الأستاذ حسين فهمي
نقيب للصحفيين عام 1955، هو حسين محمد فهمي حسين، من مواليد البحيرة 1916م، حاصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة عام 1937م، بدأ مفتشًا بديوان المحاسبة، ومحاميًا فى بنك مصر، وساهم بالكتابة فى مجلة الصباح ومجلة شهرزاد، عمل بوزارة الشئون الاجتماعية، تفرغ للصحافة وأصبح رئيسًا لتحرير صحيفة الزمان، ثم رئيسًا لتحرير صحيفة الجمهورية عام 1954م، ورئيس تحرير جريدة الشعب عام 1956م، ورئيس تحرير الأخبار عام 1961م، من مؤسسى منظمة التضامن العالمى بين الصحفيين.
كتب تحت عنوان (المغفور له الشيخ حسن البنا كما عرفته)
لم يكن لى بفضيلة المرشد العام الأول، ومؤسس حركة الإخوان رحمه الله، سابق معرفة حتى سنة 1939م عندما زارنى الأخ على أفندى فهمى خليل المجاهد القديم وسكرتير جمعية البر الإسلامى بمكتبى بقسم قضايا بنك مصر، حيث كنت أعمل محاميًا به، ليتفق معى على الموعد الذى حدده فضيلة المرشد العام - رحمة الله - عليه للاجتماع بى.
كان ذلك فى أواخر سبتمبر، وقد أخذت بواكير الخريف الرطب تداعب قاهرة المعز بأنفاسها الندية، وأخذ الناس يهرعون إلى الدور والمساكن يلتمسون الدفء والحرارة، بعد أن ظلوا طوال أشهر الصيف القائظة يخرجون إلى الهواء الطلق كلما غربت الشمس، أو تقدم الليل، باحثين عن ريح عابرة، أو نسمة حائرة. وكان اليوم يوم ثلاثاء وكان موعد المقابلة فى دار الإخوان بالحلمية حيث اعتاد فضيلة الشيخ البنا - رحمه الله - أن يلقى كل أسبوع درسًا من دروسه الدينية.
ولم يكن فى الوقت فسحة للاجتماع بفضيلته قبل المحاضرة، فأخذت مكانًا فى حديقة الدار بين مئات من الأنصار والمريدين الذين احتلوا أماكنهم منذ وقت غير قصير فى انتظار محاضرة المرشد العام. وهبط فضيلته درج الدار إلى حديقته فى تواضع واستحياء، ليشق طريقه وسط الجموع الكثيرة يحيى واحدًا ويصافح آخر، ويربت على كتف ثالث فى حنان أبوى حتى إذا بلغ المنصة كان السكون قد أطبق على المكان، وخيَّم الصمت على الحاضرين، واتجهت الأنظار كلها على الوجه الصامت الذى يشع هدوءًا ورقة، والعيون النافذة تنطق بالإيمان والصبر وراحة النفس.
وفى صوت هادئ عميق أخذ المرحوم حسن البنا يتحدث إلى إخوانه وطلابه ومريديه، لا يكاد ينتهى من شرح آية حتى يتناول بالتحليل والتدقيق حديثًا من الأحاديث فى غير ما تكلف ولا تصنع فينفذ إلى أعماق القلب وأغوار النفس، وتحس - من فرط إيمانه، ودقة تحليله، وسلامة فهمه، وبساطة شرحه - أن الإسلام عقيدة كل وقت ودين كل عصر.
"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا".
هذا - فى نظرى - هو سر الدعوة التى بشر بها المرحوم الأستاذ الجليل، فلقد أدرك منذ شبابه المبكر أن الإسلام فى حاجة إلى بعث جديد يقوم على فهم صحيح لتعاليمه، وإدراك لمبادئه وقوانينه وتحريره مما ران عليه طوال القرون الماضية من خرافات ودس عليه من إسرائيليات، وعلق به من أكاذيب وترهات.
لقد تلفت الإمام العظيم فى فجر شبابه إلى العالم الإسلامى من إندونيسيا إلى مراكش فوجد الجهالة تغمر بلاده، والخرافات تسيطر على عقول أبنائه، والمطامع والأهواء تحرك أهله وأولى الأمر فيه، فانطوى على القرآن يتلمس سبيل الخلاص، وعلى السنة يبحث عن أصل الداء ويلتمس الدواء، فرأى العجب.
كان هذا حديثنا فى الساعة وبعض الساعة التى قضيناها فى مكتب الأستاذ الجليل فى ليلة الثلاثاء هذه، التى ما زلت أذكرها، على ما مر عليها من سنوات وأحداث، فأذكر أستاذًا عظيمًا، ومسلمًا داعيًا، وزعيمًا مؤمنًا، ومحاضرًا فى الصف الأول من الأساتذة والمحاضرين.
رحم الله حسن البنا، وحرر أمته، وكتب لها النجاة مما يحاك لها من مؤامرات، ويرسم لها من مكائد، وألهم أبناءها طريق الصواب، وكتب لها اليقظة الكاملة على أسس من الفهم الصحيح لدينها وشريعتها، والإيمان العميق بكتابها ونبيها، إنه سميع مجيب.
المصدر: مجلة الدعوة – السنة الثانية – العدد (52) – 16جمادى الأولى 1371هـ / 12فبراير 1952م.