إلى الأحباب.. نظرة وعبرة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
إلى الأحباب.. نظرة وعبرة

13-04-2010

بقلم: فضيلة الشيخ محمد عبد الله الخطيب

الصحوة الإسلامية وما تملكها من وسائل ربانية ورثتها عن الأنبياء والرسل..

منذ سنوات وقف أحد العلماء العاملين يقول: الناس رجلان: رجل استيقظ في الظلام ورجل نام في النور.

وهذا كلام كله حق وواقع، فمنذ أكثر من مائة سنة تقريبًا استيقظ الغرب في الظلام، لا مصباح بيده، ولا أنوار تضيء له الطريق، لكنه رغم الظلام أخذ يعمل ويجرِّب ويبتكر، ويغيِّر ويبدِّل في أمر المادة في جميع شئون الحياة، فاستطاع أن ينتقل إلى عالم البخار، وأن ينشئ المطابع والمصانع، وأن يطوِّر ما عنده من سلاح حتى وصل إلى ما وصل إليه اليوم.

أما الرجل الذي نام في النور فهم المسلمون؛ فقد تكاسلوا وقعدوا وتواكلوا، إلا من رحم الله وهم قليل، بينما هم في منطقة النبوات والرسل، وبيدهم المصباح المنير، والتاريخ الناصع الحافل بالبطولات، بيدهم المصابيح التي أضاءها من سبقوهم على الدرب، لكنها لم تغنِ عنهم شيئًا، وهذا ما صوَّره الشاعر المسلم وهو يقول:

استرشد الغرب بالماضي فأرشده................ونحن كان لنا ماضٍ نسيناه

ويقول آخر وهو يوصي الحاج الذي يزور مهبط الوحي ومصدر النور، ومصانع الرجال الأفذاذ، يوصيه بقوله:

فقل لرسول الله يا خير مرسل
أبُثَّك ما تدري من الحسرات
شعوبك في شرق البلاد وغربها
كأصحاب كهف في عميق سبات
بأيمانهم نوران ذكر وسنة
فما بالهم في حالك الظلمات؟!

وفي وسط هذا الظلام قامت الصحوة الإسلامية ترفع في يد القرآن الكريم كمنهج رباني فريد لإخراج العالم من الظلمات إلى النور، وفي اليد الأخرى سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وتنادي بالعودة إلى منهج الله وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بالعودة إلى الربانية الخالصة بالعودة إلى التسامي بالنفس الإنسانية ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)﴾ (الشمس)، وبالعودة إلى اليقين باليوم الآخر وإلى اليقين بعقيدة الجزاء، وبإعلان الأخوَّة العالمية بين الناس جميعًا، وإلى النهوض بالرجل والمرأة جميعًا، وإلى إعلان التكافل والمساواة بينهما، وتحديد مهمة كل منهما تحديدًا دقيقًا، وإلى تأمين المجتمع بتقرير حق الحياة والملك والعمل والصحة والحرية والعلم، والأمن والأمان لكل فرد، وتحديد موارد الكسب، وضبط الغريزتين؛ غريزة حفظ النفس وغريزة حفظ النوع، وتنظيم مطالب الفم والبطن، والشدة في محاربة الجرائم الأصلية، وتأكيد وحدة الأمة والقضاء على كل مظاهر التفرقة وأسبابها، وإلزام الأمة بالجهاد في سبيل مبادئ الحق التي جاء بها هذا النظام واعتبار الدولة ممثلةً للفكرة وقائمةً على حمايتها ومسئولة عن تحقيق أهدافها في المجتمع الخاص، وإبلاغها إلى الناس جميعًا (راجع رسالة بين الأمس واليوم) بتصرف.

استيقظ بعض المسلمين على هذا الصوت.. الصوت الحبيب.. صوت الصحوة الإسلامية يدعوهم إلى العودة إلى هذا الذي ذكرناه، وإلى كل كلمة نطق بها الوحي، وإلى كل جملة قالها صلى الله عليه وسلم، وفتح الأبواب والنوافذ على ما قدمه الإسلام لإصلاح الإنسانية كلها كما ذكرنا، فرحَّب واستبشر من هداه الله وشرح صدره للإيمان، وسار في الطريق رغم الأشواك والعقبات وما زال يسير، وحمل الراية وما زال يحملها، وآمن بالإسلام دينًا ودولةً، وعبادةً وقيادةً، وشريعةً وقانونًا، وامتلأت القلوب من جديد بحب الله ورسوله، وبعشق رسالته وسيرة نبيه صلى الله عليه وسلم.

ونرجو أن يستيقظ يومًا ليلحق بالركب وليسعد بهذا الدين إن شاء الله.

رصيد فريد لا مثيل له بين الأمم

إن الرصيد الذي يملكه المسلمون بالأمس واليوم والغد رصيدٌ ضخمٌ، رصيدٌ قويٌّ؛ هو الحق، والحق على مدار التاريخ غالبٌ لا مغلوب، ومنتصرٌ لم يعرف الهزيمة، قال تعالى: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمْ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18)﴾ (الأنبياء).

إن هذا الرصيد من شأنه أن يجعل هذه الأمة- لو استيقظت- تخطُّ في التاريخ البشري بإذن الله خطًّا جديدًا موصولاً بخط السلف الصالح عليهم الرضوان، وهو التمكين لدين الله وشريعته ومنهجه على الأرض، وقد وعدنا الحق تبارك وتعالى إن صدقنا وآمنَّا حقًّا، وعملنا بهذا؛ فقال: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ (41)﴾ (الحج).

إن من رصيد هذه الأمة المذخور طويَّة هذه الأمة وفطرتها التي فطرها الله عليها، وهي بحمد الله لا تزال يلمؤها الشوق والحنين والتطلع إلى نصرة دينها، والتسابق إلى مسح دموع أبناء الشهداء والمظلومين، وإن الإحساس بالتقصير ليملأ أقطار جميع النفوس، وهذا دليل الإيمان؛ فإن كلمة الحق لا تزال أقوى في حياة المسلمين من كل هذه الدنيا وما فيها من أشكال وألوان؛ فبمجرد أن تصدر هذه الكلمة صادقةً خالصةً تسيل دموع، وتتحرك مشاعر، ويربو الإيمان، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (14)﴾ (الرعد).

وإن من رصيد هذه الأمة المذخور عظمة الرسالة التي تحملها وهي رسالة النور والخير.. رسالة الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهي رسالة العدل الذي لا يعرف الظلم أبدًا، وهي بذلك تجد طريقها إلى القلوب والعقول باسم الله، حتى ولو تعدَّدت ألوان الضلال والفساد والظلم الذي غشي الناس في كل اتجاه.

ومن رصيدها أيضًا هذا الشباب الطاهر البريء الصادق العفيف الذي أقبل على ربه إقبال المؤمنين، واستجاب لدعوته لا في بلد بعينه، ولا في أمة بمفردها.. إنه نورٌ شاع في القلوب، وأضاء للبصيرة.. إنه يتمثل قول الإمام البنا رحمه الله: "هذا أنا.. أنا ورقة بيضاء، ناصعة البياض لم يمسسْها سوء بإذن الله، أرجو أن يتم الله عليَّ نعمته فألقى الله وأنا على هذه الطهارة، وأن يرزقني الله أيضًا الموتة الطاهرة وهي الشهادة، أنا من ضوء محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى ضوء محمد أسير، وهذا سرُّ ما يدركني من نجاح فهو من توفيق الله وحده، إن توفيقي من الله، فالمجهود ليس لي وحدي، ولكنه مجهود جند الله المجهولين ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ﴾ (المدثر: من الآية 31).

هذا الشباب الطاهر الذي أعطى دعوته أغلى وأعزَّ ما يملك، ففطم نفسه عن شهواتها، وبذل لها وقته وماله، وفكره ودمه، فلم تعُد تزيده الأيام إلا رشادًا ونقاءً وصفاءً وعزمًا وإصرارًا.

ومن رصيدها الظمأ النفسي والقلق الدائم الذي يعانيه المسلمون.. لقد سئم الناس من الهبوط والتدلِّي، وعافت نفوسهم الانحطاط في الأخلاق، والخراب في الذمم، وبدءوا يتطلعون إلى الهواء النقي، والحياة الكريمة الفاضلة وهي لا توجد إلا في ظل شريعة الإسلام؛ فهو الشفاء والدواء والسعادة والطمأنينة.

أيها الأحباب خلف القضبان...

شاء الله عزَّ وجلَّ أن تكونوا موضع اختبار وامتحان وتكريم من الله عز وجل، وهو العليم بالقلوب وما فيها وقد جاء في الحديث: "يُبتلى الرجل على قدر دينه؛ فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة".

إن لسان حالكم يقول بصراحة كما قال من سبقوكم بالإيمان: "ماذا يفعل الأعداء بي؟ إن قتلي شهادة، وإن سجني خلوة، وإن نفيي سياحة".

إن ظواهر الأمور تختلف عن بواطنها؛ فما يُرى في الظاهر شدةً وضيقًا وألمًا قد يكون في حقيقته عين الرحمة والسعادة، وما قصة أهل الكهف منا ببعيد، وما واقعة سيدنا موسى عليه السلام مع الخضر منا ببعيد أيضًا فلنرجع إلى القرآن، وما قصة مؤمن آل ياسين في اللحظة التي كان يعبُر فيها إلى الآخرة يسمع المنادى يقول له ﴿قِيلَ ادْخُلْ الْجَنَّةَ﴾ (يس: من الآية 26) منا ببعيد؛ أي فوز هذا وأي عظمة تلك، وفي نفس الوقت ينطق وهو في البرزخ بطبيعة المؤمن الذي لا يكره حتى من آذاه فيقول ﴿قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ (27)﴾ (يس)!!.

إنه وهو يخطو إلى الجنة يذكِّر الحيارى، يذكِّر التائهين، يذكِّر الذين ظلموه وقتلوه، ويتمنَّى أن قومه هؤلاء يعرفون سبب المغفرة وسبب النجاة من النار.

والمؤمن الشهيد عند الله غالٍ كريم، ينتقم الله له من أعدائه، فيأخذهم جميعًا انتقامًا له، واسمع إلى باقي الآيات.. ﴿وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ (28) إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29) يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (30)﴾ (يس).

يقول المفسرون: كان عدد الذين آذوا مؤمن آل ياسين عشرة آلاف، فبعد أن نفَّذوا فعلتهم الشنعاء، صاح عليهم جبريل عليهم السلام صيحةً واحدةً فخمدت هذه النفوس التي دأبت على الشر وآذت المؤمنين، وقتلت رجلاً يقول لهم ﴿إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25)﴾ (يس)، فلم يسمعوا، لكنهم تمادوا حتى وصل الأمر إلى استشهاده فاستحقوا هذا المصير، فمن كان يسير منهم في الطريق خمد في مكانه ومن كان نائمًا خمد في نومه إلى الأبد، ومن كان يقضي حاجته خمد على هذه الصورة، أين هذا الذين نزل بهم من الذي نزل بمؤمن آل ياسين من تكريم؛ تفتح له أبواب الجنة وينادي: ادخل الجنة، هلم إلى الفردوس الأعلى.. امرح مع الحور العين.

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "إن أرواح الشهداء في جوف طيور خضر ترد الجنة فتأكل من ثمارها وتشرب من مائها ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش فتبيت فيها".

أيها الأحباب.. أما أولادكم، أما زوجاتكم، أما أهلكم جميعًا، فهم أمانة لا في ذمة مخلوق- وماذا يملك المخلوق الضعيف؟!- إنهم جميعًا في ذمة قيوم السماوات والأرض الذي نسأله سبحانه أن نكون جميعًا في حفظه وفي كنفه وفي رعايته.. إنه نعم المولى ونعم النصير.

المصدر

إخوان اون لاين