فيصل مولوي: الجماعة الإسلامية بلبنان محايدة ولها طروحاتها
حاوره زياد طارق رشيد
تعتبر الجماعة الإسلامية في لبنان أكبر تنظيم إسلامي سني غير رسمي. وتنتمي الجماعة إلى مدرسة الإخوان المسلمين , وهي الأكثر تنظيماً, ولها حضورها في معظم المناطق اللبنانية.
وتلتزم الجماعة موقفا محايدا من الأزمة السياسية الراهنة بين تحالفي المعارضة والموالاة, بالرغم من تفاقم ظاهرة الاستقطاب السياسي والطائفي في البلاد. وقد التقت الجزيرة نت الأمين العام للجماعة الإسلامية الشيخ فيصل مولوي , فكان هذا الحوار.
- لبنان حاليا بأزمة سياسية أضرت سياسيا واجتماعيا بالبلاد. ووسط جدية وخطورة الخلاف السياسي بين الأحزاب متعددة الطوائف المنضوية تحت لواء المعارضة والأحزاب الأخرى، ممثلة بتيار الموالاة الحاكم, يلاحظ المتتبع للوضع الداخلي أن الجماعة الإسلامية غائبة عن هذا المشهد, رغم كونها أكبر تنظيم سني في لبنان, أين أنتم؟
بسم الله الرحمن الرحيم, الجماعة الإسلامية موجودة في المشهد السياسي اللبناني منذ فترة طويلة, لكنها حوصرت, بحيث أصبح عند الكثيرين شعور بأنها لا تمثل شيئا, وهذا ما يجعل مبادراتها السياسية ونشاطها السياسي قليل الظهور في الإعلام.
نحن منذ اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري, قدمنا مبادرة, وأنجزنا رؤية سياسية للوضع في لبنان بعد العملية.
وخلال الأزمة الراهنة قدمنا مبادرة واعتبرنا أنها الحل الوحيد للخروج من الأزمة, وقد وافق عليها أكثر الفرقاء. لكن الواضح أن الصراع الآن هو بين المقاومة والحكومة, وسببه انعدام الثقة بين الطرفين.
بالنسبة للوضع السياسي, نحن نملك رؤية واضحة, ووجودنا على الساحة السياسية يلقى تفهما من الطرفين, باعتبار أننا لسنا مع أحد, نحن نظريا على الحياد, لكننا عمليا مع الطروحات التي نقتنع بها, سواء كانت مع هذا الفريق أو ذاك.
ولدينا مجال واسع للحوار والزيارات والتواصل مع الطرفين, لكننا نعتبر أن انعدام الثقة بينهما هو عنصر أساسي في توسيع الشرخ, وبالتالي عنصر أساسي في زيادة التدخل الأجنبي في لبنان.
- ما أسباب انعدام الثقة بين المعارضة والحكومة؟
المقاومة ليست مرتاحة إلى موضوع نزع سلاحها, وتعتبر أن هناك قرارا دوليا ومحليا ضمنيا بنزع هذا السلاح, وهذا سبب انعدام الثقة.
وهذا أدى إلى تأزم الخلاف بشأن المحكمة الدولية, فالمعارضة تقول إنها مع المحكمة, ولكنها تريد أن تناقش التفاصيل, والأكثرية الحاكمة لا ترتاح إلى هذا, وترى أن الحديث عن التفاصيل سيعني رفض المحكة الدولية بالمطلق, وتصر على المضي بالمحكمة دون رأي الآخرين.
وبما أن الجهات الخارجية هي التي تتحرك بشأن لبنان, وبما أننا لا نمثل أي جهة خارجية, فإن أطراف الخلاف هم اللاعبون الأساسيون. وكل الذين يأخذون مواقف أخرى لا يظلون في الساحة لأن الأمر طويل.
بما أن الجهات الخارجية هي التي تتحرك بشأن لبنان , وبما أننا لا نمثل أي جهة خارجية, فإن أطراف الخلاف هم اللاعبون الأساسيون.
فمثلا الرئيس الأسبق سليم الحص على فاعليته، ورؤساء الحكومة السابقون على فاعليتهم, قدموا مبادرات ولم يستطيعوا النجاح في إحراز تقدم, هم ينصحون لكن لا يمكنهم القيام بفعل مؤثر.
- مما لا شك فيه, أن المشهد السياسي اللبناني قائم على الاستقطاب. أين أنتم من هذا الموضوع؟
الأكثرية طبعا لها صوت, لكنها تسمى الأكثرية الصامتة. وأنا أعتبرها في لبنان أقلية صامتة, لأن اللبناني يتأثر إلى حد كبير بالقوى الخارجية.
والرأي المتعقل والموزون تتعاطى معه الأقلية، ونحن مصرون على الاستمرار بطرح هذا الرأي على أمل أن ترتفع هذه الأقلية مع الزمن, وتدرك أن لبنان لا يقوم بالتشنج, وإنما بالتفاهم.
هناك كثيرون صامتون, لكن في وضع التشنج يجد المرء نفسه مع هذا الطرف أو ذاك.
ما موقفكم من حزب الله الذي يصر على المضي بالاعتصام حتى إسقاط الحكومة أو تحقيق مطلب "الثلث الضامن+1"، الذي يمكن تيار المعارضة من إسقاط الحكومة في حال استقال وزراء من الذين يمثلون طرفها؟
نحن نصحناهم, بأن هذا الأمر خطير, وقلنا لهم يمكنكم أن تضبطوا شارعكم, لكنكم لن تتمكنوا من ضبط العناصر المدسوسة التي تريد افتعال أزمة, وبالتالي ستؤدي إلى خلق جو طائفي مذهبي يكون مقدمة إلى حرب أهلية.
وقلنا لهم حتى لو حصلتهم على مطلب حكومة وطنية, فإنكم ستخسرون كثيرا من تأييدكم في الساحة اللبنانية والعالم العربي. لكنهم مصرون على أن مطلبهم سياسي بحت وليس طائفيا, ويقولون إنهم ماضون به بطرق سلمية, وهذه نقطة خلاف بيننا وبينهم, لذلك نحن نلح ونطالب بالانسحاب من الشارع والعودة للحوار.
- ماذا عن الاتصال بالحكومة, وما هو حجم حضوركم الفاعل في الساحة الاجتماعية اللبنانية, وما هي مصادر دعمكم المادي؟
زرنا رئيس الوزراء فؤاد السنيورة, وقدمنا له المبادرة وتحاورنا مع تيار 14 آذار, والزيارات مستمرة ونتحاور على مختلف الاتجاهات.
وبعيدا عن السياسية، لدينا عدد كبير من الجمعيات المتخصصة العاملة في مختلف المجالات, فلدينا مدارس إسلامية تضم أكثر من عشرة آلاف طالب.
وعلى الصعيد الطبي لدينا مستوصفات تعالج بأجور زهيدة شهريا أكثر من عشرة آلاف مريض, والآن نقوم بتنفيذ مشروع مستشفى ضخم جدا في طرابلس شمالي لبنان يضم أكثر من 150 سريرا, وتتجاوز كلفته عشرة ملايين دولار.
وعندنا جمعيات اجتماعية في كل لبنان لرعاية الأيتام والمحتاجين. ولدينا مؤسسة تهتم بعلماء الدين الذين يعانون من ضائقات مالية, وتدعم رواتبهم الهزيلة.
ونحن بحاجة لدعم مادي لتمويل الجانب الإعلامي من عملنا, أما بالنسبة لأعمالنا الأخرى, فإننا نتلقى الدعم المادي من الإخوة اللبنانيين المقيمين في الخارج.
يتردد حاليا أن هناك مدا شيعيا في المنطقة العربية, وما يحصل في العراق مثال على ذلك, حيث يستصرخ السنة باستمرار المجتمع الدولي لنجدتهم مما يسمونه حملة منظمة لإبادتهم والفتك يقياداتهم السياسية والدينية على أيدي مليشيات معروفة بأجنداتها الطائفية. ما موقف جماعتكم من هذا الأمر؟ أول ما قامت الثورة في إيران, حصلت على تأييد كل الجماعات الإسلامية, باعتبار أنها إسلامية، بغض النظر عن انتهاجها المذهب الجعفري.
لكن بدأت الأمور تأخذ منحى آخر, فبعد الغزو الأميركي لأفغانستان لم تتخذ إيران موقفا قويا من الأمر, مع ذلك فهم الكثير من السنة أن هذا الموضوع ناتج عن إشكال بينهم وبين طالبان.
ثم جاء موقف إيران من غزو العراق , وتفهمنا أن نظام الرئيس المخلوع صدام حسين لم يكن مريحا, فغضت إيران النظر عن الغزو, فالتمسنا لها العذر بأنها عانت لسنوات طويلة من حكومته, ولها مصلحة في سقوط نظامه.
حماس حصلت على ثقة الشعب في الانتخابات لتبنيها المقاومة وإصرارها عليها. والآن يريدون جرها إلى التخلي عنها, وإن تخلت عن المقاومة تخلى عنها الشعب
لكن عندما وقعت الفتن الطائفية والمذهبية في العراق , شجب أهل السنة بمجملهم بمن فيهم المقاومة, واتهموا إيران بتشجيع وتمويل المليشيات الإرهابية الي تقتل أهل السنة.
بالمقابل يقال إن بعض المتطرفين ممن يتسترون بالمقاومة أخذوا في إيذاء الشيعة, لكن هذه الأطراف غير معروفة, إنها منظمات سرية ينبغي أن تلاحق.
لكن المليشيات الشيعية معروفة على صعيد الحكومة العراقية ووزارة الداخلية, وهذه كلها تلقى دعما من إيران , وهذا ما دفع أهل السنة إلى أن يتخذوا موقفا يقضي بأن طهران بدأت تنفذ مشروعها في المنطقة, وترمي إلى السيطرة على البلد, لذلك بدأ يتردد أن الهلال الشيعي يمتد من إيران مرورا بالعراق إلى لبنان.
ونحن هنا كنا نشعر بأن حزب الله ليس ضمن هذه الصورة, ومعركته هي مع إسرائيل والولايات المتحدة بالذات, لكن ما جرى حديثا أول هذا التصعيد ضد الحكومة واتهامها بالخيانة, مع أنها كانت إلى جانبهم خلال العدوان, وعملت على التوصل إلى حل سياسي يريحهم.
نحن نتمنى أن يعود حزب الله إلى لبنانيته, لتدرك الأطراف الخارجية أنها لن تتمكن من تمرير مشاريعها في البلاد, إذا كان اللبنانيون متفقين فيما بينهم. المشروع الأميركي سيدخل رغما عن الجميع وبالتالي سيتمزق لبنان .
- لننتقل إلى الملف الفلسطيني, حركة المقاومة الإسلامية حماس مقيدة ومحاصرة من السلطة الفلسطينية والمجتمع الدولي. ويتعرض الشعب الفلسطيني لحملات تجويع وقمع واضطهاد. كيف تتعاملون مع الوضع الفلسطيني والحكومة التي تقودها حركة حماس بالتحديد؟
هناك تفاهم كامل بيننا وبينهم باعتبار أننا جميعا حركة إسلامية واحدة, ونحن نقدر أن حماس في وضع صعب، وهذا منعكس على الوضع الفلسطيني برمته.
حماس حصلت على ثقة الشعب في الانتخابات لتبنيها موضوع المقاومة, ولإصرارها عليها. والآن يريدون جرها إلى التخلي عن المقاومة, وإن تخلت عن المقاومة تخلى عنها الشعب.
وكان الهدف من الحصار إجبار الشعب الفلسطيني على التخلي عن خيار المقاومة, لكن الذي حصل أن الشعب مع حماس والمقاومة رغم الحصار, وهذا ما جعلهم يمضون في الحصار لتركيع الشعب.
للأسف الإخوة في حركة التحرير الفلسطينية (فتح) حاولوا استغلال الفرصة للعودة إلى السلطة باعتبار أنهم مقبولون دوليا وليس حماس , هذا أدى إلى الاحتقان الذي انفجر في الأيام الأخيرة. نتمنى أن يتوقف, لئلا يصبح الشعب الفلسطيني لقمة سائغة أمام إسرائيل. ودورنا داعم ومؤيد لحماس, لكن الخلاف الآن داخلي, ووسائل الاتصال بقياداتها غير متوفر حاليا.