أحمد حسني يكتب .. المخابرات في أرض الصراع

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أحمد حسني يكتب .. المخابرات في أرض الصراع


(4 أبريل 2016)

  • س: هل من بين اختصاصات جهاز المخابرات العامة القيام بأعمال خدمية، ما سمح لها برعاية وتنظيم قوافل طبية وتموينية في محافظات أسيوط والمنيا وسوهاج، حسبما نشرت مواقع إلكترونية لصحف كبيرة خلال الأيام القليلة الماضية؟
ج: القانون رقم 100 لسنة 1971 بشأن تنظيم عمل المخابرات العامة، لم ينص على أيّة أدوار خدمية من نوعية تسيير مثل هذه القوافل، وحصر مهام الجهاز في الأعمال المخابراتية، بما يحافظ على سلامة وأمن الدولة وحفظ كيان نظامها السياسي، وذلك بوضع السياسة العامة للأمن وجمع الأخبار وفحصها وتوزيع المعلومات المتعلقة بسلامة الدولة.
وحتى المهام التي ينص القانون على التنسيق فيها بين المخابرات والجهاز الإداري للدولة، والهيئات والمؤسسات العامة والوحدات الاقتصادية التابعة لها، تتعلق جميعها بتحديد اعتبارات الأمن التي يجب توافرها فيمن يتداولون أي سر من أسرار الدولة.
  • س: هل تحل 3 قوافل طبية وتموينية، وربما أخرى قادمة للمخابرات، مشاكل الفقراء؟
ج: مشاكل الفقراء أكبر كثيرًا من أن تُحَلّ بقوافل طبية أو توزيع الزيت والسكر، بل تحتاج إلى إصلاح كامل للدولة، والقضاء على الفساد، والسعي بشكل حقيقي نحو التنمية.
  • س: وما الذي يجعل جهاز المخابرات يترك مهامه المنصوص عليها في القانون لحفظ الأمن القومي ويلتفت إلى مثل هذه الأعمال الخدمية أو الخيرية؟
ج: فتش عن الصراع الدائر بين مراكز القوى.

(1)

مع ثورة 25 يناير، وسقوط إمبراطورية عمر سليمان، تصدع الوضع في جهاز المخابرات العامة، وتقدمت المخابرات الحربية خطوات إلى الأمام؛ لتسد الفراغ الذي خلّفه ما يمكن وصفه بتمرّد رجال سليمان، عبر إنشاء وحدات تهتم بجمع المعلومات الداخلية وتقيس مؤشرات الرأي العام وتنسق مع السياسيين، إلى جانب مهمتها الرئيسية في الاستطلاع الحربي.

وزاد تصدّع المخابرات العامة مع وصول الإخوان إلى الحكم، ومحاولتهم السيطرة على الجهاز الأمني الأهم في مصر، والسعي لتخريبه، وفقا لما ذكره تقرير لجنة حصر أموال جماعة الإخوان، التي يرأسها المستشار عزت خميس، في 24 يناير الماضي.

ومع تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي السلطة في يونيو 2014، اعتمدت الرئاسة بصورة كبيرة على جهاز المخابرات الحربية في جمع المعلومات وقياسات الرأي العام، خاصة أن الأمن الوطني كان وما زال يعاني من التدهور، وجهاز المخابرات العامة كانت تضربه المشكلات، ورحل نحو 69 من قياداته عنه، إما بقرارات جمهورية بتغيير مواقعهم، أو بالخروج من الخدمة بناء على طلبهم، وفقا لما نشرته الجريدة الرسمية.

وفي نهاية 2014، تم تصعيد اللواء خالد فوزي ليتولى رئاسة المخابرات، بتزكية من اللواء عباس كامل، مدير مكتب الرئيس، وبدأ التعامل مع المسألة على أنه من الطبيعي أن تعود المهام التي أوكلت للمخابرات الحربية بعد الثورة، مثل جمع المعلومات الداخلية وتقييم الوضع السياسي وقياس الرأي العام، والتواصل مع القوى السياسية، إلى المخابرات العامة؛ لأن النظام تلاحقه اتهامات بـ"عسكرة الحكم"، و"إقحام الجيش في المجال العام".

وباستثناء التواصل مع القوى السياسية، ظلت المخابرات الحربية تسجل وتكتب ما يدور، ترصد ردود الفعل المختلفة على إخفاقات الرئيس، وتدوِّن تراجع شعبيته، وتمارس مهامها الجديدة دون تراجع، فمن يظن أنه من الممكن أن يتراجع الجهاز الذي يستمد قوته من تبعيّته للمؤسسة الأهم في البلد، عن أرضه الجديدة، مخطئ.

واستبدال مؤسسة الرئاسة، المخابرات الحربية بنظيرتها العامة فى التواصل مع القوى السياسية، ومهام التغلغل في المجال العام، لا ينفي تهمة "عسكرة الحكم"، فالاتهام لا يزول بتغيير لافتة الجهاز الأمني الذي يتدخل في العمل السياسي، في النهاية هم جنرالات، وليس من اختصاصهم قانونيًّا ولا سياسيًّا أن يتدخلوا في المجال العام، طالما ظلوا في مواقعهم.

أدار عباس كامل – بالاستعانة بالمخابرات العامة – العملية الانتخابية، لتفصيل برلمان على مقاسهم، وفقًا لما ذكره الدكتور حازم عبد العظيم، عضو الحملة الانتخابية للسيسي، وما ورد في موقع "مدى مصر" ضمن تحقيق "هكذا انتخب السيسي برلمانه".

سجل ما تشاء من ملاحظات سلبية على أداء جهاز المخابرات الحربية، فأنا أيضا لي الملاحظات ذاتها، لكن طموح المخابرات العامة في أن يصعد أحد أبنائها إلى كرسي الحكم، هو ما يحرك جنرالاتها الآن، وربما وجدوا أن ذلك يتطلب منهم التغلغل في المجال العام والسياسي، والسعي لبناء ظهير شعبي بالقوافل الطبية، وتوزيع الزيت والسكر، وغيرها من الأعمال الخدمية.

باختصار، جنرالات المخابرات العامة بدأوا التحرك لترتيب وضعهم في مرحلة ما بعد السيسي، أيا كان مصير حكمه، هل سيكمل مدته الأولى وينتقل إلى الثانية أم لا؟، فالبلد ما زالت مفتوحة على كل الاحتمالات منذ 2011.

(2)

تحولت أزمة النائب السابق توفيق عكاشة إلى ذكرى، دون الإجابة عن سؤال مهم، من وراء تصعيد الأمور هكذا في أيام قليلة؟ رغم أن "عكاشة" قال إنه استشار الأجهزة الأمنية قبل لقاء السفير الإسرائيلي، وهل جهاز المخابرات العامة كان بعيدًا عن هذه الأزمة؟

سعيت للحصول على إجابة واضحة، لكن إجابات المصادر كانت متضاربة، البرلماني منها من أكد أن "عكاشة" زعم أن الأجهزة الأمنية وافقت على اللقاء، وهذا غير صحيح، وأن الرجل حسب المسألة بشكل خاطئ، وكان يظن أن علانية اللقاء ستحميه، وهي بالفعل حمته من أي اتهام بالتخابر فيما بعد، لكنها انتهت بإسقاط عضويته فى البرلمان.

أحد المقربين من توفيق عكاشة قال إنه استشار قيادة أمنية بالفعل، لكن اللواء عباس كامل أراد تأديبه لأنه تطاول عليه في التليفزيون، واستعانت المخابرات بالنائب السكندري كمال أحمد، باعتباره من كبار النواب سنًّا، وله توجهات ناصرية، وعلاقته قديمة بالجهاز، فكانت واقعة الحذاء.

الحديث عن النائب كمال أحمد باعتباره أحد رجال المخابرات أمر له ظل من الواقع، فالتاريخ السياسي يحمل رواية عن خطة أعدتها المخابرات العامة للانقلاب على الرئيس الراحل أنور السادات، بعدما تردّد أنه يريد توصيل مياه النيل إلى إسرائيل، وكانت الخطة التى تولى ضابط المخابرات السابق محمود نور الدين تنفيذ جزء منها، تعتمد على تحركات للفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس الأركان الأسبق، من منفاه بالجزائر، إضافة إلى تحركات النائب البرلماني الشاب كمال أحمد، وكان مكلّفًا بقيادة تحرك شعبي من داخل البرلمان لتأييد الانقلاب المخابراتي.

ورغم أنه ليس هناك ما يجزم بحقيقة تخطيط المخابرات للانقلاب على السادات، إلا أن كتاب "حروب المياه.. الصراعات القادمة في الشرق الأوسط"، للكاتبين: الإنجليزي جون بلوك والمصري عادل درويش، الصادر في لندن 1993، والذي ترجمه المجلس الأعلى للثقافة في 1998، أشار إلى الواقعة.

(3)

التمدد المخابراتي في الإعلام، انتقل بعد الثورة من التواصل مع الإعلاميين والسيطرة عليهم، إلى اقتحام السوق والسعي لاحتكار الجزء الأكبر منه، والتضييق على وسائل الإعلام، خاصة الصحف في المطابع، فلم تعد هناك صحيفة خاصة لا تتعرض للمنع من الطباعة مرتين على الأقل كل أسبوع، ويضطر مسؤولوها لتغيير الموضوعات التي تعطلت بسببها الطباعة، بخلاف التعليمات التي تصل مسؤولي هذه الصحف بعدم تغطية أخبار معينة.

ووفقا للمعلومات المتاحة، تسعى المخابرات لغزو السوق الإعلامية والسيطرة عليها، عبر شركتين، الأولى هي "دي ميديا" التي يرأس مجلس إدارتها رجل الأعمال المهندس طارق إسماعيل، وأطلقت موقع "مبتدا" و"راديو 90 90″، وتستعد لإطلاق قناة DMC، وشركة "بلاك آند وايت" التي يرأس مجلس إدارتها ياسر سليم، واستحوذت على حقوق التسويق والإعلان لـ"مؤسسة اليوم السابع" في 2014، بالشراكة مع "بروموميديا"، واشترت كل أسهم موقع "دوت مصر" قبل شهور، وتنتج مع التليفزيون برنامج "أنا مصر"، ليكون أضخم برامج الـ"توك شو"، وهي الآن تنتج مسلسل "الأستاذ بلبل وحرمه" بطولة فتحي عبدالوهاب ورانيا فريد شوقي.

المعلومات تؤكد أن "بلاك آند وايت" تسعى للسيطرة على وسائل الإعلام الممولة من الخارج، خاصة الإمارات، وتستعد أيضًا للدخول في تعاون أكبر مع ماسبيرو، كل ذلك في عامين أو ثلاثة فقط منذ انطلاق موقع "مبتدا" و"راديو 90 90″.

المسألة لا تقتصر على أن هناك جهازًا أمنيًّا له نشاطات استثمارية، فالمخابرات العامة لها نشاطات استثمارية منذ سنوات بعيدة، وفي مجالات كثيرة، لكن أن تكون في الإعلام وبهذا التوسّع، فعلينا أن نسأل عن السبب، خاصة أن الإعلام لم يعد مربحًا اقتصاديًّا كما كان، وباتت صناعته تتكلف الكثير في سوق تعاني أزمات طاحنة.

إن كان جنرالات المخابرات قد قرروا اقتحام المجال العام والسعي للاستحواذ على جزء كبير من السوق الإعلامية، فمن حقنا أن نسأل: لماذا؟ ومن حقنا أيضًا أن نعترض على هذا التدخل، طالما أنه محميّ بقول السلطة ونفوذ الكرسي، لكن من يجرؤ على الكلام؟.

المصدر