الأسرة.. ورمضان.. والمسجد
بقلم :د/محمد بديع
ها هو شهر رمضان الكريم يهلُّ علينا من جديد، بفرحة غامرة تشمل كل أفراد الأسرة المسلمة، حتى نشعر أن الكون كله- بجماداته ونباتاته وطيوره وحيواناته- يشارك المسلمين فرحتهم.. إنها فرحة لا بد أن تُترجم إلى أعمال صالحة، ونستفيد من هذا الموسم السنوي للنفحات الربانية فهيا نتعرض لها.
الرجل هو المسئول الأول الذي سيسأله رب العزة ماذا فعل مع أبويه؟ لكي يقتدي به أبناؤه وبناته؟ وماذا فعل مع زوجته التي أخذت منه ميثاقًا غليظًا، والتي لا يكرِمها إلا كريمٌ ولا يُهينها إلا لئيمٌ؟ وهو أيضًا المسئول عن اصطحاب أبنائه للمسجد؛ ليتعلموا هناك في بيت الله العباداتِ والعلمَ الشرعيَّ والموعظةَ القلبيةَ من النبع الصافي (القرآن والسنة)؛ على أيدي علماء الإسلام، ويشهدوا تطبيق الأمة لهذه العبادات والقيم والأخلاقيات داخل المسجد.
هيا في هذا الشهر الكريم، الذي تُصفَّد فيه الشياطين وتُضاعَف فيه الحسنات وتُمحَى فيه السيئات.. نتعلم خلُقًا جديدًا نتدرَّب عليه في المسجد ولا ننساه عندما نخرج منه.. هيا نتعلم احترام العلماء وحبهم، والجلوس إليهم لتلقِّي العلم الذي يتبعه العمل..
هيا نعيد فينا وفي أمتنا هذه القيم..
هيا نتعلَّم ونتدرَّب على التراحم والتحاب الذي لن ندخل الجنة إلا به..
هيا نتدرَّب على تفقُّد بعضنا بعضًا، خاصةً جيراننا، ومن لا نجده نسأل عنه منذ أن حرصنا على ألا يفرق بين أقدامنا بضعة سنتيمترات ونحن في صف صلاة الجماعة، وبعد أن علَّمَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اللمسةَ الحانيةَ "تماسُّوا تراحموا"، وألا نسكت على مخالفة واحد منا ونقول "وأنا مالي"!!.. لا لا.. أنت مسئول عن نصيحة أخيك بالحكمة والموعظة الحسنة، منذ أن تعلَّمت أن الصف الأعوج لا ينظر الله إليه نظرةَ رحمة، والصف يعوجُّ بفرد واحد يخطئ ويشذ..
هيا نعين أولادنا وبناتنا على برِّ الأبوين، منذ أن سمعنا وأسمعناهم أن الإحسان للوالدين هو الأمر الثاني من الله عز وجل بعد الأمر الأول بالتوحيد ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ (الإسراء: من الآية 23). هيا نقدِّم القدوة لأبنائنا وبناتنا في صلة الأرحام، والعطف على الفقراء والأرامل والمساكين والأيتام؛ بما نقدمه من صدقات وإطعام في رمضان، ونُشركهم معنا في توزيع خيرات الله علينا في رمضان.
هيا نذكِّرهم بسهم معاونة الجهاد بالمال في شهر الجود والكرم والجهاد والانتصارات (بدر وفتح مكة وعين جالوت وحرب رمضان)، مع تحفيظهم الدعاء المسنون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان، الذي واسطة عقد آيات صيامه آية الدعاء لأهميته وفضله.
هيا ندعو لنا ولإخواننا في فلسطين وفي كل ساحات الجهاد ولإخواننا المأسورين والمكروبين؛ أن يفكَّ الله أسْرَهم، ويفرِّج كربهم، وأن ينصرَ الإسلام ويعزَّ المسلمين، وأن يولِّي أمورَنا خيارَنا، ولا يولِّيَ أمورَنا شرارَنا، وأن نلتزم كلَّ خير حافظنا عليه في رمضان إلى أقرب الأجلين؛ رمضان القادم أو لقاء الله؛ لأن أحب العمل إلى الله ما دام واتصل، وأدومه وإن قل.
تقبل الله منا ومنكم، وغفر لنا، وجمعنا على الخير في الدنيا، وفي الجنة في الآخرة؛ إنه سميع مجيب..