الإسلام والمعارضة السياسية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإسلام والمعارضة السياسية



الإسلام والمعارضة السياسية

ما دام من حق الحاكمين أن يؤيدهم المحكومون إذا هم أحسنوا، فإن من حق المحكومين أن يعارضوا الحاكمين إن هم أساءوا؟!.. بل إن هذه المعارضة، عند الإساءة، هي من حقوق الحاكمين على المحكومين أيضًا.

ولاة الأمور وحكام المسلمين هم نواب عن الأمة، فالسلطة الحقيقية الأصيلة هي للأمة، والحاكمون ليسوا بمعصومين، وكل بني آدم خطاء.. والخطأ في الولايات العامة أكثر وقوعًا من الخطأ في الشأن الخاص، وآثاره الضارة أكبر وأعم، ومن ثم فالوزر عليه أشد وأثقل.. ولصاحب الحق الأصيل سلطان لا ينازع في مراقبة وكيله ونائبه وخليفته في أداء ما فوض إليه من مهام، كي تنجز هذه المهام على النحو الذي أراده صاحب الحق عندما عقد لنائبه عقد الوكالة والإنابة والتفويض!..


الشورى دعوة للمشاركة بالرأي

التعددية.png

وفي التجربة السياسية الإسلامية الأولى، كانت الشورى وهي استخراج الرأي من المشيرين استخراجا - تعني فيما تعني تشجيع المحكومين على المشاركة بالرأي، مؤيدا كان هذا الرأي أو معارضا لولاة الأمور..


بل إن ولاة أمور المسلمين، في دولة الخلافة الراشدة، كانوا ينبهون الرعية على ضرورة المعارضة تنبيها؟!.. وأبوبكر الصديق، هو الذي سن سنة الإلحاح على الرعية في مراقبة الحاكم ومحاسبته ومعارضته، عندما قال في أول خطبة له بعد بيعته بالخلافة: "إني قد وُلَيت عليكم، ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني.. إنما أنا مثلكم.. فإن استقمت فاتبعوني، وإن زغت فقوموني.. أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم!".


وعندما فتح المسلمون، على عهد عمر بن الخطاب، العراق والشام ومصر، حدثت معارضة كبيرة من جمهور كبير من الجند الفاتحين، وفيهم نفر من كبار الصحابة، لسياسة عمر الجديدة في الأرض المفتوحة.. حتى لقد كان عمر يستجير بالله من شدة المعارضة وقسوتها عليه.. ثم حسم الخلاف - بعد أن تأزم- بالشورى والتحكيم؟! وعندما بويع لأبي بكر بالخلافة، عارض البيعة له، وامتنع عن مبايعته فريق من الصحابة، أنصارا ومهاجرين، وكان في المعارضين سعد بن عبادة - من "النقباء الاثني عشر"- ولقد مات في عهد عمر، على معارضته لخلافة أبي بكر وعمر، ودون أن يبايع لهما؟!..وكان من المعارضين كذلك علي بن أبي طالب.. والذي ظل ممتنعا عن البيعة لأبي بكر أشهرا، قيل إنها ستة وقيل إنها ثلاثة!..


المعارضة خصيصة إسلامية..إنسانية

ولا يحسبن أحد أن السماح بالمعارضة السياسية في التجربة الإسلامية هي خصيصة راشدة، ترجع إلى تقوى وورع الخلفاء الراشدين، الباحثين عن النصح لدى الرعية كي لا يتمادوا في الخطأ فتزداد ذنوبهم في الحساب يوم الدين!..


ففضلا عن هذا العامل- التقوى والورع- الذي يجب ألا يكون خصيصة راشدية.. وإنما خصيصة إسلامية.. بل وإنسانية.. وفضلا عما تحققه المعارضة من ترشيد للحكم يسهم في نجاح الحاكم والمحكوم كليهما.. فإن المعارضة- في النظرة الإسلامية- مؤسسة على عدد من الأصول والمنطلقات، التي تمثل أسسا وثوابت في النظرية السياسية الإسلامية.. وذلك من مثل:


1 - حرية الإنسان :

إن الإسلام يعتبر الحرية فطرة فطر الله الإنسان عليها.. وكلمة عمر بن الخطاب: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا " تعبير دقيق عن فلسفة الحرية في الإسلام، كفطرة إنسانية، تفسدها قيود الاستبداد والاستعباد.. بل إن القرآن الكريم يعتبر أن تحرير الإنسان من القيود والأغلال هو من جماع رسالة محمد- صلى الله عليه وسلم- الذي بعثه الله للناس كي يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم؟!.. "الأعراف: 157".


ولقد وضع أئمة الإسلام "الحرية" في مقام "الحياة"، وجعلوا "الرق" بمثابة "الموت"؟!.. حتى وجدنا الإمام النسفي [710 ه 1310م]، وهو يعلل كون كفارة القتل الخطأ هي تحرير رقيق من رقه، يقول: "إنه -[أي القاتل]- لما أخرج نفسا مؤمنة من جملة الأحياء، لزمه أن يدخل نفسا مثلها في جملة الأحرار، لأن إطلاقها من قيد الرق كإحيائها، من قبل أن الرقيق ملحق بالأموات، إذ الرق أثر من آثار الكفر، والكفر موت حكما أومَن كان ميتا فأحييناه.."الأنعام: 122"

وعندما يكون الإنسان حرا في "تأييد" صواب ولاة الأمر.. فمن الطبيعي أن يكون حرا كذلك في "معارضة" ما يراه غير صواب!..


2- فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

وهي - كأصل من أعظم أصول الفكر السياسي الإسلامي- لا تجعل "المعارضة" للأخطاء في السياسات مجرد "حق" من حقوق الإنسان، وإنما تجعلها فريضة إلهية وتكليفا دينيا.. فالمعارضة السياسية، في جوهرها، ليست سوى إنكار المنكر السياسي؟!.. وهو فريضة. من الله على كل مسلم ومسلمة، كأفراد، وكهيئات وجماعات منظمة ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.. "آل عمران: 104" وهو معيار لخيرية الأمة كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر "آل عمران: 110"، وبتخلفه تحل على الأمة كلها لعنة الله، كما حدث لبني إسرائيل لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون "المائدة: 78، 79"


والسنة والحديث النبوي أيضا

ولهذا البلاغ القرآني فَصَّل وطَبَّق البيانُ النبوي.. عندما حض على إنكار المنكر ومعارضته، بل وتغييره- تأكيدا على أن المعارضة ليست مجرد تسجيل مواقف، وإنما هي تغيير يقدم البدائل!.. من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان!..


وأهمية تنوع وتدرج أساليب المعارضة ودرجاتها، هي دعوة كل الأمة المؤمنة إلى المشاركة في العمل العام، دون عذر لمتخلف وسلبي بحجة قلة أو ضعف أو انعدام الإمكانات.. فلا أقل من الرفض بالقلب، إذا لم يستطع الإنسان المعارضة والتغيير وتقديم البديل، بالقول والكتابة، أو بالفعل والتطبيق!.. فليس وراء هذه الحدود مكان أو أثر لإيمان في قلوب السلبيين!..


بل إن السنة النبوية تعلمنا أن التفريط في إقامة هذه "الفريضة الاجتماعية" لا يفسد "دنيانا" فقط، وإنما هو "محبط" لأعمالنا، يحول بينها وبين أن تفتح أبواب السماء لدعائنا؟!.. فالله أقرب إلينا من حبل الوريد، لكنه لا يسمع للذين لا يعترضون على المنكر في اجتماعهم البشري: لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأْطُرُنَّه- [تجبرونه] - على الحق أَطْرًا، أو ليضربن الله بعضكم ببعض، ثم تدعون فلا يستجاب لكم!.. و إذا رأيتم الظالم فلم تأخذوا على يديه يوشك الله أن يعمكم بعذاب من عنده!


ولمشقة هذا الطريق.. ولما يكلفه لأصحابه من مشقات، وخاصة في عصور الجور والاستبداد.. رغب الإسلام فيه، ونبه على أنه هو المنقذ من الخسران.. فالذين لا يتواصون ويتفقون وينتظمون في الأمم والجماعات والمؤسسات القائمة على نصرة الحق، والآمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع الصبر على تبعات هذا الطريق، إنما يرتدون بإنسانيتهم من مرتبة "أحسن تقويم" إلى " لخسران" في أسفل السافلين! والعصر. إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتوصوا بالصبر "العصر 1: 3".. ولذلك كان "أفضل الجهاد كلمة حق أمام سلطان جائر" !.. فمعارضة ما يستحق المعارضة.. فريضة..وجهاد.. بل إنها أفضل [الجهاد].. كما قال الرسول- صلى الله عليه وسلم-!..


تعدد الاجتهادات أمر طبيعي

ورغم هذا الموقف الإسلامي الواضح والحاسم- في مشروعية المعارضة السياسية- عندما توجد دواعيها- وهي دائما موجودة للقيام بفريضة المراقبة والمحاسبة لولاة الأمور.. أي أن المعارضة وظيفة سياسية دائمة في المجتمع، للرقابة والمحاسبة.. أما رفع الصوت المعارض بإنكار المنكر فهو رهن بوقوع وقيام المنكر.. وهي وظيفة لا تكفي فيها التكاليف الفردية، لتعقد الحياة السياسية والاجتماعية على النحو الذي تحتاج المعارضة والمراقبة والمحاسبة فيه إلى مؤسسات وتنظيمات، كي تتحقق من "المعروف" ومن "المنكر"، وكي تقدم "البدائل" في "التغيير".. وهذا النهج المؤسسي المنظم، هو الذي زكاه القران عندما دعا إلى أن تتولى ذلك "أمة" أي جماعة... وعندما تكون المعارضة سياسية.. أي في العمران السياسي والاجتماعي والاقتصادي وشئون الدولة- وكلها من الفروع الإسلامية- التي يجوز فيها الاجتهاد..وتعدد لاجتهادات- فإن تعددية جماعات المراقبة والمحاسبة والمعارضة يكون أمرا طبيعياً..


رغم هذا الموقف الإسلامي، المؤسس لمشروعية المعارضة.. المنظمة.. فإن حينا من الدهر قد جاء على الأمة الإسلامية، تراجعت فيه الشورى لحساب الانفراد بالسلطة والسلطان.. ثم حدث أن جاءت المخاطر الخارجية التي هددت وجود الأمة.. من الغزوة الصليبية التي استمرت قرنين من الزمان [489 - 690 ه ،1096-1291 م] ومن التحالف الصليبي مع الغزوة التترية الوثنية [656 ه 1258 م].. الأمر الذي كرس "حكم التغلب"، ومد العمر في عهد "الاستبداد"، حتى ظن نفر من الفقهاء أنه هو "القاعدة" لا "الاستثناء"!.. فظهرت في كتابات فقهية متأخرة آراء تركز على وجوب "الطاعة المطلقة" من الرعية لكل "الحكام"، بصرف النظر عن "عدل" هؤلاء الحكام.. وتحذر من "الخروج" - المعارضة.. والثورة - على هؤلاء "الحكام"، باعتبار أن في ذلك خروجا من "الإيمان" بالإسلام!.. الأمر الذي مال بكفة الفكر- في حقبة التراجع الحضاري الإسلامية - نحو "الطاعة" على حساب "الحرية"!..


دعاوى وافتراءات

ولقد استند هؤلاء الفقهاء إلى تأويلات فاسدة، لأحاديث نبوية صحيحة، لكنهم أخرجوها- بهذه التأويلات الفاسدة - عن سياقها، أو معاني مصطلحاتها، كما عزلوها عن أحاديث أخرى، وردت في الموضوع ذاته، ومفسرة لها!..

فمثلا.. استندوا إلى حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الذي يقول فيه: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن يعصني فقد عصى الله. ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني.

ونسوا الحديث الآخر- بل الرواية الأخرى للحديث ذاته - والتي وردت في الصحيح نفسه - صحيح مسلم - ونصها: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصا الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني.

فالحديث هو عن "أمير" من الأمراء الذين اختارهم وعينهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وليس عن كل الأمراء، على امتداد حياة الإسلام والمسلمين؟!..

بل ونسوا ما هو أكثر من ذلك، وهو أن "الأمير" - في مصطلح عصر النبوة - هو أمير الجيش وقائد القتال.. وليس الوالي والعامل ورئيس الدولة!. ولطاعة أمراء الحرب في القتال مقتضيات ومقاصد وآليات مختلفة تماما عن شورى ومراقبة ومحاسبة ومعارضة الحكام في شئون السلم والعمران!..

كما استندوا إلى الحديث النبوي القائل: "من رأى من أميره شيئا يكرهه، فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبرا، فمات، فميتته جاهلية "..

ووظفوا هذا الحديث في الدعوة إلى "الطاعة التامة" لكل "الأمراء"، حتى فيما "كرهت" الرعية من سياساتهم!..

ولقد نسي هؤلاء الفقهاء أن الحديث، أيضا، هو عن "أمير" الحرب والقتال، وليس عن والي السلم والسياسة والعمران.. وأن المطلوب هو عدم مفارقة صفوف الجماعة المقاتلة، حتى ولو رأى المقاتل من قائده أمرا يكرهه.. وفارق بين ما نكره، فيدعو الحديث للصبر على المكاره، وبين ما يغضب الله ويخالف شريعته.. وفيه "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" و "لا طاعة في معصية الله" و"لا طاعة لمن عصى الله" و، "طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف" وليس في المنكر! كما نسوا أن المعارضة للحاكم لا تعني الخروج على "الجماعة"، لأنها موقف في سبيل "الجماعة"، حتى ولو بلغت درجة "الخروج" على "الحاكم"!.. فالمعارضة الحقة هي - في الحقيقة- انحياز " للجماعة" ، وليست خروجا عليها!.

كما استند هذا النفر من فقهاء عصور التراجع الحضاري والتغلب السياسي- وهم قلة بين فقهائنا- إلى حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الذي يقول فيه: " من مات على غير طاعة الله مات ولا حجة له، ومن مات وقد نزع يده من بيعة كانت ميتته ميتة ضلالة!.

ونسي هؤلاء الفقهاء أن "البيعة" التي يتحدث عنها الرسول- صلى الله عليه وسلم- هنا هي "البيعة" التي بايعه المؤمنون بها.. أي البيعة على الإسلام والأيمان، وبها ينتقل المبايع من الجاهلية إلى الإسلام ومن الضلالة إلى الهدى.. فهي ليست البيعة السياسية لحاكم من الحكام.. وعن هذه البيعة المعينة، التي يؤدى الخروج منها إلى الكفر والضلالة، جاء حديث القرآن الكريم إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله "الفتح: 10" و من يطع الرسول فقد أطاع الله.. "النساء: 80" فتلك بيعة خاصة على الإيمان بالإسلام.. وهذا مقام خاص لرسول الله، كمبلغ عن الله.. فبيعته بيعة لله.. وطاعته طاعة لله..

وموضوعها الإسلام- إسلام الوجه لله- بلا اجتهاد ولا رأي ولا شورى- من أمور السياسة والدولة والمعارضة والتأييد للحكام-؟!..

ثم نسوا - هؤلاء الفقهاء- أيضا.. أن الحكام المتغلبين.. أو الظلمة.. الذين أرادوا تطويع الأمة طاعتهم، قد تولوا السلطة بلا بيعة شرعية حرة معتبرة.. وأن ظلم الحاكم وجوره وفسقه وضعفه، هي أسباب مسقطة لطاعته، تُحِلّ الأمة من بيعتها له، حتى ولو كانت له في عنقها بيعة حرة شرعية صحيحة..

لأن في الجور والفسق والضعف نقضا لشروط التعاقد، وتخلفا لصفات وشروط الحاكم، وفق شريعة الإسلام!..

وهكذا تسقط شبهات بعض الفقهاء على مشروعية المعارضة السياسية، في الفكر السياسي للإسلام.


الإسلام والاجتهاد المشروع

أما موقف الإسلام من الاختلاف في الرأي..فلابد لفهمه من التمييز بين:

(أ) الاختلاف في الأصول- أصول العقيدة والشريعة -.. وهذا هو الاختلاف المذموم..

لأنه،"فُرقة في الدين"..

(ب) والاختلاف في الفروع - فروع الدين والدنيا - مما لم يرد فيه نص محكم قطعي الدلالة والثبوت.. وهذا هو المجال الطبيعي لتعددية الاجتهادات والمذاهب والمدارس الفكرية - سياسية وغير سياسية - .. وهو اختلاف غير مذموم..


أما رأي الإسلام في موضوع "الأغلبية" و "الأقلية" في الأصوات والآراء.. فلقد اعتمد الإسلام سبيل الاقتراع والتحكيم في المشكلات.. وهذا نهج يعتمد رأي الكثرة من أصحاب الرأي... وفي الفقه الإسلامي- سواء منه السياسي - في بيعة الأئمة والخلفاء - أو في مطلق الاجتهاد الفقهي- نجد الترجيح لرأي "الجمهور" - أي الأغلبية -.. ويجب أن نتنبه إلى الأمر الذي يخلط فيه البعض، عندما يستدلون بآيات من القرآن الكريم على أن أكثر الناس لا يعلمون "يوسف: 21" و أكثر الناس لا يشكرون "يوسف: 38" و أكثر الناس لا يؤمنون "الرعد: ا".. فهذه كثرة جاحدة للوحي الإلهي.. وأمام الوحي وأصول الإيمان، لا مجال للاقتراع وأخذ الأصوات، ولا للكثرة العددية... أما في ميادين الحكمة، والرأي، والاجتهاد الإنساني، فإن رأي الكثرة يرجح رأي القلة.. ورأي "الجمهور" مقدم على رأي "البعض".. ولهذا شرعت "الشورى".. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم، لأبي بكر وعمر: لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما نزولا على رأي الأغلبية.

بل إن الإسلام ليبلغ في احترام رأي الأغلبية والجمهور، إلى الحد الذي يجعل "العصمة" للأمة إذا اجتمعت على أمر من الأمور.. وفي هذا يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم: إن أمتي لا تجتمع على ضلالة.