المودودي مصلحا وداعية للتغيير
ليس بالضرورة كل مفكر مصلحا، فمن المفكرين من يغلب عليهم (التجريد) والإغراق في (النظريات) أو القضايا الجدلية، دون اهتمام كاف بالمجتمع وإصلاحه.
والفكر الإصلاحي هو الذي يهتم بالمجتمع ومشكلاته وجذورها، فيعرف فيه مكامن الداء، ويعرف كيف يصف له الدواء.
والمفكر المصلح، هو في الواقع طبيب اجتماعي، ينفذ بعين بصيرته إلى حقيقة أدواء الأمة، ولا يكتفي بالنظر إلى الأعراض، دون أن يتعمق في معرفة الأسباب، والغوص إلى الأعماق، فإذا عرف حقيقة المرض لم يجعل دواءه مجرد مراهم تعالج السطح الخارجي، دون اجتثاث الجرثومة الداخلية، أو تصف مسكنات تخفف الألم برهة من الزمن، ولا تستأصل الداء من جذوره.
وكان المودودي هنا طبيا نطاسيا لأمته، عرف حقيقة دائها وجرثومته الأصلية وحددها في كلمة واحدة هي: الجاهلية.
بل هذه في نظره هي داء البشرية على مدار التاريخ.
وما بعث الرسل إلا ليقتلعوا هذه الجرثومة من جذعها.
سواء كانت جاهلية الجحود والإلحاد ـ وهي الجاهلية المحضة ـ أم جاهلية الشرك والخرافة.
وهو صنو الأولى، والتي بعث الله رسله لاقتلاعها.
أم جاهلية الرهبانية والحرمان.
وبين المودودي أن هناك صراعا تاريخيا دائما ـ كان وسيظل أبدا ـ بين الإسلام ـ دين الأنبياء جميعا، أي الإسلام بمعناه العام ـ وبين الجاهلية بكل معانيها.
وأن مهمة المجدد الحقيقي: انتزاع القيادة من يد الجاهلية.
فالجاهلية ليست مرحلة زمنية انتهت بظهور الإسلام، كما يظن الكثيرون.
بل هي أفكار ومشاعر وأوضاع ذات سمات معينة، فإذا وجدت وجدت الجاهلية ولو لبست أزهى الثياب.
وعلامتها المميزة: البعد عن هداية الله، وحكم الله: (أفحكم الجاهلية يبغون؟ ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) المائدة: .
لم تكن الفكرة الإصلاحية عند المودودي فكرة جزئية ترقيعية، تبقي الأوضاع الجاهلية المستوردة على ما هي عليه، مكتفية بإدخال تعديلات تخفف من غلوائها، وتقربها من الإسلام، وتقف بالأمة المسلمة في منتصف الطريق.
كلا. لم يقبل المودودي الصلح مع الجاهلية، ولم يرض معها بأنصاف الحلول، أو اللقاء في منتصف الطريق.
بل كانت فكرته تهدف إلى التغيير الكلي، التغيير من الجذور، أي تغيير الفلسفة والأفكار والقيم والمعايير، قبل تغيير القوانين واللوائح.
أجل، كانت فكرته في الإصلاح (فكرة انقلابية) أو (ثورية) تهدف إلى تغيير المجتمع من جذوره، بعد هدم صروح الجاهلية من أساسها، لتبنى على أنقاضها حياة إسلامية متكاملة، حياة توجهها ـ فكريا ـ مفاهيم الإسلام، وتزكيها ـ روحيا ـ عبادات الإسلام.
وتحكمها ـ قانونيا ـ شريعة الإسلام، وتحركها ـ عاطفيا ـ دعوة الإسلام، ومشاعر الإسلام.
تضبطها ـ سلوكيا ـ أخلاق الإسلام، وقيم الإسلام، وآداب الإسلام.
وكان من رسائله الشهيرة: رسالة (منهاج الانقلاب الإسلامي) الذي نقل إلى العربية في الأربعينيات من القرن العشرين.
المصدر
- مقال:المودودي مصلحا وداعية للتغيير موقع : القرضاوي