الدولة الفلسطينية .. عقبات وآفاق
بقلم : فهد سليمان
- الحل السياسي في إطار دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران(يونيو) 1967 يشكل تسوية سياسية متوازنة تستند إلى قرارات الشرعية الدولية، بما فيها القرار 3236 الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة بعنوان «إقرار حقوق الشعب الفلسطيني» الذي ربط بين حق تقرير المصير وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين
- مطلب إقامة الدولة الفلسطينية لم يعد مطلباً فلسطينياً، أو فلسطينياً – عربياً، بل بات موضع إجماع دولي، ما يجعلنا نتساءل لماذا لا يتقدم هنا الحل في المسار العملي
- العقبة الأساس التي تعترض طريق إقامة الدولة المستقلة تتمثل بالموقف الإسرائيلي. والمقصود ليس حزباً بعينه، بل المحصلة المقررة في الخارطة السياسية والاجتماعية في إسرائيل
- في الوقت الذي يشكل فيه هدف إقامة الدولة الفلسطينية مطلباً فلسطينياً يحظى بأوسع إجماع دولي، تقف الحكومة الإسرائيلية – سياسياً وعملياً – في مواجهة هذا المنحى، من خلال الإجراءات الاستيطانية، والضغط على الفلسطينيين تحت الاحتلال من أجل تقويض المرتكزات الموضوعية للدولة العتيدة
- المطالبة بالعمل من أجل إقامة دولة واحدة تعني هروبا من الصعوبات الراهنة التي تواجه مشروع إقامة الدولة الفلسطينية بحدود الـ 67، باتجاه مشروع سوف تواجهه صعوبات أكبر
- الدولة الواحدة هي شعار وبرنامج يقوم على أكتاف الفلسطينيين والإسرائيليين اليهود سواء بسواء، ولا يمكن أن يتقدم هذا البرنامج إلا بنتيجة تغيرات جوهرية تقع على مستوى البيئة السياسية والوعي السياسي وسط السكان اليهود في إسرائيل، في المقام الأول
- إعلان الدولة الواحدة في الحالة الراهنة يقدم المسوغ السياسي والغطاء العملي الذي يسمح للحكومة الإسرائيلية، بمواصلة مخططاتها في الضم والاستيطان لما تبقى من أراضٍ فلسطينية
- إذا ما ثابرت أوروبا على موقفها المتقدم وصمدت عنده وطورته، ستكون الولايات المتحدة مضطرة لأن تعمل سوياً مع الإتحاد الأوروبي إذا ما أرادت أن تصل إلى حل قابل للاستمرار في المنطقة
- لا نرى بديلاً لشعار الدولة الفلسطينية المستقلة بحدود 4 حزيران ( يونيو ) 1967 وعاصمتها القدس ، خاصة أن الموقف الإسرائيلي ينفذ خطوات أكثر تقدماً في مشروعه العنصري والتمييزي على أنقاض الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني
- يتسع أمامنا المجال من جهة، لمخاطبة العالم من خلال مؤسساته الدولية والقارية من أجل أن يعترف بالدولة الفلسطينية بحدود 4 حزيران ( يونيو ) 1967 . كما يتسع المجال في الوقت نفسه لمقاضاة إسرائيل أمام مؤسسات العدالة الدولية والشرعية الدولية على جرائم الحرب الموصوفة التي اقترفتها
- إن إقامة دولة فلسطينية برنامج تعترضه حالياً صعوبات جمّة، لكننا نرى إمكانية لتجاوز هذه الصعوبات من خلال اعتماد إستراتيجية عمل تجمع ما بين المقاومة الشعبية على أوسع نطاق في معركة مواجهة الاحتلال والاستيطان وتهويد القدس وبين العمل السياسي، بما في ذلك المفاوضات ،عندما تستوفي الحد الأدنى من شروط نجاحها
- التسوية القائمة على أساس من إقامة دولة فلسطينية بحدود 4 حزيران ( يونيو ) 1967 وتلبية حقوق اللاجئين بموجب القرار 194..
هي التسوية الوحيدة ممكنة التحقيق والتي تتوفر لها التغطية الدولية والمشروعية السياسية والقانونية والأخلاقية
(1) الدولة الفلسطينية: إجماع دولي، ولكن..
1 – نشأ في العقد الأخير، إجماع دولي على اعتبار الدولة الفلسطينية المستقلة هي الإطار الذي سيكون من خلاله يمكن التوصل إلى حل مستقر للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي المستعر على أرض فلسطين منذ مطلع عشرينيات القرن الماضي. أي منذ أن آلت مسؤولية فلسطين بحدودها الدولية ومساحتها المحددة (27.500 km2) إلى بريطانيا العظمى بصفتها قوة انتداب بقرار من عصبة الأمم في 24/7/ 1923 .
ولم تألُ بريطانيا جهداً، طيلة فترة انتدابها على فلسطين ، من أجل توفير الشروط المادية والسياسية لإنشاء «وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين » على ما ورد في وعد بلفور – وزير خارجية بريطانيا (2/11/ 1917 ).
وعندما نتكلم عن هدف الدولة الفلسطينية، فنحن نقصد ذلك الطموح بإقامة كيان سياسي فلسطيني، سيّد ومستقل على 22% من مساحة فلسطين الانتدابية، أي تلك المنطقة التي احتلتها إسرائيل أثناء حرب حزيران 1967 ، والتي تشمل الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية، و قطاع غزة .
وبهذا المعنى نستطيع أن نقول إن الحل السياسي في إطار دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران( يونيو ) 1967 إنما يشكل تسوية سياسية متوازنة تستند إلى قرارات الشرعية الدولية، بما فيها القرار 3236 الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة (22/11/ 1974 ) بعنوان «إقرار حقوق الشعب الفلسطيني»، الذي ربط بين حق تقرير المصير وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من أراضيهم إبان حرب 1948 ، أي حملة التطهير العرقي التي مارستها الحركة الصهيونية، وقوات الهاجاناة، كما أكدت ذلك، وعلى يد الوثائق الرسمية الإسرائيلية، كتابات وأبحاث «المؤرخين الجدد» في إسرائيل (بني موريس، إيلان بابي، آفي شلايم..).
وهذا ما سبق أن أكد عليه بالأصل القرار الأممي الرقم 194 (11/12/ 1948 )، الذي على أساس من اعتراف إسرائيل به، تم اعتماد عضويتها في الأمم المتحدة.
2- الإجماع الدولي على إقامة الدولة الفلسطينية لا يتمثل بقرارات الشرعية الدولية فحسب، بما في ذلك قرار مجلس الأمن الرقم 1397 (آذار/ مارس 2002 ) الذي نص على إقامة هذه الدولة، بل أيضاً بعديد القرارات الصادرة عن الإتحاد الأوروبي، واللجنة الرباعية الدولية، إلى جانب مؤتمرات دول عدم الانحياز، ومنظمة الدول الإسلامية الخ..
وحتى الولايات المتحدة، منذ ولاية جورج بوش الابن، وبالتحديد منذ حزيران ( يونيو ) 2002 ، باتت تدرج إقامة الدولة الفلسطينية – ما يسمى بـ «حل الدولتين» – ضمن إستراتيجيتها وأهدافها في المنطقة.
أما إدارة أوباما فهي تعتبر أن الحل في إطار الدولة الفلسطينية المستقلة بات يرقى إلى مستوى تلبية المصلحة القومية للولايات المتحدة.
نُسجل، باختصار، أن مطلب إقامة الدولة الفلسطينية لم يعد مطلباً فلسطينياً، أو فلسطينياً – عربياً، بل بات موضع إجماع دولي، ما يجعلنا نتساءل لماذا لا يتقدم هنا الحل في المسار العملي للأمور، وما هي العقبة الأساس التي تعترض طريقه؟
3- إن العقبة الأساس التي تعترض طريق إقامة الدولة المستقلة تتمثل بالموقف الإسرائيلي. ونحن – في هذا السياق – لا نقصد حزبا إسرائيليا بعينه، بل المحصلة المقررة في الخارطة السياسية والاجتماعية في إسرائيل، التي مازالت – حتى اللحظة – ترفض التعاطي الجاد، أو السياسي والعملي الجاد، مع تسوية متوازنة للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، تقوم على أساس من إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 حزيران ( يونيو ) 1967 .
وبما أن المستوى السياسي الإسرائيلي الرسمي، لا يستطيع أن يجابه الحالة التي تشكلت دولياً في المطالبة بدولة فلسطينية، فإنه، إذ يسلم بها من حيث المبدأ، كما قام بذلك – وللمرة الأولى في سيرته السياسية - حتى رئيس حكومة إسرائيل الحالية نتنياهو، الذي يتولى في الوقت نفسه مسؤولية رئاسة حزب الليكود اليميني، في خطاب ألقاه بجامعة بار إيلان في حزيران ( يونيو ) 2009 ..
فإنه – أي المستوى السياسي الرسمي الإسرائيلي - يختلق ألف سبب وسبب لتجويف التسليم بالحل في إطار إقامة دولة فلسطينية مستقلة من خلال مجموعة من الادعاءات، منها:
·«عدم وجود شريك فلسطيني» جاهز للعملية السياسية، وهذه المقولة بدأ ببثها رئيس الحكومة الأسبق (ورئيس حزب العمل)، ايهود باراك بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد في تموز ( يوليو ) 2000 .
· أو إذا انوجد مفاوض فلسطيني، أي طرف لديه التفويض الرسمي والإرادة السياسية للتوصل إلى حل سياسي عبر التفاوض، كالرئيس محمود عباس ، فهو «طرف سياسي ضعيف» - بزعم إسرائيل - لا يستطيع أن يحّول التزاماته على طاولة المفاوضات إلى التزامات في الميدان.
· أو أن الحالة الفلسطينية لا تتمتع بالخبرة اللازمة بعد، لإقامة إدارات قادرة على الحكم السياسي المستقل، رغم إشادة الرباعية الدولية والاتحاد الأوروبي التي تكررت في أكثر من مناسبة بالأداء الإداري والمالي والوظيفي للحكومة الفلسطينية الحالية ووزاراتها..
4- بإمكاننا أن نسترسل في هذه القائمة التي لا تمثل سوى نموذجاً عن الذرائع التي تسوقها إسرائيل، القوة المحتلة، لعدم الوفاء بواجباتها في مغادرة الأراضي التي تحتلها عنوة على الرغم من إرادة سكانها وأهلها ومالكي أرضها الشرعيين، باعتبار أن السياسة الإسرائيلية على حقيقتها، إنما تتمثل بالثوابت التالية: . الحفاظ على المستوطنات الإسرائيلية التي أقيمت على الضد من قرارات الشرعية الدولية على أراضي الضفة الفلسطينية بما في ذلك القدس الشرقية، التي احتلت عام 67.
وقد أقيمت هذه المستوطنات وفق خارطة انتشار محكومة بأولويات أمنية (على الخط الأخضر، ومحيط القدس والحدود الشرقية للضفة الفلسطينية)، ومائية (فوق الأحواض المائية الرئيسية في الضفة)، واقتصادية (السيطرة على منطقة الأغوار التي تعتبر بمثابة السلة الغذائية للدولة الفلسطينية)..
أولويات تستهدف ضم مناطق واسعة بدءاً من القدس، إلى المناطق المحيطة بالمدن الفلسطينية الرئيسية في نابلس والخليل وبيت لحم..
· المضي بمخطط توسيع المستوطنات، بما يجعل أي دولة فلسطينية مستقبلية غير قابلة للحياة، وخلق وقائع من غير الممكن التراجع عنها – كما تعتقد إسرائيل – تؤدي بالنتيجة إلى إبقاء ما لا يقل عن 40% من مساحة الضفة الغربية جاهزة للضم والبقاء تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة.
·اندراج ما سبق في خطة توسيع نطاق الهجرة اليهودية إلى إسرائيل ومستوطنات الضفة الغربية من خلال إحضار مليون مهاجر يهودي جديد من دول أوروبا والأميركيتين وإثيوبيا..
على ما ورد في خطاب نتنياهو أمام «مؤتمر الهجرة والاستيعاب» المنعقد في مدينة أسدود (جريدة «النهار» اللبنانية، تاريخ 26/1/ 2010 ، نقلاً عن وكالة ي ب أ، وإذاعة الجيش الإسرائيلي).
5- ثمة اتجاهات أخرى في إسرائيل، نافذة سياسياً، تتجاوز هذه الثوابت الثلاث دون أن تتعاكس معها، منها ما يمثله وزير خارجيتها الحالي: أفيغدور ليبرمان (رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» اليميني المتطرف)، الذي يسعى إلى استكمال مخطط «الضم والترانسفير» من خلال المطالبة بتبادل سكاني بين السكان الفلسطينيين من مواطني إسرائيل وسكان المستوطنات اليهود في الضفة على قاعدة إلحاق هذه المستوطنات بالسيادة الإسرائيلية.
إن حزب «إسرائيل بيتنا» هو صاحب مشروع قانون يقضي بتغيير اسم الدولة رسمياً من «دولة إسرائيل» إلى «إسرائيل، دولة الشعب اليهودي». إن كون هذا المشروع مازال قيد النقاش لا يعني أن لا فرصة له بالتحول إلى قانون ساري المفعول، فقد أقر الكنيست قبل أقل من شهرين (في 10/10/ 2010 بالتحديد) «قانون الولاء للدولة اليهودية الديمقراطية» التمييزي – الاقصائي الذي ينتمي إلى تراث سياسة الابارتهايد المنبوذة والمدانة دولياً، سياسياً وأخلاقيا.
ومن بين استهدافات التسمية المقترحة لدولة إسرائيل بمواصفاتها التوراتية – الثيوقراطية، هو إسناد مطلبها الجشع في الباقي من أجزاء فلسطين التاريخية التي تطلق عليها تسمية «يهودا والسامرة» على حساب التسمية الرسمية المعتمدة دولياً: «الضفة الغربية»، لتنزع عنها واقعها السياسي والقانوني باعتبارها أرضاً محتلة يعيش فيها الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال الإسرائيلي.
- مما سبق نستخلص: في الوقت الذي يشكل فيه هدف إقامة الدولة الفلسطينية مطلباً فلسطينياً يحظى بأوسع إجماع دولي، تقف الحكومة الإسرائيلية – سياسياً وعملياً – في مواجهة هذا المنحى، حيث تلجأ إلى أوسع الإجراءات الاستيطانية، وإلى أقصى درجات الضغط على السكان الفلسطينيين تحت الاحتلال من أجل تقويض المرتكزات الجغرافية، السكانية، أي الموضوعية، للدولة العتيدة.
(2) هل شعار الدولة الفلسطينية مازال واقعياً؟
1 – عديد الأصوات الفلسطينية بدأت ترتفع في الفترة الأخيرة مطالبة بالتخلي عن شعار وهدف إقامة دولة فلسطينية على خط 4 حزيران ( يونيو ) 1967 ، لاعتبارات تتصل بالعقبات الكبيرة التي تنتصب أمام هذا المشروع والتي تتلخص بما يلي:
أ) مخطط الاستيطان المندفع بدون كوابح. ب) تدني الضغوط الدولية على الحكومة الإسرائيلية ومحدودية جدواها في وقف الاستيطان ومنع إجراءات إسرائيل الأخرى ذات الطابع القمعي، التضييقي، الاقصائي للسكان الفلسطينيين.
ج) الضعف الذي يعتري الحالة الفلسطينية على خلفية الانقسام السياسي والجغرافي والمؤسسي بين غزة والضفة، أي بين السلطة الفلسطينية و حركة حماس .
وانطلاقاً من هذا، فإن هذه الأصوات تطالب بتبني شعار العمل من أجل إقامة دولة واحدة على كامل أرض فلسطين الانتدابية، دولة ستكون بالضرورة ثنائية القومية، حيث يتوزع سكانها، ضمن الواقع الراهن إلى 60% يهودا و 40% عربا فلسطينيين.
2- من وجهة نظرنا، إن المطالبة بالعمل من أجل إقامة دولة واحدة ستكون بالضرورة دولة ثنائية القومية، هو بمثابة الهروب من الصعوبات الراهنة التي تواجه مشروع إقامة الدولة الفلسطينية بحدود الـ 67، إلى مشروع سوف تواجهه صعوبات أكبر.
فباختصار إن نسبة القوى اللازمة لإنجاز الحل الوطني بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة – على صعوباتها الجمّة – تبقى – بالمعنى النسبي - أكثر يُسراً من زاوية الجهد المطلوب بذله، والطاقات التي يستلزم حشدها من نسبة القوى التي ينبغي توفيرها من أجل إقامة «دولة واحدة» على كامل مساحة فلسطين التاريخية.
لماذا؟ لأسباب عدة سنأتي على أهمها تباعاً.
3- إن الشرط الأهم الذي ينبغي تأمينه لإقامة الدولة الواحدة هو وجود كتلة إسرائيلية (اجتماعية، سياسية) مؤثرة وفاعلة تتبنى هذا المطلب. وهي ليست قائمة الآن، باعتبار أن الرأي السائد في إسرائيل هو استبعاد أي حل يؤدي إلى زيادة الكتلة السكانية العربية التي تبلغ في واقعها الراهن 20% من سكان إسرائيل. إن الشعار السائد في إسرائيل الآن هو: «نحن هنا، وهم هناك..»، ولا ترتسم في الأفق أية مؤشرات حول بداية حراك نحو التخلي عن هذا الموقف، أو مغادرة هذا الموقع الذي يتمسك بالطابع اليهودي الغالب لدولة إسرائيل.
إن الدولة الواحدة هي شعار وبرنامج يقوم على أكتاف الفلسطينيين والإسرائيليين اليهود سواء بسواء، ولا يمكن أن يتقدم هذا البرنامج إلا بنتيجة تغيرات جوهرية تقع على مستوى البيئة السياسية والوعي السياسي وسط السكان اليهود في إسرائيل، في المقام الأول.
4- إن نسبة القوى القائمة حالياً، والمائلة بشكل واضح لصالح إسرائيل من شأنها أن تحول شعار الدولة الواحدة، التي ينبغي أن تكون ديمقراطية (وعلى الأرجح ثنائية القومية) بالتعريف، إلى غطاء تستظل به تلك القوى الطامعة إلى ضم ما تبقى من أراضٍ فلسطينية إلى دولة إسرائيل.
أي بكلام آخر: إن إعلان الدولة الواحدة في الحالة الراهنة يقدم المسوغ السياسي والغطاء العملي الذي يسمح للحكومة الإسرائيلية، التي تمثل أكثر القوى تطرفاً ويمينية في المجتمع اليهودي، بمواصلة مخططاتها في الضم والاستيطان لما تبقى من أراضٍ فلسطينية، لازالت تعتبر، من زاوية الشرعية الدولية والقانون الدولي، بمثابة أراضٍ جرى احتلالها في العام 67.
5- الملفت للنظر أن ثمة رموزا محسوبة على الاتجاهات اليمينية في الخارطة السياسية الصهيونية، ومنهم موشيه آرينز (وزير الدفاع والخارجية الأسبق) وهو شخصية معروفة من صقور الليكود، بات من أنصار إقامة الدولة الواحدة، شرط عدم منح مكانة المواطنة الكاملة للسكان الفلسطينيين في الضفة الغربية، وشرط ألا تشمل الدولة الواحدة قطاع غزة، نظراً للكتلة السكانية الفلسطينية الكبيرة التي تعيش في القطاع (مليون ونصف المليون من الفلسطينيين).
وهذا ما عبرت عنه بوضوح وثيقة خرجت إلى العلن (تموز/ يوليو 2010 ) دافع عنها إلى جانب موشي آرينز، أقطاب من اليمين الإسرائيلي أمثال: رؤبين ريفلين (رئيس الكنيست الحالي) وأعضاء الكنيست : تسيبي حوتبيتلي، وأوري ليتسور، وكلهم ينتمون إلى مدرسة جابوتنسكي مؤسس «الصهيونية التنقيحية».
من الواضح تماماً من هذا الطرح، أن من يدعو إلى الدولة الواحدة، من بين هذه الأوساط اليمينية في إسرائيل، إنما يدعو إليها من موقع التمييز العنصري، أي الابارتهايد بكل بساطة، كما ومن موقع وبخلفية المطامع التوسعية.
- وبالخلاصة، إن شرط إقامة الدولة الواحدة ليس متوفراً في هذه المرحلة التاريخية، لأسباب إسرائيلية أولاً وقبل أي اعتبار آخر، فضلاً عن كون الإجماع الدولي المسنود بقرارات الشرعية الدولية قد تشكل حول مطلب وهدف وشعار دولة فلسطينية بجانب دولة إسرائيل..
ثم كيف لنا، نحن أبناء الحركة الفلسطينية، الساعين إلى التحرر الوطني والاستقلال والسيادة، أن نواصل تمتعنا بهذه المظلة الدولية الواسعة والمساندة لحقوقنا (هذا عنصر ثمين، لا بل فائق الأهمية من حيث وزنه وفعله في الصراع الدائر) بتغيير مفاجئ، وبلا مقدمات لهدف نضالنا الوطني من شعار الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس بحدود الرابع من حزيران ( يونيو ) 1967 ، إلى جانب حق العودة للاجئين إلى شعار «الدولة الواحدة».
إن هذا التغيير سيخسرنا الرصيد الذي راكمناه على مدار عقود من العمل والتضحيات، ولن يعطينا أي مكسب سياسي ذي شأن.
(3)
إقامة الدولة الفلسطينية بحدود الـ 67
مازال هدفاً راهناً، على الصعوبات التي تكتنفه
1 – نسلم بالصعوبات الكبيرة التي تحول دون تقدم مشروع إقامة الدولة الفلسطينية بحدود الـ 67 بسبب من اختلال نسبة القوى لصالح إسرائيل، والتحيّز الأميركي لصالح المواقف الإسرائيلية، والضعف الواضح في الفعالية السياسية للإتحاد الأوروبي، رغم صحة مواقفه السياسية تجاه القضية الفلسطينية. وفي هذا الإطار نسجل ثلاث محطات بارزة في تطور الموقف الأوروبي:
أ) إعلان البندقية في حزيران ( يونيو ) 1980 الذي دعا إلى حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وإلى المشاركة الكاملة لمنظمة التحرير الفلسطينية في المفاوضات.
ب) بيان برلين في آذار ( مارس ) 1999 الذي عرّف بوضوح حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني بأنه يعني إقامة دولة مستقلة، وأكد على استعداد الاتحاد الأوروبي للاعتراف بهذه الدولة بمعزل عن مسار المفاوضات.
ج) بيان بروكسيل في كانون الثاني ( يناير ) 2009 الذي ركّز على 3 نقاط مفصلية: 1
- عدم اعتراف الإتحاد الأوروبي بأي تغييرات على خط 4 حزيران ( يونيو ) 1967 ، بما في ذلك ما يتعلق بالقدس، ما لم يكن متفقاً عليها بين الأطراف.
2- حث حكومة إسرائيل على وضع حد فوري لجميع الأنشطة الاستيطانية، في القدس الشرقية وبقية الضفة الغربية، وبما في ذلك النمو الطبيعي، وتفكيك جميع المواقع الاستيطانية التي أقيمت منذ آذار ( مارس ) 2001 .
3- الإشارة الواضحة إلى أن مجلس الإتحاد الأوروبي لم يعترف أبداً بضم القدس الشرقية.
وإذا ما أريد أن يكون هناك سلام حقيقي، فيجب إيجاد طريق من خلال مفاوضات لإيجاد حل لوضع القدس (بقسميها الشرقي والغربي) كعاصمة مستقبلية لدولتين.
2- هذه الإشارة إلى التطور المضطرد في الموقف الأوروبي حيال الحقوق الفلسطينية، هي عنصر مهم جداً بالنسبة للنضال الوطني التحرري للشعب الفلسطيني. لكنه – كما أسلفنا – مازال يفتقد إلى الفعل السياسي المباشر الذي يؤثر عملياً في مجرى الأحداث، لأسباب واعتبارات شتى لسنا بصددها في هذه العجالة، ليس أقلها افتقاد السياسة الأوروبية إلى الإرادة السياسية الموحدة التي بوسعها أن تحمل قرار سياسياً ملزماً لدولها الـ 27؛ ومن ضمنها أيضاً سعي الإدارة الأمريكية لإضعاف الدور الأوروبي في المنطقة من خلال النيل من تأثيره على مسار العملية السياسية.
من هنا التقدير لمحدودية تأثير الموقف الأوروبي – بأقله في المدى المباشر - على تحسين الحالة الدولية المساندة لحقوق الشعب الفلسطيني من الناحية السياسية التنفيذية.
3- إن الولايات المتحدة تمتلك في المدى القصير، القوة والإمكانية لعدم إيلاء رأي أوروبا وموقفها ما يستحقه من اهتمام، وبإمكانها أن تسود باستخدامها قوتها العسكرية في الشرق الأوسط الكبير، وبالتالي إن تدفع أوروبا على التكيّف مع ذلك بشكل مؤقت. غير أن الإتحاد الأوروبي يملك من الموارد الاقتصادية والإمكانيات المالية والتأثير السياسي والثقافي فضلاً عن العلاقات الإنسانية والمساحة الواسعة من المصالح المشتركة، ما يكفي لإحداث فرق حاسم في استقرار المنطقة على المديين المتوسط والبعيد. وبالتالي سوف تكون الولايات المتحدة، إذا ما ثابرت أوروبا على موقفها المتقدم وصمدت عنده وطورته، مضطرة لأن تعمل سوياً مع الإتحاد الأوروبي إذا ما أرادت أن تصل إلى حل قابل للاستمرار في المنطقة.
وفي كل الأحوال لا يملك الإتحاد الأوروبي سوى الاهتمام بشكل متزايد بقضايا الشرق الأوسط وفي القلب منها القضية الفلسطينية، لاعتبارات الجغرافيا والاقتصاد والأمن والتواشج الثقافي.
4- مع إدراكنا للصعوبات المذكورة وللتعقيدات القائمة، لا نرى بديلاً لشعار الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة بحدود 4 حزيران ( يونيو ) 1967 وعاصمتها القدس ، خاصة إذا أخذنا بالاعتبار انتقال الموقف الإسرائيلي إلى خطوات أكثر تقدماً في مشروعه القومي الخاص، العنصري بمضمونه والتمييزي بتعبيراته، على أنقاض الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
إن ما نواجهه حالياً، هو مخطط مفتوح على مزيد من الاستيطان لترابنا الوطني، والضم للقدس وأراضٍ أخرى، وإحكام القبضة الأمنية على رقاب ومقدرات الشعب الفلسطيني.
وما نواجهه حالياً هو محاولة إرغام الشعب الفلسطيني على الاعتراف بإسرائيل باعتبارها «الوطن القومي لليهود»، وهو مطلب تتبناه واشنطن بدون أدنى تحفظ.
إن إسرائيل لا تكتفي بإشهار هذا المطلب بموازاة سعيها لحشد الرأي العام الدولي خلفه، بل تسعى إلى تثبيت هذا التوجه عبر القانون من خلال تعديلات عديدة أدخلتها على قانون المواطنة تُلزم من يسعى للحصول على الجنسية أداء القسم لإسرائيل «يهودية ديمقراطية»، رغم التناقض الجلي بين الديمقراطية التي تفترض المساواة بين المواطنين، واليهودية بمفاعليها التمييزية والإقصائية لقطاعات واسعة من المواطنين. هذا علاوة عن القوانين التي أقرها الكنيست مؤخراً، التي تحد من إمكانية جمع شمل المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل مع الطرف الأخر في الضفة وغزة، في حال الزواج.
وقوانين أخرى تحظر، أو تحد من حق الفلسطينيين في الاحتفال بذكرى النكبة..
5- إن الاعتراف بهذه المكانة لإسرائيل باعتبارها «الوطن القومي لليهود» أينما كانوا، وليس فقط الاعتراف بوجودها بالمعنى السياسي للكلمة، إنما يرمي إلى انتزاع تنازلات إضافية من الشعب الفلسطيني خارج إطار التسوية السياسية التي تسعى إليها منظمة التحرير الفلسطينية والشرعية الدولية من خلال حل يقوم على أساس من قيام دولة فلسطينية..
إن الاعتراف بهذه المكانة لإسرائيل سيعني بكل بساطة تسليماً من قبل الشعب الفلسطيني بعدم وجود أي حيثية له على أرض فلسطين، فيصبح الشعب الفلسطيني - والحال هكذا – حالة طارئة ودخيلة، لا بل حالة إحلالية أقامت لفترة زمنية مديدة على أرض تعود بالقانون والحق والتاريخ والدين إلى شعب آخر.
في السياق الذي ورد، نؤكد على التالي: إن التنازل عن برنامج تسوية سياسية يقوم على إقامة دولة فلسطينية مع حق العودة للاجئين على أساس من القرار الأممي 194، لصالح برنامج آخر يتبنى وجهة وهدف الدولة الواحدة، التي لا تسمح نسبة القوى السائدة بأن تقوم في المدى المرئي، ناهيك على أن تكون ديمقراطية، سوف يقود إلى فتح الباب واسعاً أمام تقدم مخططات «الدولة القومية للشعب اليهودي»، وستؤدي، ليس وحسب إلى إحكام سيطرة إسرائيل على كامل مساحة فلسطين التاريخية، بل تعطيها مسوغات إضافية، للمضي قدماً بمخططات الترانسفير، والطرد السكاني للفلسطينيين، التي خلقت فيما مضى مشكلة اللاجئين. (4)
تطوير إستراتيجية العمل الفلسطيني
1- إن إقامة دولة فلسطينية برنامج تعترضه حالياً صعوبات جمّة كما تمت الإشارة - لكننا لا نملك أي خيار سوى هذا الخيار، وأي بديل آخر ليس سوى هروب من المشكلة الصعبة التي تنطوي على إمكانية الحل، لا بل فرصة الحل، إلى المشكلة الأصعب التي لا تنطوي على أي حل ، بل تغلق الطريق أمامه، بأقله في المدى المرئي.
ومن جهتنا نحن نرى إمكانية لتجاوز هذه الصعوبات من خلال اعتماد إستراتيجية عمل تجمع ما بين المقاومة الشعبية والعمل السياسي، بما في ذلك المفاوضات (عندما تستوفي المفاوضات الحد الأدنى من شروط نجاحها)؛ المقاومة الشعبية على أوسع نطاق في معركة مواجهة الاحتلال والاستيطان وتهويد القدس ، والمفاوضات التي تدار بمرجعية واضحة هي مرجعية قرارات الشرعية الدولية، ضمن إطار زمني محدد ورعاية دولية نزيهة وغير متحيزة للجانب الإسرائيلي، وبحيث تكون فترة المفاوضات خالية من أية خطوات عملية تجحف بحق الطرف الفلسطيني من خلال المضي بعملية الاستيطان التي من شأنها أن تفاقم اختلال ميزان القوى لصالح الاحتلال الاسرائيلي ولغير صالح الشعب الفلسطيني.
2- إن المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية التي توقفت في 26/9/ 2010 لأنها لم تستوفِ الحد الأدنى من هذه الشروط، تجعلنا نتمسك بحزم وبإصرار، في المفاوضات، بمرجعية قرارات الشرعية الدولية وبحضور الوسيط النزيه (ومن بين مكوناته أيضاً الاتحاد الأوروبي، الذي مازلنا نستغرب قبول استبعاده عن المشاركة بالجهود الدبلوماسية المتعلقة بالتسوية في المنطقة والقضية الفلسطينية أسوة بالولايات المتحدة)..
نقول الوسيط النزيه الذي لا يسمح لإسرائيل أن تقدم على خطوات من شأنها أن تجحف بحقوق الشعب الفلسطيني من خلال استمرار الاستيطان ومخططات التهويد. هذا من جهة، ومن جهة أخرى المقاومة الشعبية..
هاتان هما الركيزتان التي ينبغي الاستناد إليهما في مسعانا لنشدان الحل الذي يضمن إنجاز الحقوق الوطنية لشعب فلسطين.
وكل هذا بطبيعة الحال، مع الاستمرار في البناء الإداري والاقتصادي على أرض فلسطين ، من أجل تحسين شروط صمود الشعب الفلسطيني، مادياً ومجتمعياً، وهو يخوض معركة ولا أقسى في مواجهة الاحتلال والاستيطان.
قد يقال: ما العمل في حال لم تستجب إسرائيل لمفاوضات تلبي شروط مرجعية الشرعية الدولية ووقف الاستيطان؟
نحن نقول: أمامنا المجال يتسع من جهة، لمخاطبة العالم من خلال مؤسساته الدولية والقارية وغيرها وغيرها من أجل أن يعترف بالدولة الفلسطينية بحدود 4 حزيران ( يونيو ) 1967 .
كما أن المجال يتسع في الوقت نفسه لمقاضاة إسرائيل أمام مؤسسات العدالة الدولية والشرعية الدولية على جرائم الحرب الموصوفة التي اقترفتها ومازالت تقترفها بحق الشعب الفلسطيني، ومن أبرز محطاتها في السنوات الأخيرة الحرب العدوانية الذي شنت على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة (من 27/12/ 2008 إلى 17/1/ 2009 ) والضحايا التي تسببت بها هذه الحرب في صفوف الشعب الفلسطيني والذي تجاوز عددهم الـ 1400 بغالبيتهم العظمى من المدنيين، 70% منهم من الأطفال والنساء.
إن هذا الطريق هو طريق صعب لا ريب ..
لكن لا طريق سواه إذا أردنا انجاز التسوية السياسية المتوازنة التي بات العالم يتبناها في كل مكان ..
تلك التسوية القائمة على أساس من إقامة دولة فلسطينية بحدود 4 حزيران ( يونيو ) 1967 وحق عودة اللاجئين إلى الديار والممتلكات التي هجروا منها، عملا بالقرار 194..
إنها التسوية الوحيدة ممكنة التحقيق والتي تتوفر لها التغطية الدولية والمشروعية السياسية والقانونية والأخلاقية .
- عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
عضو المجلس المركزي في منظمة التحرير الفلسطينية
المصدر
- مقال:الدولة الفلسطينية .. عقبات وآفاقالمركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات