدادت قوةً وصلابةً.

إنه إرهاب صهيوني، يتساوى مع كل إرهاب آخر بما في ذلك إرهاب تنظيم القاعدة، إن لم يكن أخطر؛ لسبب بسيط وهو أن "القاعدة" ليست دولةً عضوًا في الأمم المتحدة، ولا تدعي أنها الديمقراطية الوحيدة وعنوان الحضارة الغربية في المنطقة العربية.

الإرهاب الصهيوني الذي يمارس بمساعدة غربية هو الذي يعطي المبررات، اتفقنا معها أو اختلفنا، لتنظيم "القاعدة"، وكل التنظيمات المتشددة الأخرى لتجنيد الشباب المسلم المقهور والمهان لتنفيذ عملياته بتفجير الطائرات ومحطات القطارات، وهذا لا يعني تبرير أي نوعٍ من الإرهاب.

جهاز "الموساد" الصهيوني يتصرف وكأنه فوق جميع القوانين، يرسل القتلة إلى عواصم دول معتدلة حليفة للغرب، ينتهك سيادتها في وضح النهار، وينفذ جرائمه وهو مطمئن إلى دعم الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا حتى لو استخدم جوازات سفرها دون علمها.

الدول الغربية تنفق مئات المليارات تحت ذريعة محاربة الإرهاب العربي الإسلامي، لكنها تفقد المصداقية والأصدقاء الذين لا يمكن أن تنجح دونهم عندما لا تحرك ساكنًا أمام الإرهاب الصهيوني، الذي هو أبو الإرهاب العالمي وأمه، ما يجعل هذه الأموال هدرًا وبلا فائدة.

نطالب الحكومات العربية بمعاقبة الدول المتواطئة مع هذا الإرهاب الصهيوني بصمتها على انتهاك سيادتها، واستخدام جوازات سفرها في تنفيذ عملية إرهابية في إمارة مسالمة معتدلة، بتهديدها بوقف كل أشكال التعاون الأمني معها إذا لم تتحرك بسرعة لمعاقبة "إسرائيل"، والضغط عليها لتقديم القتلة إلى العدالة في أسرع وقتٍ ممكن، ولكننا نعرف جيدًا أن معظم الحكومات العربية فاقدة السيادة، عديمة النخوة، ترضخ بالكامل لتعليمات الغرب وإملاءاته.

بقي أن نقول إن السلطة الفلسطينية التي ثبت تورط اثنين من ضباطها السابقين في هذه الجريمة الإرهابية، فقدت كل ما تبقى لها من هيبة أو مصداقية، وهي لا تستحق أن تمثل حتى لو فلسطيني واحد، إذا لم تبادر فورًا، وتعاقب الرءوس الكبيرة، وتنظف صفوفها من كل عملاء الموساد، وفي أسرع وقتٍ ممكن.

فضيحتان في أقل من أسبوع، واحدة متورط فيها جهاز مخابرات من المفترض أن يعمل ضد "إسرائيل" ولمصلحة حماية المواطن الفلسطيني، تحوَّل إلى أداة للتجسس على المواطنين الفلسطينيين، بل ومسئولي السلطة أنفسهم، بهدف الابتزاز، وبما يخدم المصالح الصهيونية، والفضيحة الأخرى العمل لمصلحة "الموساد" من أجل تصفية أحد المناضلين الشرفاء الذي سخَّر حياته لخدمة قضيته ومواجهة الاحتلال.

عملية اغتيال المبحوح كانت مؤلمة ومهينة في الوقت نفسه، مؤلمة لأنها طالت شخصية وطنية مجاهدة، ومهينة لأنها وقعت في بلدٍ عربي، ولكن "لعل الخير يأتي من باطن الشر"، فقد كانت مفيدةً لأنها عرَّت السلطة وبعض قياداتها العاملة لمصلحة "إسرائيل"، مثلما كشفت النفاق الغربي في أبشع صوره وأشكاله.

إن الذين يدعمون الإرهاب الصهيوني، ولو بغض الطرف عنه، لا يمكن إلا أن يكونوا إرهابيين.

الحديث في واشنطن أو لندن أو أي عاصمة غربية أخرى حول مكافحة الإرهاب سيتحول إلى مادة للسخرية، طالما أن هذه العواصم تشارك بشكل غير مباشر في الإرهاب الصهيوني.

الدول الغربية تستعد حاليًّا لفرض عقوبات اقتصادية على إيران، وهي التي لم تمارس أو تدعم عملية إرهابية واحدة، ووضعت ليبيا تحت حصار ظالم، وحاصرت العراق 13 عامًا، ووضعت "حماس" على قائمة "الإرهاب" وهي التي لم تنفذ عملية عسكرية واحدة خارج الأراضي المحتلة، فلماذا لا نرى حصارًا على "إسرائيل"، وعقوبات اقتصادية ضدها، وهي تمارس الإرهاب ليلَ نهارَ وتعتدي على دول آمنة بصفة دورية؟

متى نرى نهاية لهذا النفاق المفضوح؟


* القدس العربي في 21/02/2010م

المصدر