أبو الأعلى المودودي ... الداعية المناضل

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أبو الأعلى المودودي ... الداعية المناضل

إسلام أون لاين

مقدمة

يعد أبو الأعلى المودودي نموذجًا فريدًا للداعية الإسلامي المجتهد الذي أوقف حياته على الدعوة إلى الإسلام، وجعل رسالته في الحياة إعلاءَ كلمة الحق، والتمكين للإسلام في قلوب أتباعه قبل ربوعه وأوطانه.

وكان لإخلاصه في دعوته واجتهاده في رسالته أكبر الأثر في التفاف الكثيرين حوله، وانضوائهم تحت لواء فكره الذي تخطى حدود القومية ونطاق المكان؛ ليصبح راعية عالميًا للإسلام في كل مكان، بل إن أعماله ومؤلفاته قد انطلقت لتتخطى حدود المكان وتتجاوز إسار اللغة، فترجمت إلى معظم لغات العالم؛ لتظل ينبوعًا متجددًا لعطائه الفكري والدعوي الذي تجاوز مرحلة الدعوة باللسان والتنظير الفكري إلى مجال التطبيق العملي للتشريع الإسلامي حكمًا وقيادة ومعاملات.

أسرته ونشأته

الإمام المودودى

ينتمي أبو الأعلى المودودي إلى أسرة تمتد جذورها إلى شبه جزيرة العرب، فقد هاجرت أسرته منذ أكثر من ألف عام إلى جشت بالقرب من مدينة هراة، ثم رحل جده الأكبر "ضواجه مودود" إلى الهند في أواخر القرن التاسع الهجري.

وكان أبوه سيد أحمد حسن مودود الذي ولد في دهلي بالهند سنة (1266 هـ = 1850م) واحدًا من طلاب جامعة عليكرة، وقد عمل مدرسًا، ثم عمل بالمحاماة، وفي (3 من رجب 1321 هـ = 25 من سبتمبر 1903م) رزق بابنه "أبو الأعلى المودودي"، وبعد ذلك بنحو عام اعتزل الأب الناس، ومال إلى الزهد، فنشأ أبو الأعلى في ذلك الجو الصوفي، وتفتحت عيناه على تلك الحياة التي تفيض بالزهد والورع والتقوى.

وقضى أبو الأعلى طفولته الأولى في مسقط رأسه في مدينة "أورنك آباد الدكن"، بمقاطعة حيدر آباد، وكان أبوه هو معلمه الأول، وقد حرص أبوه على تنشئته تنشئة دينية، واهتم بتلقينه قصص الأنبياء والتاريخ الإسلامي، وكان يصحبه إلى مجالس أصدقائه من رجال الدين والعلماء؛ فتفتحت ملكاته وظهر نبوغه وذكاؤه منذ حداثة سنه، ونال إعجاب أساتذته منذ سنوات دراسته الأولى.

وحرص أبوه على تعليمه اللغة العربية والفارسية بالإضافة إلى الفقه والحديث، وأقبل المودودي على التعليم بجد واهتمام حتى اجتاز امتحان مولوي، وهو ما يعادل الليسانس.

أبو الأعلى المودودي صحفيًا

وفي هذه الأثناء أصيب الأب بالشلل، وأصبح قعيدًا بلا حراك، وضاقت سبل العيش بالأسرة والأبناء، فكان على المودودي أن يكافح من أجل لقمة العيش، وقد وهبه الله ملكة الكتابة التي صقلها بالقراءة والمطالعة، فقرر أبو الأعلى أن يجعل من قلمه وسيلة للرزق، وكان أخوه الأكبر "سيد أبو الخير" مديرًا لتحرير جريدة مدينة بجنور، فعمل المودودي محررً بالجريدة، إلا إنه لم يستمر طويلا بها، فقد أغلقت الحكومة الجريدة، فانتقل بعد ذلك إلى جريد تاج التي كانت تصدر أسبوعية من جبلبور، ثم أصبحت تصدر يومية.

وكان من نتيجة عمله بالصحافة أن سعى المودودي إلى تعلم اللغة الإنجليزية حتى أتقنها، وصار بإمكانه الاطلاع على كتب التاريخ والفلسفة والاجتماع ومقارنة الأديان في الإنجليزية دون أية صعوبة في فهمها واستيعابها.

وما لبثت الحكومة أن أغلقت تلك الجريدة، فعاد المودودي إلى "دهلي" واشترك مع مدير جمعية علماء الهند في إصدار جريدة مسلم، وصار مديرًا لتحريرها لمدة ثلاث سنوات حتى أغلقت عام (1341 هـ = 1922م) فانتقل إلى بهو بال، ثم عاد مرة أخرى إلى دهلي سنة (1342 هـ = 1923م)؛ حيث تولى الإشراف على إصدار جريدة تصدرها جمعية علماء الهند تحمل اسم الجمعية، وظل يتحمل وحده عبء إصدارها حتى سنة (1347 هـ = 1928م).

مع شاعر الإسلام محمد إقبال

وفي ذلك العام أتم كتابه "الجهاد في الإسلام" الذي حقق شهرة عالمية، وقد كتبه ردًا على مزاعم غاندي التي يدعي فيها أن الإسلام انتشر بحد السيف.

وفي عام (1351 هـ = 1932م) أصدر كتاب " ترجمان القرآن " من حيدر آباد الركن، وكان شعارها:

"احملوا أيها المسلمون، دعوة القرآن وانهضوا وحلقوا فوق العالم".

وكان تأثير المودودي عبر ترجمان القرآن من أهم العوامل التي ساعدت على انتشار التيار الإسلامي في الهند، وزيادة قوته، وقد تبلور ذلك في حزب الرابطة الإسلامية، وتأكد ذلك في دعوته في المؤتمر الذي عقد في لنكو سنة (1356هـ = 1937م) إلى الاستقلال الذاتي للولايات ذات الأغلبية الإسلامية.

ونتيجة لشهرة المودودي واتساع دائرة تأثيره الفكري في العالم الإسلامي، دعاه المفكر والفيلسوف محمد إقبال في سنة (1356 هـ = 1937م) إلى لاهور ليمارس نشاطه الإسلامي البارز بها، فلبى المودودي دعوة إقبال.

وعندما توفي إقبال في العام التالي (1357 هـ = 1938م) تاركًا فراغًا كبيرًا في مجال الفكر والدعوة اتجهت الأنظار إلى المودودي ليملأ هذا الفراغ الذي ظهر بعد رحيل إقبال.

تأسيس الجماعة الإسلامية في لاهور

وبدأ المودودي حركته الإسلامية التي تهدف إلى تعميق الإسلام لدى طبقة المفكرين المسلمين والدعوة إلى الإسلام، حتى أسس الجماعة الإسلامية في لاهور، وتم انتخابه أميرًا لها في (3 من شعبان 1360 هـ = 26 من أغسطس 1941م).

وبعد ذلك بعامين في (1362 هـ = 1943م) نقلت الجماعة الإسلامية مركزها الرئيسي من لاهور إلى دار السلام، إحدى قرى بتها نكوت – وكان المودودي طوال هذه الفترة لا يكف عن الكتابة والتأليف، فأصدر عدة كتب من أهمها: المصطلحات الأربعة الأساسية في القرآن، والإسلام والجاهلية، ودين الحق، والأسس الأخلاقية الإسلامية، وغيرها.

ومع إعلان قيام دولة باكستان في (11 من شوال 1366 هـ = 28 من أغسطس 1947م)، انتقل المودودي مع زملائه إلى لاهور؛ حيث أسس مقر الجماعة الإسلامية بها، وفي صفر 1367 هـ = يناير 1948م، بعد قيام باكستان بنحو خمسة أشهر، ألقى المودودي أول خطاب له في كلية الحقوق، وطالب بتشكيل النظام الباكستاني طبقًا للقانون الإسلامي.

وظل المودودي يلح على مطالبة الحكومة بهذا المطلب، فألقى خطابًا آخر في اجتماع عام بكراتشي في (ربيع الآخر 1367 هـ = مارس 1948م) تحت عنوان "المطالبة الإسلامية بالنظام الإسلامي".

اعتقال المودودي

وبدأت الجماعة الإسلامية في الضغط على الحكومة ومجلس سن القوانين للموافقة على المطالب التي قدمها المودودي بجعل القانون الأساسي لباكستان هو الشريعة الإسلامية، وأن تقوم الحكومة الباكستانية بتحديد سلطتها طبقا لحدود الشريعة.

وحينما عجزت الحكومة عن الرد على تلك المطالب قامت في غرة ذي الحجة 1367 هـ = 4 من أكتوبر 1948م، باعتقال المودودي وعدد من قادة الجماعة الإسلامية، ولكن ذلك لم يصرف المودودي وبقية أعضاء الحركة من الاستمرار في المطالبة بتطبيق النظام الإسلامي، وأظهر الشعب تعاونه الكامل مع الجماعة في مطالبها حتى اضطرت الحكومة إلى الموافقة على قرار الأهداف الذي يحدد الوجهة الإسلامية الصحيحة لباكستان في (13 من جمادى الأولى 1368 هـ = 12 من مارس 1949م).

وبعد ذلك بنحو عام (11 من شعبان 1369 هـ = 28 من مايو 1950م) اضطرت الحكومة إلى إطلاق سراح "المودودي" وزملائه.

وبدأت الجماعة الإسلامية دراسة قرار الأهداف الموضوعة في حيز التنفيذ، وفي الوقت نفسه كانت الحكومة – التي أقلقها مطالب الشعب – تسعى إلى وضع مقترحاتها الدستورية، وأعطت لنفسها سلطات واسعة للسيطرة على الرعية؛ فقام المودودي بإلقاء خطاب في اجتماع عام بلاهور في (3 من المحرم 1370 هـ = 14 من أكتوبر 1950م)، قام فيه بتوجيه النقد إلى تلك المقترحات التي تمهد الطريق للديكتاتورية؛ فثار الرأي العام مما اضطر الحكومة إلى التراجع، وتحدت علماء الجماعة الإسلامية، في أن يجتمعوا على ترتيب مسودة دستور إسلامي، وقبل العلماء التحدي؛ فاجتمع (31) عالمًا يمثلون الفرق المختلفة في (13 من ربيع الآخر 1370 هـ = 21 من يناير 1951م) بمدينة كراتشي، واشترك المودودي معهم في صياغة النقاط الدستورية التي اتفقوا

عليها، ولكن الحكومة قابلت المقترحات الدستورية التي تقدمت بها الجبهة الإسلامية بالصمت، وإزاء ذلك قامت الحركة الإسلامية بعقد عدة اجتماعات شعبية، فقامت الحكومة بإعلان الأحكام العسكرية في "لاهور" في (20 من جمادى الآخر 1372 هـ = 6 من مارس 1953م)، وفي (13 من رجب 1372 هـ = 28 من مارس 1953م) تم اعتقال المودودي للمرة الثانية مع اثنين من زملائه دون توضيح أسباب هذا الاعتقال، ثم أطلق سراحهم بعد نحو شهر ونصف في (23 من شعبان 1372 هـ = 7 من مايو 1953م)، ولكن ما لبث أن تم اعتقالهم مرة أخرى في اليوم التالي مباشرة.

الحكم بإعدام المودودي

وبعد أربعة أيام فقط من اعتقاله حكم عليه بالإعدام، وهو ما أدى إلى حدوث ثورة من الغضب الشديد في معظم أنحاء العالم الإسلامي، وتوالت البرقيات من كل مكان تشجب هذا الحكم، حتى اضطرت الحكومة إلى تخفيف حكم الإعدام، والحكم عليه بالسجن مدى الحياة، ولكن ردود الفعل الرافضة لهذا الحكم أدت إلى إصدار حكم بالعفو عن المودودي في (1374 هـ = 1955م).

ومع بداية عام (1375 هـ = 1956) رضخت الحكومة لمطالب الشعب بإصدار دستور إسلامي للبلاد، ولكن ما لبثت أن أعلنت عن دستور جديد في (1382 هـ = 1963م).

ثم أصدرت قرارًا بحظر نشاط الجماعة، وتم اعتقال المودودي و (63) من زملائه، ولكن القضاء أصدر حكمًا ببطلان الخطر والاعتقال، وأطلق سراح المودودي وزملائه في (جمادى الآخر 1384 هـ = أكتوبر 1964م).

التأثير الجماهيري للمودودي

الإمام المودودى

وعندما قامت الحرب بين باكستان والهند في جمادى الأولى 1385 هـ = سبتمبر 1965م، كان للمودودي والجماعة الإسلامية دور بارز في الشحذ المعنوي للجماهير ومساعدة مهاجري الحرب، كما ساهمت الجماعة بشكل إيجابي في الإمداد الطبي، فأقامت نحو عشرين مركزًا للإمداد الطبي في آزار كشمير، وألقى المودودي عدة خطابات عن الجهاد.

وفي رمضان 1386 هـ = يناير 1967م، قامت الحكومة باعتقال المودودي لمدة شهرين، وبعد أن أطلق سراحه ظل يمارس دوره الدعوي في شجاعة وإيمان، فكان من أبرز دعاة الحرية والوحدة، وظل يحذر الشعب من مساندة الجماعات الانفصالية حتى لا ينقسم الوطن، ويقع في حرب أهلية لا يعلم مداها إلا الله.

وفي رمضان 1392 هـ = نوفمبر 1972م، بعد نحو ثلاثين عامًا من الكفاح الطويل – طلب المودودي إعفاءه من منصبه كأمير للجماعة الإسلامية لأسباب صحية، وانصرف إلى البحث والكتابة؛ فأكمل تفهيم القرآن، وشرع في كتابة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي عام 1399 هـ = 1979م فاز المودودي بجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام؛ فكان أول من حصل على تلك الجائزة تقديرًا لجهوده المخلصة في مجال خدمة الإسلام والمسلمين.

وهو صاحب فكرة ومشروع إنشاء الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وبعد إنشائها، صار عضوا في مجلس الجامعة.

وكان عضوا مؤسسا في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي.

مؤلفاته

بلغ عدد مؤلفات المودودي (70) مصنفًا ما بين كتاب ورسالة، ومن أبرز تلك المؤلفات:

1- الجهاد في الإسلام: وقد ألفه سنة (1347 هـ = 1928م).

2- الحضارة الإسلامية (أصولها ومبادئها): وقد كتبه سنة (1350 هـ = 1932م).

3- نظرية الإسلام السياسية: كتبه سنة (1358 هـ = 1939م)

4- تجديد وإحياء الدين: كتبه سنة (1359 هـ = 1940م).

5- الاصطلاحات الأربعة الأساسية في القرآن: كتبه سنة (1360 هـ = 1940م).

6- الإسلام والجاهلية: كتبه سنة (1360 هـ = 1941م).

7- الأسس الأخلاقية للحركة الإسلامية: كتبه سنة (1364 هـ = 1945م).

8- الدين الحق: كتبه سنة (1366 هـ = 1947م).

9- نظام الحياة الإسلامي: كتبه سنة (1367 هـ = 1948م)

10-حقوق أهل الذمة: كتبه سنة (1367 هـ = 1948م).

11-مطالب الإسلام تجاه المرأة المسلمة: كتبه سنة (1372 هـ = 1953م).

12-قضية القاديانية: كتبه سنة (1372 هـ = 1953م)

13-تفسير تفهيم القرآن: ويقع في ستة أجزاء، وقد بدأ كتابته سنة (1360 هـ = 1941م)، وأتمه في سنة (1392هـ = 1972م).

14-سيرة النبي صلى الله عليه وسلم : وقد شرع في تأليفه سنة (1392 هـ = 1972م)، وأتمه قبيل وفاته، وهو آخر مؤلفاته.

وقد حظيت مؤلفات المودودي بشهرة عريضة في جميع أنحاء العالم ولقيت قبولا واسعًا في قلوب المسلمين في شتى البقاع؛ فترجم الكثير منها إلى العديد من اللغات، حتى بلغ عدد اللغات التي ترجمت مصنفات المودودي إليها ست عشرة لغة، منها: الإنجليزية، والعربية، والألمانية، والفرنسية، والهندية، والبنغالية، والتركية، والسندية…، ونالت استحسان ورضى المسلمين على شتى مستوياتهم واتجاهاتهم.

وانطفأ المصباح

وفي (غرة ذي القعدة 1399 هـ = 22 من سبتمبر 1979م) انطفأت تلك الجذوة التي أضاءت الطريق إلى الرشد والهداية لكثير من المسلمين، ورحل المودودي عن عالمنا إلى رحاب ربه، ولكنه بقي بأفكاره وتعاليمه ومؤلفاته الجليلة ليظل قدوة للدعاة على مر العصور، ونبعًا صافيًا من منابع الإسلام الصافي والعقيدة الخالصة.

المصدر