الإنفجار الشامل
الانفجار الشامل
لقد نجح النظام فعلاً في تفجير المجتمع السوريّ، وحمّل الجماعة مسؤولية هذا التفجير، الذي كان وقوده شرائح مختلفةً من أبناء الشعب، الذين اتّبع هذا النظام معهم سياسة الأرض المحروقة، فوجد المجتمع نفسه أمام حرب إبادةٍ طاحنة، تدور رحاها تحت سمع القوى الدولية الفاعلة وبصرها، وبغطاء الصمت الذي مارسه المجتمع الدولي، وقد أدّت سياسة القمع والإرهاب والحقد التي كانت تتم في أقباء السجون، وتصفية بعض المعتقلين من علماء ومثقّفين، إلى أن يرى المواطن السوري نفسه بين خيارين اثنين: إما أن يموت تحت سياط الجلادين فيما لو وقع في قبضة أجهزة الأمن القمعية، أو أن يدافع عن نفسه بما يصل إلى يديه من وسائل الدفاع!.. وبذلك اختار الشعب خيار الدفاع عن النفس ومواجهة سياسات البطش، واختارت الحركة الإسلامية لنفسها موقف الثبات على المبدأ، والإصرار على نَيل حقوق الشعب الإنسانية والمدنية والسياسية!.. علماً بأنّ القمع لم يقتصر على جماعة الإخوان المسلمين وحدها، بل شمل أطراف المعارضة كلها، من إسلاميةٍ وقوميةٍ ويسارية، لكنّ حظ الجماعة والإسلاميين من القمع كان الأضخم والأشدّ قسوة!..
وللتدليل على عمق الكارثة التي أخذت تنذر بالانفجار الشامل، وسعي بعض الشرفاء في الوطن -عبثاً- لاستدراك ما يمكن استدراكه، نعيد إلى الأذهان الحقائق التاريخية التالية:
1- ما سطّره نقيب المحامين السوريين، في مذكّرةٍ خاصةٍ إلى المسؤولين في النظام الحاكم بتاريخ (17/8/1978م)، التي تضمنت مطالب عدة، أهمها: (.. توفير مناخ الحرية وسيادة القانون، وإطلاق سراح الموقوفين دون مذكّراتٍ قضائية، أو إحالتهم إلى القضاء..).
2- صدور القرار رقم (2) بتاريخ (1/12/1978م) عن المؤتمر العام للمحامين في سورية، الذي (يكلِف بموجبه مجلسَ النقابة، بمقابلة رئيس الجمهورية، للمطالبة بإنهاء حالة الطوارئ في البلاد، وللتأكيد على مبادئ الحرية وسيادة القانون..).
3- صدور بيان مجلس نقابة المحامين في سورية بتاريخ (29/9/1979م) جاء فيه: (إنّ ممارسات النظام نشرت جوّ الهلع والخوف والقلق، وأخلّت بميزان الأمن، وانتهكت حريات الأفراد والجماعات، واستباحت حُرُمات المنازل، فأصبحت أرواح المواطنين عرضةً للإزهاق على يد سلطات الأمن، وباتت شرعة الرهائن وتهديم البيوت وسيلة تأديبٍ جماعية، حتى امتلأت السجون بالرجال والنساء والأطفال، وبالأعداد الضخمة من صفوف المثقّفين، كالأطباء والمحامين والمهندسين والمدرّسين..)!..
4- اجتماع العلماء والمشايخ في بعض المحافظات (حلب، حماة، حمص،..) للتداول في شؤون المسلمين، إذ قرروا في حلب اللقاء مع المحافظ، ليطلبوا منه بعض المطالب، على رأسها الإفراج عن النساء المسلمات المعتقلات، اللواتي يتعرّضن في سجون النظام للإهانة والاعتداء والتعذيب والاضطهاد، فرفض المحافظ مقابلتهم، ما أدى إلى سخط أهل الرأي في المدينة.
5- اندلاع تظاهراتٍ نسائيةٍ في حلب بتاريخ (6/11/1979م)، وفي حمص بتاريخ (15/7/1981م) وبتاريخ (14/11/1981م).. وذلك للمطالبة بالإفراج عن أزواجهن وإخوانهن وأبنائهن وبناتهن!.. وكانت هذه التظاهرات النسائية للنساء المسلمات المحجّبات.. من ردود الأفعال غير المعهودة في تاريخ سورية!..
6- صدور قرار الهيئة العامة لمحامي حلب، الذي يدعو إلى الإضراب العام في يوم (1/3/1980م).
7- صدور قرار نقابة المحامين في سورية، الذي يدعو إلى الإضراب العام في يوم الاثنين بتاريخ (31/3/1980م)، بعد فشل كل وسائل المراجعة للمسؤولين في النظام الحاكم، لتنفيذ مبدأ سيادة القانون، واحترام الحقوق المدنية والإنسانية للمواطن السوري.
8- تنفيذ إضرابٍ عامٍ دعت إليه نقابة المحامين، بتاريخ (31/3/1980م)، واستجابت له النقابات المهنية الأخرى، وكل فئات الشعب السوري في معظم المحافظات، وقد كان الإضراب تتويجاً لشهرٍ من الأحداث الهامة، منها انعقاد المؤتمرات العامة للنقابات العلمية المهنية (الأطباء والصيادلة والمهندسين والمحامين)، وإصدارها بياناتٍ وقراراتٍ مندّدة بسياسات النظام الحاكم وممارساته القمعية، ومطالبتها له بإطلاق الحريات العامة، وإلغاء حالة الطوارئ، والإفراج عن المعتقلين، وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص!.. وقد سبق هذا الإضراب العام.. إضراب عام في (حماة) بدأ بتاريخ (23/2/1980م)، وفي (حلب) بدأ بتاريخ (1/3/1980م).
إصرار النظام على دفع الأمور للانفجار
نعيد إلى الأذهان أيضاً، أنّ الإخوان المسلمين ليسوا تنظيماً مسلّحاً، والمواجهة المسلّحة مع خصومهم ليست من منهجهم، فهم جماعة مسلمة ترى أنّ الحوار هو الوسيلة الأساس لتحقيق الأهداف، التي تنشد من تحقيقها خير الفرد والمجتمع والوطن والدولة (انظر المادة 3 من النظام الأساسي للجماعة).. لكنّ النظام السوري أوصد كل منافذ الحوار، وقبل ذلك بأكثر من عقدٍ من الزمن -كما ذكرنا آنفاً- قام بخطواتٍ منهجيةٍ استئصالية ضد أبناء الجماعة، وضد كل مَن يخالفه الرأي من الإسلاميين أو غيرهم من الوطنيين، مستخدماً في ذلك أساليب القمع والسحق والإقصاء والتمييز الطائفيّ العنصريّ، ووضَع الشعب -ومعهم الإخوان المسلمين- أمام خيارٍ صعب: إما الإذعان للظلم والخضوع للطغيان، أو الرفض وتحمّل تبعاته، وقد كانت غطرسة النظام وولعه في إهدار الدماء والأرواح.. أضخم عائقٍ في طريق حقن الدماء، ودَفْع عواقب الاضطهاد والكراهية، وعندما اختار الشعب المقهور مقاومة الاستبداد والاضطهاد بعد أكثر من عقدٍ من ممارسات النظام القمعية، كانت جماعة الإخوان المسلمين جزءاً من الانتفاضة الشعبية العارمة التي وقفت في وجه الطغيان والتمييز غير الوطني، دفاعاً عن أبناء الشعب كلهم، ودفاعاً عن حقوق المواطن السوريّ بشكلٍ عام !..
وقد مارس النظام قمعه وسحقه قبل أن تُطلَقَ طلقة واحدة في وجهه بسنواتٍ طويلة، وكانت مجازره العلنية التي اقترفها في الثمانينيات، كمجازر تدمر وحماة وجسر الشغور وحلب وحمص ودمشق وسرمدا و.. كانت الصفحة الأخرى لمجازره السرّية الصامتة التي ارتكبها في الستينيات والسبعينيات، إذ كان يصنّف خصومه السياسيين، في خانة (الثورة المضادة) التي ينبغي استئصالها، وما خطاب الضابط (حافظ الأسد) في الستينيات في ثكنة (الشرفة) في حماة، إلا الدليل الواضح على ذلك، فقد قال وقتئذٍ: (سنصفّي خصومنا جسدياً)، وذلك قبل أن يقفز إلى السلطة بسنوات!..
يضاف إلى ذلك خطاب رفعت أسد شقيق الرئيس في المؤتمر القطري السابع 29/12/1979- 6/1/1980م جاء فيه قوله: (إن ستالين – أيها الرفاق – قضى على عشرة ملايين إنسان في سبيل الثورة الشيوعية، واضعاً في حسابه شيئاً واحداً فقط، هو التعصب للحزب ونظرية الحزب. فالأمم التي نريد أن تعيش أو أن تبقى، تحتاج إلى رجل متعصب ونظرية متعصبة).. كل ذلك قاد إلى حالة الاحتقان القصوى، ثم إلى تفجّر الصراع المسلّح الدمويّ الذي اكتوى بناره أبناء الوطن كلهم!..
مع ذلك، فقد دأبت الجماعة في كل مرحلة، على أن تعثر على مخرجٍ للأزمة بالحوار البنّاء المسؤول، الذي يضع مصلحة الوطن والشعب فوق كل اعتبار، لكنّ صدى الكلمات كان يضيع أمام تعنّت النظام، الذي أغلق -وما يزال- كل منفذٍ للحوار!..
في هذه المرحلة التاريخية (1979-1982م)، يمكننا أن نُجمل أبرز الأحداث التي وقعت، ودفع بها النظام الحاكم سوريةَ إلى مرحلة الانفجار الشامل:
1- ابتداع طرقٍ قمعيةٍ في مداهمة البيوت وملاحقة المطلوبين، وذلك باحتلال تلك البيوت، والإقامة مع النساء والأطفال، ونهب المتاع والمال والذهب والمكتبات، والضغط على الأعراض، واعتقال الزوّار، وكذلك اعتقال ذوي الملاحقين (آباء وأمهات وأبناء وبنات وإخوة وأخوات..) رهائن لدى الأجهزة الأمنية، حتى يسلّم المواطن المطلوب نفسه، وفي كثيرٍ من الأحيان، كانوا يحتفظون ببعض ذوي المطلوب رهن الاعتقال حتى لو اعتقلوه!..
2- استمرار تنفيذ سياسات الإقصاء والإقالة بحق المدرّسين وأساتذة الجامعات والعسكريين، كتسريح أكثر من مئةٍ وتسعين مدرّساً ومعلّماً من مختلف المحافظات السورية (المرسوم رقم 176 بتاريخ 22/2/1980م)، وتسريح ستة عشر مهندساً عسكرياً من الدورة العسكرية رقم (124) بتاريخ (18/8/1980م).
3- استمرار هجرة الأدمغة من مختلف الاختصاصات خارج القطر، نتيجة التضييق والضغط واضطهاد المؤسسات الشعبية كالنقابات العلمية المهنية، وقد ذكرت إحدى صحف النظام (البعث) بتاريخ (17/3/1980م)، أنّ (أربعة عشر ألفاً) من خريجي الجامعات السورية، قد غادروا البلاد خلال السبعينيات، وأنه قد غادرها أيضاً (5668) طبيباً ومهندساً وعالم طبيعةٍ واجتماع، خلال خمس سنوات (من 1970-1975م)!..
4- تكثيف الاعتقالات على الشبهة، بحق كل مَن يُشَك بانتمائه إلى الجماعة، أو مَن يتعاطف معها، وامتدت الاعتقالات إلى كل الفئات السياسية المعارضة لممارسات النظام، لإشاعة جوٍ من الرعب والخوف في صفوف المواطنين.
5- تنفيذ حكم الإعدام بحق خمسة عشر أخاً مسلماً، بتاريخ (28/6/1979م)، ومنهم الشهداء: (الدكتور حسين خلوف، والدكتور مصطفى الأعوج، وحسن سلامة، ومهدي علواني، وخالد علواني، ومجاهد دباح البقر، ومروان دباح البقر، وعبد العزيز سيخ، وعصام عقلة،..) رحمهم الله أجمعين، وذلك بأمر محكمةٍ عُرفيةٍ برئاسة المدعو (فايز النوري).
6- القيام بحملات تعذيبٍ وحشيةٍ شديدة القسوة في السجون، ضد كل مَن يُعتَقَل، بغض النظر عن التهمة الموجهة إليه، وقد أدى تسرّب أخبار التعذيب والسجون إلى إشاعة أجواء الرعب والخوف في صفوف المواطنين، وهذا ما جعل الشباب المسلم يفضل الموت مقاومةً لاعتقاله.. على المصير الذي ينتظره في السجن، لاسيما أن بعض المعتقلين قد استشهدوا تحت التعذيب، ومن هؤلاء رحمهم الله: الشيخ (فاضل زكريا) من حمص، استشهد بتاريخ (29/7/1979م) والدكتور الطبيب الجراح مصطفى عبود من حلب1980م، والشيخ أحمد فيصل الشهابي من بلدة الباب في 11/8/1979م.
7- قيام السلطات بقتل عددٍ من المعتقلين أثناء المداهمات، أو في الشوارع أمام أعين الناس، استمراراً في نهج إشاعة الرعب والخوف في البلاد.
8- القيام بعمليات الاغتيال والخطف بحق بعض الشخصيات الإسلامية المرموقة، ورصد مكافآتٍ ماليةٍ لمن يقدم على اغتيالهم، ومن هؤلاء:
- اغتيال الشيخ (محمود الشقفة) عن عمر يناهز الثمانين في مسجده في حماة، طعناً بالسكين، بتاريخ (4/8/1979م).
- اغتيال عضو نقابة المحامين في حلب، المحامي أمين إدلبي (1980) وهو راقد على سرير المرض.
- اغتيال الشيخ (علاء الدين إكبازلي) وهو ابن الشيخ ((أحمد إكبازلي)، في كلية الشريعة في دمشق، بتاريخ (3/6/1980م).
- اغتيال الشيخ (سليم الحامض) من جسر الشغور، بتاريخ (10/3/1980م).
- قَتْلُ ثمانيةٍ من الشباب المسلم في حلب، على رأسهم الشيخ (موفق سيرجية)، بتاريخ (18/2/1980م).
- اختطاف الدكتور الشيخ (ممدوح جولحة) والشيخ (عبد الستار عيروط) في اللاذقية، ثم قتلهما والتمثيل بجثتيهما، بتاريخ (27/6/1980م).
9- اتباع سياسة تهديم بيوت الذين يؤوون الشباب المسلمين الملاحقين، من مثل: تهديم بيت (عجعوج) و(درويش)و(مكية) في حماة، بتاريخ (15/10/1979م).. وكذلك اتباع سياسة مصادرة العقارات والمساكن والأملاك، الخاصة بالمعتقلين أو المطلوبين الفارّين أو المهجّرين القسريين.
10- اتهام الجماعة بارتكاب عملية (مدرسة المدفعية)، التي وقعت في حلب بتاريخ (16/6/1979م)، مع أنّ الجماعة سارعت إلى إعلان عدم مسؤوليتها عن الحدث الذي كان غريباً على أساليبها ومناهجها، إلا أنّ النظام أصرّ في بيانٍ رسميٍ من خلال وزير داخليّته.. على أن يحمّلها مسؤولية ما حدث، واتخذ من هذه الحادثة ذريعةً، ليعلن عليها حرباً استئصاليةً عامةً داخل القطر وخارجه!.. وكان قد نفّذ هذه العملية مجموعة من الشباب المسلمين الذين لا علاقة لهم بالجماعة، وقادها (عدنان عقلة) والضابط (إبراهيم اليوسف) الذي كان عضواً عاملاً في حزب البعث وموجّهاً حزبياً في مدرسة المدفعية، وقد راح نتيجتها العشرات من الطلاب الضباط العلويين، ما بين قتيلٍ وجريح، وفاجأ النظام الرأيَ العامَ داخل سورية وخارجها، بإعلان الحرب على جماعة الإخوان المسلمين بعد اتهامها بالعملية، وذلك -كما ذكرنا- على لسان وزير داخلية النظام (عدنان دباغ)، في مؤتمرٍ صحفيٍ عقده لهذه الغاية (أي إعلان الحرب على الجماعة)، بتاريخ (22/6/1979م)، مما اضطر الجماعة -بعد حوالي ثلاثة أشهر من إعلان وزير الداخلية (أيلول 1979م)-..للسماح لأفرادها بحمل السلاح دفاعاً عن النفس. وقد كان لإعلان الحرب على الجماعة، الأثر الكبير في تفجّر الأوضاع الداخلية في البلاد بشكلٍ شامل، خاصةً أنّ بيان وزير الداخلية اتهم الجماعة بارتكاب عمليات الاغتيال السابقة لعملية مدرسة المدفعية، التي نفذها بعض تلاميذ الشيخ (مروان حديد) رحمه الله، وذلك بعد أن أقدمت السلطات على تصفية الشيخ مروان وبعض الشباب المسلمين في سجونها تحت التعذيب، أو المحاكم الميدانية!..
11- حلّ النقابات المهنية (الأطباء والمهندسين والمحامين) وفروعها في المحافظات، بموجب المرسوم التشريعي الصادر عن رئيس النظام (حافظ الأسد) بتاريخ (8/4/1980م)، وتنفيذه من قبل السلطات المختصة في اليوم التالي (9/4/1980م)، ثم اعتقال رؤساء هذه النقابات وأعضاء مجالسها النقابية بتاريخ (4/5/1980م)، ومن الذين اعتقلوا: نقيب المحامين في سورية الأستاذ (صباح الركابي)، والأساتذة: (هيثم المالح، ومحمود الصابوني، وموفق كزبري، ومحمد برمدا، وميشيل عربش)، ونقيب المحامين في حلب الأستاذ (أسعد كعدان)، وكذلك: (سليم عقيل، وعبد المجيد منجونة، وعبد الكريم عيسى، وثريا عبد الكريم، وأسعد علبي، وسعيد نينو، وجورج عطية)، وغيرهم من بقية النقابات المهنية.
12- إصدار القانون رقم (49) بتاريخ (7/7/1980م)، القاضي بإعدام كل منتسبٍ إلى جماعة الإخوان المسلمين، وبمفعولٍ رجعي: (يُعتبَر مجرماً، ويعاقَب بالإعدام كل منتسِبٍ لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين)!.. وقد أعدِم بناءً على هذا القانون الفضيحة غير المسبوق في تاريخ البشرية، الآلاف من أبناء الشعب السوري دون محاكماتٍ أصوليةٍ قانونيةٍ عادلة، وكان هذا القرار تكأة لتصفية كثيرين من أبناء الأغلبية أيضاً!..
13- قيام رئيس النظام بإلقاء سلسلةٍ من الخطابات الاستفزازية، أكّد فيها نهجه الاستئصاليّ تجاه الإسلاميين والإخوان المسلمين، وقد قال في أحد هذه الخطابات في (تموز 1980م): (إنّ الخطة السياسية إزاء الإخوان المسلمين وأمثالهم لا يمكن أن تكون إلا خطة استئصالية، أي خطة لا تكتفي بفضحهم ومحاربتهم سياسياً، فهذا النوع من الحرب لا يؤثر كثيراً في فعالياتهم، يجب أن ننفذ بحقهم خطة هجومية)!..
14- قام (رفعت الأسد) شقيق رئيس النظام وقائد سرايا الدفاع، بإطلاق خطةٍ لما يسمى بالتطهير الوطني، وذلك خلال المؤتمر القطري السابع لحزب البعث، المنعقد بتاريخ (6/1/1980م)، وفحوى هذه الخطة هو: جمع الألوف من نخب الشعب السوري المعارضين للنظام، في معسكرات اعتقالٍ جماعية، تحت ظروف الأعمال الشاقة وعمليات غسيل الدماغ، لتنفيذ ما أطلق عليه اسم: (تخضير الصحراء)!.. ومما جاء في خطاب (رفعت) في نفس المؤتمر: (إنّ ستالين أيها الرفاق، قضى على عشرة ملايين إنسانٍ في سبيل الثورة الشيوعية، واضعاً في حسابه أمراً واحداً فقط، هو التعصب للحزب ولنظرية الحزب، ولو أنّ لينين كان في موقع وظرف وزمان ستالين لفعل مثله، فالأمم التي تريد أن تعيش أو أن تبقى، تحتاج إلى رجلٍ متعصّب، وإلى حزبٍ ونظريةٍ متعصّبة)!..
15- قيام عناصر النظام وزبانيته، بأعمالٍ إرهابيةٍ عدة، منها مهاجمة كلية الشريعة بجامعة دمشق، وتحطيم ما يمكن تحطيمه فيها (بتاريخ 1/6/1980م)، وكذلك قامت عناصر المخابرات وسرايا الدفاع التابعة لرفعت الأسد بتاريخ (2/6/1980م).. بمداهمة جوامع دمشق ومساجدها في ساعةٍ متأخرةٍ من الليل، وعاثوا فيها فساداً، ومزّقوا المصاحف وداسوها، وسرقوا محتويات المساجد من كتبٍ ومسجّلاتٍ وسجّادٍ وأثاث، واستمروا في ذلك حتى الفجر وقدوم المصلين، الذين تعرّضوا للإهانة والاعتقال والتنكيل.. فكان هذا الشهر (حزيران) شهر المجازر في داخل البلاد وخارجها!..
16- ممارسة الإرهاب بتنفيذ عمليات الاغتيال لبعض السوريين في خارج سورية، فاغتيل بهذه العمليات الإرهابية: الضابط المسرّح (عبد الوهاب البكري) في عمّان بتاريخ (30/7/1980م)، ورئيس الوزراء الأسبق وأحد مؤسسي حزب البعث (صلاح البيطار) في باريس بتاريخ (21/7/1980م)، والسيدة (بنان الطنطاوي) زوجة الأستاذ (عصام العطار) في آخن بألمانية بتاريخ (17/3/1981م)، والطالب السوري (محمود ودعة) في بلغراد بيوغسلافية بتاريخ (1/10/1981م)، والتاجر السوري المغترب الشيخ (نزار الصباغ) في برشلونة بإسبانية بتاريخ (21/11/1981م).. هذا فضلاً عن عمليات الاغتيال والاختطاف التي نفذتها أجهزة النظام، ضد رعايا لبنانيين وفلسطينيين وأردنيين وعراقيين و.. !.. وكذلك تنفيذ عملياتٍ إرهابيةٍ دوليةٍ ضد شخصياتٍ عربيةٍ ودوليةٍ ومؤسساتٍ صحافية، والتعاون مع الإرهابي الدولي (كارلوس) لتنفيذ بعض المهمات الإرهابية المدفوعة الأجر من أجهزة النظام ورفعت الأسد، ضد شخصياتٍ سوريةٍ معارضة!..
17- تنفيذ سلسلةٍ جديدةٍ من عمليات الإعدام الجماعي بحق المعارضين، (إعدام خمسة مواطنين بتاريخ 26/12/1979م)، و(إعدام أحد عشر عسكرياً من الضباط وصفّ الضباط بتاريخ 5/7/1980م)، و(إعدام عشرين مواطناً في دمشق وسبعين مواطناً في حماة، في أواسط تشرين الأول من عام 1980م).
18- نَقْضُ النظام للاتفاق الذي تم بينه وبين الجماعة، عبر مبادرة الأستاذ (أمين يكن) أحد مسؤولي الجماعة السابقين في عام (1980م)، وذلك بإقدامه على إعدام خمسة من المعتقلين الإسلاميين، منهم: (حسني عابو)، ثم العودة إلى اعتقال عناصر الجماعة، علماً بأن الاتفاق كان يقضي بالإفراج عن جميع المعتقلين، تمهيداً للدخول في الحوار!.. كما نقض النظام اتفاقاً ثانياً أبرِمَ مع أمين سرّ القيادة: (عبد الله الطنطاوي)، ورئيس مجلس الشورى: (محمد فاروق بطل)، وكانا معتقلَيْن آنذاك، الذي يقضي بما يلي:
أ- سياسياً:
1- حَلّ مجلس الشعب، وإقالة الوزارة، وتشكيل وزارةٍ محايدةٍ تشرف على انتخاباتٍ حرّةٍ نزيهةٍ لمجلس الشعب الجديد، يشارك فيها كل من يجد نفسه كفؤاً لذلك.
2- تحقيق التعددية السياسية الحقيقية، الشاملة لسائر الاتجاهات الوطنية والقومية والإسلامية، من غير إقصاءٍ لأيٍ منها.
3- عدم احتكار حزب البعث للسلطة، وعدم إلغاء الحياة السياسية تحت أي مسمى، وأن يكون الحزب كسائر الأحزاب الأخرى في البلاد، يسري عليه قانون التعددية السياسية.
ب- عسكرياً:
1- إبعاد الجيش عن السياسة، وحصر مهمته في الدفاع عن الوطن.
2- تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص في الانتساب إلى الكليات العسكرية والأجهزة الأمنية، فلا تكون حكراً لحزبٍ أو فئةٍ من الأحزاب والفئات الأخرى.
ج- إعادة النظر في مناهج التعليم، ليعود إليها وجهها الإسلاميّ العربيّ الأصيل.
د- إعادة المدرّسين والمعلّمين، المنقولين ممن تابعيتهم لوزارة التربية.. إلى مدارسهم.
هـ- مراعاة الأخلاق الحميدة لتكون سمة المجتمع بشكلٍ عام، وسمة المنظمات الطلابية كاتحاد الطلبة والمعسكرات والجامعات.. بشكلٍ خاص.
و- العمل على إزالة الظلم الذي لحق بالمواطنين، نتيجة عمليات الدهم وما رافقها من عدوانٍ على الحريات والممتلكات الخاصة والأرواح، وذلك بالتعويض المادي والمعنوي على المظلومين، وبمحاكمة المسئولين عن ارتكابها.
ز- تحديد صلاحيات الأجهزة الأمنية، وصرفها لملاحقة أعداء الوطن والجواسيس، لا ملاحقة المواطنين الأبرياء.
لقد قام النظام بنقض كل ما سبق الاتفاق عليه، وأقدم على العودة إلى سياسة الاعتقالات، والإعدامات بحق المعتقلين الإسلاميين.
19- تنفيذ سلسلةٍ من المجازر الجماعية بحق أبناء بعض المحافظات والمدن الآمنة العزلاء، ومن هذه المجازر المروّعة:
- مجزرة جسر الشغور بتاريخ (10/3/1980م)، التي راح ضحيتها ستون مواطناً، ومثلهم من الجرحى، مع تهديم وإحراق خمسة عشر منـزلاً وأربعين محلاً تجارياً!..
- مجزرة حماة الأولى بتاريخ (5-12/4/1980م)، التي قُتل فيها المئات من المواطنين، ومن أبرز شهدائها: الدكتور (عمر الشيشكلي) رئيس جمعية أطباء العيون، وقد قُلِعَت عيناه وألقيت جثته في حقلٍ زراعيّ.. و(خضر الشيشكلي) أحد زعماء الكتلة الوطنية، الذي أحرقوه بالأسيد ونهبوا بيته.. والدكتور (عبد القادر قنطقجي) طبيب الجراحة العظمية، الذي ألقوا جثته في مكانٍ بعيدٍ بعد تعذيبه وقتله.. والمزارع (أحمد قصاب باشي)، الذي قلعوا أظافره وقطعوا أصابعه قبل أن يقتلوه!..
- مجازر جبل الزاوية بتاريخ (13-15/5/1980م)، التي راح ضحيتها أربعة عشر مواطناً!..
- مجزرة حماة الثانية بتاريخ (21/5/1980م)، التي راح ضحيتها مؤذّن جامع (الأحدب) وعشرة مواطنين أثناء خروجهم من صلاة الفجر.
- مجزرة حي المشارقة في حلب بتاريخ (11/8/1980م) صبيحة عيد الفطر، التي راح ضحيتها حوالي مئة مواطن، وقد أفاد العميد هشام المعلى مسؤول المجزرة (الطائفي) في حينها (أن الأمر بهذه المجزرة كان من القائد رفعت، وجعل توقيتها صباح العيد..) !..
- مجزرة حماة الثالثة بتاريخ (10/10/1980م)، وراح ضحيتها ثلاثة عشر مواطناً بريئاً!..
- مجزرة سجن تدمر الكبرى بتاريخ (27/6/1980م)، التي قامت بارتكابها قوات سرايا الدفاع التابعة لشقيق رئيس النظام (رفعت الأسد)، وتم فيها تصفية حوالي (ألف معتقلٍ) من خيرة أبناء سورية: الطلاب وخريجي الجامعات والعلماء وأساتذة الجامعات، وهي موثقة على ألسنة عدد من عناصر النظام المنفذة للمجزرة !..
20- الاعتداء في شوارع دمشق على النساء المسلمات المحجّبات، وعلى حجابهن، من قِبَلِ سرايا الدفاع والمظليات الحزبيات، اللواتي انتشرن في شوارع دمشق بتاريخ (29/9/1981م)، وشرعن بالتعرض للنساء المحجّبات تحت تهديد السلاح، وبنـزع حجابهن من على رؤوسهن، مع شتمهن بالكلمات البذيئة والكافرة، وقد سقط نتيجة هذه الأعمال الإرهابية الإجرامية عدد من النساء والفتيات المسلمات قتيلاتٍ وجريحات، دفاعاً عن الحجاب والعِرض!.. ثم أصدرت السلطات بلاغاتٍ إلى المدارس والمعاهد والجامعات، تدعو فيها إلى طرد الطالبات المحجّبات ومحاربة الحجاب، وقد أدى هذا السلوك الإجراميّ إلى تخلي الكثيرات من الفتيات المسلمات عن دراستهن في المدارس والجامعات، حفاظاً على دينهن والتزامهن!..
21- بلوغ ذروة القمع، بارتكاب مجزرة حماة الكبرى، التي خلّفت دماراً وضحايا، استحقت نتيجتها أن تسمى بـ (مأساة العصر)!.. فقد بدأت المأساة بتاريخ (2/2/1982م)، واستمرت شهراً كاملاً، وقد ارتكبتها وحدات من الجيش وسرايا الدفاع والوحدات الخاصة والمخابرات والأجهزة الأمنية وأجهزة الحزب المسلحة، وأعملت بالمدينة قصفاً وحرقاً ورجماً بالصواريخ وإبادةً، ما أدى إلى قتل ما يزيد على خمسة وثلاثين ألفاً من المواطنين، وتهديم أحياء كاملةٍ في المدينة، و(88) مسجداً، وأربع كنائس، وتهجير عشرات الآلاف من السكان، واعتقال الآلاف من الرجال والنساء والأطفال، وفَقْد الآلاف أيضاً!..
إن استقراء الأحداث والظروف التي أحاطت بالمأساة ورافقتها تدل على أن النظام كان يحضّر لها قبل أشهر من حدوثها، سواء في تصعيده المواجهات مع مواطني المدينة لاستجرارهم إلى المعركة قبل شهر من تنفيذها، أو حشده للوحدات العسكرية المهيَّأة للمشاركة في تطويق المدينة واجتياحها وتدميرها، فضلاً عن تعزيزاته المسبقة لأجهزة المخابرات والوحدات الخاصة وسرايا الدفاع.
لقد كانت (مأساة حماة ومجزرتها الكبرى)، نهاية مرحلةٍ من مراحل الصراع بين الجماعة والشعب السوري من جهة.. وبين النظام من جهةٍ ثانية!..
كما كانت تتويجاً لمرحلة الانفجار الشامل، وبرهاناً للشعب على أنّ النظام لن يتخلى عن ظلمه وبطشه مهما كلف ذلك من دماءٍ ودَمار!..
إنّ حمامات الدم التي ارتكبها النظام الاستبدادي، لم تستطع حل المشكلة السورية، بل زادتها تعقيداً، وإن اختفت المعارضة المسلحة في نهاية هذه المرحلة من الصراع، فإنّ المقاومة الشعبية والرفض الشعبي لنهج القمع والاستبداد.. ما تزال مستمرة، ولن تنتهي إلا بزوال النظام الطائفي العائلي.