الشباب وقصة غلام
بقلم / د. أحمد حسن
أبنائي..أحبائي..هذه قصة من قصص السنة حدثت في التاريخ البعيد قصها علينا رسولنا صلي الله عليه وسلم فأصبحت بذلك تراثا لنا نحكيه لأبنائنا مما يمكن أن نسميه التاريخ الإسلامي.
إنها قصة غلام الأخدود...وقد أوردها الإمام مسلم من حديث صهيب الرومي.فأوصيك أخي الحبيب أن ترجع الي نص الحديث في كتاب من كتب السنة، كرياض الصالحين مثلا.
1)"كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر، فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت فابعث الي غلاما أعلمه السحر فبعث اليه غلاما يعلمه".
وهكذا يحرص أهل الباطل علي توارث باطلهم وهو في قصتنا هذه السحر..يكبر ساحر الملك فيبحث عن غلام شاب يعلمه قيمه ومبادئه لأنه هو المستقبل...هو الامتداد..وفهم هذا الملك أيضا فاختار غلاما وأرسله الي الساحر ليرث منه ميراث الباطل..ولربما كان السحر هو رمز لكل ما تطمس به هوية المسلمين ثقافة واعلاما وتعليما...
فاذا كان هذا هو دأب أهل الفساد والافساد في الأرض فكيف يقعد أهل الحق عن حقهم؟ كيف لا يورثون قيمهم وأخلاقهم لجيلهم الواعد الذي عقدنا عليه آمال التغيير والاصلاح.
2)"وكان في طريقه ـ اذا سلك ـ راهب،فقعد اليه وسمع كلامه فأعجبه وكان اذا أتي الساحر مر بالراهب وقعد اليه فاذا أتي الساحر ضربه فشكا ذلك الي الراهب فقال :إذا خشيت الساحر فقل حبسني أهلي واذا خشيت أهلك فقل حبسني الساحر".
إنه موضع من مواضع جواز الكذب فان سألتني أي موضع هذا؟ فسأرد قائلا: قالت أم كلثوم رضي الله عنها في رواية للإمام مسلم:سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول:"ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا،ولم أسمعه يرخص في شئ مما يقول الناس الا في ثلاث:تعني:الحرب،والإصلاح بين الناس،وحديث الرجل امرأته ،وحديث المرأة زوجها".
فكأنه يجوز الكذب أو المداراة أو التورية لمصلحة الإسلام والإصلاح عندما يطغي الباطل وعندما تكمم الأفواه وعندما يحارب الدين ويمنع الناس من تعلم أحكامه وأداء شعائره..عندها أد ما عليك ولو اضطررت الي المداراة والكذب أحيانا واعلم أن "الحرب خدعة "كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم في الصحيح.
3)"فبينما هو علي ذلك اذ أتي علي دابة عظيمة قد حبست الناس فقال: اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل؟فأخذ حجرا فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب اليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس، فرماها فقتلها ومضي الناس، فأتي الراهب فأخبره فقال له الراهب: أي بني، أنت اليوم أفضل مني، قد بلغ من أمرك ما أري وانك ستبتلي فان ابتليت فلا تدل علي، وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء.
لاحظ أن الداعية الحق ليس فقط من يلجأ اليه الناس في تعلم دينهم ولكنه أيضا من يمد يديه الي الناس بطعام أو بدواء أو بقضاء حوائجهم...ولعل الدابة التي قطعت طريق الناس هي رمز لكل مشكلة تنغص علي الناس حياتهم في أي مجال والغلام الذي قتلها انما قتلها بسم الله وبالإستعانة به فالغلام استخدم الإسلام اذن حلا لمشكلة من مشكلات مجتمعه وهذا ما يرفضه أعداء الإسلام في كل زمان ومكان.انهم يرفضون أن يتقدم الإسلام بحلول لمشكلاتهم ويفضلون حلول الغرب المستوردة من ثقافات غيرنا وشرائعهم..ان كانت لهم شرائع!!ولاحظ أخي الحبيب أن الراهب أقر للغلام بأنه أفضل منه برغم أن الراهب هو المعلم والمرجع والموجه..ولكن تحرك الغلام بدعوته بين الناس وحله لمشكلاتهم باسم الله جعله في الصدارة.
ابني الحبيب..تحتاج دوما الي مربي..لابد لك من مربي ترجع إليه وتستشعر الأمن والأمان بين يديه..تستمد منه العلم والرأي والطمأنينة..واسمع الي قول ابن قيم الجوزية وهو يحكي عن شيخه ومعلمه ابن تيمية:"وكنا إذا ضاقت بنا الدنيا وساءت منا الظنون هرعنا اليه فما هو الا أن نراه ونجلس اليه حتي يتبدل همنا فرجا وضيقنا سعة وانشراحا".
انه دور علماء الصحوة الإسلامية الذين أسميهم "رهبان الدعوة" أنادي عليهم..تقدموا وخذوا أماكنكم في مقدمة الصفوف وخذوا بأيدي شباب الدعوة ورجالها الي بر الأمان والنجاة فلن يتقدم الشباب بغير المربين والعلماء.
4- وانك ستبتلي..فان ابتليت فلا تدل علي: تري من أين علم الراهب أن الغلام سيبتلي؟ انه طريق أصحاب الدعوات وقد سلكه الغلام فأصبحت النتيجة الحتمية "وانك ستبتلى" .. ألم يقلها بحيرة الراهب لرسول صلي الله عليه وسلم يوم التقاه مع خديجة رضي الله عنها في أيام الدعوة الأولي لما قال له: "ليتني فيها جذعا اذ يخرجك قومك"فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم:"أومخرجي هم؟!". . فقال الراهب:ما جاء أحد بمثل ما جئت به الا عودي".
انها سنة من السنن الإلهية لا تتخلف أبدا: ما دعى إلى الله داع بصدق واخلاص الا ابتلي وأوذي حتي يعلم الله الذين صدقوا ويعلم الكاذبين وليميز الله الخبيث من الطيب.
5- فالطغاة أسلوبهم واحد لا يتغير علي مر العصور: لما اكتشف الملك الظالم أمر الغلام حاول أن يثنيه عن مقولته:"اني لا أشفي أحدا انما يشفي الله تعالي" وهي محاولة من الطاغية لتفريغ دعوة الغلام من بعدها الإسلامي وجعلها بدون مضمون عقائدي.. ولما لم يفلح في ذلك كشف عن وجهه القبيح..:"فأخذه فلم يزل يعذبه حتي دل علي الراهب،فجئ بالراهب فقيل له: ارجع عن دينك،فأبي،فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتي وقع شقاه ثم جئ بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك فأبي فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه به حتي وقع شقاه.
وهكذا يكشف الطاغوت عن وجهه الحقيقي وتسقط الأقنعة المزيفة...والملك في قصتنا هذه.."قصة الغلام" هو رمز للظلم والطغيان في كل العصور لذلك لا يهم يا بني أن تعرف اسمه ولازمانه فليس هذا مقصود النبي صلي الله عليه وسلم وهو يقص علينا القصة.
إن الحرية والديموقراطية التي يزعمونها تتهاوي عند أول مواجهة مع صاحب الدعوة الصادقة..فكن علي وعي وادراك.
6- ثم جئ بالغلام فقيل: ارجع عن دينك، فأبي،.. وهنا لم يضع الملك المنشار علي رأس الغلام كما فعل مع الراهب وكما فعل مع جليسه... فلماذا؟ الإجابة هي أن الغلام أصبح الآن شخصية عامة..وذاع صيته..وأحبه الناس..لقد تترس الغلام بالمجتمع وأصبح محتميا به فلابد للطاغية إذن من التخلص المبرر من الغلام..لابد من طريقة قتل لا يستفز الظلمة بها الشعوب..من أجل ذلك أرسل الملك الغلام مع الجنود للتخلص المستتر من الغلام... مرة في سفينة في البحر، ومرة من فوق جبل ليبدو الأمر وكأنه قضاء وقدر.. وفي كل مرة يعلمنا الغلام درسا في التوكل وهو يقول "اللهم اكفنيهم بما شئت" وفي كل مرة يرجع الغلام سالما بحفظ الله له.
ويبدأ الغلام في خطته لأسلمة أمته والتي أصبحت شغله الشاغل ومن أجل ذلك سيدفع ثمنا باهظا غاليا...سيدفع حياته ثمنا لانقاذ قومه من جهالات الكفر في الدنيا ومن عذاب النار في الآخرة..وسيضحي الغلام بأحلام الشباب في مسكن فسيح وزوجة جميلة وسيارة فارهة مما هو حق مشروع لكل شاب لينصر دعوته وينقذ أمته، فقال بعزة المسلم متحديا الملك الظالم.
7- "انك لست بقاتلي حتي تفعل ما آمرك به.قال: ما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني علي جذع ثم خذ سهما من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل: بسم الله رب الغلام ثم ارمني فانك اذا فعلت ذلك قتلتني."
وفي ذلة فعل الطاغية ما أمره به الغلام وقال بسم الله رب الغلام ثم رماه فوقع السهم في صدغه فمات الغلام شهيدا فقال الناس: آمنا برب الغلام..آمنا برب الغلام..فيالها من تضحية ويالها من بطولة! لقد نجح الغلام..وأسلمت القرية عن بكرة أبيها فيا أبناء الدعوة...يا شباب الإسلام..هكذا يكون البذل وهكذا يكون الفداء...لقد ضحي الغلام بحياته..وما قيمة الحياة ما دام الثمن احياء أمة من الموات واخراج الناس من ظلمات الكفر الي نور الإيمان والعجيب أن هذا التحول الكامل للأمة قام به ...غلام!!!فما أروعه من غلام وما أعظمه من عمل!.
8- والظلمة عادة لا يستسلمون الا بعد التنكيل بأقوامهم.. وهم لا يستحون.. حتي لو قتلوا شعوبهم فلم يغادروا منهم أحدا واسمع ما حدث في قصتنا هذه :"فأمر بالأخدود بأفواه السكك فخدت وأضرم فيها النيران وقال: من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها ففعلوا حتي جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام: يا أماه اصبري فانك علي الحق".
وهكذا آمن الناس بالدعوة الصادقة وتعلموا من الغلام درسا في الشجاعة والتضحية وقذفوا بأنفسهم في نار الدنيا..فاذاهم في جنات النعيم .. ونعم أجر العاملين.
أسأل الله لي ولكم صدق الغلام وشجاعته واقدامه وأسأله عيشة الكرماء وميتة الشهداء ومردا اليه غير مخز ولا فاضح وصلي الله وسلم وبارك علي سيد المجاهدين محمد بن عبد الله وعلي آله وصحبه وسلم.