الغرور والجهل هما أكثر ما يتميز به قادة العصابات الصهيونية
بقلم / الدكتور عبد العزيز الرنتيسي
نعلم جيدا أن الصهاينة يملكون ناصية القوة بما يملكون من ترسانة أسلحة تقليدية وغير تقليدية ودعم غربي غير محدود، إلا أن القوة وحدها لا تكفي لقهر الشعوب الكريمة التي جبلت على الأنفة والكرامة وتعشق الحرية وتستنكف العبودية، بينما يمكن أن تكون للقوة قيمة مجدية وأهمية كبرى في حسم نتيجة الصراع لصالح صاحبها إن كانت تحكمها القيم والمبادئ والمثل، وأما إن كان صاحب القوة يفتقر إلى القيم الإنسانية والمبادئ والمثل والأخلاق الدينية وعلى رأسها العدالة بين الناس كافة دون تمييز حتى الأعداء منهم كما جاء في كتاب الله {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} عندئذ يصبح كثور هائج أدخل إلى حلبة مصارعة الثيران، فمصيره المحتوم في نهاية المطاف أن يخرّ صريعاًَ - ولو بعد حين - عند أقدام مصارعه الذي هو أقل منه حجماً وأضعف منه قوة.
لا زلنا نذكر ما قاله موشي يعلون رئيس أركان العصابات الصهيونية عندما أعلنت الفصائل الوطنية والإسلامية عن هدنة مشروطة لمدة ثلاثة أشهر، لقد أعلن هذا المغرور أن جيش العصابات الصهيونية قد انتصر على المقاومة الفلسطينية، وما هي إلا أيام قلائل حتى عادت العمليات تدك حصون العدو، وتنشر الرعب في قلوب قادته المنتصرين بناء على مزاعم يعلون، وكان الأولى بيعلون أن يخلع ثوب الغرور وأن يعترف بالحقيقة والواقع، ولكنه تماما كسابقيه من قادة الإرهاب والتدمير والتخريب لم ولن يتعلم الدرس، فهاهو يعود من جديد إلى عبارات التبجح والغرور، ليخرج علينا مع مطلع العام الجديد قائلا في مقابلة مع صحيفة «يديعوت أحرونوت» «لم يعد هناك عالم عربي، لم نعد نتكلم عن عالم عربي، لا يوجد شيء اسمه تحالف عربي، هناك لاعبون لكل منهم مصلحته الخاصة، والجميع يعرف أن في عالمنا الأحادي القطب كل من يريد أن يعتبر جزءاً من القرية الكبيرة عليه أن يكون مرتبطاً بالولايات المتحدة وليس أي حلف آخر».
وهنا لا أريد أن أدافع عن الوضع البائس للعالم العربي الذي أنهكته الخلافات الشخصية، والولاءات المتعددة المتباينة، والبعد عن مكامن العزة وأسباب النصر والتمكين المتمثلة بالتمسك بالمبادئ والقيم التي جاءت بها عقيدتنا الغراء، وكذلك برص الصفوف لمواجهة العدوان الشامل الذي تشنه الصليبية الحاقدة جنباً إلى جنب مع الصهيونية النازية، وتعبئة الجماهير المتعطشة لمواطن الشرف تعبئة جهادية، وتجنيد كل إمكانات وقدرات وطاقات الأمة لصالح معركة المصير التي فرضت علينا ولم نخترها نحن، ولكن إذا كان هذا الواقع المشين هو واقع أصحاب القرار في عالمنا العربي والإسلامي، فحال الشعوب شيء آخر وهو مختلف تماماً، فهي التي ترفض الهيمنة الأمريكية على العراق وقد أقضّت مضاجع الغزاة، وهي التي أثخنت العدو الصهيوني في فلسطين.
ولكن عندما يقول يعلون «الجميع يعرف أن في عالمنا الأحادي القطب كل من يريد أن يعتبر جزءاً من القرية الكبيرة عليه أن يكون مرتبطا بالولايات المتحدة وليس أي حلف آخر» ثم يضيف قائلاً: «إن الولايات المتحدة خلقت أجواء وظروفاً عالمية جديدة بانتصارها في العراق واعتقالها الرئيس المخلوع صدام حسين»، مشيراً إلى «إن من يريد أن يخدم مصلحته اليوم يتبع الولايات المتحدة». هنا تبدو علامات التبجح والغرور التي تأتي في غير موضعها، فربما كان من المناسب أن يقول يعلون ذلك يوم سقطت بغداد في أيدي الأمريكان، وظن قادة البيت الأبيض أنهم أحرزوا نصراً مبيناً ليس على العراق فقط ولكن على الأمة بأسرها، ولكن عندما يقال ذلك في الوقت الذي يجمع فيه العالم على أن أمريكا تغوص في أوحال الرافدين، وأنها تتجرع مرارة الهزيمة في العراق على يد المجاهدين العراقيين، وطائراتها تتساقط تحت أقدام العراقيين، وقتلاها يحملون إلى أمريكا في كل صباح حتى أصبحوا يعدون بالمئات، وجرحاها باتوا يعدون بالآلاف، فأعتقد أن مثل هذا القول يعكس حالة من الهذيان الغير منسجم مع الواقع، فكان على يعلون أن يدرك أن الذعر الذي ألم ببعض القادة من العرب والمسلمين من احتلال أمريكا عاصمة الرشيد لم يتسلل إلى الشعوب، بل على النقيض من ذلك فإن الشعوب العربية والإسلامية تشعر بأنها قادرة بإذن الله تعالى على تحقيق النصر على أمريكا ومن حالفها لو أعطيت الفرصة لتحقيق ذلك، كما كان عليه أن يدرك أن الشعوب ستقاتل ولن ترفع راية بيضاء في مواجهتها للإرهاب الأمريكي والإرهاب الصهيوني، وهذا ما حدث في لبنان و الصومال وما يحدث الآن في فلسطين و العراق .
ثم يتمادى يعلون في تبجحه قائلاً «أما حماس فإنها باتت تخشى على مصيرها وعلى قيادتها في أعقاب عمليات الاغتيال»، مضيفاً: «لقد اصبحوا يخشون على تنظيمهم وهم لا يريدون أن يعطونا المبرر حتى نهاجمهم»، وهكذا يلبس يعلون نفسه ثوباً واسعاً أكبر من حجمه، وهو يدرك تماما أن قادة العصابات الصهيونية وهو أحدهم هم الذين باتوا يخشون من رد حماس على جرائمهم، ويكفي قادة العصابات الصهيونية دليلا على فشلهم وعجزهم وخوفهم أنهم يستغيثون اليوم بقوى دولية وإقليمية ومحلية لنجدتهم، بينما لم تتردد حركة حماس بالرد الموجع على ما ارتكب الصهاينة من مذابح ضد أبناء الشعب الفلسطيني، كما لم تتردد بالرد على عمليات الاغتيال التي اقترفتها يد الغدر والجبن الصهيونية ضد قادة الحركة العسكريين منهم والسياسيين، وعلي سبيل المثال لا الحصر فقد دفع الصهاينة ثمنا باهظا لاغتيالهم الشهيد المهندس يحيي عياش ذلك القائد العسكري الذي نعيش اليوم ذكرى استشهاده، وكذلك تلقوا الرد الموجع على كل عمليات اغتيال العسكريين من بعده.
لم يكن «يعلون» فريداً من بين قادة العصابات الصهيونية بإطلاق هذه التصريحات التبجحية، فقد سبقه أو عاصره في ذلك كل من تربع على عرش العصابات الصهيونية، فقد كان هذا ديدن رابين وبيرز وباراك ونتنياهو وموفاز وكذلك شارون، وغيرهم ممن قدر لهم أن يقفوا في مواجهة انتفاضة الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، وأنا على ثقة بأن يعلون الذي عض أصابع الندم بسبب تصريحاته السابقة عندما قبلت الفصائل الوطنية والإسلامية بالهدنة سيعض أصابع الندم من جديد بسبب تصريحاته الأخيرة التي تعكس حالة التبجح والغرور الملازمة لقادة العصابات الصهيونية.
المصدر : مجلة الأمان 9 كانون الثاني 2004 الجمعة 17 ذي القعدة 1424 السنة الحادية عشرة العدد 589
[[تصنيف:أراء وأفكار حول القضية الفلسطينية]]
[[تصنيف:أحداث الإخوان في فلسطين]]
[[تصنيف:أحداثفلسطينية]]