العام والخاص لدى الإخوان..
بقلم: د/ رفيق حبيب
تمثل جماعة الإخوان المسلمين حركة اجتماعية سياسية، وهي بهذا تعمل في الفضاء العام، ويمتد تأثيرها إلى المجال العام بمختلف جوانبه، الدينية والاجتماعية والسياسية. وهي جماعة لها برنامج إصلاحي، يخص جملة الأوضاع السائدة في المجتمع. وعليه فهي جماعة عامة، وليست جماعة خاصة، أي أن تأثيرها ودورها لا يحدث في دائرة خاصة ضيقة، بل يحدث في المجال العام، ويؤثر على المجتمع. فهي جماعة تقوم بدور عام، وتريد إصلاح المجتمع والنظام السياسي حسب رؤيتها، مما يستلزم تحديد ما هو عام وما هو خاص في جماعة الإخوان المسلمين.
وأهم الجوانب العامة لدى الجماعة، هي رسالتها. فهي تدعو المجتمع كله لرؤيتها ورسالتها، لذا يصبح من الضروري أن تكون رؤية الجماعة معلنة للكافة، فمن حق المجتمع معرفة رؤية الجماعة، ولا يجوز أن يكون جزءا من رؤيتها غير واضح أو غامض أو غير معلوم. وعليه لا يجوز للجماعة أن تخفي جزءا من رؤيتها أو تؤجل إعلان عنصرا من عناصر رسالتها. ويستلزم ذلك معرفة المجتمع بالأهداف النهائية التي تريد تحقيقها الجماعة، والغاية التي تعمل على تحقيقها. لأن تلك الأهداف والغايات، تخص أوضاع المجتمع، لذا يحتاج كل فرد لمعرفة تلك الأهداف النهائية، حتى يعرف من ينتمي لها ومن يؤيدها، وكذلك من يعارضها، ما تريد الجماعة تحقيقه. فحتى المعارض لها، يحتاج لمعرفة كل أهدافها حتى يناقش تلك الأهداف أمام الرأي العام. وبهذا يصبح الرأي العام هو الرقيب على رؤية الجماعة، وهو الذي يقيمها ويحدد موقفه منها.
ومن جانب آخر، يعد منهج الجماعة في تحقيق أهدافها جزءا لا يتجزأ من تلك الأهداف. فمعرفة منهج الجماعة، والطرق التي تسلكها لتحقيق غايتها، وكذلك الطرق التي سوف تسلكها في المستقبل، يمثل جزءا مهما من معرفة الرؤية الشاملة للجماعة. فالمناهج التي تستخدمها الجماعة، تعد جزءا من رؤيتها وتكوينها الفكري. فقد تختلف دلالة رؤية معينة إذا اختلف المنهج المستخدم لتحقيقها. كما أن المنهج المستخدم لتحقيق رؤية الجماعة، يؤثر على المجتمع وعلى مستقبله، لأنه يحدد ما يمكن أن يحدث في المستقبل، خاصة بين الجماعة وخصومها. ولأن الجماعة تحمل مشروعا إصلاحيا شاملا، لذا يصبح منهجها في تحقيق رؤيتها، مؤثرا على مختلف الأوضاع الاجتماعية والسياسية. فيصبح من حق الرأي العام معرفة منهج الجماعة الحالي والمستقبلي، حتى يحدد موقفه من الجماعة، ويقرر ما إذا كان سوف يؤيدها أم لا.
ولأن الجماعة مؤسسة تعمل في المجال العام، لذا يحتاج المتابع والمراقب والمحاور، أن يعرف قيادات الجماعة، ودورهم فيها، حتى يعرف من يخاطبه، ودوره ومسئوليته. والقيادة تمثل التعبير الرسمي عن الجماعة، مما يستلزم معرفة مكانتها التنظيمية، حتى يعرف من يتابعها دورها. وبهذا يعرف الرأي العام شخوص المعبرين عن الجماعة، والمسئولين عن نقل رؤية الجماعة للمجتمع.
ولأن الجماعة دورها عام، لذا فهي تخضع لمتابعة المراقبين والباحثين. فكل شأن اجتماعي عام، وكذلك كل شأن سياسي عام، يقع ضمن الاهتمامات البحثية والعلمية. فالباحث يقوم بدور الدارس والمتابع للكيانات الفاعلة في المجال الاجتماعي والسياسي، ويكون عليه مسئولية دراسة الظواهر الفاعلة في الحياة العامة، وتقديم رؤيته لعامة الناس وللمتخصصين والفاعلين الأساسيين. ويحتاج الباحث لدراسة المؤسسات والتنظيمات العامة، معرفة بنيتها التنظيمية والقواعد الإدارية الأساسية، وكيفية اختيار الجماعة لقيادتها وممثليها. ومعرفة تلك الجوانب، تكشف عن طبيعة المؤسسة، مما يمكن الباحث من معرفة تطورها. بجانب حاجة الباحث لمعرفة أوجه النشاط المختلفة التي تقوم بها الجماعة.
والرأي العام يهمه معرفة العلاقة بين رؤية الجماعة والأسس التي تقوم عليها، وممارستها الداخلية، أي يهمه معرفة العلاقة بين المبادئ الحاكمة لرؤية الجماعة عن المجتمع والسياسة، وتلك المبادئ الحاكمة لمؤسسات الجماعة. لأن القواعد والمبادئ المتبعة داخليا، توضح طبيعة المؤسسة، وتظهر مدى مناسبة المؤسسة للمهمة التي تقوم بها، ومدى التجانس بين المبادئ التي تنادي بها، وبين تلك المبادئ التي تتبعها في عملها الداخلي.
وهناك مساحة تقع بين العام والخاص، وهي تلك الخاصة بانتخابات الهياكل القيادية للجماعة، وقياداتها العامة. حيث يتابع الرأي العام موعد الانتخابات ونتائجها، كما يتابع ما يحدث من تباين في الرأي حولها. كما إن عملية تعديل لائحة الجماعة أو تطوير نظامها الداخلي أو وثائقها الرئيسة، كلها تقع في نطاق اهتمام الرأي العام، والذي يتابع الجماعة أحيانا - كما يحدث الآن - بصورة لصيقة ولا ينتظر نتائج ما تقوم به الجماعة. وهنا قد يكون من المناسب إعلان الجماعة عن خطواتها، خاصة إذا وجدت لغطا فيما ينتشر بين الناس أو في وسائل الإعلام، حول ما يحدث في الجماعة. وعندما تكون الجماعة في حيرة بين إعلان ما يحدث من إجراءات أو عدم الإعلان عنها لحين انتهائها، قد يكون من المناسب اللجوء إلى الإعلان العام، حيث أن معرفة الرأي العام ومؤيدي الجماعة وأعضائها لأخبارها من قياداتها، أفضل من انتشار التكهنات والمعلومات المغلوطة.
ولكن هناك مساحة أيضا للمجال الخاص في أي مؤسسة. فكل مؤسسة عندما تعمل داخليا، وهي بصدد تحديد موقف سياسي مستقبلي مثلا، تكون في داخل مجالها الخاص، ومن حقها أن تمنع المراقب من متابعة مناقشاتها الداخلية، وتمنع تتبع الآراء المختلفة داخلها. والمجال الخاص يتسع أكثر، كلما دخلنا إلى العملية الإدارية والتنظيمية. فهنا يبدأ المجال الخاص للمؤسسة. فالجوانب الإدارية والتنظيمية لنشاط الجماعة، وخططها المرحلية التفصيلية، وكيفية متابعتها لخططها، وكيفية تقييم الأداء، وتقييم أداء القيادات والمسئولين، كلها من الأمور الخاصة.
فعمليات التقييم والنقد الذاتي، خاصة تلك المتعلقة بالإجراءات والجوانب الإدارية، وتلك المتعلقة بأشخاص، كلها تقع في المجال الخاص. لأن الجوانب الإدارية والتنظيمية، تعد جزءا من المجال الخاص للمؤسسة. والأمر يختلف عند مناقشة منهج الجماعة أو رؤيتها، سواء من قبل عضو فيها أو متابع لها، فتلك القضايا جزء من العناصر العامة للمؤسسة. فمناقشة الأفكار والرؤى والمناهج، هي جزء من المعرفة العامة التي تطرح من مختلف الأطراف، بهدف تعميق الوعي وفتح باب الحوار. فكل الجوانب العامة للمؤسسة يمكن مناقشتها علنا، ولكن كل الجوانب الخاصة للمؤسسة، فتناقش في المجال الخاص للمؤسسة، وتبعا لنظامها المؤسسي. والرأي العام لا يمكن أن يكون جهة رقابة وتحقيق في الأداء الداخلي، وفي سلامة الانتخابات، فهو غير مؤهل لذلك، ولا تتوفر له المعلومات الكاملة. وكل القضايا التي تحتاج لدراسة وتحقيق، هي من الجوانب الخاصة، لأنها تتعلق بأداء الأفراد، وهي بهذا ليست شأنا عاما.
فالجانب العام ل جماعة الإخوان المسلمين، هو المرتبط برسالتها ومنهجها وطبيعتها، وهو يخص دورها وتأثيرها. أما الجانب الخاص فيبدأ عند الممارسة الإدارية والتنظيمية، ويشمل دولاب العمل الداخلي. والتمييز بين العام والخاص مهم، حتى لا تدفع الجماعة لتقليل مساحة العام حفاظا على مساحة الخاص، وحتى لا يتحول الخاص إلى قضايا عامة تعرقل قدرة المؤسسة على العمل.
المصدر : خوان اون لاين