الاخوان المسلمون ومخططات الهيمنة الغربية
الاخوان ومؤتمرات السكان – الجزء الأول
العالم بعد الحرب العالمية الثانية ليس قرية واحدة، تتعايش فيها الثقافات فتتبادل المنافع والمصالح، إنما صار ساحة صراع بين (شمال) يملك القوة و(جنوب) لديه الثروة، بين (غرب) يفرض هيمنته و(شرق) تابع متعثر.
ويقع المسلمون والعرب في دائرة الاستهداف أمام مَن يملك القوة (الشمال) وأمام من يريد فرض هيمنته (الغرب)، ويحدث هذا الاستهداف بالحروب كما يحدث بوسائل الغزو الثقافي والحضاري، وهذا الأخير يتم من خلال منظمات أممية شُكلت خصيصاً لخدمة مصالح الدول (الكبرى)، تريد نهب الثروات وفرض القيم..
في هذه الإطار كانت مؤتمرات السكان التي تنظمها هيئات تابعة للأمم المتحدة، والتي تهدف لتحويل المصالح الغربية إلى سياسات وقوانين ملزمة للحكومات والشعوب، وأبرزها (المؤتمر الدولي للسكان والتنمية) تحت رعاية الأمم المتحدة بالقاهرة عام 1994، حيث رأى منظموا المؤتمر أن مصر تتوفر ميزتان، الأولى أنها الدولة العربية الأكبر في عدد السكان، والثانية أنها بلد الآزهر الشريف، لكن ما أفسد عليهم مؤتمرهم، موقف جماعة الاخوان المسلمين التي فضحت هذه المخططات، وكذلك فعل الأزهر الشريف وعلماؤه، حين أصدروا بياناً ضد المؤتمر ومخرجاته.
حقيقة أهداف المؤتمر
جاء هذا المؤتمر لخدمة مصالحها الاستراتيجية للدول الكبرى، وفرض نظامها العالمي على العالم الثالث، والذي يمثل العالم العربي والاسلامي الجزء الأكبر منه، حيث كانت أبرز التحديات التي واجهها العالم الغربي، هى المشكلة السكانية، حيث يعاني الغرب من مظاهر الشيخوخة، نتيجة النقص الحاد في معدل المواليد في مقابل الخصوبة العالية التي يتمتع بها العالم الاسلامي، مما ينذر بانقراض المجتمعات الغربية، إذا بقيت تلك المعدلات على حالها، مما أوجب السعى بكل سبيل للحدَّ من معدلات الانجاب في دول الجنوب وعلى رأسها العالمين العربي والاسلامي..
ولقد صرَّح بتلك المخاوف العديد من مفكري وسياسي الغرب، حيث اعتبروا أن سكان (العالم الثالث) خطر على الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية، بل وللجنس الأبيض كله، قال هذا الكلام سياسيون ومثقفون [١]
ولأسباب عدة رآها منظموا المؤتمر ورعاته، رأوا أن يكون مكان المؤتمر.. مصر.
لماذا أُختيرت القاهرة لعقد المؤتمر؟
مثلت مصر المكان الأنسب لعقد مؤتمر السكان لغير واحد من الأمر، فهى البلد العربي الأكبر في تعداد السكان، حيث بلغ سكانها حوالي 65 مليون نسمة في ذلك الوقت، بما يوازي ثلث سكان العالم العربي، فكانت بذلك تمثل حالة يمكن أن تكون نموذجاً لتطبيق مقررات المؤتمر، خاصة أن مصر كانت من أوائل الدول التي سعت إلى الحدِّ من الزيادة السكانية..
ففي عام 1965 صدر قرار جمهوري بانشاء مجلس أعلى لتنظيم الأسرة، ثم تبع ذلك جملة من القرارات والاجراءات، تستهدف تقليل النسل (تنظيم الأسرة) بنسبة واحد في الألف سنوياً.
وفي عام 1975 خطا المشروع الأممي خطوة أبعد، حين استطاع توريط الأزهر الشريف في ذلك المشروع الاستعماري المشبوه، فتم انشاء (المركز الدولي للبحوث والدراسات السكانية) بجامعة الأزهر، وتمحور دوره في الحدِّ من الزيادة السكانية، وتم تمويل هذا المركز من صندوق الأمم المتحدة للأنشطة السكانية وهيئة الصحة العالمية ومؤسسة روكفلر وفورد الأمريكيتين وكذلك هيئة المعونة الأمريكية! وكانت هذه نقلة نوعية كبيرة في الدفع بعجلة المشروع الغربى المشبوه، تحت لافتة الأزهر الشريف..
وفي إشارة إلى المغزى الحقيقي لإقحام الأزهر الشريف في هذا المشروع، يقول الشيخ عبد العظيم المطعني الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف: (يجب ألا ننسى ما قام به الغرب عقب قبول الأزهر معونة تحديد النسل الأمريكية، حيث قام بطبع نسخ عديدة من قرار الجامعة الأزهرية بقبول المنحة بلغات متعددة وقام بتوزيعها على جميع سفارات العالم الإسلامي! والذي صار بمثابة فتوى من الأزهر للعالم الإسلامي بقبول الدعوة لتحديد النسل)!
وفي عام 1985 دخل المشروع إلى داخل وزارة التربية والتعليم، بانشاء مكتب للتربية السكانية بالتعاون مع صندوق التنمية المتحدة للأنشطة السكانية ومنظمة اليونسكو، فعرف المشروع طريقه إلى الأطفال في مراحل التعليم الأساسي وفصول محو أمية الكبار بالتوازي مع نشر المشروع والترويج له بين المعلمين وموظفى وزارة التربية والتعليم..
وفي ذات العام صدر القرار الجمهوري رقم 19 بإنشاء المجلس القومي للسكان برئاسة رئيس الجمهورية، ليكون مسؤولا عن مواجهة المشكلة السكانية، وكان أول مقرر للمجلس هو أ.د ماهر مهران، أستاذ النساء والتوليد والعقم بجامعة عين شمس، مقرر المجلس القومي للسكان، ووزير السكان السابق، وسار الإعلام جنباً إلى جنب مع كل تلك المسارات، ترويجاً وتعليماً وتحقيقاً لأهداف هذا المشروع الأممي الخطير. [٢]
وتقديرا للإنجازات التي حققها النظام المصري في ملف السكان في الفترة (1986-1996)، حيث عمل المجلس القومي للسكان كجهة منفصلة لا تتبع أي وزارة في الدولة آنذاك، إذ كان برئاسة رئيس الجمهورية، لذا فقد تم منح رئيس الجمهورية جائزة الأمم المتحدة للسكان في فبراير 1994، كما عقدت الأمم المتحدة المؤتمر الدولي للسكان والتنمية «أكبر مؤتمر عالمي للسكان» في الخامس من سبتمبر 1994 في القاهرة. [٣]
لكن ما فات القائمين على ذلك المشروع أو أنظمة الحكم المتعاقبة التي قامت على إنفاذه ورعايته، أن مصر في ذلك الوقت كانت تزخر بصحوة اسلامية جارفة ومتنامية، امتلكت الوعى والإرادة، لوقف ذلك المشروع، أو على الأقل تعطيله والحد من اندفاعه.
أحوال مصر قبيل انعقاد المؤتمر
كانت جماعة الاخوان المسلمين في حالة اشتباك دائم مع نظام مبارك، فقد سبق عقد المؤتمر بعامين حملة اعتقلات واسعة في عام 1992 بمناسبة انتخابات المحليات، التي استطاع فيها الاخوان أن يحققوا انجازات زادت من رصيدهم الشعبي، بالإضافة لنشاط الاخوان الواسع في النقابات والاتحادات الطلابية، والتي دفعت نظام مبارك إلى محاولة قمع ذلك النشاط الإخواني المتصاعد..
ففي فبراير من 1992 تفجَّرت قضية سلسبيل، وما رافقها من حملة إعلامية واسعة لمحاصرة الإخوان وتشويه مسيرتهم..
وفي ذات العام (1992)، حدث زلزال القاهرة الشهير، والذي كان لجماعة الاخوان المسلمين دوراً بارزاً في إغاثة منكوبيه، مما استدعى العديد من الإشادات المحلية والدولية بدورهم، خاصة في ظل عجز الجهاز الحكومي على القيام بذلك الدور، فقرر النظام توجيه ضربة أمنية للجماعة، وأقدمت على استدعاء المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين حامد أبو النصر في يونيو 1994 للتحقيق، في سابقة لم تحدث منذ رحيل عبد الناصر..
ومعنى ذلك أن جماعة الاخوان المسلمين لم تكن في أحسن حالاتها عندما قررت التصدي لمقررات مؤتمر القاهرة للسكان، والذي كان مقررا عقده لمدة ثمانية أيام (5-13 سبتمبر) عام 1992، تحت رئاسة حسني مبارك رئيس الدولة، وفي حضور نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية آل جور.
ومع ذلك قررت جماعة الإخوان المسلمين التصدي لما حدث في المؤتمر..
وثيقة المؤتمر والقوى الرافضة
بصدور وثيقة المؤتمر في 120 صفحة متضمنة الموضوعات والتوصيات، تحركت جماعة الإخوان المسلمين وتحرَّك الأزهر الشريف.. فقد تضمنت الوثيقة حرية الإجهاض وحمل المراهقات، وتعميم التربية الجنسية دون تحديد الزواج كإطار شرعي ووحيد لممارسة العلاقات الجنسية، بالاضافة للدعوة إلى حماية الحق في حرية ممارسة الشذوذ وغيرها من الممارسات، مما أوجد حالة عالية من القلق وقت انعقاد المؤتمر [٤]
وعلى إثر هذه الوثيقة تحركت جماعة الاخوان المسلمين في مصر، وكذلك النقابات المهنية والتي يشكل فيها الاخوان المسلمون الجزء الأكبر من قيادتها، كما تحرك الأزهر الشريف ممثلا في الشيخ جاد الحق على جاد الحق رحمه الله، وكذلك المؤسسات التابعة له، في تناغم فريد بين التيار الشعبي الأكبر في البلاد (جماعة الاخوان المسلمين)، وبين الأزهر الشريف، وذلك على النحو التالي..
موقف الاخوان المسلمين
كما سارعت جماعة الاخوان المسلمين بإصدار بيان أيدت فيه موقف الأزهر الشريف وبيان مجمع البحوث الاسلامية، ثم ذكرت وجهة نظرها في حقيقة المشكلة السكانية التي يعاني منها المصريون، حين ربطت الجماعة في بيانها بين الزيادة السكانية وبين التنمية، والتي أرجعت عدم التناسب بينهما الى شيوع الفساد والاستبداد.. [٥]
موقف الأزهر الشريف
وأمام الإعتراضات التي بدأت في الانتشار بين شيوخ وعلماء الأزهر الشريف، صرَّح وزير السكان الدكتور ماهر مهران بأن مصر لا يمكن أن تقبل ما يتعارض مع الدين في توصيات المؤتمر، وقام بزيارة فضيلة شيخ الأزهر الذي أمر بتشكيل لجنة من كبار علماء مجمع البحوث الإسلامية، وهو أعلى تجمع من علماء الأزهر ويرأسه شيخ الأزهر، فقد عقد المجمع اجتماعا طارئا برئاسة الشيخ جاد الحق على جاد الحق - شيخ الأزهر - أصدر في نهايته بيانا رسميا للأمة في 11 أغسطس 1994، جاء فيه (والمطلع على هذا المشروع يرى أن ما زخر به من تعبيرات فضفاضة، وعبارات مطلقة ومصطلحات مبتدعة يوحي بأنه يرمي إلى تبني نقيض ما وضعه الإسلام من مقومات أساسية للأسرة، ويسمح بالإجهاض في غير الحالات التي تسمح فيها الشريعة الإسلامية بذلك، ويهدف إلى حماية العلاقات الجنسية التي تثور بين الجنس الواحد أو الجنسين المختلفين عن غير طريق الزواج الشرعي، بما يهدم القيم التي تحرص عليها الأديان السماوية جمعاء ويؤدي إلى أن تشيع الفاحشة وتتفشى الأمراض الوبيلة التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي غير المشروع) [٦]
وقد كان لهذا البيان عظيم الأثر في إجهاض هذا المشروع المدمر الذي دعى إليه البيان، ويُعد من مفاخر الشيخ جاد الحق عليه رحمة الله [٧]
وقد جاء بيان مجمع البحوث الاسلامية، متواكباً مع بيان آخر صدر من لجنة خبراء مشتركة من رابطة العالم الإسلامي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومؤتمر العالم الإسلامي، ودولة الفاتيكان، والمجلس البابوي للحوار بين الأديان، وقد رفض بيان هذه اللجنة المشتركة ما رفضه الأزهر من دعوة برنامج المؤتمر الحرية الإجهاض والتسيب الجنسي، وكذلك الدعوة للقضاء على مكانة الأسرة، كل هذا تم قبل انعقاد المؤتمر أصلا..
لكن ما حدث داخل أروقة المؤتمر، بساحتيه الرسمية والشعبية، وما انتهى إليه من قرارات وتوصيات، كان عكس ما أراد منظموا المؤتمر! وعكس ما رتَّب له النظام الحاكم في ذلك الوقت..
المصادر
- ↑ حرب السكان مؤتمر قمة القاهرة https://www.facebook.com/laith.shubeilat/posts/%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%83%D8%A7%D9%86%D9%85%D8%A4%D8%AA%D9%85%D8%B1-%D9%82%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%B3%D9%83%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%B3%D8%A8%D8%AA%D9%85%D8%A8%D8%B1-1994%D8%AE%D8%B7%D9%88%D8%A9-%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%8A-%D9%86%D8%AD%D9%88-%D8%AC%D8%B9%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D8%A9/10158883319479749/
- ↑ مجلة المجتمع الكويتية العدد 1112
- ↑ عمرو حسن يكتب: المجلس القومي للسكان والتنمية https://www.elwatannews.com/news/details/5484905
- ↑ القاهرة تستنفر قواتها الأمنية لحماية مؤتمر السكان https://archive.assafir.com/ssr/738983.html
- ↑ مجلة المجتمع الكويتية العدد 1114
- ↑ مجلة المجتمع الكويتية العدد 1113
- ↑ الشيخ جاد الحق صاحب المواقف العظام https://www.islamweb.net/ar/article/33513/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D8%AC%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%82-%D8%B5%D8%A7%D8%AD%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%A7%D9%82%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B8%D8%A7%D9%85