أطفال الثورة يتظاهرون ضد الجوع والدروس الخصوصية
بقلم:سارة سند
إن كان هناك سمة مميزة لمظاهرات ثورة ٢٥ يناير منذ بدايتها، وحتى الآن، فلا شك أن السمة الأبرز ستكون وجود عدد كبير من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين عدة أشهر و١٢ عاما، يشاركون فى هذه التظاهرات مع ذويهم أو حتى بمفردهم.
فى قلب ميدان التحرير، يضيف الأطفال المتظاهرون مذاقا خاصا لليوم هناك، يمثلون جيلا جديدا يعى ويتابع منذ أعوامه الأولى أحوال البلاد، يعترضون ويرفضون ويعبرون عن ذلك بجمل بسيطة واضحة وصادقة.
عندما تسأل الطفل محمد على عن عمره، يجيبك بابتسامة لا تفارق وجهه «أولى تالت». الصغير الذى لا يعرف الفرق بين سنوات عمره السبع، ومرحلته الدراسية- يقول بجمل حاسمة «أنا جاى المظاهرة علشان بابا ما بيشتغلش، وأنا عايز بابا يشتغل علشان يجيب لنا أكل، البلد مش فيها شغل، لأن بابا راح اشتغل شوية فى محل شرايط وبعدين فى محل طرح واشتغل بعدهم فى محل كده يومين ومشى، وأنا عايز بابا يروح شغل علشان ناكل ونحوش ويبقى عندى إخوات، لأنى ما عنديش ولا أخ».
يقف محمد وسط ميدان التحرير ممسكا بعلم مصر يلوح به، يردد مع المتظاهرين هتاف «الشعب يريد إسقاط النظام».
«أنا جبت ولادى معايا المظاهرة علشان نفسى أشوفهم زى الشباب الأبطال اللى بيغيروا البلد» تقولها هدى رضا وهى تمسك بيمينها ابنها أحمد، الذى يبلغ من العمر ١١ عاما، ويلتقط أحمد طرف الحديث منها بثقة وهو يزيد على كلامها: «أنا جاى النهارده علشان أطالب بحقوق الناس اللى ماتوا، وعلشان حسنى مبارك ظلم مصر ٣٠ سنة، ونفسى كل الناس يروحوا بيوتهم فى سلام»، وعندما سألنا أحمد كيف يحكى بهذه الطلاقة عن تفاصيل أحداث الثورة فى مصر، يجيب: «عندى فى البيت ما بنتفرجش غير على القنوات الإخبارية، وبعدين أنا قاعد فى البلد وعارف، لما بامشى فى الشارع بتضايق من البلطجية اللى بييجوا يعتدوا على الناس، وفى ناس بيقولوا الأمن هو اللى خرجهم بأمر من مبارك بس أنا مش متأكد من المعلومة دى، وأحلى حاجة إن كل الناس هنا فى ميدان التحريرمع بعض إيد واحدة ومفيش فرق بين مسلم ومسيحى». وتكمل الأم حديثها «أنا ما بخافش على ابنى فى المظاهرة لأن محدش بيموت ناقص عمر، المهم إنهم يخافوا ربنا ويعملوا حاجة كويسة للبلد».
«أنا نزلت المظاهرة لأنى عايز أغير البلد، وكمان نفسى نتخلص من الحرامية اللى فيها» كلمات بدأ بها محمود أيمن– ١١ عاما– حديثه معنا، شارحا للجميع سبب نزوله للمظاهرة رغما عن والديه، يعمل محمود بجانب دراسته صبى جزار، ويحصل على يومية ١٠ جنيهات، لكنه لا يعجبه حاله أو حال أسرته ويرى أنه يستحق مستقبلا أفضل.
بجسده النحيل، وملابسه المتسخة بعض الشىء يهتف محمود مع الجماهير بكل قوته، يشكو حال التعليم الذى يضطره فيه المدرس غصبا الحصول على درس خصوصى، مع تهديد ووعيد له بالرسوب إذا لم يحصل على درس معه: «أنا أساسا بشتغل علشان أساعد أهلى وإخواتى، أجيب منين فلوس آخد بيها دروس خصوصية.. هو مش المفروض إن المدرس يشرح كويس فى المدرسة ؟»، سؤال يطرحه محمود وهو يواصل هتافه فى المظاهرة، يتحدث كالكبار عن تطهير البلد من الفاسدين، وعن أن المصريين يستحقون الأفضل لأنهم أبناء الفراعنة، يسأل بطريقة رجل عجوز «طب ليه أيام عبدالناصر والسادات كانت الناس مبسوطة أكتر؟»، ويرى محمود أن جيله أكثر وعيا من الأجيال السابقة: «والدى مرضيش ينزل المظاهرة، لأنه مش شايف حال البلد زى ما أنا شايفها، أنا حاسس بكل الحاجات الوحشة اللى فى البلد لأنى من الجيل الجديد اللى بيتابع كل حاجة».
على الرغم من مستواها المادى المرتفع حرصت السيدة سعاد محمد على اصطحاب ابنتها خديجة– ٦ أعوام– فى مظاهرات ميدان التحرير، وتفسر ذلك بقولها «نفسى ولادى يطلعوا أجرأ منى»، لا تخشى سعاد على ابنتها من المتظاهرين بل على العكس من ذلك ترى أن الوضع فى ميدان التحرير أكثر أمانا من عدة مناطق، توضح: «أنا جاية هنا أنا وولادى علشان أقول إننا عايزين مصر أحسن، وأعتقد إن شهادتى هتبقى مهمة لأنى معنديش مشاكل مادية، يعنى أنا مش طالبة وظيفة أو مدرسة كويسة لولادى لأنى ألحقتهم كلهم بمدارس خاصة»، أما طفلتها خديجة فلا تكف عن سؤالها طوال ساعات المظاهرة «هو فى حرامية هيدخلوا بيتنا يا ماما؟».
«أنا جاى علشان حسنى مبارك وحش وبيجيب ناس لابسة إسود علشان يضربونا» هكذا يلخص أحمد أسامة– ٩ سنوات– سبب مشاركته مع ذويه فى مظاهرات ميدان التحرير «أصل أنا بقيت بخاف وأنا ماشى فى الشارع من الناس اللى بتضربنا والحرامية، ولو قابلتهم هنا هاروح أضربهم وأقولهم يمشوا».
المصدر
- مقال:أطفال الثورة يتظاهرون ضد الجوع والدروس الخصوصيةجريدة المصرى اليوم