كن وَرِعًا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

كن وَرِعًا... بقلم / أ.د. محمد حبيب


الأخ الحبيب.. تحيةً من عند الله مباركةً طيبةً؛ فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..

الدكتور محمد حبيب

فيقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: "يا أبا هريرة، كن ورعًا تكن أعبد الناس".. هذه وصيته وتوجيهه وإرشاده وتربيته لأبي هريرة رضي الله عنه، ولكل من رام رفعة المنزلة وعِظَم الشأن وعلوَّ القدر، خاصةً فيما خلَق اللهُ الإنسانَ من أجله وهي العبادة.. يقول الحق جل وعلا: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات: 56)، وهي كما نعلم مهمة الرسل الكرام، كما جاء في آيات كثيرة ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ (المؤمنون: من الآية 32) وهذا المعنى يجب أن نعيشه بكل أفئدتنا وخلجات قلوبنا، ولا نغفل عنه لحظةً، وذلك من تمام العقل والحكمة والرشد؛ حتى تظلَّ وجهتُنا منضبطةً في مسارها الصحيح إلى أن نلقى الله تعالى.

  • والورع يا صاحبي هو السلوك الذي تنال به الفضائل كلها والصفات الجامعة لكل خصال الكمال، من جلال القرب، وجمال الرضا، وشرف العزة، وكرم السيادة والسعادة، ونعمة السكينة، وزينة الوقار، وصدق اليقين، ونور الحكمة، وصلابة الحق، وثبات الجنان، والغنى عن الناس، وهو الخلُق الذي يمنحك فتوحات العارفين، ويجعلك من أصحاب الدرجات العلا من المجاهدين العاملين، ويهيئك لاستقبال المنح الإلهية الكبرى، والفيوضات الربانية العظمى.
  • والورع هو الحياة مع الله، والارتباط بالآخرة، وعلامة التقوى في أجلِّ وأرفع معانيها وغاية ما يرجوه الحق تبارك وتعالى لنا نحن المؤمنين ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُوْنَ﴾ (البقرة: من الآية 183).
  • والورع كما عرفه العلماء: "اجتناب الشبهات خوفًا من الوقوع في المحرمات" (الجرجاني)، أو "ترك ما لا بأس به حذرًا مما به بأس" (الصديقي)؛ مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" وقوله: "إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه" وكما قال صلى الله عليه وسلم: "البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس".

ويتطلَّب الورع معرفةً وثيقةً بالله تعالى، وإيمانًا عميقًا به، وتعلُّقَ القلب بجلاله وكماله، وعدمَ الركون إلى شيء سواه، وفرارًا دائمًا إليه، ورجاءً فيما عنده، ومراقبةً دائمةً له، واستقامةً كاملةً على منهاجه القويم، وحبًّا لكتابه العظم، واقتداءً بنبيه الكريم، كما يستلزم الورع نظرًا شاخصًا إلى الآخرة، وشوقًا إليها، واستعدادًا لها؛ حيث مرافقة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه المصطفين الأخيار.

ولعلك أخي الحبيب تتذكَّر تلك الكلمات الخالدات التي تردَّدت في تلك اللحظة العبقرية على لسان بلال رضي الله عنه: "غدًا نلقى الأحبة.. محمدًا وصحبه".


الأخ الحبيب..

لقد قامت حضارة الإسلام ونهضت أمة خير الأنام على أكتاف رجال تخلَّقوا بالورع، فدانت لهم الدنيا.. رجال من أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والزبير وطلحة وسعد، وغيرهم وغيرهم من الكواكب والشهب، الذين لم يحفل التاريخ بنظراء لهم؛ فهل سألنا أنفسنا أين نحن من الورع؟!

  • إن نبل الهدف يجب أن يواكبه شرف الوسيلة؛ إذ إننا مساءلون ابتداءً عن الوسائل وليس عن النتائج؛ فهل دقَّقنا في اختيار وسائلنا؟ وهل توخَّينا فيها الحذر واتقاء الشبهات والبعد عن الريب؟
  • إن الإخوان منتدَبون لمهمة كبرى، وهي تشييد حضارة تستلزم هممًا عاليةً، ونفوسًا أبيَّةً وقلوبًا زكيةً، وآمالاً كبارًا، وهذه لا تُنَال إلا بالورع.
  • فمن الورع، مثلاً، أن تؤدي واجبك تجاه عملك الذي تقتات منه على أكمل وجه ممكن؛ من حيث الالتزام الكامل بالموعد، وإتقان العمل، وما يتطلَّبه ذلك من تفانٍ وصدقٍ وتجردٍ.
  • ومن الورع أيضًا عدم الاقتراب- فضلاً عن المساس- من المال العام، نقديًّا كان أو عينيًّا، فهذا من أولى الأولويات التي يجب أن تنال اهتمامنا وتشغل بالنا، وتكوِّن جزءًا مهمًّا من تفكيرنا وأخلاقنا.
  • ومن الورع كذلك المحافظة الكاملة لحقوق الغير وما أكثرها، خاصةً في هذا الزمان، سواءٌ كانت حقوقًا سياسيةً أو اقتصاديةً أو اجتماعيةً، وسواءٌ كانت متعلقةً بفرد أو مجموعة أفراد، وهذه تتضمن تفصيلات كثيرة ربما نُفرد لها مقالاً خاصًّا بها.
  • ومن الورع عدم إساءة الظن بالمسلمين من غير ضرورة ولا قرينة أو دليل؛ مصداقًا لقول الحق جل وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ (الحجرات: من الآية 12)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث".


  • ومن الورع أن تتحرَّى المطعم والمشرب الطيِّب، وتأمَّل وصية الحبيب: "يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة"، وأن ترعى الله تعالى في عمرك وشبابك ومالك وعلمك، فعن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قالَ: "لاَ تَزُولُ قَدَمَ ابنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبّه حَتّى يُسْأَلَ عن خَمْسٍ: عن عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وعن شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ، وَعن مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ".


وتذكر :

- أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد ثمرة في الطريق فقال "لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها".

- وأن الصديق رضي الله عنه أكل طعامًا أتاه به غلامه، ثم أخبره الغلام أن فيه شبهةً، فما وسع الصديق إلا أن أدخل يده في فمه، فقاء كل شيء في بطنه.

- وأن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "اشتريت إبلاً، وسقتها إلى الحِمَى، فلما سمنت، قدِمتُ بها، فدخل عمر رضي الله عنه السوق فرأى إبلاً سمانًا، فقال: لمن هذه؟ قلت: إبل أنضاء- أي هزيلة- اشتريتها وبعثت بها إلى الحمى أبتغي ما يبتغي المسلمون، فقال: ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين.. يا عبد الله بن عمر خذ رأس مالك واجعل الربح في بيت مال المسلمين.


فاجتهد أخي الحبيب أن يكون لك من الورع نصيبٌ؛ حتى نلحق وإياك بأهل الهمم العالية وأصحاب القلوب النقية التقية..

والله من وراء القصد


المصدر : نافذة مصر