باختصار.. لماذا تصمت رام الله ولا تنتفض؟
بقلم : ناصر السهلي
يحتار بعض إخواننا العرب وغير العرب من المسلمين حول العالم ومعهم من يؤمن بعدالة القضية الفلسطينية حول تناقض المشهد.. في القدس التي يزرع فيها الاحتلال كاميرا مراقبة لكل فلسطيني، عدا تحويلها إلى ثكنات عسكرية وعزل لمخيماتها وضواحيها يخرج الشبان لمواجهة مخططات التهويد التي تطال مدينتهم ومقدسات المسلمين والمسيحيين.. القدس بالنسبة لهؤلاء ليست مجرد أنها مدينتهم، بل رمز لتاريخ يجري تزويره وعدالة لا تفوقها عدالة.. أهالي القدس في "القانون الإسرائيلي" يُعتبرون أجانب مقيمين.. دخولهم للتعبد مرهون بمزاجية الاحتلال ومخططاته.. وفي القدس لاجئين ومخيمات أشهرها شعفاط.. في القدس أغنياء وفقراء..
ليس بعيدا عن القدس سوى دقائق توجد مدن ومخيمات فلسطينية.. بيت لحم.. رام الله.. مخيم قلنديا خرج شبانه لمواجهة قوات الاحتلال.. المخيم يقع على بعد مرمى حجر من دوار المنارة وسط رام الله.. هنا، في قلنديا، ثمة مواجهات رغم صعوبة الواقع الذي يحصرهم بين قوات أمن فلسطينية من جهة وقوات حرس الحدود الصهيونية سيئة الصيت من الجهة الأخرى..
سأل المفكر العربي منير شفيق بحرقة وغضب سؤالا: لماذا لا تخرج رام الله؟
رام الله، التي تعتبر مركز العمل السياسي ( ولست معجبا بتسمية العاصمة السياسية).. لننتبه جيدا.. حتى الشموع غابت هذه المرة عنها.. ثمة أسباب كثيرة بحث البعض عنها وحللها.. بعضها خلص إلى نتيجة استحالة تحرك الضفة.. لكن لماذا؟
تحولت الأحزاب والفصائل السياسية الفلسطينية إلى الاهتمام بعمل منظمات الـ NGO والمشاريع التي تدر أموال المانحين.. منذ زمن بعيد حذرت أنا الإنسان البسيط من تحويل " حركات المقاومة في رام الله" إلى منظمات غير حكومية.. العفوية التي يخرج بها الناس نحو المصادمات في القدس وجنوب الخليل ليست عفوية تماما.. لكن في رام الله تجري الأحداث وكأنها في جغرافيا وقضية أخرى لا تتعلق بالقضية الفلسطينية.. هذه الفصائل تتحمل مسؤولية كبيرة جدا في محاولات تخريب المجتمع الفلسطيني.. هذا ليس نقدا قاسيا بدون حقائق.. هذا واقع حال فشل الاستراتيجيات والبرامج والأدوات التي ركنت مثل السياسة الرسمية بالتعويل على كذبة بناء مؤسسات الدولة تحت الاحتلال الذي تساهم فيها بعض هذه الفصائل عبر "الوزارات" والمناصب والامتيازات..
هذا المجتمع الذي يجري العمل على تخريبه بشكل منهجي عبر USAID وغيرها من المنظمات يقول عنه الفاشلون " تعب وأرهق الناس".. هؤلاء يتحدثون باسم الشعب " المرهق" وهم متأكدون جدا مما يقولون.. لكن ما لا يقولونه هو الأخطر.. الناس لم تعد تثق بكل هؤلاء...
انتباه بسيط.. ربط الناس بقروض تكفلها الوظيفة في السلطة يعني أيضا بروز طبقة مكبلة.. لكن بالطبع هذا ليس مبررا أبدا.. فالقضية أكبر من مجرد قروض ورواتب.. القضية أعمق.. تتشابك فيها خيوط محاولات تدجين وترويض هذا المجتمع..
الضميري، ناطق باسم الأجهزة الأمنية، قال بكل وضوح عما يعبر عن واقع وتوجهات السلطة التي أخذت دور منظمة التحرير.. " لا يوجد احتلال في الضفة..".. فالقدس بالنسبة للضميري ليست جزءا من الضفة المحتلة.. وعليه كذبة كبيرة هذه التي تُرسل للعرب والعالم بلسان رسمي بأنه لا يوجد "احتلال في الضفة".. وهو بالتأكيد يقصد شارع الإرسال ومنطقة البالوع برام الله حيث تتمركز المقاطعة ومؤسسات فياض..
حاتم عبد القادر، مسؤول ملف القدس سابقا، فضح المشهد، فتم تهديده عبر الطيب عبد الرحيم.. الرجل فتحاوي حتى النخاع، لكنه قال الحقيقة.. والحقيقة هي " القمع"..
كل مسيرة ومظاهرة للدفاع عن المقدسات والأرض والذات والتضامن على الأقل.. تحتاج على لسان الضميري إلى "ترخيص"..
هم يريدون مقاومة "سلمية".. بمعنى أن تخرج مجموعة صغيرة "تهتف" تتلقى قنابل الغاز والطلقات ثم تعود إلى بيوتها.. هذه هي المقاومة التي تبحث وتبشر لها السلطة.. ثم بيانات تنديد من الفصائل.. عربدة المستوطنين في عراق بورين جنوب نابلس وقتل الاحتلال للمواطنين هناك استدعت إرسال " مذكرة إلى هيلاري كلينتون" تحذرها من أن انسداد الأفق يعني " انتشار العنف".. نعم حركة تحرر تتحدث عن المقاومة كعنف..
ماذا لدينا في الضفة؟
في المناطق المصنفة بـ "أ"، أجهزة أمنية تكفي مواطني مدينة القاهرة.. دوار المنارة وسط رام الله يعج بقوى الأمن.. اعتقالات و استدعاء لمن يُشك بأنه ناشط.. حصار وقطع للطرقات التي تؤدي إلى نقاط الاحتكاك مع الاحتلال.. دوريات مشتركة.. وإن كانت الجيبات العسكرية لا تسير بجانب الإسرائيلية مباشرة.. لكنه التنسيق الأمني الذي يحاصر أية محاولات للتواصل مع القدس..
السؤال الذي يطرح نفسه أحيانا: ماذا عن دور الفصائل الفلسطينية؟
ما لم تخرج تلك الفصائل من شرنقة الانتهازية التي استمرأتها فإنها ستبقى تساهم في التوجه السلطوي وتحديدا النهج الذي يتبعه من يعتقدون أن خط دايتون هو الأنجع في إنهاء الاحتلال.. وما لم تخرج بعض الفصائل من حالة الارتباك التي تعيشها فسيكون المشهد قاتما لها.. ولمستقبلها.. فبالرغم من الصورة السوداوية المرسومة للمجتمع الضفاوي، فإننا سنجد أن الشعب سيتجاوز هؤلاء جميعا.. ولن تفيد كل أجهزة القمع والتكبيل والتكميم في شل دائم لحركة الشعب الفلسطيني.. ولن تنطلي حركات تقديم الرشوة لتهدئة الناس..
من العار أن يُسأل عن العرب وعن الجماهير العربية والإسلامية.. التي خرجت بالفعل من اندونيسيا شرقا إلى واشنطن غربا.. بينما يتردد هؤلاء بالإجابة الواضحة عن صمتهم هم وتحولهم إلى الفرجة على ما يجري في القدس والخليل وقرى جنوب نابلس.. أربعة شهداء حتى ظهيرة يوم الأحد في هذه القرى، وكأن هؤلاء ليسوا أبناء شعبهم.. وكأن القدس ليست جزءا من الأرض المحتلة.. من تهيمن على عقله " وثيقة جنيف" هم من يمسكون بالقرار الفلسطيني.. وخارطة الطريق تجيب على كل هذا الإصرار على اهانة التاريخ الفلسطيني الثائر في الضفة وغزة وداخل الخط الأخضر.. ومن العار بالتأكيد أن يعتبر الشتات " مشوشا" على المشروع الوطني بتهم سخيفة عن ارتباطات إقليمية..
قد لا تكفي هذه الإجابة المختصرة.. لكن في التفاصيل الكثيرة ما يمكن أن يكشف قضايا صادمة.. وقد يكون الوضع الفلسطيني بحاجة إلى هذه الصدمة ليتخلص من شائبة محاولات تدجينه وترويضه وتغليفه بقشور الخنوع ليرضى المانحون عن الممنوحين بمزيد من الأموال وبقاء بطاقات الشخصيات المهمة جدا بحوزة الانتهازيين!
المصدر : المركز الفلسطيني للإعلام