من الإمكانيات الدرامية فى سورة ( يوسف )

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
من الإمكانيات الدرامية فى سورة ( يوسف )


بقلم : المنشاوي الورداني

طبيعة القصة القرآنية أنها لا تجهد القارئ ولا المشاهد فى طريقة عرضها وإنما تفسح المجال أمام خياله كى يعبر من مشهد إلى مشهد ومن موقف لآخر , فهى من حين لآخر تسدل الستار على مشهد من القصة ثم تبدأ مشهداً آخر تاركة فجوة بين المشهدين يسبح فيها الخيال ويسرح الفكر .

ولأن قصة يوسف تبدو وكأنها المعرض المتخصص للمنهج القرآنى فى الأداء الفنى للقصة .. لذلك نجد عرضاً كاملاً لشخصية نبى الله يوسف عليه السلام فى كل مجالات حياتها فى ابتلاءات الشدة وابتلاءات الرخاء .

وإلى جانب عرض الشخصية الرئيسية فى القصة ( سيدنا يوسف عليه السلام ) تعرض الشخصيات المحيطة بدرجات متفاوتة من التركيز وفى مساحات متناسبة من رقعة العرض , وعلى أبعاد متفاوتة من مركز الرؤية , وفى أوضاع خاصة من الأضواء والظلال.

إن قصة يوسف تبدأ بالرؤيا يقصها يوسف على أبيه , فتنبئه أبوه بأن يكون له شأن عظيم , وينصحه بألا يقصها على إخوته كى لا يثير حسدهم فيغريهم الشيطان به فيكيدون له .. ثم تسير القصة بعد ذلك , وكأنها هي تأويل للرؤيا ولما توقعه يعقوب من ورائها حتى إذا اكتمل تأويل الرؤيا فى النهاية أنهى السياق القصة , ولم يسر فيها كما سار كتاب " العهد القديم " بعد هذا الختام الفنى الدقيق , الوافى بالغرض الدينى كل الوفاء .

وما يسمى بالعقدة الفنية فى القضية واضح فى قضية يوسف , فهى تبدأ بالرؤيا كما سبق , ويظل تأويلها مجهولاً , فيتكشف قليلاً قليلاً , حتى تجىء الخاتمة فتحل العقدة حلاُ طبيعياً لا تعمل فيه ولا اصطناع .

والقصة مقسمة إلى حلقات , كل حلقة تحتوى جملة مشاهد والسياق يترك فجوات بين المشهد والمشهد يملؤها تخيل القارئ وتصوره , ويكمل ما حذف من حركات وأقوال , مع ما فى هذا من تشويق وإمتاع ..

هذه الفجوات بين المشاهد يسميها خبراء الدراما ( المونتاج ) وعلى سبيل المثال تتأمل تلك المشاهد من سورة يوسف :

1 – إخوة يوسف جاءوا إليه يطلبون القمح فيطالبهم بإحضار شقيقه .... ويحتجزه يوسف بحجة أنه سارق فيرفض عودته مع إخوته ... ويجتمع الإخوة يتشاورون فى الأمر .

2 – وإذا بالمشهد التالى لا فى مصر حيث كانوا أو فى الطريق ولكن أمام أبيهم وقد قالوا له ماوصاهم به أخوهم دون أن نسمعهم يقولونه مع المشهد الجديد لنجد أباهم يخاطبهم ( قال بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل عسى الله أن يأتينى بهم جميعاً إنه هو العليم الحكيم ) (يوسف / 83 ) ويسدل الستار .

3 – وهنا نرى مشهداً آخر بين يعقوب وبنيه نراه قد ابيضت عيناه من الحزن وهو دائم الحسرة على يوسف , وابناؤه يستنكرون عليه هذا كله .

( وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم , قالوا تالله تفتئوا تذكر يوسف حتى تكون حرضاً أو تكون من الهالكين . قال إنما أشكو بثى وحزنى إلى الله وأعلم من الله مالا تعلمون . يابنى اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيئسوا من روح الله . إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون ) ( يوسف 84 – 87 ) .

4 – وهنا يسدل الستار ويضربون الطريق لا نعلم عنهم فيه شيئاً إنما يرفع الستار فنجدهم فى مصر أمام يوسف :

( فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسّنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا , إن الله يجزى المتصدقين ) ( يوسف / 88 ) .

وهكذا تنتقل الأحداث من مشهد لآخر .... بما تعجز عن محاكاته أحدث مافيولا العصر بين يدى أعظم مونتير , وهكذا ترى أن المائدة القرآنية .. مائدة حافلة زاخرة بالإمكانيات الدرامية مايفتح شهية الأقلام .. ويدعو للاغتراف منها .. بيد أن التعرض لقصص الأنبياء درامياً يحتاج إلى وقفة متأنية ونظرة فاحصة ثاقبة محللة .. ليس لمجرد التدقيق التاريخى والأمانة الموضوعية فحسب , بل لخطورة المغزى والدليل كذلك .. فضلاً عن تجسيد المثل والقدوة .

إن الباحثين الذين ينكرون علاقة العرب بالدراما .. يجب أن يعرفوا أن فى الموروث الدينى الأكبر وهو القرآن الكريم ما أعجز قول كل خطيب .. خاصة فى سورة يوسف التى وصفها بأنها ( أحسن القصص ) .

أهم المراجع :

v فى ظلال القرآن للأستاذ سيد قطب ( سورة يوسف )

v نظرات فى الأسلوب القرآنى , د . السيد تقى الدين , جامعة الأزهر .

v التصوير الفنى فى القرآن لسيد قطب .

v مجلة الفنون – دراسة حول الدرما فى القرآن لأسامة ذكرى ع 14 / يونيه 1981 . القاهرة .

المصدر