الإصلاح الإجتماعي في سوريا
تمهيد
[[ملف:خريطة سوريا.jpg|250بك|تصغير]]
في مشروعنا الحضاري، لقطرنا العربي السوري، نؤكد ابتداءً، أن المجتمع القوي المتلاحم المعزز بكل الروابط الإنسانية السامية، الممتلئ بالحيوية والإيجابية والشعور بالتحدي الحضاري العام؛ هو أساس رؤيتنا لأي إنجاز حضاري. وننظر إلى الأسرة على أنها الوحدة الاجتماعية الأولى، وأنها الطريق الفطري والشرعي والحضاري، للّقاء البشري، والنمو الاجتماعي.
الأسرة القائمة على عملية الانصهار في بواتق المودة والرحمة. إن تعابير (الانصهار) و(المودة) و(الرحمة) لها حضورها العبقري في هذا الزمان. (وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهرا ) (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة )
أبعاد أساسية في الإصلاح الاجتماعي
وإذا كانت حلقات الإصلاح الاجتماعي، لا يمكن أن تؤخذ منفردة، بل لا بد أن تأتي متداخلة مع الإصلاح السياسي والإصلاح الثقافي والإصلاح الاقتصادي؛ فإننا في سياق مشروعنا الحضاري الاجتماعي نؤكد على الأبعاد التالية:
أولاً ـ صون الأسرة
التأكيد على مكانة الأسرة، باعتبارها اللبنة الأولية الشرعية في البناء الاجتماعي، ودعمها والوقوف بحزم في وجه كل الدعوات التي تحاول النيل منها نظرياً بالطرح الثقافي، وعملياً بالتشريع والتطويع.
يتضمن هذا ؛ تسهيل عملية بناء الأسرة، وتذليل الصعاب أمام جيل الشباب، وتطوير تقاليد الزواج، وفق الضوابط الشرعية، التي أُثقلت بركام العادات، ومن ثم ضبط قانون الأحوال الشخصية في أطره الشرعية، بما يصون الحقوق، ويعين على بناء الأسرة بناءً متوازناً، ويحفظ عليها وجودها، ويدعم بقاءها.
كما يتضمن سن منظومة القوانين التشريعية التي تحمي الأمومة والطفولة، وتفتح الآفاق التكافلية أمام الأسرة التي تشكل الحاضنة الأساس لأجيال الأمة، وهي التي تتحمل عن المجتمع عبء الإنجاب، وتمده بعدد أكبر من الأبناء، الذين يشكلون في أي مشروع حضاري: جندَ إنجاز، أكثر منهم عبء استهلاك، كما دأبت النظرة الرأسمالية المستوردة على تصنيفهم.
وبالمقابل لا بد من تحصين مجتمعنا العربي المسلم، من كل الدعوات الهدامة التي تتبناها منظمات رأسمالية تحت رايات عميّة، مثل مؤتمرات الإسكان ومؤتمرات (المرأة)، التي تسعى حثيثاً لهدم الأسرة، وتعويم العلاقات الإنسانية بين الرجل والمرأة، وتدعو إلى أشكال من العلاقات الإنسانية المبتذلة، تحت شعارات الحرية الفردية، التي قادت (الغرب) إلى حالة من الانحلال الاجتماعي، والفوضى والإباحية، ونشوء جيل كامل من الأبناء ناقصي الإنسانية، مجهولي النسب.
ثانياً ـ نبذ التقليد
يقوم مشروعنا الحضاري في إطاره المجتمعي، على رفض التقليد الاجتماعي الذي لا يقوم على أساس من نصوص الشريعة، ولا يدعمها مؤيد من نور العقل والحكمة. مهما كانت ذرائعه ودواعيه، التقليد التراثي المحض لعادات الآباء والأجداد مرفوض، وكذلك التقليد للأمم الغالبة في كل أمرها، وتتبع خطواتها ولو كانت خاطئة!!
إن الاستقلال العقلي، الذي يزن كل شيء بميزان الحق ونور العلم، هو المنهج الذي يجب أن يضبط الخلق الاجتماعي الأول، ليسير المجتمع في طريق البناء والإنجاز.
ثالثاً ـ نشر الوعي
إن انتشار الوعي الذي تمثله حالة الإدراك العام لما أسلفنا يفوِّت على المستبد السياسي، ذرائع استبداده، وعلى المستبد الاقتصادي، ذرائع استغلاله للفرد والمجتمع، وسلبهما الثروة والقدرة على التصرف، كما يفوت على أنماط السلوك الاجتماعي الضار أو المنحرف، قدرتها على تسيير الإنسان إلى حيث ينكر الدين ويرفض العقل، وتأبى الفضيلة.
رابعاً ـ الإباء ورفض الظلم
لقد أوهنت قرون الاستبداد المتطاولة، روح الإباء في مجتمعاتنا، وطوعتها لإرادة الظالمين، وغاب عن الأمة قول مولاها في كتابه العزيز ( والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ) ولعل من روائع الحكمة في هذه الآية أن سابقتها تتحدث عن الشورى على أنها أساس للعلاقة بين المؤمنين، وكأنها تقرر أن من معاني البغي المقصود في هذه الآية، هو "بغي" استبداد المستبدين: (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة، وأمرهم شورى بينهم، ومما رزقناهم ينفقون. والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون. وجزاء سيئة سيئة مثلها )
إن حالة الوهن التي أصابت الأمة ومجتمعاتها، فحاصرتها في حالة من الغثائية أطمعت فيها عدوها الخارجي حتى تداعى عليها، فاستبيحت بيضتها، وانتقصت أرضها، وانتهكت مقدساتها. وأطمع فيها المستبدين من بني الجلدة واللسان، حتى ليقول قائلهم ما قاله فرعون قديما: (ما أريكم إلا ما أرى.)
إن مشروعاً حضارياً متكاملاً، لابد أن يكرس في أولياته بناء شعور الأَنَفة في نفوس أبناء المجتمع، الشعور الذي يتصدى للظلم، ويرفضه ويأباه، ويمتلك الجرأة الأدبية والمعنوية ليقوم مقام المناصحة الإيجابية، والمباداة الحضارية، ولو ذهبت حياته فداء ذلك، وبذلك يجاور مقام سيد الشهداء (ورجل قام إلى إمام جائر، فأمره ونهاه فقتله ).
خامساً ـ التواصل ( بناء المجتمع المدني)
إن الإسلام الذي وضع على كاهل (الدولة) المسؤولية العامة في رعاية الفرد والمجتمع، حتى ليقول ابن الخطاب رضي الله عنه ( لو أن دابة عثرت بشط العراق لخشيت الله أن يسألني عنها لمَ لم أعبد لها الطريق.) هذه المسؤولية الشاملة المنوطة بالدولة، لم تحل دون تقدير الشارع الحكيم لحالات: تغيب فيها الدولة، أو تقصر، أو تضعف، أو تعجز، وحين يحصل هذا، فلا يجوز أن يترك أمر المسلمين سدى، أو يحال إلى كرم أصحاب الضمائر، وإحسان المحسنين، ومن هنا جاء الواجب الكفائي، أو الواجب الجماعي، ليلقي على كاهل من حضر وقدر من المسلمين عبء إزالة الضرر، ورفع الإصر، والدفع في طريق الإنجاز.
الفروض الجماعية أو (الكفائية) دعوة إلى القيام بالواجب لمن حضر وقدر، وتوفرت فيه الأهلية، وهي فروض شرعية، قد تتقدم على الواجب العيني بحق بعض الناس، إذ تكون بالنسبة إليهم عينية عامة، بينما الواجب العيني يبقى فردياً خاصاً.
فمن الفروض الكفائية: إنقاذ الغريق، وإطفاء الحريق، وإسعاف المشرف على الهلاك، وتولي الولايات العامة لأهلها وبأنواعها، والجهاد في سبيل الله،، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والأخذ على يد الظالم، والقيام بالحرف والصناعات الضرورية للناس، وتعلم العلوم التي يحتاجها المسلمون بأنواعها، والبراعة فيها، حتى لينعى الإمام الغزالي على مسلمي عصره، انصرافهم عن علم (الطب) مع مسيس الحاجة إليه، وانصرافهم إلى علم (الفقه) الذي كان يتيح لمن تعلمه تولي القضاء والولايات. وحين يجوع أهل بيت في الإسلام تقع المسؤولية المباشرة على الجار الشبعان، حال تأخرت الدولة، وغابت الجماعة (ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به )، (أيما أهل عرصة أصبح فيها امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله تعالى).
سادساً ـ التكافل والتراحم
يهمنا أن توطد الدولة نفسها على تحمل العبء الأكبر من سهم المعونة الوطنية، ومن سهم التعليم والصحة والإسكان، والتعويض العائلي للأسر الكبيرة ـ التخطيط الرسمي يسير في الاتجاه المعاكس ـ إلا أن جهود الدولة لا تغني عن بناء وحدات المجتمع على أساس من التكافل والتراحم الاجتماعي، وهذا مطلب أساسي لبرنامجنا في المشروع الوطني، حيث ينبغي أن يتربع نظام الزكاة الذي هو حق لا يقل في مكانته عما تفرضه الدولة من رسوم وضرائب، وربما يكون في إيجاد المؤسسات الوسيطة بين المعطي والآخذ، معنى نفسي نفيس طالما حرص الإسلام عليه بحماية نفسية الآخذ من الشعور بالدونية، وطالما حض المعطي على ألا يبطل صدقاته بالمن والأذى.
في المجتمع المتكافل المتراحم، الذي يميت الفقر والحاجة بين ظهرانيه، تنطلق المسيرة مؤزرة في طريقها الإنساني الحاني، نحو مشروعها الحضاري الرشيد.
سابعاً ـ التقوى
التقوى بمعناها الإيجابي، هي الخلق الجامع لخلال: الصدق والأمانة والوفاء والإيثار والتضحية والإحسان والإتقان في العمل، والحرص على الوقت والإنجاز والجرأة في الحق، والرفض لكل أشكال الظلم. امتثالا لأمر الله تعالى، واجتنابا لنهيه، وابتغاء ما عنده. كل هذه الخلال، بدأ الناس يفتقدونها في بنية مجتمع رانت عليه تراكمات من حالة الغفلة وحب الشهوات والتخلف والانهيار، وزادته روح اللهفة (الاستكثارية) المحمومة أو حب الدنيا بلاء على بلاء.
ثامناً ـ قبول التحدي
إن أمتنا أجمع، وشعبنا العربي السوري بشكل خاص، بحاجة إلى من يوقظ في قلبه وعقله هذا الشعور بالتحدي، وإلى من يدفعه إلى التفاعل معه بحركة مدروسة محسوبة، لأن الإخفاق يقود إلى اليأس والقنوط، والإخلاد إلى مستسهل الإنجاز يتركنا منسيين على هامش الحياة.
و(قبول التحدي) هو حالة مجتمعية عامة، تضع المجتمع بشكل عام في حالة من التوتر الإيجابي البناء، الذي يدفعه إلى الإبداع والإنجاز والإتقان. ووضع المجتمع في الحالة (تحت الحرجة) من التوتر الإيجابي تتطلب قدراً أولياً من الحرية والأمن والاستقرار والثقة والمسئولية. إن الاستبداد يخلق حالة مجتمعية من اليأس واللامبالاة، لا يمكن أن تؤدي إلا إلى المزيد من الاضمحلال والضياع.
إن الموقف السياسي الذي فرض على شعبنا حالة الخوف والقهر وانعدام الثقة، سلبه بذلك قدرته على التفاعل مع التحديات، والتعاطي مع الشأن العام.
طريق المشروع الحضاري يبدأ من هنا من عمق الذات الفردية، ومن قاع المجتمع العام، بخطاب يمتلك مفاتح القلوب والعقول، لينتقل بالمجتمع من حال إلى حال أفضل.
تحديات اجتماعية
أولاً: النمو السكاني
لا ريب أن قضية النمو السكاني هي إحدى القضايا الهامة عند الحديث عن أي مشروع نهضوي، ذلك أن الدولة الحديثة أصبحت تتحمل العبء الاقتصادي الأساسي لتنشئة المواطن، وصار عليها مسؤولية تقديم الخدمات في مجالات التعليم والصحة والسكن وإقامة البنى التحتية للمجتمع، وأخيرا تأمين فرص العمل لمواطنيها. إلا أن هذه القضية الهامة لا تنفصل عن قضية التنمية والتخطيط والتوزيع العادل للثروة وتوقف الفساد.
ينتظم مجتمعنا العربي السوري في عداد المجتمعات الفتية والشابة. وهذا يعني أن جيل الطفولة فيه يزيد أضعافاً مضاعفة على جيل الشيخوخة والكهولة. ويعتبر التفاوت في التسارع بين عمليتي التنمية والنمو السكاني، إحدى المشكلات المقلقة لكثير من دول العالم الثالث ومنها قطرنا العربي السوري.
وفي محاولة للحد من هذا التفاوت بين القضيتين، تطرح بعض المنظمات الدولية قضية تحديد النسل كحل مفترض، بيد أن هذا الحل يأخذ لدى المتدينين بعداً شرعياً دينياً إضافة لأبعاده الإنسانية والنفسية ، إذ أنه يبدو شكلا من أشكال الوأد الخفي، الذي تأباه قيمهم وضمائرهم.
إننا نرفض هذه الحلول الافتراضية العقيمة لأننا لا ننظر من منظار أصحابها إلى الفرد الإنساني على أنه عبء على الدولة أو على المجتمع، فهذه نظرة قاصرة تتعلق بنصف الكأس الفارغ فقط، بل ننظر إليه على أنه عامل من عوامل الإبداع والإنجاز، وحمل العبء الوطني في مرحلة لاحقة من مراحل التربية والإعداد ؟!
كما أن النظرة الغربية إلى الفرد الإنساني على أنه -شريك إضافي- في الثروة أو الموارد الوطنية المحدودة، هي نظرة فردية رأسمالية استئثارية، تقوم على أساس تضخيم حقوق الفرد على حساب المجموع، إن تزيين حالة الطفل الواحد الذي ينال أقصى درجات (الرفاهية) على حساب شقيقه الموؤود، أو الذي لم يعط فرصته في الحياة، هي أعتى أشكال المنطق الرأسمالي القائم على الأثرة والأنانية.
إن توجيهاً ثقافياً سليماً يجمع بين الحرص على توفير أساسيات الحياة الكريمة لأعضاء الأسرة شيء، ولنقف عند لفظ كريمة، والدعوة إلى تأمين الحد الأعلى من الرفاهية والإمكانات للفرد الواحد على حساب الذي سيحرمون من حظهم في الحياة شيء آخر. ورحم الله زماناً كانت الأسرة تقتسم اللقمة، وكان الأخ الصغير يلبس من ثياب أخيه الأكبر. إن وجود أخ للإنسان معنى يستحق أن يضحي الفرد من أجله ببعض رفاهيته، وما ينطبق على الأسرة الصغيرة يمكن أن ينطبق على المجتمع بأسره.
إننا نرى في الإنسان، وجوداً مكرماً يستحق الوجود لذاته، وأنه هدف سام من أهداف الخلق المكرس أصلاً لعبادة الخالق وللخلافة في الأرض ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، ما أريد منهم من زرق وما أريد أن يطعمون.) وننظر بالتالي إلى الوجود الإنساني في إطار التكريم هذا على أنه نعمة وثروة وطنية وإنسانية أكثر منه عبءً ينبغي التخلص منه، أو الحد من وجوده، وندين كل محاولات التفرد الرأسمالي بثروات الأرض، التي تهدر في غير مصارفها الطبيعية على أشكال من الترف البحثي، والسلع الاستهلاكية، على حساب وجود الآخرين وجوع الجائعين وحاجة المحتاجين.
إننا نتفهم ربط المنظمات العالمية بين النمو السكاني والتنمية ونتقبله، ولكننا لا نوافق أن العلاقة بين القضيتين علاقة عكسية! إننا نحكم نظرتنا الإسلامية إلى قضيتي التنمية والنمو السكاني من خلال الحديث النبوي الشريف: (ثم يؤمر الملك بكتابة أربع: عمله ورزقه وأجله وشقي وسعيد)، فكل مخلوق قدر الله له الوجود، قدر له رزقه المكتوب طيلة حياته، ومن خلال الحديث الآخر: (لن تموت نفس حتى توفى رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب)، ومهمة الدولة أن تعمل على تهيئة هذا الرزق، والتخطيط له ببرامج وخطط تنمية.
وفي رؤيتنا الحضارية لموضوع النمو السكاني نؤكد على ما يلي:
1- ضرورة المحافظة على كيان الأسرة وتماسكها، والتصدي للدعوات التي تحاول النيل من بنائها ليحل مكانها الفوضى والاضطراب والانحلال الخلقي.
2- أن التوعية العامة في بناء الثقافة السكانية- على أسس علمية فردية وعامة، من ظروف الفرد والبيئة، والتقدير المتوازن لإمكانات التربية والرعاية في ظروفها الطبيعية- هي الضابط المعياري لسلوك الفرد، في إطار المجتمع.
3- أن التزام خطة علمية للتنمية في قطرنا العربي السوري -يتم من خلالها ضبط مدخلات التنمية وبرامجها وآلياتها- كفيل بأن يجعل هذا القطر قادرا على تأمين مستوى كريم من الكفاية الإنسانية لأبنائه حاضرا ومستقبلا،
4- أن كل الدعاوى التي تطلق على عدم كفاية كوكبنا (الأرض) لأبنائه، إنما هي دعاوى رأسمالية سببها حمى التملك في نفوس بضعة أفراد يحتجزون أقوات الشعوب ويتصرفون بمصائرهم، ويريدون أن يغلقوا في وجه الإنسان الطريق إلى الوجود والحياة.. (وقدر فيها أقواتها)، (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه، وما ننزله إلا بقدر معلوم)، فقبل مائة عام مثلا لم يكن للنفط دور في دعم الثروة العامة لقطرنا، وها هو يتحول اليوم ليحقق أكثر من 6% من الثروة الوطنية، فصادرات النفط بالأرقام للعام 2003م هي 114.272مليار ل.س من أصل 188.661 مليار ليرة مجموع الصادرات كلها، فمن الذي جاء بالنفط إلا رب العالمين –له الثناء والمجد-؟
5- إن عدم تحقيق نمو في الناتج المحلي يعد أبرز مؤشرات التنمية المتدهورة في قطرنا، فقد جاء بالنص الصريح في مشروع الإصلاح الاقتصادي الذي طرحته الوزارة السورية السابقة ما يلي: (ويهدف البرنامج من خلال هذه الفترة –خمس سنوات- إلى زيادة معدل نمو الناتج المحلي بحيث يبلغ 6% في نهاية البرنامج...حيث أشار البرنامج إلى أن معدل النمو خلال عقد التسعينات بلغ نحو 5.6% مع تأرجح كبير بين السنوات، ويلاحظ معدو التقرير أن وسطي معدل النمو ووسطي تزايد السكان يكادان يتعادلان، مما يشير إلى عدم تحقيق نمو فعلي) . نسوق هذا لأولئك الذين روجوا لأكذوبة استقرار النظام الاستبدادي الشمولي السابق في سورية، حيث أن مقياس الاستقرار الحقيقي للمجتمع والدولة والسلطة الحاكمة يقاس بمدى التقدم في قضية التنمية، لا بتغول أجهزة الرعب والكبت والإقصاء فيها.
هذا ولا بد من الإشارة إلى أمور ثلاثة أساسية في هذا الصدد:
الأول: محاربة الفساد، فالمفسدون في الأرض الذين ينهبون ثروات الأمة، ويتحكمون في مفاصلها. هم أبرز أعداء الوطن، ومحاربتهم هي نقطة الارتكاز الأولى في عدالة التوزيع، وإيصال الحقوق إلى أصحابها. وكم ذكر المسؤولون أن عشرين بالمائة في سورية تتحكم بثروة ثمانين بالمائة من الشعب البائس.
الثاني: تحقيق تكافؤ الفرص لأبناء الوطن جميعا. ومكافحة البطالة في برنامج عملي مدروس، يفتحان الطريق أمام بناء اقتصادي واعد.
الثالث: تطبيق نظام الزكاة الإسلامي، ونظام النفقات والصدقات الذي يحقق في النهاية الوفرة، ويقضي على الفقر، كما قال علي رضي الله عنه: (إن الله فرض في أموال الأغنياء ما يسع الفقراء، وما جاع فقير إلا بما طغى به غني.
ثانياً: التعددية العرقية والدينية وتحدي الوحدة الوطنية
يتكون النسيج الاجتماعي السوري من أكثر من عشرين مجموعة من الطوائف الدينية والعرقية، وتنظر الجماعة إلى هذا التنوع على أنه عامل قوة وغنى، وليس عامل تفتيت.
وقد شارك في تاريخ سورية الحديث رجالات من مختلف الأعراق والطوائف، لأنهم كانوا يحملون الأهلية والوفاء والانفتاح على الآخرين، كما شارك في قوائم الإخوان المسلمين الانتخابية في السابق مرشحون من غير المسلمين، وما وقع من إشارات للطائفية في مرحلة الأزمة بين الجماعة والنظام السوري كان يستنكر واقعا لم تكرسه الجماعة، ولم تبشر به، وقد آن الأوان لأن تختفي الممارسات الطائفية من سورية، وتحل محلها قيم التسامح والانفتاح.
إن الإشارة إلى الواقع الطائفي، ونقد الممارسات الطائفية والحديث عنها لا يعني الوقوع في فخها أو ممارستها، وهذا موقف آخر مغلوط، ومجاف للحقيقة، طالما عوملنا على أساسه
إن حقيقة الممارسة الطائفية في قطرنا واقعة مستعلنة ، لا تقبل المجاحدة، ويكفي للشهادة عليها تتبع الإحصاءات العامة في مفاصل البنية الوطنية: العسكرية والسياسية والإدارية والديبلوماسية والعلمية. وستكون نتائج الإحصاءات الفاقعة ناطقة بكل الحقائق التي تسيء وتريب. ولقد خلفت سياسات التمييز الطائفي في نفوس أبناء قطرنا شعوراً بالمرارة والأذى، وبالذل والمهانة. بل تعدت السياسات طورها، حين غدت تهمة إثارة النعرات الطائفية تهمة يوصم بها كل من ينادي بالإصلاح العام.
أما في إطار التعددية: العرقية، الكردية والتركمانية والشركسية، فلا نرى من منظور إسلامي في هذه الانتماءات مشكلات أقلية تحتاج إلى علاج، بقدر ما نرى خصوصيات أنبتها واقع متخلف ومستبد فكانت شكلاً من أشكال الاحتجاج عليه، وعندنا فإن المطالبة بالحقوق في سياقها الوطني، مطالبة عامة تشمل أبناء الوطن جميعاً. وما يزال الثابت الإسلامي يشكل مظلة أبعد مدى تشتمل على أبناء الأمة أجمع: الإنسان والتطلعات.
ومن هنا ترى الجماعة أن التعامل مع التنوع العرقي والطائفي يقوم على عدة مبادئ:
1- احترام حرية العقيدة والعبادة التي كفلها الإسلام بشكل بين وجلي (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي).
2- تعميق روح الحوار والتسامح والانفتاح على الآخر والتأكيد على أن لكل طائفة الحق في الاحتفاظ بمعتقداتها الخاصة، وأن يكون لها دورها الوطني الأصيل.
3- التوازن في النظرة إلى التدين والطائفية.. فالتدين نزعة أصيلة في النفس البشرية، والتزام بعبادات وسلوكيات وقيم إنسانية رفيعة، وتواصل مع الآخر، وحوار معه، بينما الطائفية تعصب وانغلاق وخوف من الآخر، وكره له, وهي من آثار غياب الفهم الصحيح للدين ، لا أثرا من آثار التدين.
4- تعميق روح المواطنة، واعتماد مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات، وكذلك اعتماد مبدأ الكفاءة وتساوي الفرص أمام جميع المواطنين للمشاركة في مؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية والتعليمية والعسكرية والأمنية. [[تصنيف:أحداث الإخوان في سوريا]]