ما بعد كرنفال المصالحة !!
بقلم : محمد السودي
وحدة الشعب الفلسطيني هي المعيار الحقيقي للوصول الى غايات النصر والحرية من اجل انهاء الاحتلال ، أسباب عديدة دفعت عجلة المصالحة الوطنية الفلسطينية باتجاه تسريع التوقيع على مشروع الورقة المصرية التي تتضمن توافقات فلسطينية محصلة اكثر من الف واربعمائة ساعة حوار داخلي لم تؤدي نتيجتها الى اغلاق ملف الانقسام ، ثم انجزت خلال لقاء جمع حركتي فتح و حماس دام اربع ساعات فقط خرج على اثرها الدخان الابيض من قاعة الاجتماعات بعد انتظار طويل دام سنوات عدة ، من هذه الاسباب ما يتعلق بالمتغيرات الجذرية التي هبت رياحها العاصفة على المنطقة العربية تجاوزت حدود التوقعات للاحزاب والحركات الوطنية في تلك البلدان ،
كما فاجأت المهتمين بالشؤون السياسية ومراكز الابحاث الاستراتيجية حيث لم يتوقع كائنا من كان بأن الشرارة التي انطلقت من احد الاشخاص المعذبين في تونس سيمتد لهيبها الى ذلك العدد الكبير من الدول الاخذة بالتوسع ، إذ لم يعد بالامكان اخماد النيران والسيطرة عليها ، بالرغم من مكابرة الزعماء الذين رددو نفس الاسطوانة المشروخة بأن ما حصل هناك لايمكن حدوثه هنا ، ولايدري احد عن الاسباب التي دعتهم الى هذه الثقة العمياء لماذا يكون حال بعضهم افضل من احوال الاخرين ؟
مع ان النظام العربي السائد بشكل عام تجمعه سمات مشتركة تكاد تكون متطابقة ، قوامها الاستبداد والحكم الفردي واحتكار السلطة وغياب الحياة الديمقراطية وبالتالي عدم وجود المؤسسات ، بغض النظر عن بعض الخصوصيات التي لا تشكل فوارق جوهرية بينهما ،من هذه الزاوية نرى ان الشعارات التي تبنتها الثورات توحدت في الشكل والمضمون اخذت تتدحرج بشكل تدريجي تطالب بالحرية والكرامة الانسانية ، والاصلاح السياسي ومحاربة الفساد الذي استشرى الى حد غير معقول كانت نتيجته ظهور طغمة مالية جمعت بين الثروة والسلطة على حساب الغالبية العظمى من الفئات المجتمعية العربية ..
لقد ردّت الانظمة الحاكمة على شعوبها بذات الطريقة القمعية المعهودة عنها باستخدام القوة المفرطة والاعتقالات العشوائية لكل من يخالفها الرأي ثم لجأت الى القتل والعقاب الجماعي تحت ذرائع وحجج واهية بأن الوطن يتعرض لمؤامرة خارجية ينفذها عملاء في الداخل تستهدف النيل من صموده وممانعته وتاريخه ، ولم تتورع في استخدام اسلحتها الفتاكة التي ظلت حبيسه المستودعات يأكلها الصدأ ثم خرجت لمواجهة شعوبها المقهورة التي لا تملك سوى ايمانها بحتمية التغيير نحو مستقبل افضل تسوده العدالة والحرية ، الامر الذي أدى الى تمحور المطالبات جميعها بضرورة اسقاط النظام القديم .
لعلّ من نافلة القول بأن هذه التحولات كان لها الاثر البالغ لقوة الدفع في اعادة القراءة الموضوعية للمشهد العربي بشكل عام وانعكاساته على الحالة الفلسطينية بشكل خاص ، حيث لم يعد ممكنا ادارة الظهر لاماني وتطلعات الشعوب التواقه الى التغيير وبالتالي فان القوى المحركة لهذه الثورات كانت من فئة الشباب سبقت الانظمة والاحزاب في قدرتها على التأثير المباشر لحركة الشارع والانتقال من مكان لاخر ومن هنا كانت الساحة الفلسطينية مرشحة اكثر من غيرها الى مثل هذا التحرك على خطين متتابعين الاول انهاء الانقسام المدمر للمشروع الوطني الفلسطيني ، الذي غذّته حكومة الاحتلال بعد الانسحاب من قطاع غزة مباشرة وثانيا الانتقال الطبيعي الى المهمة المركزية التي تتمثل بانهاء الاحتلال ونيل الشعب الفلسطيني حريته واستقلاله .
ان توقف المفاوضات الفلسطينية مع سلطات الاحتلال نتيجة وصولها الى طريق مسدود جراء تعنت حكومة اليمين المتطرفة ورفضها المطلق وقف الاستيطان ، واستمرار العدوان على الشعب الفلسطيني وفرض الحصار على قطاع غزة والتهديد المستمر بشن عملية عسكرية واسعة النطاق شكّل قوة دفع اخرى باتجاه المصالحة الفلسطينية ، ولاشك ان الاداء السياسي الفلسطيني في الاونة الاخيرة حقق الكثير من الانجازات على المستوى الدولي لجهة الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الاراضي التي تم احتلالها عام 67 والثبات على موقفها الرافض لاستئناف المفاوضات دون الوقف التام للاستيطان في القدس وباقي الاراضي الفلسطينية المحتلة ، الامر الذي ازال احدى العقبات التي شكلت عائقا في اعادة اللحمة الفلسطينية حسب بعض وجهات النظر السائدة آنذاك ،
كما ان الانحياز الامريكي المطلق الى جانب حكومة الاحتلال وتخليها عن الوعود التي اطلقها الرئيس اوباما بداية عهده وانصياعه لضغوط اللوبي الصهيوني في مجلسي النواب والشيوخ واستخدام حق النقض الفيتو في مجلس الامن الدولي ضد قرار هزيل يدين الاستيطان ادى الى تقارب المواقف وباتت الظروف ناضجة لانجاح المصالحة ، لقد ساهمت العوامل الاقليمية والخارجية بما لا يدع مجالا للشك في تعميق حالة الانقسام الفلسطيني نتيجة لتعارض المصالح المختلفة ، دفع الشعب الفلسطيني ثمنا باهظا لهذه المواقف التي سعت بشكل حثيث الى وأد استعادة الوحدة الوطنية في مهدها وبالتالي ارجاع القضية الفلسطينية عقود من الزمن الى الوراء ، الامر الذي وفر ارضية ملائمة لمخططات الاحتلال الرامية لشطب القضية الفلسطينية واستثمار عامل الوقت لفرض سياسة الامر الواقع .
ان التوقيع على اتفاق المصالحة الفلسطينية ضرورة لا بد منها على طريق حرية شعبنا في الوصول الى تحقيق اهدافه النبيلة ومن اجل ذلك فان الخطوات الاكثر اهمية تكمن بالارادة الصادقة لدى كافة الاطراف في تنفيذ هذا الاتفاق حيث لا توجد ضمانات ملزمة سوى سهر جماهير شعبنا وقواه وفئاته المجتمعية في المقدمة منها قوى الحراك الشبابي على تشكيل اداة ضاغطة تؤدي الى النهايات المرجوة ،
هنالك الكثير مما يقال عن الاتفاق ويقيني ان مدة عام لاجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وللمجلس الوطني هي مدة طويلة نخشى من ان تصبح عامان او اكثر ، كما ان عوامل تعطيل الاتفاق موجودة في شياطين التفاصيل ولا احد يدري لماذا لم يتم توحيد القوانين الانتخابية على اساس النسبية الكاملة في مرحلة التحرر الوطني اسوة بالانتخابات المحلية وكذلك انتخابات المجلس الوطني ؟ المحاذير كثيرة اذا ما اضفنا اليها عامل الاحتلال الذي اصيب بالصدمة والغيظ والارباك بكونه بنى سياساته الاستراتيجية على استمرار حالة الانقسام والانفصال لمكونات وحدة الشعب الفلسطيني وينبغي ايضا التنبه للعوامل الخارجية والاقليمية في حال ارتدادها باتجاهات لا تصب في مصلحة الاتفاق .
ولكن شعبنا يعوّل كثيرا على ايمانه بعدالة قضيته وتمسكه بثوابته الوطنية مهما كانت الظروف ، وهو يعدّ العدّة استعدادا لاستحقاقات تجسيد الدولة الفلسطينية في سبمتبر المقبل ، ولن يثنيه عن ذلك عدوان الاحتلال وبطشه ولا انحياز الادارة الامريكية لاسرائيل ، وعلى امريكا ان ترى ما تفعله ارادة الشعوب في المنطقة العربية ، حيث تلوح بشائر التحولات السياسية والاجتماعية والديمقراطية بما يعزز القضية المركزية للامة العربية ، لقد ولّى عصر الديكتاتوريات والاستعمار بكافة اشكاله وهكذا سيكون حال الشعب الفلسطيني يخرج اقوى في كل مرة يتعرض بها للامتحان .
- عضو المكتب السياسي لجبهة التحرير الفلسطينية
المصدر
- مقال:ما بعد كرنفال المصالحة !!المركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات