الشيخ خيري ركوة
2010-10-04
بقلم فضيلة الشيخ:- محمد عبد الله الخطيب *

ولِد فضيلة الأستاذ خيري ركوة في قرية نزلة علي مركز طهطا محافظة سوهاج سنة 1934م وحفظ القرآن الكريم في كُتَّاب القرية مبكراً، فقد كان يتمتع بذاكرة قوية وهبها الله إياه.
وقد كانت له همة عالية منذ صغره فبعد التحاقه بمعهد طهطا الديني الابتدائي الأزهري الذي كان يبعد عن قريته سبعة كيلو مترات يقطعها يوم الخميس سيراً على الأقدام عائداً إلى بيت أسرته ليبيت معهم ويخطب الجمعة وهو في هذا السن الصغير عملاً بما حفظ وعلم من القرآن والسيرة والحديث والتفسير، وقد ساعده على ذلك انضمامه المبكر لجماعة الإخوان المسلمين فقد كانوا ومازالوا خير معين للطلاب وغيرهم من احتاج منهم درساً وفَّروه له، ومن احتاج أي شيء أوجدوه بإذن الله وتوفيقه لهم، فقد كانوا يُوقِفون النشاط الطلابي أيام الامتحانات ويلزمون الطلاب بيوتهم حتى يتفوقوا في دراستهم وكانت النتائج تفوق نسبة الــ 90%.
ثم التحق بالمعهد الديني الثانوي، وقد كان يتحدث اللغة العربية بلسان طلق، وحديث عزب، مما أهَّله بعد ذلك لإلقاء الكلمات في الاحتفالات الجامعة، فقد ذهبنا ذات ليلة وكانت ليلة امتحان إلى حفل مُقام بمناسبة المولد النبوي، فإذا بنا نجد شيخ المعهد يجلس في الصفوف الأولى، فسلمنا عليه بعد الحفل وسألنا ماذا ستفعلون غداً في الامتحان؟ وبعد العودة مكثنا على المراجعة وبفضل من الله أجدنا في الإجابة على الأسئلة، وبعد الامتحان ما كان من شيخ المعهد إلا أن دعا لنا.
ثم التحق الشيخ خيري ركوة بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر الشريف ليتخرج منها بالشهادة العالية ثم ليحصل على دبلومة في التدريس، وكان يتمتع بين زملائه بإيمان صادق، وخُلق عظيم، وعلم ثمين، وذكاء, يستخدمهم جميعا لينشر دعوة الله بين خلقه أينما وجد.
وجازى الله الإخوان المسلمين خيراً فقد علَّموا الأجيال تلو الأجيال كيف تكون التضحية فلا يدور الأخ المسلم حول ذاته أو مصلحته الشخصية فحسب، علَّموهم أن ينسوا كل هذه الأغراض ويبقى في قلبهم أمر واحد وهو الدعوة إلى الإسلام، كيف تنتشر؟ وكيف يعلو أمرها؟ فبعدما عمل بوزارة التربية والتعليم في التدريس عامين جاءت محنة 65 المخترعة المختَلقة من قِبل النظام الحاكم حينئذٍ وحُكم عليه بثلاث سنوات قضاها مع قسوتها كنموذج يحتذى به في الصبر والاحتمال والرضا بقضاء الله، ولم يكتف النظام الحاكم بالسجن فبعد الإفراج عنه ذهبوا به إلى المعتقل ليقضي به ثلاث سنوات أخرى، وكان ما كان من الشدائد في السجن والمعتقل وما كان منه إلا الصبر الجميل واحتساب الأجر عند الله.
وبعد خروجه من المعتقل عاد إلى عمله، ثم تزوج وتعاقد على العمل مبعوثاً للسعودية بأندونسيا ثم عاد إلى مصر ويوفقه الله للعمل بدولة الإمارات مفتشاً للغة العربية لغة القرآن الكريم التي عشقها وعمل على غرس حبها في قلوب تلاميذه.
لم ينس الشيخ دعوته في كل هذه المراحل ولم يقصّر في حقها، فقد كان يعمل دوماً لأداء واجبه الأول الذي خُلق من أجله وهو العمل للإسلام والدعوة إلى الله، فسعى بجد حثيث ونشاط دائم ليصل بها إلى أهلها الذين قعدوا عنها، مثله في ذلك مثل جميع إخوانه الذين فقهوا قول الله تعالى: ((وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)))، ونهجه في ذلك ما كان عليه رسولنا القدوة الحسنة ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)))، مضحياً مع إخوانه بكل ما يملكون من نفس ومال ووقت ((وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) ))، وليتحقق فيهم قوله تعالى: ((قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)).
وكان رحمه الله على فهم جيد لقوله تعالى: ((قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ))، فرأى مع إخوانه هذه الآية وأمثالها فحفظوها وأدركوا حُكم الله القاطع بأن المسلم لا خيار له إما أن يكون مع الله ورسوله يحبهما ويفديهما بكل غال ونفيس وإما أن يشتغل بفتات من الدنيا وأعشابها كما يحلو للبهائم والدواب أن تتعلق بهما، فحكم الله القاطع هو الفسق والعياذ بالله.
فواجب على شبابنا اليوم أن يستفيدوا ويفيقوا ويكونوا جادين في حياتهم فيركنوا إلى الله وكتابه وسنة نبيه، ليكونوا في حزب الله لا في حزب الشيطان الذي يتوعّد الناس الفقر ((الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)).
ولقد أدرك الإخوان المسلمون وفضيلة الشيخ خيري ركوة معهم قول الشاعر
ولست أبالي حين أقتل................مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي
ما دام في ذات الإله................وإن يشاء يبارك على أوصال شلو ممزعِ
فكانت دعوتهم إلى الله أغلى عندهم من كل شيء وأعز من كل شيء، فعملوا وما زالوا يعملون ويضحون لتعلوا راية الإسلام في كل مكان.
كان مع أهله رفيقاً كما تعلَّم من سيرة الرسول، كان في خدمتهم ليدخل عليهم السرور والفرح، وما رأيته ولا سمعته يشتكي من أحدهم أبداً.
وكان- رحمه الله- مهذباً مؤدباً طيلة حياته فما رأيته أساء أو اغتاب أحداً من إخوانه أو من المسلمين، وكنتُ أكبر منه بأربع سنوات فقط فما غضب مني ولا ردّ لي كلمة قط، وفي مرضه الأخير ذهبتُ لعيادته، فقال انظر إلى يدي فنظرتُ إليه, وقلتُ طيبة وأنتَ طيب, وقبَّلتُ يده، فقال: أنا الذي أقبِّل يدك وقدمك.
كان كتلة من الإخلاص لدعوته ودينه وإخوانه وتلاميذه فما قصَّر في حق شئ منهم ولا تَوان في أداء واجب, رحمه الله وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.
- عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين، ومن علماء الأزهر الشريف.