لطيفة حسين الصولى

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لطيفة حسين الصولى ..... بين الجهاد والشهادة

مقدمة:

إلى كل مؤمنة إستقر الإيمان فى قلبها.

على كل حائرة أمام بريق المذاهب الخادعة.

إلى كل متعلمة حيل بيتها وبين أن تعرف سير الصالحات فى العصر الحديث.

إلى كل أم وأخت كانت لها رسالة خطيرة فى المجتمع تود أن تؤديها كاملة لوجه ربها.

إلى كل أمينة على مستقبل الشباب فى جيلنا والأجيال القادمة نقدم النموذج الثانى على طريق دعوة الأخوات المسلمات.

نشأتها :

نشأت السيدة الفاضلة لطيفة حسين الصولى فى بيت تقوى وورع، وكان والدها أحد أعيان الإسماعيلية، ومن المحبين والمعجبين بالأستاذ البنا، وأحد الذين وقفوا بجواره فى كل شئون الدعوة هو وأولاده الذين كانوا جميعا ينتمون إلى دعوة الإخوان المسلمين.

وكان الحاج حسين الصولى أحد الذين إختارهم الإمام الشهيد لشراء قطعة الأرض اللازمة لإنشاء مشروع المسجد والدار قبيل الإجازة الصيفية للعام الدراسي الثاني 19281929م وكان معه الشيخ محمد حسين الزملوط، اللذان وقعا على عقد البيع بتفويض رسمي من الجمعية "التي كانت حينذاك قد تشكلت بوضع الجمعيات القانونية..".

فهى فتاة مسلمة عاشت في أسرة مسلمة ، التزمت منهج الله طريقا ،وكتاب الله دستورا وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيلا. نشأت كغيرها من بنات جيلها ، لا يميزها عنهن شيء.

عاشت السيدة لطيفة في أسرة خدمت الدعوة، وفي بيتها ترعرعت نواة حركة الإخوان المسلمين، ومن ثنايا دارها فاحت روائح الطيب كلها، فكانت من السابقات في مضمار الدعوة، كما كانت لها وقفات إيمانية تدل على جهادها وصبرها، وقد عزفت عن الشهرة، فلم يُكتب عنها كلمة في حينها.

زواجها من الإمام البنا

عندما حان وقت الزواج، طلب حسن البنا الزواج .. لكن من هى تلك الفتاة التى تقترن برجل مثله؟رجل شغفته دعوته حبا فهام بها، وطرق أبواب الغافلين لعرفهم بدعوته، رجل حياته كلها أسفار ومحن وابتلاءات . . فمن هى تلك العروس التى تناسبة؟

فالفتاة التى يطلبها حسن البنا لابد أن تعرف كيف تضحى وتجاهد وتبذل فى سبيل الدعوة بيس نت أجل زينة الدنيا لكن من اجل وجه الله ذو الجلال والإكرام.

ورزق حسن البنا العروس المناسبة . . كيف؟

كان الإمام البنا بار بأبويه، ويستبشر خيرا بكل ما ياتيه عن طريقهما، فهو المحب لهما، الواثق فى صلاحهما . . حدث أن كانت أمه في زيارة بالإسماعيلية وكان من عادتها زيارة بيوت الإخوان هناك، وفى إحدى زيارتها لبيت الحاج حسين الصولي، سمعت صوتا نديا يقرأ القرآن فى خشوع ترق له القلوب، فانجذبت نفسها إليه،وسألت عن صاحب الصوت، فأجاباتها حرم الشيخ الصولى:إنها ابنتنا "لطيفة"تصلى فأحبتها أم الإمام، وتأثرت بنبتة هذا البيت الطيب،وبعد أن فرغت من الصلاة قدمت ترحب بالضيوف، وكانت أم الإمام تنظر فى وجه الفتاة فتجده مشرقا بالإيمان فداخلها شعور بصلاح الفتاة.

وعادت ونقلت إلى ابنها أن هذه الفتاة جديرة بأن تكون زوجة له، ولم تكن الآنسة لطيفة تدرك أن صوتها الخاشع سيكون رسولها إلى قلب الإمام أيضًا بعد أن فهمت أمه ماذا يريد ابنها من مواصفات في رفيقة الدرب والحياة.

وما أن سمع مشورة والدته فى الزواج حتى توجه على الفور إلى بيت الحاج حسين الصولى يطلب يد الفتاة، وكان حادثا سعيدا تلقاه الجميع بالقبول مبتهجين مستبشرين.

وفى ذلك يقول الإمام البنا عن الزواج المبارك: ( . . وكأنما أراد الله سبحانه وتعالى أن يخفف عن نفسى وقع هذه الفتن فأتاح لى فرصة الزواج، وتم الأمر بسهولة وبساطة، فكانت الخطبة في غرة رمضان 1350هـ الموافق يناير 1932م فعقد في المسجد في ليلة السابع والعشرين منه .. فزفاف في العاشر من ذي القعدة، وقضى الأمر والحمد لله رب العالمين .

ويذكرشقيق الإمام البنا الأستاذ عبد الرحمن الساعاتي فى أحد خطاباته عن هذه الزواج: (وكان حفل القران قد جرى بالمسجد وجاء الإخوة بأجولة التمر التى وزعت على الحاضرين وكان الإجتماع حافلا بالعاطفة الدافئة والمشاعر المتأججة).

ايقنت السيدة منذ اول وهلة ان الزواج وسيلة تتقرب بها الى الله تعالى وان حسن طاعتها لزوجها يدخلها الى الجنة وكان من اهدافها اقامة بيت مسلم يكون نموذجا طيبا وتكون هي قدوة لبنات جنسها .... وكانت تدرك انها زوجة رجل دعوة، كما أنها ادركت ان حسن تبعلها لزوجها نوع من الجهاد.

دورها الدعوى والتربوى

بعدها أن أحس الإمام البنا أن رسالته في مدينة الإسماعيلية قد انتهت، فالدعوة مؤسسة والمنشآت قائمة وتم الزواج والحمد لله، سعى أن ينتقل إلى القاهرة ليبدأ مرحلة جديدة فى دعوته، وحقق الله رغبته واستجيب لطلبه فى النقل، وانتقل وأهله الى القاهرة فى اكتوبر 1932م.

وبعد انتقالته شاركته جهاده وتحمله لعبء الدعوة، فكان البيت لا يخلو يوما من الإخوان الذين جاءوا لمرشدهم، فتقوم الزوجة الكريمة بواجبات إكرام الزائرين، ويرتحل المرشد ليال وأسابيع يبيتها خارج المنزل ليبلغ دعوته وهو مطمئن على أهله، فهى الزوجة التى تشاركه جهاده وهموم دعوته وتعرف أن هذا هوالطريق فلا سأم ولا ضجر، لقد كانت تقدم دائما مصلحة الدعوة على مصلحة نفسها وبيتها.

تقول ابنتها الدكتورة سناء البنا: والدتي رحمها الله كانت تقدم دائمًا مصلحة الدعوة على مصلحة نفسها وبيتها، فقد كانت تقوم على رعايتنا حق الرعاية وتهيئ جو البيت لاستقبال الوالد المرهق من كثرة الأعباء والأعمال فيجد راحته في بيته لمدة سويعات قليلة ينطلق بعدها ثانيًا إلى الدعوة، ويذكر لوالدتي رحمها الله أنه عندما قام والدي بتأسيس المركز العام للإخوان المسلمين طلبت منه أن يأخذ كثيرًا من أثاث البيت عن طيب نفس منها ليعمر بها المركز العام فنقل السجاجيد والستائر والمكتبات وكثيرًا من الأدوات وكانت سعيدة بذلك غاية السعادة.

لقد كانت رحمها الله تعتبر أي فرد من أفراد الجماعة هو أحد أبنائها، وأذكر أنه عندما كانت تأتي أخت من الأخوات لتشكو زوجها كانت أمي تناقشها وكأنها أمها وفي نفس الوقت حماتها، وتبادرها بالسؤال ماذا فعلت في ابني فلان حتى تصرف معك هذا التصرف؟! ولقد كانت تشارك الإخوان أفراحهم وأحزانهم، فكانت فرحة أي بيت من بيوت الإخوان هي فرحة في بيتنا، وكانت مصيبة أي بيت هي مصيبة بيتنا أيضًا.

ولقد رزقها الله من زوجها الإمام البنا بالذرية الصالحة فأنجبت سبعة أبناء من الذرية المباركة ومن أبنائها : سيف الاسلام حسن البنا المحامي والنقابي المعروف , ووفاء زوجة الداعية الراحل سعيد رمضان .. وثناء الاستاذة بكلية البنات في مصر وهالة الاستاذة بكلية الطب ورجاء خريجة كلية البنات وتوفي الصغر محمد حسام الدين وصفاء وقد الحدهما الإمام البنا بنفسة واحتسبهما الوالدان عند الله تعالى بصبر ورضا وتسليم عسى أن يكونا ذخرا لهما في الجنة باذن الله تعالى .

كانت السيدة لطيفة شديدة العناية باسرتها واولادها وماتت راضية عنهم ودعت لهم كل الخير في حياتهم واخرتهم وكانت تصون اولادها من كل سلوك يغاير كتاب الله سبحانة وسنة رسول صلى الله علية وسلم .

تعلمت من زوجها المربي ألا تكون الأوامر مباشرة للاولاد في التوجية لكن بلسان الحال التلميح وتقديم المثل والقدوة واستغلال المواقف والقصص الجميلة اسوة بالنبي الكريم وصحبة الكرام والسلف الصالح، وكان ابرز سماتها في تربية أولادها حثهم على صلة الأرحام بل كان تحصيهم عددا وتصحبهم في زيادة الأقارب.

وكانت تشارك الإمام البنا فى كل مصاب يقع لهم ففى إحدى الأيام كان قد دعا الإمام البنا إلى "كتيبة" تبيت بالمركز العام، يتحدث معهم إلى هزيع من الليل، ثم ينامون ساعة أو ساعتين، ثم يستيقظون لصلاة الفجر، وكان قد ذهب إلى المنزل فوجد ابنه محمد في حالة الخطر، وعلى شفا الموت، وكان موعد الكتيبة قد اقترب فانصرف إليها، وبينما هو يتحدث معهم في بشاشته المعهودة، جاء من يسرُّ إليه أن ابنه توفي، فما زاد على أن قال له بضع كلمات تتعلق بغسله وتكفينه.. وواصل حديثه مع أعضاء الكتيبة ونام معهم، وفي الصباح أمر بمن يذهب به إلى القبر!! فما زادها ذلك إلا صبرا وإحتسابا.

ولم يتوقف دورها عند ذلك وفقط بل كانت تربى أولادها على الإسلام وحسن الأخلاق، وتساعد زوجها فى رعايته لأولاده فكانت تقوم معه بعمل دوسيه خاص لكل فرد من أبنائها يكتب فيه تاريخ ميلاده ورقم قيده وتواريخ تطعيمه ويحتفظ فيه بجميع الشهادات الطبية التي تمت معالجته على أساسها وهل أكمل العلاج وكم استغرق المرض إلى آخر هذه التفاصيل، وكذلك الشهادات الدراسية.

كما كانت تقوم بتعريف الأخوات كيفية الإيمان بالله ، والإيمان بالآخرة، وكيف ترعى كل واحده منهن ما أنزل الله من أمر ونهى فى غير غلو يجاوز ما أراد الله من اليسر ولا ترخيص يفسد همة المرء عن عظيم حرمات الله.

محن دعوية

تعرض زوجها للإعتقال فى 14 أكتوبر 1941م الموافق 23رمضان /1360 هـ، فما جزعت ولا قنطت وظلت صابرة حتى أفرج عنه فى 13 نوفمبر 1941م الموافق 23شوال /1360 هـ .

وعندما دخل افخوان فى طور المحنة وزج بهم فى السجون عام 1948م فلم يجد النوم سبيلا لعين هذه المجاهدة التى شاركت المرشد العام همومه فى هذه الأيام الحالكة من تاريخ الدعوة . . لقد كان بكاء الأطفال وتوجع الزوجات والأمهات يعتصر قلبيهما.

وفى ليلة حزينة من ليال هذه المحنة وفى 12 فبراير 1949م جاءها خبر استشهاد زوجها، وفى وسط مظاهرة مسلحة من القتلة والسفاحين دفنت زوجها مع رجل عجوز هو والد الإمام الشهيد وبعض النسوة اللاتى حملن النعش وواروا الإمام فى مثواه الآخير فى هذا المشهد المرير لم تجد الزوجة المكلومة إلا ان ترفع أكف الضراعة إلى الرحمن تحتسب زوجها وتدعوا على الظالمين.

وفرضت الحراسة على قبر الزوج الشهيد وحرم على أسرته وأقاربه زيارته، ولم يسمح لأحد من أفراد الأسرة بالخروج من البيت، ولم يسمح لأحد بالإتصال بهم إلا عن طريق الشرطة، وقطع خط التليفون عنهم، وكان كل شىء حولهم مراقب حتى الأولاد كانوا يذهبون إلى مدارسهم تحت رقابة الشرطة، وظلت صابره، ولم يكتفوا بذلك بل أوعزوا إلى مصلحة التنظيم بإزالة البيت التى كانت تسكن فيه الوالدة الثكلى وابنائها . . بحجة أن البيت الذي يسكنونه آيل للسقوط برغم أن حالته كانت جيدة لينقلوهم من مكان يُدفع فيه أجر زهيد لا يتجاوز 216 قرشاً إلى بيت يُدفع فيه عشرة جنيهات فيكون ذلك عبئًا جديدًا على الأسرة وضغطًا نفسيًا ومعنويًا بعد أن وجدت الأسرة نفسها في العراء.

واستمرت المحاكمات والتحقيقات لمعرفة قاتل الإمام الشهيد سنين حتى قضت المحكمة فى عهد الثورة: بمعاقبة أحمد حسين جاد بالأشغال الشاقة المؤبدة وكل من الباشجاويش محمد محفوظ محمد والأميرلاي محمود عبد المجيد بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة وإلزامهم بطريق التضامن والتكافل مع الحكومة المسئولة عن الحقوق المدنية:

- بأن يدفعوا عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض للسيدة لطيفة حسين زوجة الشيخ حسن البنا وأولاده القصر منها وهم: وفاء وأحمد سيف الإسلام وسناء ورجاء وهالة واستشهاد المشمولين بولاية جدهم الشيخ عبد الرحمن البنا.

- وبأن يدفعوا للشيخ عبد الرحمن البنا والسيدة أم السعد إبراهيم صقر والدي القتيل "قرش صاغ واحد" على سبيل التعويض المؤقت.

- وبأن يدفعوا للأستاذ عبد الكريم محمد منصور مبلغ ألفي جنيه على سبيل التعويض.

- وبمعاقبة البكباشي محمد محمد الجزار بالحبس مع الشغل لمدة سنة ورفض الدعاوى المدنية قبله.

وكان ذلك هو ما حصلت عليه وأبنائها بعد فقد زوجها، لكنها ضربت أروع الأمثلة فى الصبر.

وعندما تم اعتقال إبنها أحمد سيف الإسلام عام 1965، ظلت شامخة كلاجبال الرواسى فلم يلن لها جانب حتى أفرج عنه بعدها بقليل مع تحديد إقامته في منزله عامًا، ثم اعتقاله ومحاكمته عسكريًا عام 1969- لكن كان ذلك بعد وفاتها عليها رحمة الله - وحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات قضى منها 4 سنوات لخروجه أول أكتوبر 1973م.

وتمضى محنة العهد الملكى وتجىء محنة العسكر، حيث صدرت أحكام بالإعدام على قيادات الإخوان، فيرسل الأستاذ عبد القادر عودة أخاه الدكتور عبد الملك عودة إلى الوالدة الكريمة ليسلمها وصيته والتى كتب فيها: (إن عبد القادر سينفذ فيه حكم الإعدام غداالخميس ويتمنى لو يدفن فى قبر الإمام الشهيد حسن البنا ، فرحبت الزوجة الكريمة بذلك مما عرضها وأولاها فيما بعد لضرر كبير فكانت نعم المجاهدة الثابتة).

وفاتها

ظلت الزوجة الثكلى والأم المشحونه بالهموم ما بين محنتها وأولادها واعتقال إخوانها وأخواتها، حتى تجمعت عليها الأمراض منذ عام 1965 م مما زاد من آلامها ومعاناتها حتى فاضت روحها الطاهرة فى عام 1968م بعد هزيمة عبد الناصر عام 1967م، لتلحق بركب زوجها الكريم بعد ستة وثلاثين عاماً من زواجها منه يرحمه الله.

المراجع

1- حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية ، دارالتوزيع والنشرالإسلامية.

2- محمد عبد الحكيم خيال ومحمود محمد الجوهري: الأخوات المسلمات وبناء الأسرة القرآنية، دار الدعوة ، 1993م.

3- الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، محمود عبد الحليم، دار الدعوة ،1998م.

4- زينب أبو غنيمة: حسن البنا من الميلاد للإستشهاد، الفتح للإعلام العربى، بدون تاريخ .

5 - مقال لناهد إمام: مجلة المجتمع، العدد1538 ،بتاريخ 2003/8/2م.

6 - جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، الكتاب الأول، دار التوزيع والنشر الإسلامية،2003م.

7 - عباس السيسي: فى قافلة الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2003 م.

8 - محمد الصروي: الإخوان المسلمون محنة 1965م: الزلزال والصحوة"، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2004م.