استشهاد مروة بين تفريطنا وتحايلنا وتآمرهم
بقلم / د. ديمة طارق طهبوب
استُشهدت مروة الشربيني من أجل حجابها، كما استُشهدت من قبل أول شهيدة في الاسلام سمية زوجة ياسر،أم عمار، من أجل دينها و عفتها، و ما بين العصرين لم تختلف جاهلية الجلاد و لم يقل الحقد على الاسلام و المسلمين
سال دم مروة وصعدت روحها الى بارئها، و فقد الأهل ابنتهم، و الزوج زوجته، و الولد أمه، و فقدنا كعرب و مسلمين روحا طاهرة من أجل الحجاب، الحجاب الذي تفرط به المسلمات، بل و تنطلي على بعضهن ضلالات و مؤامرات الغرب الذي انكفأ في فرنسا على شعارات الديمقراطية و الحرية و المساواة التي مات من أجلها شهداء الثورة الفرنسية، و قُطعت فداء لها الرؤوس تحت المقصلة، و أشهرها رأس ماري انطوانيت التي كانت رمز الجلال و الدلال في فرنسا الامبراطورية، و لكن عندما جاء تطبيق مبادئ الحرية على الاسلام و المسلمين، أصبح الحجاب و النقاب من مظاهر استعباد و استرقاق النساء، و العجيب ان ساركوزي و بيته من زجاج هو من يرمي المسلمات بهذه الاتهامات، فزوجته كارلا بيروني كانت و ما زالت مستعبدة، و لكن رقها من نوع آخر، رق عروض الأزياء و نخاسة الجسد التي تعامل المرأة كسلعة تُباع و تشترى، ألم يكن استعبادا أن تتصور سيدة فرنسا الأولى،قبل زواجها، عارية ثم تُباع صورها بالآف الجنيهات في المزادات لتحدث فضيحة سياسية أثناء زيارتها لبريطانيا!!
في الزمن الذي تُقتل فيه مروة من أجل حجابها تصنف المرأة التي تكشف جسدها و عورتها على انها حرة و متقدمة و منطلقة، بينما تُنعت المرأة التي تبتغي الستر و العفاف بالتخلف و العبودية و تستحق جميع أنواع التضييق و الاتهام و العقاب بما فيها الموت!!
استُشهدت مروة و سال دمها من أجل الحجاب الذي تتحايل المحجبات على شكله و لونه و طريقة ارتدائه حتى أصبح صرعة له موضته و سوقه و أزياؤه و اكسسواراته، و فقد شروطه و معنى الستر فيه بأن لا يصف و لا يشف و لا يكون لباس شهرة، و أصبح بدل أن يُصنع في بلاد المسلمين يصنع في الصين و اليابان، فيأتينا بألوان الأطياف كلها التي تجذب أنظار النساء الى بعضهن قبل أن تجذب أنظار الرجال إليهن، و رقَّ قماشه حتى أظهر ما تحته، و زُين بصور البشر و الطيور و الحيوانات و السلاسل و الأفاعي و الرسوم المشبوهه حتى صار غير صالح للصلاة فيه!!
استُشهدت مروة و سال دمها و هي بصورتها الملائكية لم تكن من المفرطات، لم تكن من اللواتي سوّفن حتى شاب الشعر و احدودب الظهر و صارت الرجل قريبا من القبر بذريعة عدم الاقتناع!! كان قناعة مروة، قناعة الطاعة و المسارعة، كقناعة نساء الأنصار اللواتي قالت عنهن السيدة عائشة رضي الله عنها: "رحم الله نساء الأنصار، لما نزلت آية الحجاب شققن مروطهن (كساء من صوف أو خز) فاختمرن بها، و خرجن الى الصلاة و كأن رؤوسهن الغربان من السكينة، و عليهن أكسية سود يلبسنها"
استُشهدت مروة و سال دمها و سيظل في الساحة من غلاة العلمانيين من يطعنون في الحجاب، و يفسرون آياته على هواهم بالقول جهلا انه إما فُرض خاصة لنساء النبي صلى الله عليه و سلم، أو فقط على الإماء، دون الانتباه الى الاختلاف في القدر و الخطاب بين نساء النبي و الاماء، و أن القرآن ذكر الاماء صراحة و تخصيصا في غير موضع ليس منهن آية الحجاب، و هذه الفرية تناقض ما أورده العلماء و المفسرون، فقد قال شيخ الاسلام ابن تيمية في الفتاوى "أن الحجاب إنما أُمرت به الحرائر دون الإماء، فالحرة كانت،حتى قبل الاسلام، تحتجب و الأمة تبرز، و كان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمة مختمرة ضربها و قال: أتتشبهين بالحرائر؟" و جاء فرض الحجاب أيضا لتمييز الحرائر عن غيرهن حتى لا يتعرض لهن الفساق بأذى أو ريبة
استُشهدت مروة و سال دمها من أجل الحجاب و لم تقم قائمة المسلمين فيما شُق ثوب إمرأة في سالف عصور عزنا فأُجلي قوم عن بكرة أبيهم ثأرا لها في غزوة بني قينقاع، و فتح المعتصم عمورية استجابة لاستغاثة امرأة، فهل الثأر للدم كالثأر للثوب، و هل ستقع استغاثات مروة على آذان صماء؟؟
استُشهدت مروة و سال دمها لتعود لتدفن في بلدها مصر، أم الدنيا، من حيث انطلقت أيضا أول حركات السفور، عادت مروة الى مصر شهيدة الحجاب و رمز حرية المرأة المسلمة بحجاب مضمخ بدمائها الطاهرة، و ما بين مصر هدى شعراوي و مصر مروة الشربيني فارق كبير، بين من ينادون بتحرير المرأة من الدين و القيم و من ينادون بتحريرها بالدين و القيم، عاد الحجاب منصورا عزيزا ليرتفع عاليا على رأس مروة و رأس مصر بعد أن دِيس يوما بالأقدام
قيل إن التضحية التي تُعمّد بالروح و الدم يُكتب لها الخلود، فهل سيصبح دم مروة ماءً و يضيع هباءً أيها المحجبات و المترددات و المشككات؟؟
المصدر : نافذة مصر