الفرق بين المراجعتين لصفحة: «أيها المربي ..قيمتك بقدر عطائـك»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
طلا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
 
(٣ مراجعات متوسطة بواسطة مستخدم واحد آخر غير معروضة)
سطر ١: سطر ١:
[[ملف:الإمام-البنا-في-حديث-الثلاثاء.jpg|تصغير|<center>'''الإمام الشهيد بين إخوته وتلامذته في حديث الثلاثاء'''</center>]]
'''<center><font color="blue"><font size=5> أيها المربي ..قيمتك بقدر عطائـك  </font></font></center>'''
الدعاة إلى الله وهم يتحركون بدعوتهم في هذا الخضم من الفتن ، لابد أن يدركوا ويعوا أن لا استمرار لدعوتهم إلا بجهودهم ، وان لا تمكين لها إلا بتحركهم الدائم المنضبط ، والأفكار والمبادئ التي لا تستطيع أن تبعث في أصحابها الفعالية والجدية لا طائل من ورائها ولا جدوى من اعتناقها كما قال إقبال رحمه الله :- ( لا بارك الله في نسيم السحر إذا لم تستفد منه الحديقة إلا الفتور والخمول والذوي والذبول ) الطريق إلى السعادة والقيادة لأبى الحسن الندوي ص 144.


كذلك حديقة الدعوة إذا أردناها وارفة الظلال يانعة الثمار عبقة الأزهار تجذب الآخرين بطيب ريحها ورحابة ظلها ، لابد أن نعطيها بسخاء من جهودنا وأوقاتنا وأفكارنا وأموالنا كذلك ، وإن كنا نسعى إلى بلوغ شاطئ الأمان بسفينتنا فلنمتن ألواحها وأشرعتها ، إذ لا يمكن أن تصل السفينة إلى مبتغاها وتتغلب على الأعاصير والعواصف الهوجاء والأمواج المتلاطمة بألواح وأشرعة منخورة ومتآكلة وبالية .
 
[[ملف:الإمام-البنا-في-حديث-الثلاثاء.jpg|تصغير|<center>'''[[الإمام الشهيد]] بين إخوته وتلامذته في حديث الثلاثاء'''</center>]]
[[الدعاة]] إلى الله وهم يتحركون بدعوتهم في هذا الخضم من الفتن ، لابد أن يدركوا ويعوا أن لا استمرار لدعوتهم إلا بجهودهم ، وان لا تمكين لها إلا بتحركهم الدائم المنضبط ، والأفكار والمبادئ التي لا تستطيع أن تبعث في أصحابها الفعالية والجدية لا طائل من ورائها ولا جدوى من اعتناقها كما قال إقبال رحمه الله :- ( لا بارك الله في نسيم السحر إذا لم تستفد منه الحديقة إلا الفتور والخمول والذوي والذبول ) الطريق إلى السعادة والقيادة ل[[أبو الحسن علي الندوي]] ص 144.
 
كذلك حديقة [[الدعوة]] إذا أردناها وارفة الظلال يانعة الثمار عبقة الأزهار تجذب الآخرين بطيب ريحها ورحابة ظلها ، لابد أن نعطيها بسخاء من جهودنا وأوقاتنا وأفكارنا وأموالنا كذلك ، وإن كنا نسعى إلى بلوغ شاطئ الأمان بسفينتنا فلنمتن ألواحها وأشرعتها ، إذ لا يمكن أن تصل السفينة إلى مبتغاها وتتغلب على الأعاصير والعواصف الهوجاء والأمواج المتلاطمة بألواح وأشرعة منخورة ومتآكلة وبالية .


فبقدر عطائنا نزن أنفسنا ، فالعطاء هو الميزان ، وقدر كل منا عند ربه ودعوته وأمته مساو للقدر الذي يعطيه والعمل الصالح الذي يقدمه وهو الميزان الذي شرعه الرافعي رحمه الله مخاطبا الداعية :- ( إن قيمتك الصحيحة في أن تكون وسيلة تعطي وتعمل لتعطي ، لا غاية تأخذ وتعمل لتأخذ ، ومهما ضيق عليك فإنما أنت كالشجرة الطيبة تأخذ ترابا وتصنع حلاوة ) وحي القلم للرافعي ج2 ص 81.
فبقدر عطائنا نزن أنفسنا ، فالعطاء هو الميزان ، وقدر كل منا عند ربه ودعوته وأمته مساو للقدر الذي يعطيه والعمل الصالح الذي يقدمه وهو الميزان الذي شرعه الرافعي رحمه الله مخاطبا الداعية :- ( إن قيمتك الصحيحة في أن تكون وسيلة تعطي وتعمل لتعطي ، لا غاية تأخذ وتعمل لتأخذ ، ومهما ضيق عليك فإنما أنت كالشجرة الطيبة تأخذ ترابا وتصنع حلاوة ) وحي القلم للرافعي ج2 ص 81.


والعطاء الذي نقصده هنا هو العطاء بمفهومه الشامل غير المجزء أو المحصور في جانب من الجوانب ، أو القاصر على مجال من المجالات ، فالثبات على طريق الدعوة والصبر والمصابرة عليه عطاء ، والتحرك السليم والدائب في سبيل تحقيق أهداف الدعوة وتنفيذ مشاريعها عطاء ، وبذل الجهد في شتى مجالات العمل الدعوى عطاء ، والمحافظة على سلامة الصف وتماسكه عطاء ، والكلمة الطيبة الهادية الهادفة عطاء ، وتقديم يد العون والمساعدة وحب الخير للناس عطاء ، والنقد النزيه البناء المشفق عطاء ، وإقالة عثرات الإخوان عطاء ، وصرف الوقت في العمل الجاد المثمر عطاء ، وإيصال الدعوة إلى من لم تبلغه عطاء، وإزالة الغبش والغموض الذي قد يلف الدعوة بفعل الشبهات والشائعات عطاء ، وتقريب البعيد وإقناع المتردد وتيقين المتشكك وتطمئين الخائف عطاء ، وتمثيل الدعوة تمثيلا يليق بسمو أهدافها ونصاعة مبادئها عطاء ، والغيرة على الدعوة والانتصار لها في ميادين المنافسة والصراع المختلفة عطاء ..  
والعطاء الذي نقصده هنا هو العطاء بمفهومه الشامل غير المجزء أو المحصور في جانب من الجوانب ، أو القاصر على مجال من المجالات ، فالثبات على طريق [[الدعوة]] والصبر والمصابرة عليه عطاء ، والتحرك السليم والدائب في سبيل تحقيق أهداف [[الدعوة]] وتنفيذ مشاريعها عطاء ، وبذل الجهد في شتى مجالات العمل الدعوى عطاء ، والمحافظة على سلامة الصف وتماسكه عطاء ، والكلمة الطيبة الهادية الهادفة عطاء ، وتقديم يد العون والمساعدة وحب الخير للناس عطاء ، والنقد النزيه البناء المشفق عطاء ، وإقالة عثرات [[الإخوان]] عطاء ، وصرف الوقت في العمل الجاد المثمر عطاء ، وإيصال [[الدعوة]] إلى من لم تبلغه عطاء، وإزالة الغبش والغموض الذي قد يلف الدعوة بفعل الشبهات والشائعات عطاء ، وتقريب البعيد وإقناع المتردد وتيقين المتشكك وتطمئين الخائف عطاء ، وتمثيل [[الدعوة]] تمثيلا يليق بسمو أهدافها ونصاعة مبادئها عطاء ، والغيرة على [[الدعوة]] والانتصار لها في ميادين المنافسة والصراع المختلفة عطاء ..  


وهكذا دواليك فمجالات العطاء لا حصر لها ، والفرد مطالب بأن يعطي لدينه ودعوته وأمته كل ما يستطيع إعطاءه ، فلقد عاب القرآن الكريم قوما يعطون أقل ما يستطيعون فقال تعالى : (أفرأيت الذي تولى وأعطى قليلا واكدى ) سورة النجم 33، 34 ...  
وهكذا دواليك فمجالات العطاء لا حصر لها ، والفرد مطالب بأن يعطي لدينه ودعوته وأمته كل ما يستطيع إعطاءه ، فلقد عاب القرآن الكريم قوما يعطون أقل ما يستطيعون فقال تعالى : (أفرأيت الذي تولى وأعطى قليلا واكدى ) سورة النجم 33، 34 ...  


فكل فرد ـ مهما كانت قيمته ومكانته وموقعه ومستواه ـ آمن بالدعوة وعظمة غايتها ونبل مبادئها وأهدافها مطلوب منه بأن يعطي في شتى مجالات العطاء الواسعة قدر استطاعته ، ولا يكن متفرجا فحسب ، ناقدا ليس إلا ، فمن أراد نقدا فعليه أن يعطي ويقدم أفضل من الموجود وإلا فليست النائحة الثكلى كالمستأجرة ، ولتكن لنا العبرة في الآية الكريمة من سورة التوبة ، وهي تصور صنفا من الناس لا يعطون شيئا ولا يقدمون جهدا ، ولا يكتفون بسلبيتهم هذه بل يسخرون من جهود وأعمال الآخرين ويستهترون بها ويقللون من قيمتها قال تعالى :- ( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم ٌ) سورة التوبة :79  
فكل فرد ـ مهما كانت قيمته ومكانته وموقعه ومستواه ـ آمن ب[[الدعوة]] وعظمة غايتها ونبل مبادئها وأهدافها مطلوب منه بأن يعطي في شتى مجالات العطاء الواسعة قدر استطاعته ، ولا يكن متفرجا فحسب ، ناقدا ليس إلا ، فمن أراد نقدا فعليه أن يعطي ويقدم أفضل من الموجود وإلا فليست النائحة الثكلى كالمستأجرة ، ولتكن لنا العبرة في الآية الكريمة من سورة التوبة ، وهي تصور صنفا من الناس لا يعطون شيئا ولا يقدمون جهدا ، ولا يكتفون بسلبيتهم هذه بل يسخرون من جهود وأعمال الآخرين ويستهترون بها ويقللون من قيمتها قال تعالى :- ( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم ٌ) سورة التوبة :79  


روي في سبب نزولها  عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :- ( تصدقوا فإني أريد أن أبعث بعثاً .. قال :- فجاء عبد الرحمن بن عوف ، فقال :- يا رسول الله ، عندي أربعة آلاف ، ألفين أقرضهما ربي ، وألفين لعيالي .. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :- بارك الله لك فيما أعطيت وبارك لك فيما أمسكت .. وبات رجل من الأنصار فأصاب صاعين من تمر ، فقال: يا رسول الله ..أصبت صاعين من تمر :- صاع أقرضه لربي ، وصاع لعيالي .. قال :-  فلمزه المنافقون .. وقالوا :- ما أعطى الذي أعطى ابن عوف إلا رياء .. وقالوا :- ألم يكن الله ورسوله غنيين عن صاع هذا ؟ فنزلت الآية ) الحافظ البزار في مسنده كما في ابن كثير  
روي في سبب نزولها  عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :- ( تصدقوا فإني أريد أن أبعث بعثاً .. قال :- فجاء عبد الرحمن بن عوف ، فقال :- يا رسول الله ، عندي أربعة آلاف ، ألفين أقرضهما ربي ، وألفين لعيالي .. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :- بارك الله لك فيما أعطيت وبارك لك فيما أمسكت .. وبات رجل من الأنصار فأصاب صاعين من تمر ، فقال: يا رسول الله ..أصبت صاعين من تمر :- صاع أقرضه لربي ، وصاع لعيالي .. قال :-  فلمزه المنافقون .. وقالوا :- ما أعطى الذي أعطى ابن عوف إلا رياء .. وقالوا :- ألم يكن الله ورسوله غنيين عن صاع هذا ؟ فنزلت الآية ) الحافظ البزار في مسنده كما في ابن كثير  


وأنظر إلى ما أعطاه الإمام البنا رحمه الله لدعوته وأمته تجد قمة العطاء ، وأسمع إلى شهادة الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في ذلك :- ( كان هذا الإمام العجيب يحسب عمره بالدقائق لا بالساعات ، وفوق تراب مصر وحدها شق الطريق إلى عشرات المدن وآلاف القرى ، فتحدث إلى الناس في ثلاثة آلاف قرية على الأقل ، ولا أزال أتصوره وهو يزرع الحب بالبسمة الرقيقة ، ويصنع اليقين بالإقناع الهادئ ، ويتجاوز الخلافات برفض الجدل ، وتعليق الناس بالجوهر لا بالمظهر ، وتقديم الأهم على المهم ، وقبل ذلك وبعده بتقوى الله والإعداد للقائه ، وبكلمته التي طالما سمعته يرددها : إن فناء في الحق هو عين البقاء ) الإخوان المسلمون في ميزان الحق لفريد عبد الخالق ص5.
وأنظر إلى ما أعطاه [[الإمام البنا]] رحمه الله لدعوته وأمته تجد قمة العطاء ، وأسمع إلى شهادة الشيخ [[محمد الغزالي]] رحمه الله في ذلك :- ( كان هذا الإمام العجيب يحسب عمره بالدقائق لا بالساعات ، وفوق تراب مصر وحدها شق الطريق إلى عشرات المدن وآلاف القرى ، فتحدث إلى الناس في ثلاثة آلاف قرية على الأقل ، ولا أزال أتصوره وهو يزرع الحب بالبسمة الرقيقة ، ويصنع اليقين بالإقناع الهادئ ، ويتجاوز الخلافات برفض الجدل ، وتعليق الناس بالجوهر لا بالمظهر ، وتقديم الأهم على المهم ، وقبل ذلك وبعده بتقوى الله والإعداد للقائه ، وبكلمته التي طالما سمعته يرددها : إن فناء في الحق هو عين البقاء ) [[الإخوان المسلمون]] في ميزان الحق لفريد عبد الخالق ص5.


فالدعوة بحاجة إلى قلوب خاشعة وأكف ضارعة وسواعد مشدودة وأيادي ممدودة ونفوس باذلة وعقول مفكرة وجهود مضاعفة وعطاء واسع وعمل دائب وحركة مستمرة واجتهاد متواصل ، فإن لم نستطع أن نعطي دعوتنا كل هذا وأكثر فلا نتمادى في أمانينا وأحلامنا الواسعة ، ولنمد أرجلنا على قدر أغطيتنا .
فالدعوة بحاجة إلى قلوب خاشعة وأكف ضارعة وسواعد مشدودة وأيادي ممدودة ونفوس باذلة وعقول مفكرة وجهود مضاعفة وعطاء واسع وعمل دائب وحركة مستمرة واجتهاد متواصل ، فإن لم نستطع أن نعطي دعوتنا كل هذا وأكثر فلا نتمادى في أمانينا وأحلامنا الواسعة ، ولنمد أرجلنا على قدر أغطيتنا .


فبقدر عطائنا تتحدد قيمتنا وقيمة الدعوة التي نحملها في ميزان الواقع، وفي ميادين التدافع المختلفة.
فبقدر عطائنا تتحدد قيمتنا وقيمة [[الدعوة]] التي نحملها في ميزان الواقع، وفي ميادين التدافع المختلفة.





المراجعة الحالية بتاريخ ١٤:٠٢، ١٢ نوفمبر ٢٠١١

أيها المربي ..قيمتك بقدر عطائـك


الإمام الشهيد بين إخوته وتلامذته في حديث الثلاثاء

الدعاة إلى الله وهم يتحركون بدعوتهم في هذا الخضم من الفتن ، لابد أن يدركوا ويعوا أن لا استمرار لدعوتهم إلا بجهودهم ، وان لا تمكين لها إلا بتحركهم الدائم المنضبط ، والأفكار والمبادئ التي لا تستطيع أن تبعث في أصحابها الفعالية والجدية لا طائل من ورائها ولا جدوى من اعتناقها كما قال إقبال رحمه الله :- ( لا بارك الله في نسيم السحر إذا لم تستفد منه الحديقة إلا الفتور والخمول والذوي والذبول ) الطريق إلى السعادة والقيادة لأبو الحسن علي الندوي ص 144.

كذلك حديقة الدعوة إذا أردناها وارفة الظلال يانعة الثمار عبقة الأزهار تجذب الآخرين بطيب ريحها ورحابة ظلها ، لابد أن نعطيها بسخاء من جهودنا وأوقاتنا وأفكارنا وأموالنا كذلك ، وإن كنا نسعى إلى بلوغ شاطئ الأمان بسفينتنا فلنمتن ألواحها وأشرعتها ، إذ لا يمكن أن تصل السفينة إلى مبتغاها وتتغلب على الأعاصير والعواصف الهوجاء والأمواج المتلاطمة بألواح وأشرعة منخورة ومتآكلة وبالية .

فبقدر عطائنا نزن أنفسنا ، فالعطاء هو الميزان ، وقدر كل منا عند ربه ودعوته وأمته مساو للقدر الذي يعطيه والعمل الصالح الذي يقدمه وهو الميزان الذي شرعه الرافعي رحمه الله مخاطبا الداعية :- ( إن قيمتك الصحيحة في أن تكون وسيلة تعطي وتعمل لتعطي ، لا غاية تأخذ وتعمل لتأخذ ، ومهما ضيق عليك فإنما أنت كالشجرة الطيبة تأخذ ترابا وتصنع حلاوة ) وحي القلم للرافعي ج2 ص 81.

والعطاء الذي نقصده هنا هو العطاء بمفهومه الشامل غير المجزء أو المحصور في جانب من الجوانب ، أو القاصر على مجال من المجالات ، فالثبات على طريق الدعوة والصبر والمصابرة عليه عطاء ، والتحرك السليم والدائب في سبيل تحقيق أهداف الدعوة وتنفيذ مشاريعها عطاء ، وبذل الجهد في شتى مجالات العمل الدعوى عطاء ، والمحافظة على سلامة الصف وتماسكه عطاء ، والكلمة الطيبة الهادية الهادفة عطاء ، وتقديم يد العون والمساعدة وحب الخير للناس عطاء ، والنقد النزيه البناء المشفق عطاء ، وإقالة عثرات الإخوان عطاء ، وصرف الوقت في العمل الجاد المثمر عطاء ، وإيصال الدعوة إلى من لم تبلغه عطاء، وإزالة الغبش والغموض الذي قد يلف الدعوة بفعل الشبهات والشائعات عطاء ، وتقريب البعيد وإقناع المتردد وتيقين المتشكك وتطمئين الخائف عطاء ، وتمثيل الدعوة تمثيلا يليق بسمو أهدافها ونصاعة مبادئها عطاء ، والغيرة على الدعوة والانتصار لها في ميادين المنافسة والصراع المختلفة عطاء ..

وهكذا دواليك فمجالات العطاء لا حصر لها ، والفرد مطالب بأن يعطي لدينه ودعوته وأمته كل ما يستطيع إعطاءه ، فلقد عاب القرآن الكريم قوما يعطون أقل ما يستطيعون فقال تعالى : (أفرأيت الذي تولى وأعطى قليلا واكدى ) سورة النجم 33، 34 ...

فكل فرد ـ مهما كانت قيمته ومكانته وموقعه ومستواه ـ آمن بالدعوة وعظمة غايتها ونبل مبادئها وأهدافها مطلوب منه بأن يعطي في شتى مجالات العطاء الواسعة قدر استطاعته ، ولا يكن متفرجا فحسب ، ناقدا ليس إلا ، فمن أراد نقدا فعليه أن يعطي ويقدم أفضل من الموجود وإلا فليست النائحة الثكلى كالمستأجرة ، ولتكن لنا العبرة في الآية الكريمة من سورة التوبة ، وهي تصور صنفا من الناس لا يعطون شيئا ولا يقدمون جهدا ، ولا يكتفون بسلبيتهم هذه بل يسخرون من جهود وأعمال الآخرين ويستهترون بها ويقللون من قيمتها قال تعالى :- ( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم ٌ) سورة التوبة :79

روي في سبب نزولها عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :- ( تصدقوا فإني أريد أن أبعث بعثاً .. قال :- فجاء عبد الرحمن بن عوف ، فقال :- يا رسول الله ، عندي أربعة آلاف ، ألفين أقرضهما ربي ، وألفين لعيالي .. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :- بارك الله لك فيما أعطيت وبارك لك فيما أمسكت .. وبات رجل من الأنصار فأصاب صاعين من تمر ، فقال: يا رسول الله ..أصبت صاعين من تمر :- صاع أقرضه لربي ، وصاع لعيالي .. قال :- فلمزه المنافقون .. وقالوا :- ما أعطى الذي أعطى ابن عوف إلا رياء .. وقالوا :- ألم يكن الله ورسوله غنيين عن صاع هذا ؟ فنزلت الآية ) الحافظ البزار في مسنده كما في ابن كثير

وأنظر إلى ما أعطاه الإمام البنا رحمه الله لدعوته وأمته تجد قمة العطاء ، وأسمع إلى شهادة الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في ذلك :- ( كان هذا الإمام العجيب يحسب عمره بالدقائق لا بالساعات ، وفوق تراب مصر وحدها شق الطريق إلى عشرات المدن وآلاف القرى ، فتحدث إلى الناس في ثلاثة آلاف قرية على الأقل ، ولا أزال أتصوره وهو يزرع الحب بالبسمة الرقيقة ، ويصنع اليقين بالإقناع الهادئ ، ويتجاوز الخلافات برفض الجدل ، وتعليق الناس بالجوهر لا بالمظهر ، وتقديم الأهم على المهم ، وقبل ذلك وبعده بتقوى الله والإعداد للقائه ، وبكلمته التي طالما سمعته يرددها : إن فناء في الحق هو عين البقاء ) الإخوان المسلمون في ميزان الحق لفريد عبد الخالق ص5.

فالدعوة بحاجة إلى قلوب خاشعة وأكف ضارعة وسواعد مشدودة وأيادي ممدودة ونفوس باذلة وعقول مفكرة وجهود مضاعفة وعطاء واسع وعمل دائب وحركة مستمرة واجتهاد متواصل ، فإن لم نستطع أن نعطي دعوتنا كل هذا وأكثر فلا نتمادى في أمانينا وأحلامنا الواسعة ، ولنمد أرجلنا على قدر أغطيتنا .

فبقدر عطائنا تتحدد قيمتنا وقيمة الدعوة التي نحملها في ميزان الواقع، وفي ميادين التدافع المختلفة.