الحكم بين ضلال الحاكم وإهمال المحكوم
بقلم : خميس النقيب
لقد ضرَب الله - عزَّ وجلَّ - لنا مَثلاً للحاكم الفاسِد المفسد، وبطانته التي لا تقلُّ عنه فسادًا، في فرعون وقومه الذين اهملوا تجاوزاته وسكتوا عنها فبغي وطغي ، واستكبر وعاث في الأرض فسادًا، وكيف كان مصيرُهم في الدنيا والآخرة؛ جزاءً لما جنَتْ أيديهم في حقِّ البلاد والعباد؛ ظلمًا وعدوانًا، كفرًا وعنادًا، إنَّه ليس مجرَّد قصة وتاريخ فحسْبُ، وإنما تحول إلى واقع عملي، وزخم فِعلي، وعالَم حسي - للأسف الشديد - نراها كلَّ صباح، ونحياها كلَّ مساء، إنها صورةٌ قديمة جديدة!
طغيان: ﴿ اذْهَبَ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴾ [النازعات: 17] ، تجاوز كلَّ الحدود، واستولى بالقوَّة والسُّلطة على ما ليس من حقِّه، ولم يُبقِ على حُرْمة ولا ذِمَّة، طغَى على شَعْبه من أجْل إنفاذ أمره ومراده، وتكريس حُكمه وإحكام سطوتِه على البلاد، وإفراد إمْرته على العباد.
لم يكن فرعونُ طاغيةً فحسبُ، بل ارْتَقى في طغيانه ليصلَ إلى كونه طاغوتًا، كيف؟ إنَّه تعدَّى على حقِّ الله - عزَّ وجلَّ - فجعل من نفسَه إلهًا يُعبَد من دون الله؛ ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [القصص: 38].
استخفاف: ﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾ [الزخرف: 54]
استبداد: ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ [غافر: 29].
عُلو وعِناد: ظنَّ أنَّه لا يُحاسب ولا يُسأل؛ ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 4].
وكذلك زَهْو واستكبار: ﴿ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 39]، حتى إنَّه وصَل بغروره إلي هذه الدَّرجة، ظنَّ أنَّ مصر له فقط، وهو فقط لمصر، وأنَّه المبصر الوحيد، وكل ما عداه أعمَى لا يُبصر!
﴿ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلاَ تُبْصِرُونَ ﴾ [الزخرف: 51]، فما لبِثَ أنْ جاءه موسى بالحقِّ وبالبيِّنات، والآيات الواضحة الجلية، التي لا يختلِفُ على صحَّتها اثنان، وعلى أنَّها ليست من صُنع بشَرٍ، حتى قال لموسى - عليه السلام - ومعه قومه: ﴿ وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف: 132]، كان ردُّ فِعْله قرارًا في مكْتبه، قرارًا في دُرْجه، طُبِخ بليل، ودُبِّر بمَكْر، وصُنِع بخُبْث، يخرج في وقته وساعته؛ من أجْل تكميم الأفواه، وتهديد الدُّعاة: ﴿ قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ﴾ [الشعراء: 29].
ولم يكتفِ بذلك، وإنَّما راح يضطهد قومَ موسى؛ ﴿ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ﴾ [الأعراف: 127]، في محاولةٍ منه لرَدْع موسى عن الحقِّ، وصرْفه عن تبليغ الرِّسالة، وهداية الناس.
حقًّا لقدْ مارس فرعونُ أشدَّ أنواع التنكيل والتعذيب، والقمْع والإرْهاب، والسجن والاعتقالات؛ كل ذلك ليردَّ المؤمنين عن إيمانهم، ودعاةَ الحق عن حقِّهم؛ خوفًا على سُلطانه من الزوال، شأنُه شأنُ كل طاغية جاءَ من بعده؛ ليستبدَّ ويتسلَّط.
لا يُريد لغَيْر كلمته أن تُسمَع، ولا لغير رأيه أن يَصِل، سَمْتُه الكبر والاستعلاء، أُسلوبُه الظلم والاستعباد، نهْجُه التنكيل والاستبداد، فلا بأسَ مِن مصادرة الحريَّات والممتلكات، ولا بأسَ أيضًا من هتْك الحُرُمات والأعراض، ما دام كلُّ ذلك سيحفظ له سلطانَه، ويضمن له استمرارَه، ويحفظ له أطيانه ، ولم يكتفِ بهذا وحسْبُ، بل بدأ طُغيانُه يَزيد بعدَ أن آمَن لموسى - عليه السلام - السحرةُ مِن قوم فرعون؛ " قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلاَفٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى ﴾ [طه: 71] اذن سكوت المحكوم وإهماله يؤدي الي ضلال الحاكم وسوء الحكم..!!
أما اذا تكلم المحكوم وراجع حاكمه وحاسبه فان الامورتتغير و تتحسن للجميع ..!! لانها سفينة تحمل الجميع ومسؤلية تعم الكل..!! اذا غرقت ضاع الجميع ، واذا نجت نجا الجميع ..!! وصدق رسول الله : مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا رواه البخاري..، وهذا ابوبكر يخطب في الناس ..حمد الله ، وأثنى عليهبالذي هو أهله ، ثم قال : أما بعد أيها الناس ، فإني قد وليت عليكم ولستبخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني ؛ وإنأسأت فقوموني ؛ الصدق أمانة ، والكذب خيانة ، والضعيف فيكم قوي عنديحتى أريح عليه حقه إن شاء الله ،والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله ، لا يدع قومالجهاد في سبيل الله إلا ضربهم اللهبالذل ، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء ؛ أطيعونيماأطعت الله ورسوله ، فإذا عصيتالله ورسوله فلا طاعة لي عليكم . قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله
وكان بين عمر بن الخطاب ورجل كلامٌ في شيء ، فقال له الرجل: اتَّقِ الله يا أمير المؤمنين ! فقال له رجل من القوم: أتقولُ لأمير المؤمنين اتّقِ الله؟ فقال عمر: دَعْهُ فلْيَقُلها لي! نِعْمَ ما قال؛ لا خير فيكم إذا لم تقولوها لنا، ولا خير فينا إذا لم نقبلْها منكم
وقال حذيفة : دخلت على عمر فرأيته مهموماً حزيناً . فقلت له : مايهمك يا أمير المؤمنين ؟ فقال : إني اخاف أن أقع في منكر فلا ينهاني أحد منكم تعظيماً لي . فقال حذيفة : والله لو رايناك خرجت عن الحق لنهيناك . ففرح عمر وقال : الحمد لله الذي جعل لي اصحاباً يقوموني إذا اعوججت ( الطنطاوي 358) .و كان في عهد الخلفاء يقول الخليفة عمر رحم الله امرىء اهدى الي عيوبي ، وخاطبت خولة في ذات يوم عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- عندما كان خارجاً من المسجد وكان معه الجارود العبدي، فسلم عليها عمر فردت عليه، وقالت: " هيا يا عمر، عهدتك وأنت تسمى عميراً في سوق عكاظ ترعى الضأن بعصاك، فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر، ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين، فاتق الله في الرعية، واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد، ومن خاف الموت خشي الفوت"، فقال الجارود: قد أكثرت على أمير المؤمنين أيتها المرأة، فقال عمر: "دعها أما تعرفها! هذه خولة التي سمع قولها من فوق سبع سماوات فعمر أحق والله أن يسمع لها
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك و يذل فيه أهل معصيتك و يؤمر فيه بالمعروف و ينهى فيه عن المنكر.. اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك وحب العمل الذي يقربنا حبك ، اللهم ارفع مقتك وبغضك وغضبك عنا ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ، اللهم سَدِّدْ خُطانا إليك، شرِّفنا بالعمل لدِينك، ووفِّقنا للجهادِ في سبيلك، وغيِّر حالَنا لمرضاتك، امنحْنا التقوى، واهدْنا السبيل، وارزقنا الإلهامَ والرشاد، اللهمَّ ارزُقْنا الإخلاص في القوْل والعمل، ولا تجعلِ الدنيا أكبر همِّنا، ولا مبلغ عِلْمنا، وصلِّ اللهمَّ على سيدنا محمَّد وعلى أهله وصحْبه وسلِّم، والحمدُ لله ربِّ العالمين.
المصدر
- مقال:الحكم بين ضلال الحاكم وإهمال المحكومموقع:الشبكة الدعوية