أوباما والفرصة الضائعة
بقلم : الياس حرفوش
هذه فرصة ذهبية في الشرق الاوسط، قد لا تتكرر لأجيال، لتحقيق السلام وإقفال ملف النزاع الطويل. فرصة يجب الإفادة منها لاستعادة حقوق الفلسطينيين ولفرض شروط السلام العادل على الإسرائيليين، مثلما يستعيد الشباب العربي حقه في الكرامة والحرية، متحدياً الخوف، غير عابئ بدبابات الأنظمة وأسلحة القمع.
أجيال شابة عينها على الداخل في بلدانها، يئست وخاب أملها من متاجرة الانظمة بـ «القضية القومية»، خصوصاً بعد أن تحولت هذه التجارة وسيلةً لقمع المطالب والحريات، من غير ان تحقق التقدم خطوة واحدة باتجاه فلسطين. أجيال شابة ما عادت ترى الدعم الغربي، والاميركي منه ايضاً، لمطالِبها في وجه انظمتها، عبئاً ولا عيباً. لا تخجل من أن تُزاوِج بين احتمائها بشعارات الديموقراطية وحقوق الانسان وبين كون هذه الشعارات بضاعةً غربية مستوردة، على ما كانت تزعمه الحملات السابقة ضد مَن يرفعون هذه الشعارات.
فرصة ذهبية قد لا تتكرر، إذا أُحسنت الإفادة منها. والإفادة لا تكون الا اذا أظهرت القوى الغربية، والولايات المتحدة في الطليعة، حسن نيتها تجاه هذه الاجيال الشابة، وأثبتت فعلاً أنها تحتضن حقوق الشعوب وتدافع عن مطالبها حيثما رُفعت هذه المطالب، وليس فقط عندما تكون موجهة ضد الانظمة العربية وحدها.
إذ لا يصح أن يكون هناك تمييز من جانب باراك اوباما وقادة الغرب الآخرين، بين ان يمارس زعيم عربي القمع ضد شعبه ويسلبه حقوقه السياسية وكرامته الانسانية، وبين ان يفعل ذلك مسؤول اسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني. ومثلما أظهرت القوى الغربية رعايتها للانتفاضات العربية، من خلال المواقف السياسية، كما في حالة سورية و اليمن و البحرين ، وقبلها في مصر و تونس ، ومن خلال الدعم العسكري، كما في ليبيا، فمن واجبها ان تُظهر الحزم نفسه عندما يتعلق الامر بفرض شروط السلام العادل واحترام القوانين الدولية، في النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين.
ازدواجية المعايير، التي تتحول الى ازدواجية في التعامل، هي التي ما زالت تميز السلوك الغربي، عندما يتعلق الأمر بالأوضاع الداخلية للعرب من جهة، وبمشكلتهم مع اسرائيل من جهة ثانية.
هذه الازدواجية كانت بالغة الوضوح في الايام الماضية، عندما انتدب الرئيس باراك اوباما نفسه للتطرق الى الانتفاضات العربية وإلى النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين. في خطابه من منبر وزارة الخارجية الاميركية، أظهر دعمه لشباب الانتفاضات العربية ووقوفه معهم في وجه أنظمتهم، معتبراً ان مصلحة اميركا لا يمكن ان تكون إلى جانب الانظمة على حساب الشعوب. وفي الخطاب نفسه، أظهر قدراً كبيراً من التقدم على طريق احترام الشرعية الدولية بالنسبة الى النزاع في المنطقة، عند تطرقه الى حدود العام 1967 باعتبارها أساساً للتسوية بين الدولتين الفلسطينية و «اليهودية». صحيح أنه تجاهل موضوع القدس وقضية اللاجئين، لكن رؤيته كانت أنّ رسم الهدف النهائي للتفاوض (اي حدود الدولتين) يمكن ان يضع الأسس لحل العقبات الاخرى.
قامت قيامة الليكوديين في اسرائيل على الخطاب. وبعد 72 ساعة كان اوباما (نفسه) يقف امام مؤتمر «ايباك» ليعلن ان حدود 1967 يجب ان تكون الاساس لاتفاق السلام، لكن الحدود النهائية يجب ان تأخذ في الاعتبار «الحقائق الديموغرافية الجديدة على الارض»، اي المستوطنات التي زرعها الاسرائيليون في مختلف انحاء الضفة الغربية، والتي تعتبرها القرارات الدولية ومواقف مختلف الدول، بما فيها الولايات المتحدة، غير شرعية.
وطبعاً، صفق اعضاء تكتل الليكود لذلك، واعتبر احدهم ان «حكمة نتانياهو اثمرت في خطاب اوباما أمام إيباك».
عيّنة من ازدواجية التعامل الاميركي مع العرب ومع اسرائيل.
ربما كان من حق أوباما ان يسعى الى تجديد ولايته وان يكسب تصفيق جماعة «إيباك». لكن سلوك الليونة مع البلطجة الاسرائيلية، التي قامت بنشر «الحقائق الديموغرافية الجديدة» في أرجاء الضفة الغربية، في الوقت الذي يطلق اوباما الدعوات لكل من حسني مبارك وبن علي وبشار الاسد والقذافي وعلي عبدالله صالح للتوقف عن قمع شعوبهم او الرحيل، هذا السلوك لا يهدد فقط قوى الليبرالية والاعتدال في المنطقة، بل هو يعزز ايضاً الشكوك بصدق المواقف الغربية، عندما تتحدث عن رفض الظلم والوقوف الى جانب العدل، ولا تفعل ذلك في كل مكان في العالم.
المصدر
- مقال:أوباما والفرصة الضائعةالمركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات