محمود حشلة يكتب :وضاع " الرز " يا ولدي
كفر الشيخ اون لاين | خاص
لا يختلف اثنان على أن مصر الآن هى أضعف بكثير من مصر يوم الثلاثين من يونيو 2013 ، فإذا سلمنا بأن ثمة تناسبا طرديا بين قوة تماسك الإنقلابيين وقوة الدولة التي انقضوا على السلطة فيها يكون مفهوما بالضرورة أن الخط البياني للإنقلاب يهبط ويمكن القول أنه يهبط بحدة إذا انتهينا إلى أن مصر تضعف بحدة .
وعليه فإن تحليل عناصر القوة التي عليها مصر الآن تمكن بسهولة من قراءة مدى قدرة الإنقلاب على الإستمرار فضلا عن الإنتعاش والتمكن ، وإذا بدأنا بمصر الداخل وعلى المستوى السياسي مثلا الذي تعتبر الحرية والديمقراطية رأسه وعموده وذروة سنامه لا تخطئ العين فناء كاملا في المفردات السياسية ، والعملية السياسية المصرية الآن لا شرقية ولا غربية من جهة الأيديولوجيا ولا برلمانية ولا رئاسية من جهة الترتيب بل إنها لا تصل حتى إلى مستوى النظام الشمولي الذي قاده صدام حسين في العراق أوالنظام العسكري الذي صنعه جنرالات الأرجنتين في السبعينات والثمانينات وإنما هى أشبه " باليخن " الذي قام عادل إمام بطبخه لمهربي الآثار في مسلسل أحلام الفتي الطائر أو بأغنية أحمد عدوية " كله على كله لما تشوفه قوله " ، دعوة إلى انتخابات برلمانية وحكم منتظر من الدستورية ببطلان قانونها ، قوائم وترشيحات تحمل أسماء غريبة وقائد انقلاب يقول أنه لن يسمح بعودة نظام مبارك ولن يسمح بعودة الإخوان إلى آخر عناصر الموقف السياسي الذي لا طعم له ولا لون ولا رائحة .
إذا انتقلنا إلى الموقف الإقتصادي فحدث ولا حرج ما لا أري أن تكراره فيه إفادة ، فمصر التى تمد يدها راجية ومتوسلة ورئيسها يعتذر لرؤساء الدول الغنية ويطلب صفحهم عما بدر منه ومن اعلامه عندما كانوا يظنون أنهم أقوياء ، ذلك المشهد الذي لم يتكرر حتى أيام الحروب أو الإنهيارات الإقتصادية يعطي مؤشرا واضحا عن قدرة البلاد على الصمود في وجه أي ضغط اضافي ، ويوضح بجلاء ما أحدثته يد الفساد والنهب الذي قام به النظام العسكري في أوليات أيام حكمه عندما كان يؤمن هروبا محتملا أو سقوطا مفاجئا ، فإذا أضفنا إلى ذلك توقف تدفق " الرز " من أنصاف الدول على حد وصف قادة الإنقلاب فإن الموقف الإقتصادي يمكن وصفه بخراج في مقعدة النظام لا يسمح له بالجلوس فهو إما واقف أو نائم وهما وضعان لا يمكن لإقتصاد ما أن يتبني أيا منهما ، ولن يكون المؤتمر الإقتصادي أبدا بديلا عن " الرز البسمتي " الخليجي كون المانحين هنا دولا كاملة لها برلمانات تحاسبها على النقير والقطمير ولا تسمح لها بالمنح والمنع كما هو الحال مع الأنصاف .
أما بالنسبة لعلاقات مصر الخارجية فإن النظام العسكري المصري يتبني في الوقت الحالي فكرة الرعي الجائر ، فلا محظورات يتوقف عندها النظام في علاقاته مع الدول الإستعمارية بدءا باسرائيل وانتهاء بالصين وإيران ، فبعد تفريغ سيناء من سكانها لخدمة العدو الصهيوني يظهر النظام كجزء من المنظومة الإستعمارية في اهدار ومهاجمة الهوية الإسلامية ، فقائد الإنقلاب مثلا يهاجم العقيدة الإسلامية كونها تحرض على ابادة الجنس البشري وبعد يومين تقع احداث شارلي التي قال الكثيرون أنها جزء من مخطط كبير تبنته أجهزة مخابرات غربية ربما تسيطر على بعض الجماعات الصغيرة تدفعها نحو هكذا عمليات من وراء حجاب ثم تلى ذلك مسلسل داعش الليبية التي شاركت الكنيسة في حلقته الأخيرة بمشاهد تستحق عليها اوسكار أفضل ممثل مساعد ، والشاهد في الأمر ان ارتماء الإنقلابيين في الأجندات الغربية والإستعمارية بهذا الوضوح يعطي مؤشرا مؤكدا أنهم قدراتهم وامكاناتهم أضعف من أن تصنع موقفا مستقلا فضلا عن عمالة مؤكدة وهى أمور تضع الإنقلاب برمته وبكامل مكوناته في بوتقة الإستعمار ما يجعل الثورة تتبني وسائل وأهداف أقسي وأعنف مما يمكن أن تكون عليه الثورة ضد نظام غايته أنه مستبد أو فاشي ، وهو فشل كبير استنكف عنه حسني مبارك وترفع عليه شاوشيسكو وموجابي ، فإذا أضفنا إلى ذلك الفشل عداوة كبري للنظام مع تركيا ما حدا به إلى التنازل عن بعض مصادر الغاز لليونان وعداوة مع قطر وليبيا وحديثا مع السعودية وعداوة منتظرة مع إيران ، فلا يجد النظام في كل مرة مخرجا لعزلته إلا بتقديم مزيد من التنازلات الكبر وهو ما يؤدي إلى مزيد من الضعف والإنهيار اللذان هما مقدمتنان مؤكدتان للسقوط ، وربما يتأكد ذلك التنازل الضخم بارسال قوات إلى احدي بؤر النزاع يختل معه التوازن العددي للجيش في الداخل عنه في الخارج وهو ما سيؤثر بكل تأكيد على قدرة الشرطة على المواجهة والصمود في مقابل معونات خليجية جديدة وهو ما ستؤكده أو تنفيه الأيام المقبلة.
إن مصر الضعيفة جدا والصغيرة جدا التي يحكمها العسكر الآن لا يمكن أن تقوي على تمدد شعب تعداده تسعين مليونا وصفه سكرتير قائد الإنقلاب ب " الجعان والمتنيل بنيلة " ورغم هذا الضعف المتنامي والمتحور فإن آلة البطش والقمع لم تتوقف لحظة واحدة عن العمل باعتبارها الأسلوب الوحيد الذي يجيده الإنقلابيون لمواجهة الثورة الشعبية المتسعة وإذا سلمنا أن السبب الرئيسي لتلك الثورة هو الظلم فإن مزيدا من الظلم يؤدي إلى مزيد من الثورة وهى معادلة رياضية ثبت صحتها في إيران من قبل إذا اعتبرنا أنها أقرب شبها من حيث السكان والإقتصاد والسياسة إلى الداخل المصري ، وإن فقدان النظام لأي قدرة على التعاطي مع الأزمة الداخلية غير القمع والقتل والتعذيب هو فشل للدولة يؤثر بكل تأكيد على اقتصادها وجيشها وبنيانها الإداري بما يجعلها تنتقل من فشل إلى فشل أكبر حتى تقع بالكلية .
إذا انتهينا إلى صحة تلك المعطيات فإن قبضة الإنقلابيين على البلاد لا شك ستنهار في أجل أقصاه شهور معدودة وهو ما حدا بأجهزة المخابرات الغربية تبني سياسية " رجرجة " النظام حتى تضعف قدرته على الإلتصاق بالكرسي من خلال التسريبات المتتالية التي أصبحت بحق المذكرة التفسيرية لكل حركات النظام وقراراته واتصالاته وامكاناته فتضمن تلك الأجهزة خروجا سلسا وانسيابيا لقائد الإنقلاب لا تحميه أية غطاءات شعبية أو فعاليات جماهيرية وهو ما تمكنت من الوصول إليه بالفعل من خلال اختبارات ناجحة عندما دعت العميل احمد موسي إلى طلب الخروج لتفويض جديد لقائد الإنقلاب فلم يخرج أحد وربما تكرر تلك الأجهزة تلك المحاولة مرة أو مرتين قبل أن تطلب منه أن يسلم مفاتيح مكتبه إلى السكرتارية قبل أن يستقل احدي المروحيات إلى وجهة غير معلومة .
المصدر
- مقال:محمود حشلة يكتب :وضاع " الرز " يا ولديموقع:كفر الشيخ أون لاين