محمود البارة: حب الناس تاج على رءوس الإخوان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
محمود البارة : حب الناس تاج على رءوس الإخوان

حوار / أحمد الجندي :

- سرقة الأموال هواية لوزارة الداخلية

- الارتقاء بمصر مسئولية الجميع

- تواصل الأجيال من أهم مميزات الإخوان


من هو محمود البارة

بمجرد أن علمت جماهير المحلة الكبرى بالإفراج عنه ضمن رموز وقيادات الإخوان المسلمين في قضية "التنظيم الدولي"، سارع المئات منهم لاستقباله من مقر أمن الدولة بطنطا في موكب مهيب طاف أرجاء مدينة المحلة الكبرى ابتهاجًا بخروجه.

يصفه محبوه بـ"حبيب الملايين"، الذي قضى عمره كله في خدمة أهله وعشيرته وإخوانه، فلا تجد بابًا من أبواب الخير إلا وطرقه، من إصلاحٍ بين الناس وحل لمشاكلهم ومساعدة للمحتاجين وغير ذلك مما لا يعلمه إلا الله، إنه محمود محمد البارة سليل دعوة الإخوان، وأصغر معتقل في قضية "التنظيم الدولي".

البارة من مواليد المحلة الكبرى سنة 1961م، تخرج في كلية العلوم عام 1984م، وحصل على دبلوم عام في التربية عام 1987م، ويعمل مدرسًا للرياضيات، وُلد البارة لأسرة إخوانية متدينة بالفطرة، حيث كان أبوه أحد الرعيل الأول للإخوان المسلمين، وكان جده محفظًّا للقرآن الكريم.

بمجرد أن تراه لا تستطيع إلا أن تحبه، فبعد اختراقنا لصفوف محبيه ومهنئيه استقبلنا بوجهه البشوش وابتسامته العريضة، على الرغم من عدم معرفته بنا قبل ذلك، وكان لنا معه هذا الحوار..


  • هل سبق اعتقالك قبل ذلك؟ وهل كنت تتوقع هذا الاعتقال؟
    • هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها اعتقالي، وكنت متوقعًا لهذا الاعتقال؛ لأنه كانت هناك عدة مقدمات غريبة لم تحدث من قبل، وهي متابعة المخبرين للشارع الذي أسكن فيه من أوله إلى آخره، وتفقد المنطقة المجاورة للبيت، وقبل الاعتقال بـ3 أيام جاء ضابط من أمن الدولة ومعه عدد من المخبرين لمعاينة الشارع والمنطقة المجاورة.


لسنا مجرمين

  • كيف علمت بهذه المراقبة لك؟ وهل فكَّرت في الاختفاء فترةً حتى يهدأ الأمر؟
    • الجيران لفتوا نظري لهذا الأمر أكثر من مرة، أما عن السؤال الثاني، فالإخوان المسلمون لا يهربون أبدًا لأنهم ليسوا مجرمين ولا لصوصًا لكي يفعلوا ذلك، كما أن الجيران تجمعوا حول البيت أثناء الاعتقال وحاولوا إخراجي من قبضة الأمن، ولكني رفضتُ ذلك.


همجية معهودة

  • أخذتنا إلى يوم الاعتقال، فهل لك أن تصف لنا تفاصيل هذا اليوم؟
    • في هذا اليوم كنت أنوي السفر إلى المنصورة لإنهاء بعض الأعمال، ولكن أحد أصدقائي اقترح عليَّ البقاء والسفر في الصباح، فتوجهت إلى البيت في الساعة الثانية من صباح 19 مايو الماضي، وجلستُ مع أبنائي، واستغرقتُ في حديثي مع ابني الأكبر محمد، وانسابت على لساني عدة وصايا دون قصد، وفجأةً شعرنا بزلزال في البيت، حيث حاصرت قوات الأمن البيت والبيوت المجاورة، وصعدوا إلى السطح والأسطح المجاورة بالكشافات.

وفجأةً كُسر باب البيت، وإذا بضابط أمن الدولة يرفع المسدس في وجهي قائلاً: "قف مكانك". فقلت له بلهجة شديدة: أنزل هذا المسدس فأنا لستُ مجرمًا أو لصًّا لكي أهرب، لو أنكم اتصلتم بي تلفونيًّا لكي أحضر إليكم لحضرت دون داعٍ لهذه الغوغائية.


عصابة سرقة

  • وماذا حدث بعد ذلك؟
    • فتشوا البيت كله بهمجيةٍ حتى الأشياء التي كانت ضائعةً منا وجدوها، وقطعوا خطوط التليفون، واستولوا على موبايلات الزوجة والأولاد، حتى إن موبايلي وموبايل زوجتي عندهم حتى الآن، وأخذوا كل الأموال التي كانت موجودة، حتى مصروف البيت ومرتب الزوجة أخذوه من حقيبتها، ومصروف الأولاد، حتى 100 جنيه كانت في محفظة محمد، ثم أنزلوني إلى السيارة.


"هقتل اليهود"!!

  • كيف كان حال أهل بيتك في هذه اللحظات العصيبة؟
    • الحمد لله كان هناك ثبات شديد للزوجة والأولاد، ولكن الصغار ظلوا مرعوبين وخائفين حتى إن (ساجد) ابن أخي الصغير الذي عمره ثلاث سنوات ظنَّ أنهم "يهود"، وقال بمنتهى العفوية: "أنا هقتل اليهود اللي سرقوا عمي".

أما الوالد والوالدة فأمطروهم بوابلٍ من الدعوات، وقال لهم أبي: "سيبو محمود وخدوني مكانه، محمود فاتح بيوت ناس كتير".


حبيب الملايين

  • رأينا كيف يحبك الناس ويقدرونك، فما رد فعلهم تجاه هذه المشاهد؟
    • قلت سابقًا: إن الجيران تجمعوا حولي وحاولوا إخراجي من قبضة الأمن، وهذا جزء بسيط من الذي حدث، فقد تجمَّع الجيران حول البيت وظلوا يهتفون: "حسبنا الله ونعم الوكيل". ووجهوا حديثهم إلى رجال الأمن قائلين: "بتأخذوا الشرفاء وسايبين الحرامية وتجار المخدرات والسكرانين".

واندفع الناس نحوي، هذا يعطيني سجادة صلاة، والثاني يعطيني بطانية، وآخر يعطيني حقيبة مليئة بالأطعمة، وأنا والله إلى الآن لا أعرف هؤلاء من كثرةِ تدافعهم.


ختمة جديدة

  • بعد أن غادرت المنزل وركبتُ السيارة، ما أول أمر فكرت فيه؟
    • أول شيء فكرت فيه بمجرد أن وصلت إلى مقر أمن الدولة بالمحلة هو أن أبدأ ختمة جديدة لكتاب الله لهذه المرحلة، وبالفعل بدأتها، حتى وصلت إلى الآية 57 من سورة البقرة التي انتهت بقوله تعالى: ﴿وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ (البقرة: من الآية 57)، ثم أخذوني بعد ذلك إلى أمن الدولة في طنطا فاستقبلت هذه الآية كأنها رسالة ربانية من الله لتثبيتي في هذه المرحلة.


تهم بائدة

  • كيف تواصلت الرحلة بعد ذلك؟


    • في صباح اليوم التالي فوجئتُ بوالدي الحاج محمد العزباوي في سيارة الترحيلات التي انطلقت بنا إلى نيابة أمن الدولة في التجمع الخامس، وأنا لا أعلم حتى هذه اللحظات ما سبب القبض عليَّ، وأمام وكيل النيابة وُجِّه إليَّ بعض التهم المعروفة دائمًا مثل أني عضو في جماعة محظورة، وأجمع أموالاً لصالحها، وأجمع أموالاً لفلسطين، وأغسل تلك الأموال، ثم جاءت المفاجأة الكبرى وهي أنني عضو فيما أسموه "لجنة الاتصال العالمي لجماعة الإخوان المسلمين" ونائب المهندس سعد الحسيني في "التنظيم الدولي".

ثم واجهني بكشف به 44 اسمًا بينهم الشيخ عوض القرني ووجدي غنيم، اللذان نراهما في التلفاز وعلى الفضائيات، وشخصيات من لندن والجزائر وغيرها من الدول.


تنظيم "الرحلة"!!

  • ما الأحراز التي تم مواجهتك بها؟
    • كانت الأحراز عبارة عن 3000 جنيه جمعوها من البيت و300 ورقة مطبوعة لا أعرف من أين أتوا بها تتحدث عن رؤية الإخوان والتنظيم الدولي، ولجنة الاتصال الخارجي، وتوصيف الرئيس والنائب وغيرها، و3 ورقات بها أسماء أشخاص كانوا مشتركين في رحلة منذ سنوات نظمتها ابنتي مع بعض زميلاتها وبعض الأسر وكانت بخط يدها، وكان مكتوب أمام كل اسم عدد الأفراد الذين حجزوا للرحلة، مثل: إيمان: 7، وأحمد: 3، وعاطف: 2، فجمعوا تلك الأرقام وقالوا: إنها أموال جمعتُها ومجموعها 50000 جنيه، وهي في الحقيقة عدد أفراد الرحلة "50" كعدد مقاعد الأتوبيس، فعندما رأيتُ ذلك ضحكت ضحكة سخرية من هذه التلفيقات الساذجة، وبعد ذلك قاموا باستكتابي لمناظرة الخطوط، وتبيَّن أنها ليست بخط يدي، ثم قاموا بترحيلنا إلى سجن المحكوم.


تصفية حسابات

  • من وجهة نظرك، ما السبب الحقيقي لهذه القضية؟
    • السبب الحقيقي لهذه القضية هو تصفية حساب بسبب مساعدتنا لغزة أثناء العدوان الصهيوني الأخير على القطاع؛ حيث كانت تخرج المسيرات والمظاهرات السلمية في المحلة، وشارك فيها الآلاف من أبناء المدينة، فضلاً عن تقديمهم لقوافل إغاثية لإخوانهم هناك.


  • في ظل الأوضاع السيئة لسجن المحكوم، هل وجدتم مشكلة في علاج الإخوان المرضى أو الحصول على الأدوية اللازمة لهم؟
    • المشكلة التي واجهتنا أن أغلب الذين كانوا معنا يعانون من مرض السكر، وكانت مشكلة حفظ الأنسولين هي المشكلة الكبرى، حيث طلبنا من إدارة السجن السماح لنا بإدخال ثلاجة لحفظ الأنسولين، ولكن الإدارة رفضت هذا الطلب، حتى إنني أذكر موقفًا لأحد السجناء الجنائيين الذي أعطانا زجاجة من الماء المثلج كي نحفظ فيها حقن الأنسولين حتى لا تتلف.


آدمية مفقودة

  • لأول مرة تعيش مع السجناء الجنائيين الذين كثيرًا ما نسمع عن أوضاعهم السيئة في السجون المصرية، فماذا عن وضع هؤلاء؟
    • يعاني السجناء الجنائيون في السجون المصرية معاناةً شديدةً في كل شيء بدايةً من الزنزانة التي لا تسع 10 أفراد ويوضع بها من 35 إلى 40 مسجونًا لا يستطيعون النوم أو حتى الجلوس، بالإضافة إلى التعذيب؛ حيث كنا نسمع صرخاتهم من عنبر التأديب، فضلاً عن إجبار السجناء على القيء وغير ذلك، فالمعاملة ليست آدمية بالمرة، حتى لو كانوا مذنبين، فهناك أساليب أخرى لتقويمهم مع الحفاظ على آدميتهم.


تواصل الأجيال

  • حدثتنا قبل الحوار عن 10 طلاب كانوا معك في الزنزانة، كيف تعاملتم معهم بالرغم من الفارق الكبير في السن بينكم؟
    • لقد تحطمت كل الفوارق على صخرة الأخوة والحب في الله عز وجل، فكان من بيننا من هو من مواليد 1935م، ومن كان من مواليد 1991م، ومع ذلك انصهرت كل هذه السنوات في بوتقة الأخوة، منتجة تواصلاً فريدًا بين الأجيال من الصعب أن تجده خارج جماعة الإخوان المسلمين؛ وتوريثًا لهذه الدعوة العظيمة، فكانت نظرة الأمل من شيوخ الجماعة إلى شبابها ونظرة الاحترام والتقدير من الشباب إلى الشيوخ.


  • هل أثَّر عليكم في هذه الفترة التصعيد الإعلامي للقضية؟
    • بالطبع تأثرنا به، فأنا من أول يوم دخلت فيه السجن أقلمت نفسي على أنني لن أخرج إلا بعد فترة من 3 إلى 5 سنوات على الأقل، وتوقعت منحًى آخر سوف تأخذه القضية.


خلوة مع الله

    • لقد تركت الفترة الماضية أثرًا كبيرًا في نفسي، حيث كانت الخلوة مع الله عز وجل، فوضعت لنفسي برنامجًا إيمانيًّا إصلاحيًّا وتثقيفيًّا، وحفظت كمًّا كبيرًا من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأت العديد من الكتب، واستغرقنا هذه الشهور في العبادة والتقرب إلى الله والتخلص من عيوب النفس.


موقف محزن

  • في هذه الرحلة العصيبة مررت بمواقف مؤثرة، اذكر لنا بعضها.
    • من أشد المواقف التي أثَّرت في وفاة ابن عمي، والذي كنت أعتبره شقيقي الأكبر، والذي توفي بعد اعتقالي بأسبوع، وأدينا صلاة الغائب عليه وأخذت العزاء فيه من إخواني الذين التفوا حولي وأشعروني أني وسط أهلي في لحظات صعبة.


مضايقات

  • هذا موقف محزن فهل كان هناك مواقف أسعدتك؟
    • بالطبع كان هناك مواقف أسعدتني كثيرًا منها أن ابن ابن عمي الذي توفي زارني في السجن، وكان قد عاد من السعودية لمدة 3 أيام، قضى أحدها معي، وكان آخرها في أمن الدولة في طنطا قبل الإفراج عندما أفرجوا عن والدي الحبيب الحاج محمد العزباوي الذي رفض الخروج من أمن الدولة دوني، وقال: لن أخرج من هنا حتى تخرجوا محمود، ولم يخرج حتى أقسم له رئيس مباحث أمن الدولة أنهم سوف يخرجونني.


  • إذن كان هناك مضايقات أثناء الخروج من أمن الدولة.
    • نعم فعندما حضر الأهل لاستقبالنا أخبروهم في أمن الدولة بطنطا أننا تم ترحيلنا إلى سجن وادي النطرون بهدف دغدغة مشاعر الأهل، ولخوفهم من أن يقوم الأهل بعمل حفل لاستقبالنا.


  • وهل نجحوا في ذلك؟
    • هم أحبطوا حفل استقبال الحاج العزباوي الذي خرج قبلي، أما أنا فعلم الأهل بخروجي بعد خروج الحاج العزباوي، فاستقبلتني أكثر من 30 سيارة على طريق طنطا المحلة، ودخلتُ المحلة في موكب مهيب، وحملني أهلي وإخواني وأحبابي على أعناقهم.


مَن المحظور؟!

  • ما نوعية الجماهير التي كانت في استقبالك؟
    • لقد كان عدد الإخوان قليلاً إذا ما قورن بعدد الأهالي، فالحمد لله حجم علاقاتي الاجتماعية كبير جدًّا، وهو ما أدهش ضابط أمن الدولة حين وجد على هاتفي المحمول 3100 اسم، وقال لي: "هو في موبايل في الدنيا عليه 3100 اسم؟!".

وعلاقاتي ولله الحمد متنوعة مع مختلف فئات المجتمع وكافة أطيافه لدرجة أنني زارني أكثر من 2000 شخص في يومين فقط، ولعلك شاهدتَ ذلك بنفسك، حتى بائعة الخضار وأصحاب المقاهي الذين لا أكاد أمشي في الشارع حتى يستوقفوني ويوزعون زجاجات المياه الغازية على كل المارين في الشارع فرحةً وابتهاجًا بخروجي، فمن المحظور إذن؟!


رسالة النهوض

  • قبل أن نختم هذا الحوار الطيب، هل لك من كلمة أخيرة؟
    • نعم لي كلمة إلى شباب مصر، أقول لهم فيها: إن الإسلام قادم، وليس هناك حلاًّ لكل ما تعانيه الأمة إلا في الإسلام، واللجوء إلى الله تعالى.

وأدعو الشعب المصري بكافة طوائفه أقباطه ومسلميه وجميع الأحزاب السياسية والدعاة والمفكرين والمهتمين بحقوق الإنسان والنخبة إلى التكاتف من أجل النهوض بمصرنا الحبيبة ومحاربة الفساد والظلم والاستبداد، ومن أجل بناء مصر؛ لأن معاول الهدم والتدمير كثُرت والفشل عمَّ كل المجالات. اصبر انا مابعملش معاك