الإخوان المسلمون والمشاركة البرلمانية (الجزء الثالث)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون والمشاركة البرلمانية (الجزء الثالث)

مركز الدراسات التاريخية "ويكيبيديا الإخوان المسلمين"

الإخوان المسلمون وانتخابات مجلس الشعب 1990

بعد الأداء المميز للإخوان المسلمين في مجلس 1987 والذي تزامن أيضاً مع نجاحات كبيرة حققتها الجماعة في الجامعات والنقابات، توجه النظام إلى محاولة تجميد أو مواجهة هذه الحالة التى فزع النظام منها خوفاً من أن يكون الإخوان بديل سياسي لنظام مبارك.

المشهد السياسي قبل الانتخابات

قَبِلَ النظام من جديد وفي ظروف مشابهة للظروف التي كانت سائدة في انتخابات العام 1984 بالحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية العليا بأنَّ النظام الانتخابي الذي جري تبنيه في انتخابات العام 1987 لم يكن دستوريًا (بما أنَّه لم يضمن المساواة الكاملة بين المرشحين المستقلين والمرشحين على القوائم الحزبية)

وبناءً عليه تم حل مجلس الشعب والدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة في العام 1990 وقد تعامل النظام مع هذا الحكم باستبدال النظام الانتخابي الذي اعتمد على القوائم والذي طبق في العامين 1984-1987 بنظام جديد للمرشحين المستقلين وهذا يعني أنه سيقتصر خوض الانتخابات هذه المرة على أساس فردي؛

وليس على أساس حزبي كما كان الوضع في انتخابات سنة 1984 وبموجب ذلك يمكن للأحزاب أن تقدم مرشحيها وأن تدعمهم ولكن هؤلاء المرشحين سيخوضون الانتخابات كأفراد في دوائرهم الانتخابية المعنية وإن كان سيسمح لهم بالإعلان عن انتماءاتهم الحزبية وكان من نتائج هذا التغيير أنه ألغي تلقائيا نسبة الثمانية بالمئة من الأصوات التي كان ينبغي أن تحصل عليها الأحزاب كحد أدني كي تدخل إلى مجلس الشعب؛

وبالإضافة إلى ذلك وكما نص القانون الانتخابي السابق فقد زاد عدد الدوائر الانتخابية من 48 دائرة إلى 222 دائرة بحيث صار يحق لكل دائرة انتخاب مرشحين يتعين على أحدهما على الأقل أن ينطبق عليه الوصف الرسمي بأنه من العمال .

وبالقبول بالأحكام التي أصدرتها المحكمة بدا أنَّ السلطة التنفيذية (الحكومة) تحترم مبدأ فصل السلطات وأنها لا تزال حريصة على شرعيتها القانونية .

شكك الإخوان المسلمون وأحزاب المعارضة الرئيسية الوفد والعمل والأحرار في نوايا النظام وقرروا مقاطعة الانتخابات مجادلين بأنه لم يتم التشاور معهم بشأن الإصلاحات وبشأن قانون الطوارئ وبأن الانتخابات ما تزال تجري تحت إشراف وزارة الداخلية وليس وزارة العدل يضاف إلى ذلك أن تقسيم الدوائر الانتخابية اعتبر إستراتيجية أخري من استراتيجيات النظام لتأمين فرص أكبر لفوز مرشحي الحزب الوطني الذين سيترشحون كأفراد ويتمتعون بتمويل خاص من الحكومة .

وفي حين أن النظام تسامح مع المعارضة في العامين 1984, 1987 وتجاوب مع العديد من انتقاداتها فإنه وصل إلى مرحلة كان فيها على استعداد لتجاهل مطالب المعارضة وتهديداتها بالمقاطعة عام 1990 والسبب هو أن مبارك لم يعد متحمسا لمشاركة المعارضة في العملية السياسية؛

كما كان في الثمانينيات ولم يكن قلقا من تداعيات مقاطعتها على شرعيته السياسية كما كان في بداية وصوله إلى السلطة في عام 1981 وبناء على ذلك فقد حقق الحزب الديمقراطي فوزًا متوقعًا في انتخابات مجلس الشعب سنة 1990 إذ حصل على 360 مقعدًا من أصل 444 مقعدًا (بالمقارنة مع 309 مقاعد حصل عليها في العام 1987) في حين أنَّ عدد مقاعد المعارضة تراجع بسبب المقاطعة من 96 مقعدا في العام 1987 إلى 29 مقعدا وهي مقاعد شغلها في الأساس يساريون (حزب التجمع) وناصريون قرروا عدم مقاطعة الانتخابات.

وقد بالغت التقديرات الرسمية في تقدير نسبة مشاركة المصوتين مدعيةً بأنَّ النسبة وصلت إلى 45 بالمئة في العام 1990 في حين أن تقديرات مستقلة أشارت إلى أن نسبة المصوتين لم تتجاوز 20 بالمئة مقارنة بنسبة 50 بالمئة في العام 1987 ممن يحق لهم التصويت وكان ذلك مؤشرا قويا على شرعية العملية السياسية من عدمها في نظر المعارضة والمجتمع .

وجاء التغير في موقف النظام نتيجة التطورات التي حصلت على مدي عقدين فقد وصل مبارك إلى السلطة في بداية الثمانينيات وفي ظل ظروف مضطربة وقتئذ وكان بحاجة إلى تهدئة العلاقة بين الدولة والمجتمع وإلى التودد إلى المعارضة؛

ولكن كما هو الحال مع أغلب القادة العرب الذين ما يزالون في السلطة منذ وقت طويل واستطاعوا تثبيت مراكزهم في الجيش وفي الأجهزة الأمنية بدأ مع الوقت بتغيير سياساته وتعديل أولوياته كما أن عقد التسعينيات شهد تدهورا في الظروف الاقتصادية أكثر من ذي قبل تطلب تدخلا وإدارة أوسع من قبل الدولة؛

حتي وإن تم على حساب الحريات السياسية والاجتماعية ويضاف إلى ذلك أن النظام شعر بخيبة أمل من المعارضة لأنه كان يتوقع منها أن تكون أكثر دعمًا وتأييدًا لسياساته الاجتماعية والاقتصادية واعتبرت المعارضة التي تعاني الضعف والانقسام أصلاً أنها تستغل الحرية المحدودة التي منحتها إياها الدولة في انتقاد النظام والمزايدة على أدائه ما أفاد المتطرفين في النهاية وعمق من حالة الإحباط في المجتمع .

وقد فشلت محاولة استيعاب الإسلاميين (الإخوان) وباقي أطياف المعارضة في العملية السياسية في منع تنامي العنف الموجه ضد الدولة كما أن عملية استيعاب المعارضة لم تساعد على تحسين الظروف الاقتصادية وفي ما يتعلق بالنقطة الأخيرة فقد استعمل حزب الوفد والإخوان المسلمون مجلس الشعب كمنبر للتحذير من تداعيات دخول مصر في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن خصخصة القطاع العام؛

وجادلوا بأنه ينبغي أن يسبق أى إصلاح اقتصادي المزيد من الإصلاح السياسي وفي الوقت الذي كان فيه مبارك يحذر شعبه من أنَّ الزيادة في عدد السكان ستعني زيادة في استهلاك الدعم الذي تقدمه الدولة والوصول إلى مرحلة " تتوفر فيها أموال لدي الدولة لدعم أى شئ " كان حزب الوفد ينظم تجمعات ويقول لمناصريه إن " وحدة البرلمان الشرعي وليس البرلمان غير الشرعي " هو القادر على إخراج البلاد من أزماتها الاقتصادية وقد رأي النظام أنه لن يستطيع أن يحقق الإصلاح الاقتصادي (من خلال عملية الخصخصة)

من دون أن يضمن درجة أكبر من الانسجام بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وأدنى قدر من ضجيج المعارضة في المجلس وبناء على ذلك تبين أن وحدة الوجود الضعيف للمعارضة السياسية والحضور المتزايد لرجال الأعمال في مجلس الشعب سيمكن النظام من تسريع مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي ويضمن إصدار التشريعات اللازمة لهذه العملية وسيخدم وجود معارضة شكلية برئاسة حزب التجمع اليساري (بمقاعده الستة في مجلس الشعب) وحسبهم انتقاد الخصخصة كبرهان على استمرار وجود هامش ديمقراطي في العملية السياسية وسيتم التخفيف من الإحباط الشعبي عن طريق دور التجمع في "تنفيس حالة الاحتقان" في الشارع السياسي .

وتميزت انتخابات مجلس الشعب 1990 بكثافة التطورات القانونية والسياسية التي كان لها أثرها الكبير على الانتخابات، بل إن هذه التطورات نفسها كان لها دورا مهما في قرار جماعة الإخوان بمقاطعة الانتخابات؛

يمكن أن توجز أهم هذه التطورات فيما يلي:

(1) حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان مجلس الشعب القائم:

مثل حكم المحكمة الدستورية العليا في 19/ 5/ 1990 ببطلان مجلس الشعب القائم 84 -1987 منذ انتخابه بمثابة نقطة الانطلاق الأساسية لإجراء انتخابات مجلس الشعب 1990، فمع صدور هذا القرار أصبح استمرار المجلس القائم أمرا غير دستوريا، من ناحية، ومن ناحية أخرى أصبح من اللازم إصدار قانون جديد للانتخابات التشريعية بعد حكم المحكمة ببطلان قانون الانتخابات بالقائمة أو الجمع بين الانتخابات بالقائمة والانتخاب الفردي لتعارض ذلك مع ما نص عليه الدستور من الأخذ بنظام الانتخاب الفردي.
وقد سبق حكم المحكمة الدستورية العليا حكم آخر صدر عن المحكمة الإدارية العليا في 20/ 3/ 90 بأحقية حزب الوفد وحزب العمل في 39 مقعدا وذلك بعد تعديل نتائج 78 دائرة انتخابية في انتخابات 1987، وهو ما كان يعني توجيه طعن صريح للنتيجة التي أعلنها وزير الداخلية في تلك الانتخابات؛
وقد تضافر هذان التطوران الهامان ليدفعا المعارضة إلى المطالبة بإدخال إصلاحات سياسية حقيقية وضرورة إصدار قانون جديد للانتخابات مع التأكيد على ضرورة تشاور الحكومة مع المعارضة قبل صياغة هذا القانون الجديد، كما اتخذت المعارضة من هذين التطورين مناسبة للمطالبة بإصلاحات شاملة في الدستور، وإلغاء قانون الطوارئ، ووضع قانون جديد للانتخابات يتفق مع الدستور ويضمن تحقيق نزاهة الانتخابات.

(2) قانون الانتخابات بالنظام الفردي :

بعد صدور حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان قانون انتخابات مجلس الشعب بالقائمة الحزبية كان من الضروري إعادة إصدار قانون جديد يتفق والدستور، وقد بدأت مع صدور حكم المحكمة الدستورية مطالب المعارضة بضرورة إعداد قانون جديد وأكدت على ضرورة اشتراك المعارضة في اللجنة الخاصة بصياغة هذا القانون الجديد، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين؛
فقد دعا المستشار محمد المأمون الهضيبي رئيس الجمهورية إلى تشكيل لجنة تشارك فيها كافة الأحزاب والقوى السياسية وألا تغفل أي قوة منها، إلا أن الحكومة انفردت بصياغة هذا القانون وتشكلت لجنة خاصة لصياغته لم تشترك فيها أي من رموز المعارضة، وصدر القرار بقانون رقم 201 لسنة 1990 بتعديل بعض أحكام القانون 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب أخذا بالنظام الفردي على أن ينتخب عن كل دائرة انتخابية عضوين؛
وصدر القرار بقانون 202 لسنة 1990 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 1973 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية والذي نظم مباشرة الحقوق السياسية والعملية الانتخابية، ثم صدر القرار بقانون رقم 206 لسنة 1990 في شأن تحديد الدوائر الانتخابية لمجلس الشعب والذي قسم الجمهورية إلى 222 دائرة انتخابية وحدد فيها نطاق كل دائرة وحدودها.
وقد انتقدت المعارضة جميع هذه القرارات بقوانين، فرغم أن القرار بقانون 201 لسنة 1990 قد أخذ بالنظام الانتخابي الفردي بما يتفق مع الدستور إلا أنها كانت تفضل الأخذ بنظام القائمة الحزبية غير المشروطة مع إجراء تعديل على الدستور يتفق مع هذا النظام، ومن ناحية أخرى فقد انتقدت المعارضة انفراد الحكومة بتشكيل اللجنة الخاصة بصياغة مشروع هذا القانون دون الاستجابة لمطلب المعارضة بإشراكها في هذه اللجنة؛
كما انتقدت المادة 24 من القرار بقانون رقم 202 لسنة 1990 بشأن مباشرة الحقوق السياسية التي نصت على إسناد رئاسة اللجان الانتخابية العامة فقط لأعضاء من الهيئة القضائية وإسناد رئاسة اللجان الانتخابية الفرعية إلى العاملين بجهاز الدولة أو القطاع العام بينما طالبت المعارضة بالإشراف الكامل للهيئة القضائية على العملية الانتخابية، فطعنت المعارضة بعدم دستورية هذا القانون لمخالفته نص المادة 88 من الدستور التي نصت على إشراف الهيئة القضائية على العملية الانتخابية.
وأخيرا فقد انتقدت المعارضة القرار بقانون رقم 206 لسنة 1990، في شأن تحديد الدوائر الانتخابية وأكدت أن التقسيم الذي أخذ به هذا القانون لم يراعي القواعد الجغرافية أو البشرية وأنه لم يراعي إلا مصلحة الحزب الديمقراطي بحيث إنه قد حدد نطاق الدوائر الانتخابية ضيقا واتساعا وفق نفوذ الحزب في كل دائرة. (1)

(3) أزمة الخليج الثانية:

فقد سبقت أزمة الخليج الثانية أغسطس 1990 إجراء انتخابات مجلس الشعب بحوالي أربعة أشهر، وبعد صدور قرار المحكمة الدستورية العليا بحوالي أكثر من شهرين، حتى إنه ثارت الشكوك حول إمكانية إجراء الانتخابات وقد عكست الأزمة نفسها في البرامج الانتخابية للأحزاب السياسية التي شاركت في الانتخابات وفي الدعاية الانتخابية؛
فلا تكاد تخلو البرامج الانتخابية للأحزاب أو الدعاية الانتخابية من الحديث عن الأزمة فقد حرصت الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات على رصد مواقفها بشأن أسباب الأزمة وتقييم الموقف المصري منها خاصة قضية إرسال قوات مصرية إلى الخارج للمشاركة في عملية تحرير الكويت، بالإضافة إلى ما ترتب على الأزمة اقتصادية واجتماعية هامة وما صاحبها من قضايا فكرية عن مستقبل فكرة العروبة والقومية العربية، والعمل العربي المشترك .. إلخ؛
إلا أن أهم أثر لأزمة الخليج الثانية على انتخابات 1990 هو ظهور درجة عالية من الانقسام بين الأحزاب والقوى السياسية بشأن الموقف من الأزمة وتقييم موقف الحكومة المصرية منها، فانقسمت الأحزاب والقوى السياسية بين تيارين رئيسين الأول اتخذ موقفا مهادنا للحكومة وأيد التحرك المصري بما فيه إرسال قوات مصرية إلى السعودية للاشتراك في عملية تحرير الكويت وقد ضم هذا التيار بصفة أساسية حزب الوفد والحزب الوطني الديمقراطي؛
بينما أخذ التيار الثاني موقفا رافضا للتحرك المصري في الأزمة وعارض بشدة إرسال قوات مصرية إلى السعودية وقد ضم هذا التيار الأخير حزب العمل، وجماعة الإخوان المسلمين بصفة أساسية بالإضافة إلى التيار اليساري بصفة عامة، وهكذا في ظل هذه الأزمة لم يكن هناك فرصة للحديث عن وجود موقف جماعي موحد بين القوى السياسية والحزبية.

(4) اغتيال دكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب:

كان حادث اغتيال د. رفعت المحجوب خطيرا في توقيته فقد جاء في 12/ 10/ 1990 أي في اليوم التالي مباشرة للاستفتاء على حل مجلس الشعب وقد مثل الحادث تهديدا خطيرا للاستقرار السياسي خاصة بالنظر إلى الطريقة التي نفذ بها الحادث، وبالنظر إلى الثقل السياسي لشخص الدكتور المحجوب باعتباره الرجل الثاني في النظام السياسي، وقد تبع هذا الحادث إجراء عمليات اعتقالات واسعة خاصة بين أفراد التيار الإسلامي واتخاذ الحكومة الحادث مناسبة للتأكيد على الحاجة إلى استمرار العمل بقانون الطوارئ في الوقت الذي تؤكد المعارضة على مطالبها بإلغائه.

مقاطعة الإخوان للانتخابات

قرر الإخوان المسلمون مقاطعة انتخابات العام 1990 لأسباب تعود إلى الشعور بالإحباط من مجلس الشعب وعدم قدرتهم على طرح تعديلات في ما يختص بالشريعة بينما يرى بعض الباحثين أن الإخوان قرروا مقاطعة الانتخابات بناء على اتفاق مع حزب الوفد ومع التحالف الإسلامي بعد أن أدركوا أنه من المستحيل أن ينجحوا والمعارضة في تغطية جميع الدوائر الـ 222 كما نص النظام الانتخابي الجديد.

ولكن بعيدا عن الأسباب التي وقفت خلف مقاطعة الإخوان للانتخابات فقد شكل القرار في حد ذاته مؤشرا على القوة التي استطاعت الجماعة بناءها بالمقارنة الوضعية الضعيفة التي حكمت نهجها السياسي خلال عقد الثمانينيات ومع شعور مبارك بالارتياح بسبب غياب الإخوان عن مجلس الشعب فقد شكل قرارهم بمقاطعة الانتخابات النزاع أو التوتر الرسمي الأول بينهم وبين النظام.

كان قرار جماعة الإخوان المسلمين بمقاطعة تلك الانتخابات بمثابة التطور الهام في حياة الجماعة والذي لا يقل في أهميته عن قرارها المشاركة في انتخابات سنة 1984، فكما سبق القول يمكن النظر إلى قرار المقاطعة باعتباره تاريخا لمرحلة جديدة في العلاقة بين جماعة الإخوان والنظام السياسي في فترة التسعينات.

وبدأت ملابسات اتخاذ هذا القرار مع صدور حكم المحكمة الدستورية العليا في 19/ 5/ 1990 ببطلان مجلس الشعب القائم وعدم دستورية المادة الخامسة مكرر من قانون الانتخابات الذي جمع بين نظام الانتخاب بالقائمة الحزبية جنبا إلى جنب مع الانتخاب الفردي، فبدأت المعارضة السياسية والحزبية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين بالمطالبة بإعداد قانون جديد لانتخابات مجلس الشعب يتفق مع الدستور؛

وضرورة اشتراك المعارضة مع الحكومة في إعداد وصياغة مواد هذا القانون الجديد بل إن المعارضة قد اتخذت من صدور حكم المحكمة الدستورية العليا بالإضافة إلى حكم المحكمة الإدارية العليا في 20/ 3/ 1990 بأحقية المعارضة في 78 مقعد فرصة للتأكيد على مطالبها بتحقيق إصلاحات سياسية حقيقية تبدأ بإعادة النظر في الدستور، وإلغاء قانون الطوارئ، وتدعيم الحريات بالإضافة إلى تعديل قانون الانتخابات؛

إلا أن الحكومة قد تجاهلت مطالب المعارضة وانفردت بإعداد وصياغة القانون الجديد، وإزاء هذا التجاهل اتجهت المعارضة إلى تشكيل لجنة خاصة لإعداد مشروع قانون شملت هذه اللجنة ممثلين عن أحزاب الوفد والعمل والتجمع بالإضافة إلى جماعة الإخوان المسلمين؛

وركز هذا المشروع على:

  1. نقل الإشراف الكامل على إجراء الانتخابات إلى مجلس القضاء الأعلى بمجرد دعوة الناخبين إلى الانتخابات أو الاستفتاء حتى إعلان النتائج النهائية ونقل تبعية الإدارة العامة للانتخابات من وزارة الداخلية إلى وزارة العدل ضمانا لنزاهة الانتخابات.
  2. أن تقوم السلطة القضائية بالإشراف وقضاتها، على جميع اللجان الانتخابية سواء اللجان العامة أو اللجان الفرعية ولو اقتضى الأمر ضم واختصار اللجان الانتخابية الفرعية أو إجراء الانتخابات على أكثر من يوم.
  3. ضرورة تنقية جداول الانتخابات بحيث تصبح معبرة عن جماعة الناخبين، فأشار مشروع القانون ومذكرته الإيضاحية إلى أن جداول الناخبين لا تعبر عن جماعة الناخبين في الدوائر الانتخابية فهي من ناحية تخلو من أسماء الناخبين الجدد ومن ناحية أخرى تضم ناخبين سقطت عنهم هذه الصفة بسبب الوفاة أو غيرها ولذا فقد أوجب مشروع القانون ضرورة مطابقة كشوف الناخبين لسجلات السجل المدني، وأن تقوم السجلات المدنية بمهمة تسجيل كل من يبلغ عمره 18 عاما بكشوف الناخبين دون حاجة إلى تقديم طلب من الناخب.
  4. ومن ناحية أخرى فقد اتجه المشروع إلى تغليظ العقوبات المفروضة على الجرائم المتعلقة بالانتخاب، وقد تضمن المشروع تفصيلات هامة بخصوص هذه القضية الأخيرة.

وقدم رؤساء الأحزاب والقوى السياسية المشاركة في إعداد هذا المشروع صورة منه إلى رئيس الجمهورية باعتباره الممثل الوحيد للسلطة التشريعية في غيبة مجلس الشعب.

وبعد صدور القرار بقانون 206 لسنة 1990 بخصوص تقسيم الدوائر تبلورت على الفور فكرة المقاطعة، فأعلن حزب الوفد الجديد مقاطعة الانتخابات في 16/ 10/ 1990 ثم أعلن حزب العمل قراره بالمقاطعة في 19/ 10/ 1990، ثم جاء المؤتمر المشترك لأحزاب الوفد الجديد، والعمل والأحرار، وجماعة الإخوان المسلمين بمقاطعة الانتخابات ودلالة هذا القرار .

ويرصد أحد الباحثين مجموعة من الدوافع والمبررات التى أعلنتها الجماعة كمبرر لمقاطعة الانتخابات فيقول:

أما عن الدوافع والمبررات التي قدمتها جماعة الإخوان للمقاطعة فإنها لم تختلف عن المبررات التي قدمتها القوى الحزبية التي قاطعت الانتخابات، وقد انفردت الجماعة بإصدار بيان خاص تشرح فيه أسباب مقاطعتها تلك الانتخابات دارت كلها حول التأكيد على فكرة أن النظام السياسي غير جاد في إدخال إصلاحات سياسية حقيقية؛
وأن النظام السياسي ليس لديه الاستعداد الحقيقي للاستماع إلى المعارضة، وآرائها واستشهدت الجماعة بخبرة الفصلين التشريعيين الرابع والخامس وأكدت أن خبرة وتجربة هذين الفصلين التشريعيين تشيران إلى عدم فاعلية العمل من داخل البرلمان وأنه من ثم قد يكون من المناسب الالتحام بالجماهير والعمل من خارج البرلمان؛
بمعنى آخر فقد اتسمت المبررات التي قدمتها الجماعة لقرار المقاطعة بالشمول والعموم، ولم يركز على العوامل المتعلقة بضمانات نزاهة الانتخابات والعملية الانتخابية فقط، فقد استعرضت الجماعة في بيانها التطورات السياسية والاقتصادية السلبية التي يشهدها النظام السياسي من فرض القوانين سيئة السمعة وقانون الطوارئ ورفضه إلغاء هذه القوانين، بالإضافة إلى الملاحقات الأمنية والعشوائية للمعارضة؛
وفي هذا الشأن فقد أشارت الجماعة إلى موقف النظام السياسي من جماعة الإخوان خاصة واتباع سياسة التصفية الجسدية، ومن ناحية أخرى فقد اتخذت الجماعة مع الأحزاب الأخرى في تبرير قرار المقاطعة بعدم الاستجابة لمطالب المعارضة بتوفير الضمانات الكافية لحيدة ونزاهة الانتخابات بما يكفل تشكيل مجلس يمثل القوى السياسية تمثيلا حقيقيا؛
دارت هذه المبررات حول استمرار عدم الإشراف القضائي الكامل على العملية الانتخابية، وأن الجداول الانتخابية لا تمثل هيئة الناخبين تمثيلا حقيقيا، وأن تقسيم الدوائر الانتخابية يعكس تفصيل واضح وصريح للحزب الحاكم، واستمرار العمل بقانون الطوارئ.
إلا أنه من ناحية يمكن القول أن الخبرة البرلمانية السابقة للجماعة في مجلس 84 – 1987، و 19871990 قد خلقت قناعة معينة داخل جماعة الإخوان المسلمين بأن تجربة العمل من داخل المؤسسات السياسية الرسمية بما فيها البرلمان غير مفيدة إلى الحد الذي توقعته الجماعة من إمكانية الاستفادة من العمل داخل تلك المؤسسات،
بمعنى أن إقدام الجماعة على اتباع سياسة التحاور من داخل تلك المؤسسات من ناحية أخرى وهي الأهم أن إقدام الجماعة على العمل من داخل المؤسسات الرسمية وخاصة البرلمان لم يغير كثيرا من سياسة واتجاهات الحكومة في مواجهة الجماعة وأعضائها، فقد استمرت رغم ذلك مواقف الحكومة من الجماعة سواء استمرار اعتبار الجماعة غير مشروعة وأنها تعمل خارج الإطار القانوني، بالإضافة إلى الاستمرار في منع إصدار الصحف الخاصة بالجماعة أو الناطقة باسمها.
ومن ناحية أخرى فإن قرار المعارضة بمقاطعة الانتخابات لا شك كان له تأثيره على قرار الجماعة، فمجموعة الأحزاب التي قاطعت الانتخابات هي مجموعة الأحزاب التي عملت مع الجماعة داخل المجلس خلال الفصل التشريعي 19871990 بالإضافة إلى تعاون الجماعة مع حزب الوفد الجديد خلال الفصل التشريعي 84 – 1987 ومن ثم فإن قرار الجماعة بالمشاركة في تلك الانتخابات كان يعني أمرين: الأول هو عمل الجماعة بمفردها داخل المجلس والثاني هو خروجها عن إجماع المعارضة الحزبية، ولا شك أن كلاهما كانت له آثاره السلبية على الجماعة. (2)

انتخابات المحليات عام 1992

عُرفت المحليات مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بالاتحاد الاشتراكي، وتغيرت مع جهاز الحكم المحلي في عصر السادات ومبارك، ولكن كانت انتخاباتها في 1992 أحد العلامات الفارقة في تاريخ الإصلاح في مصر، والذي شهد رغم بعض التجاوزات الأمنية والتدخلات التعسفية دخول قوي للمعارضة في تحالفٍ ضمَّ الإخوان والعمل والوفد، وشهد على تحديث البنية التحتية وتكثيف العمل الخدمي في معظم محافظات مصر.

وجاءت الانتخابات المحلية عام 1992 فى أجواء سياسية معقدة ومرتبكة فقد قاطعت جماعة الإخوان الانتخابات البرلمانية عام 1990 فعمل النظام على محاولة إكساب شرعية جديدة للدولة من خلال هامش بسيط من النزاهة الانتخابية وهو ما حدث فى تلك الانتخابات، فقد جرت الانتخابات فى أجواء مريحة إلى حد ما فى بعض المحافظات دون المحافظات الأخرى.

ويقول د. فريد إسماعيل (عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين عن دائرة فاقوس بالشرقية وأحد مسئولي ملف انتخابات 92 في المحافظة):

"إن انتخابات محافظة الشرقية في 92 شهدت تعنتًا رهيبًا من الأجهزة الأمنية وصلت إلى اعتقال كل المرشحين وعددٍ كبير من المناصرين وتجهيز معسكرات فرق الأمن لاستقبالهم، وأدرك المواطنون أن الفساد سببه الحزب الوطني".

وأوضح م. صبري خلف الله (عضو الكتلة عن دائرة الإسماعيلية)

أنه وسط غياب حقوقي وقضائي وحالات التزوير البشعة التي تمت في مدينة الإسماعيلية، والتي حالت بينه وبين النجاح كعضو مجلس محلي في عام 92 نجحت أربع قوائم للإخوان والتحالف في الضواحي من وسط 6 قوائم، مشددًا على أنه ما ضاع حق وراءه مطالب، وأن الانتخابات القادمة ليست أول انتخابات يدخلها الإخوان من غير إشرافٍ قضائي!

واتفق معه ثروت عبد الفتاح (عضو الكتلة عن دائرة مطاي بالمنيا وأحد مسئولي ملف انتخابات 92 في المحافظة)

أنه رغم التزوير الحادث والتدخل الأمني آنذاك في مراكز سمالوط وغيرها عن طريق إبعاد المواطنين عن مراكز الفرز لمسافة نصف كم إلا أن مركزي مطاي وبني مزار حققا أكثر من 64 مقعدًا جاءت عن استعدادٍ مسبقٍ لحماية الصناديق الانتخابية بطرق سلمية.

وقال عبد الفتاح:

"نجحنا نجاحًا مبهرًا في محليات 1992 وشهد الناس بذلك من خلال خدماتنا لهم، والتي جعلتهم يلتفون حولنا في انتخابات 95 بل تعجبوا كيف يروا أحد الإخوان وهو د. رجب مرعي، وكان يشغل منصب رئيس مجلس محلي مطاي آنذاك يقف في طوابير الأنابيب والعيش للحصول عليه مثله مثل الناس!"

وعلى النقيض تمامًا شهد النائبان د. حمدي حسن والمحمدي السيد (عضوا الكتلة عن دائرة مينا البصل والرمل) واللذان شغلا عضوا مجلس محلي غرب إسكندرية والمحافظة في عام 92 أن هناك نوعًا من الانتخابات النظيفة في الإسكندرية جاءت من كون القائمين على العملية الانتخابية لديهم إرادة وطنية لإنجاحها.

وقال النائبان:

"تجربة المحليات غنية بالخدمات، واستطعنا من خلالها أن ننهض بالمجتمع، ونُشعر الناسَ أن هناك من يرفع عنهم معاناتهم في قطاعات عديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر رصف الشوارع وإدخال الكهرباء ومشروع النظافة والتشجير وبناء المدارس واستكمال احتياجاتها".

وأيَّد محمود عامر وعبد الوهاب الديب (عضوا الكتلة عن دائرة أوسيم بالجيزة وأبو المطامير وحوش عيسى بالبحيرة) أن بعض الدوائر في محليات 92 أُجريت نظيفة إلى حدٍّ ما.

وقال عامر الذي شغل منصب رئيس مجلس محلي مدينة أوسيم:

"نجحنا أن نكون معبرين في انتخابات 92 عن كل طوائف الشعب، وأوجدنا للوطن بنية تحتية وأعمالاً خدمية كثيرة ساعدت على صمود مصر الآن، وسعينا على قضاء مصالح الأهالي، وكان هناك لقاء كل شهرين أو ثلاثة مع محافظ الجيزة لرفع مطالبنا بشكل مباشر رغم كوننا مجلس محلي صغير لا بد أن نرفع إلى من هو أعلى".
وأكد عبد الوهاب الديب الذي شغل منصب عضو مجلس محلي محافظة البحيرة أن جماعة الإخوان استطاعت أن تقدم نموذجًا يُحكى به إلى الآن، حتى أنهم جعلوا المجلس المحلي أشبه بمجلس الشعب من حيث تفعيل اللجان والقوانين والوسائل المتاحة للرقابة، ولم يتكرر هذا حتى الآن من حيث الخدمات المقدمة والحرص على مصالح المواطنيين!!

وأشار محمد كسبة (عضو الكتلة عن دائرة فارسكور بدمياط)

أنه في انتخابات 92 تمَّ اختياره رئيس مجلس محلي مدينة فارسكور لمدة 4 سنوات رغم كونه أصغر الأعضاء سنًّا، مؤكدًا أن العمل المؤسسي والخدمي المبني علي المشاركة والتواصل وعدم إقصاء الآخرين كان أهم ما يميز الإخوان في المحليات آنذاك، واصفًا تجربة الإخوان في المحليات بأنها ثرية وتستحق وقوف الباحثين معها.

وقال المهندس سعد الحسيني (عضو الكتلة عن دائرة بندر المحلة):

"في محليات 92 نجحنا بقائمتين في المحلة رغم التجاوزات الأمنية والتزوير ومحاولات البلطجة والتدخلات من محافظ الغربية بعدم إعلان نتيجة أحدهم".

وأضاف الحسيني الذي شغل منصب عضو مجلس محلي عن بندر المحلة:

"إن جميع القيادات التنفيذية التي عاصرت محليات 92 تترحم الآن على أيام تواجد الإخوان فيها مقارنةً بالوضع الآن الذي وصل فيه الركود والفساد مبلغه مع الحزب الوطني".

وأكد الحسيني (عضو الكتلة)

أن تحرك الإخوان حينها كان تحركًا ذي طابع محلي في الإسكان والنظافة والصرف والمرافق والعمل الاجتماعي والتموين والتعليم وغيرها كثير.

وركز سعد حسين والمحمدي عبد المقصود (عضوا الكتلة عن دائرة البتانون بمحافظة المنوفية وحلوان بالقاهرة)

على أن للإخوان في انتخابات 92 والتي جاءت بالأول عضوًا للمجلس المجلي لمحافظة المنوفية، والثاني رئيسًا لمجلس محلي حي حلوان برنامجًا خدميًا واضحًا وأجندة معلنة لمسها المواطنون بقوةٍ في الشوارع والمدارس وكافة قطاعات المحافظات التي تواجدوا في مجالسها المحلية. (4)

ويقول محسن القويعي (أحد قيادات الإخوان بالبحيرة)

أن نظام الانتخابات كان بالقائمة المطلقة، وكان على الإخوان أن يتخطَّوا هذه العقبة، فقرَّروا أن يتحالفوا مع حزب العمل وحزب الوفد في قائمةٍ واحدةٍ باسم حزب الوفد أو العمل مقابل قائمة الحزب الوطني، ولكن الوفد لم يستكمل المشوار، فدخل الإخوان تحت قائمة حزب العمل، وكان حزب العمل ممثلاً في المجالس على المستويات المختلفة، ونجحنا بالقائمة.
مشيراً إلى أن أجواء الانتخابات كانت شبيهة بمناخ ما قبل انتخابات 2005م التي حقَّق فيها الإخوان نجاحات بفوز 88 عضوًا، وكانت النتيجة أن عرفت الدولة شيئين؛ حيث عرف الحزب الوطني الرأي العام واتجاهاته، وعرف قوة الإخوان حتى يستطيع أن يضع من أدوات المقاومة ما يحول بين الإخوان المسلمين وممارسة حقهم السياسي والدستوري.
ومن اللافت للانتباه أنه بعد انتخابات محليات 92 بدأت حملات اعتقالات واسعة، ولُفِّقت قضايا للإخوان إلى سنة 95 التي تمَّ فيها عقد المحاكمات العسكرية، وكنت أحد المحالين لهذه المحاكمة. (5)

وبالرغم من النجاح الضعيف نسبياً الذى حققه الإخوان فى تلك الانتخابات إلا أنه كانت هناك انتقادات عديدة لتلك الانتخابات والتجاوزات التى تمت بها ومنها ماقاله د. نعمان جمعه رئيس حزب الوفد السابق.

فيقول جمعه:

أخطأنا نحن أحزاب المعارضة عندما أقدمنا على خوص انتخابات المحليات ضد الدولة فالحزب الملقب بالوطني هو الدولة لأن رئيسه هو رئيس الجمهورية ولأنه هو الذي يحكم ولأنه هو صاحب أغلبية التسعة وتسعين في المائة في جميع المجالس النيابية ولأن من يتمكن من الترشيح تحت لوائه ناجح ناجح ناجح، والنجاح يتم بكل الوسائل وكل الإمكانيات.
وكيف يقبل أنصار أحزاب المعارضة على الترشيح إذا كانت النتيجة مقررة سلفًا؟ لماذا ينفقون على الانتخابات؟ ولماذا يجندون أنصارهم ؟ ولماذا يرهقون أنفسهم في عملية هزلية عابثة؟
نحن أمام كارثة قومية تتجاوز خطورتها الزلزال، لأن البديل للانتخابات الحرة النظيفة هو الفراغ السياسي، والفراغ السياسي يؤدي إلى انصراف الشباب إلى التطرف وإلى العنف، وبتعبير آخر أقول أن العنف السياسي هو البديل الطبيعي للانتخابات الحرة النظيفة فحين يرفض النظام الحاكم الأسلوب السياسي السلمي النظيف فإنه يهيئ الفرصة ويعد العدة للتطرف وللخروج على الشرعية. (6)

وإجمالاً فقد حققت تجربة المحليات خطوة مهمة فى مسار الممارسة السياسية للإخوان فقد مارس أعضاء الإخوان العمل الخدمى والجماهيرى بصورة رسمية لم تكن متوفرة لهم سابقاً وهو ما أفاد الجماعة من حيث الاحتكاك بالجمهور والانتشار المجتمعى.

الإخوان المسلمون وانتخابات العام 1995

اتسمت انتخابات العام 1995 بمشاركة ملحوظة من المرشحين المستقلين صنف عدد كبير منهم بانتمائه إلى فئة رجال الأعمال وأشارت التقديرات الرسمية إلى مشاركة أكثر من 4000 مرشح في المنافسة على مقاعد مجلس الشعب التي يبلغ عددها 444 منهم 439 مرشحا من الحزب الوطني (الحاكم) و181 مرشحا من حزب الوفد الجديد و107 مرشحين من حزب العمل وانتمي الباقون إما إلى أحزاب صغيرة أو ترشحوا كمستقلين.

وبالإضافة إلى هذا العدد الكبير من المرشحين من المستقلين ومن رجال الأعمال غابت عن الانتخابات التحالفات السياسية التي برزت في انتخابات العامين 1984-1987 وهذا ما أكد ضعف الأحزاب السياسية المصرية وبروز قوي جديدة أكثر فاعلية بكلمة واحدة لقد غلب على انتخابات العام 1995 الاقتصادي على السياسي .

ومع هذه التغيرات أحرز الحزب الوطني نصرا مريحا بحصوله على 417 مقعدا في مقابل 6 لحزب الوفد الجديد و5 مقاعد لحزب التجمع ومن بين 170 مرشحا ينتمون إلى الإخوان لم تستطع الحركة بسبب تضييق النظام سوي من الحصول على مقعد واحد فقط (النائب علي فتح الباب)

وعلى الرغم من حقيقة أن الحزب الوطني احتل 94 بالمئة من المقاعد وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالانتخابات السابقة إلا أن قاعدته الشعبية تراجعت بدرجة كبيرة فقد حصل الحزب بداية على 317 مقعدا فقط شكلت 81 بالمئة من المقاعد في مجلس الشعب (مقارنة مثلا بنسبة 78 بالمئة في انتخابات العام 1987 87 بالمئة في انتخابات العام 1984)

ولكن أضيف 100 مقعد لصالح الحزب الحاكم لاحقا عندما قرر بعض النواب المستقلين وغالبيتهم من رجال الأعمال الانضمام إلى الحزب الوطني لحصد ما أمكنهم من مكتسبات من وراء عضويتهم في حزب النظام ويشير هذا التراجع الابتدائي في دعم الحزب الوطني إلى خيبة أمل الناس من النظام مقارنة بمستهل الثمانينيات .

زد على ذلك أنه بخلاف الانتخابات السابقة التي هدف النظام من ورائها إلى تأمين السيطرة على مجلس الشعب بطريقة ذكية فإن انتخابات العام 1995 شهدت أسوأ التدخلات وأكثرها قمعا لمنع المعارضة من الفوز فإلى جانب المئات الذين تعرضوا لمضايقات من رجال الشرطة وقوات الأمن قتل 51 شخصا على الأقل خلال عملية التصويت التي دامت يومين (لقي 28 منهم مصرعه برصاص الشرطة وأصيب حوالي 878 بجروح)

وأبرز مستوي العنف تزايد مشاعر العدائية بين الدولة والمجتمع وانعدام الثقة بين الدولة والمعارضة السياسية التي قاطعت انتخابات لعام 1990 كما جاء عنف الدوائر الأمنية ردا على إعلان الإخوان أنهم سيخوضون الانتخابات بمائة وسبعين مرشحا لأنهم لو تركوا يخوضون المعركة الانتخابية بحرية فسيكون فوزهم أمرا شبه مؤكد (هكذا تصور النظام) وسيتجاوز تأثيرهم في مجلس الشعب في العام 1995 تأثيرهم في العام 1987.

وبالإضافة إلى ما تقدم أٌريد من مجلس الشعب في العام 1995 ترشيح مبارك لفترة رئاسية رابعة في العام 1999 وخشي النظام من أنه في حال سيطر الإخوان على أكثر من ثلث المقاعد في مجلس الشعب (أى على نحو 140 مقعدا) فسيكون في مقدورهم عندئذ إعاقة ترشيح مبارك على اعتبار أنهم سبق أن صوتوا ضد ترشيحه لفترة ولاية ثالثة في العام 1993 .

كما أن عددا كبيرا من الإسلاميين تحت قيادة التحالف الإسلامي وبدعم من حزب الوفد سيطعنون في القوانين القمعية مثل قانون الطوارئ الذي جري تمديد العمل به في العام 1997 والعام 2000 وقانون الصحافة للعام 1995 الذي يفرض غرامات شديدة على الصحف في حال نشرت ما تعتبره السلطات معلومات كاذبة .

وعلى الرغم من إشراف وزارة العدل على الانتخابات وهو تطور دأبت المعارضة على المطالبة به طوال سنوات فإن وزارة الداخلية تمكنت من التدخل في سير عمليات التصويت وأسقطت كافة مرشحي الإخوان المائة والسبعين عدا مرشح واحد وجري اعتقال مرشحين مثل عصام العريان وعبد المنعم أبو الفتوح سرعان ما أعلنوا عن نيتهم لخوض الانتخابات وجري تقديمهم إلى المحاكم العسكرية بناء على عضويتهم في تنظيم سري.

أدانت المنظمات القومية والدولية المدافعة عن حقوق الإنسان تحويل مدنيين إلى محاكم عسكرية لم يفعلوا شيئا سوي معارضة الحكومة في آراء ومواقف سياسية وسعت شخصيات لديها اتصالات مع النظام ومع الإخوان إلى التوفيق بين الطرفين وإلى إقناع النظام بوقف المحاكمات العسكرية في حال وافق الإخوان على تقليص عدد مرشحيهم الذي اعتبره النظام رقما مستفزا (170 مرشحا).

وكان نزول الإخوان بـ 170 مرشحا في انتخابات العام 1995 (بعد مقاطعة انتخابات العام 1990) صدمة للنظام كما أنه بالإضافة إلى هؤلاء المرشحين الـ 170 الذين عزموا على خوض الانتخابات كمستقلين ما عزز من استفزاز النظام وتعزيز مخاوفه من أن الجماعة تهدف إلى زيادة نفوذها السياسي والتشريعي في مجلس الشعب وكانت شعبية الجماعة أخذة في التنامي بعد النجاحات التي حققها أعضاؤها في النقابات بسبب أنشطتهم الخدمية المنظمة وذات الكفاءة العالية بالمقارنة مع الخدمات التي تقدمها الدولة.

كما قام النظام في العام 1995 باعتقال عدد من الأفراد تضمن 95 عضوا وقيادياً فاعلا في الجماعة وحولهم إلى محاكمات عسكرية وقد شملت قائمة المحاكمين عسكريا عصام العريان الأمين العام السابق لنقابة الأطباء ومحمد حبيب رئيس هيئة التدريس في جامعة أسيوط وخيرت الشاطر صاحب شركة " سلسبيل " للكومبيوتر وعبد المنعم أبو الفتوح الأمين العام السابق لاتحاد الأطباء العرب ومحمود عزت الأستاذ الجامعي وعبد الوهاب شرف الدين , وهو رجل أعمال وبالإضافة إلى مناصبهم العامة فإن معظم المعتقلين كانوا يحتلون مناصب قيادية ومؤثرة بالجماعة. (6)

انتخابات المحليات 1997

أعلنت الجماعة خوض الانتخابات المحلية (أبريل 1997) فى عدد من الدوائر أيضا إلا أنها بسبب عمليات التضييق الشديدة والاعتقالات المستمرة فى صفوف أعضائها والتى وصلت إلى حد اعتقال المرشحين وآبائهم وعائلاتهم وتعريضهم إلى أشد أنواع الضغوط والإيذاء أعلنت الجماعة انسحابها فى نفس يوم الانتخابات وهى الإجراءات الأمنية التى ذكرتها منظمات حقوق الإنسان فى أكثر من تقرير يعتبر شاهدا على ممارسات السلطة ضد الإسلاميين لمنعهم من المشاركة السياسية وممارسة حقهم الطبيعى فى التصويت والترشيح؛

حيث رصد أحد التقارير:

"إصرار وزارة الداخلية على تقليص الوجود السياسى للمواطنين من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وذلك عبر اتخاذ مجموعة من الإجراءات القمعية فى مواجهتهم من شأنها الحد من قدرتهم على الترشيح فى الانتخابات المحلية"

ورصدت المنظمة فى هذا الإطار لقيام أجهزة الأمن فى أواخر ديسمبر 1996 بالقبض على أربعين شخصا من قيادات وكوادر حزب العمل من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين فى منطقة حلوان والتبين وتم التحقيق معهم بمعرفة نيابة أمن الدولة ووجهت إليهم عدة اتهامات من بينها أنهم "خططوا للانتشار بين المواطنين واستغلال الانتخابات المحلية للانتشار بين المواطنين ، واستغلال الانتخابات المحلية لتكثيف نشاطاتهم "

كما قامت السلطات الأمنية يوم الجمعة 4 / 4 /1997 وذلك قبل 36 ساعة فقط من موعد إجراء الانتخابات المحلية بالقبض على 72 شخصا من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين من بنيهم خمسة صحفيين ومحام ووجهت إليهم تحريات مباحث أمن الدولة عدة اتهامات من بينها أنهم خططوا لاستغلال فترة الدعاية الانتخابية فى تصعيد نشاطاتهم عن طريق إعداد منشورات وتوزيع بيانات تحمل مبادئ وأفكار التنظيم والتشكيك فى نزاهة الانتخابات المزمع عقدها"
كما رصدت المنظمة التدخلات الأمنية المباشرة وغير المباشرة قبل وأثناء عملية التصويت لضمان فوز مرشحى الحزب الوطني الحاكم "وقد تجلت أبرز مظاهر التدخلات الأمنية فى إجراءات القبض على المرشحين وعائلاتهم ومندوبيهم وأنصارهم قبل يوم التصويت لإجبارهم على التنازل أو لجوء أجهزة الأمن إلى سياسة أخذ الرهائن لإجبار المرشحين على التنازل أو التوسع في عمليات القبض والاحتجاز لمرشحى الأحزاب والمستقلين وأنصارهم أثناء وقبل عملية التصويت مباشرة للتأثير على نتائج الانتخابات؛
كما تم طرد ومنع مندوبي المرشحين من دخول اللجان الانتخابية أثناء التصويت والفرز رغم حصولهم على توكيلات قانونية موثقه من المرشحين وهو الأمر الذى سهل من عملية التزوير وتسويد البطاقات الانتخابية لصالح، مرشحى الحزب الوطني" .

وقد أفاد الإخوان من ذلك إذ شكلت تلك التجارب خلفية لتعامل الإخوان مع الانتخابات ومكنتهم من وضع تصورات مستقبلية لكيفية تعامل السلطة مع أي قرار لهم بالمشاركه فى أى انتخابات مسستقبلية وقد وضح ذلك فى انتخابات 2000م حيث كانت إيجابيات المشاركة أفضل من سلبياتها خاصة فى ظل تطورات أضافت لقرار المشاركة مزيدا من القوة .

المراجع

  1. طالع انتخابات مجلس الشعب 1990 دراسة وتحليل، مركز الأهرام للدراسات
  2. الإخوان المسلمون والسياسة فى مصر، دراسة فى التحالفات الانتخابية والممارسالت البرلمانية للإخوان المسلمين في ظل التعددية السياسية المقيدة في مصر، د. حسنين توفيق إبراهيم،د. هدى راغب عوض ، كتاب المحروسة 1995، ص407: 410
  3. انتخابات 92.. شهادات من قلب المحليات، موقع اخوان البحيرة
  4. محسن القويعي يروي تجربة الإخوان في محليات 1992م، موقع اخوان اون لاين
  5. أخطأنا نحن أحزاب المعارضة عندما أقدمنا على خوص إنتخابات المحليات ضد الدولة، د. نعمان جمعة
  6. صراع على الشرعية الإخوان المسلمون ومبارك 1982 – 2007،الدكتور هشام العوضي ص 238

إقرا أيضا