فهمي هويدي يكتب : ذكرونا بما نسـیناه

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
فهمي هويدي يكتب : ذكرونا بما نسـیناه

بتاريخ : السبت 15 مارس 2014

أسدت إلينا إسرائيل أكثر من خدمة دون أن تدرى.

من ناحية لأنھا بعدوانھا على غزة وقتلھا لنفر من خيرة شبابھا ذكرتنا بوجھھا القبيح، بعدما غيبته وسائل الإعلام المصریة التي باتت مشغولة بالاحتراب العربي وبمعارك الإرھاب في الداخل، حتى نسى كثيرون أن ھناك عدوا یتربص بالجميع اسمه إسرائيل.

من ناحية ثانية لأنھا نبھتنا إلى أن المقاومة لم تلفظ أنفاسھا بعد، ولا تزال رافضة للإنبطاح.

بل بمقدورھا أن ترد بما یزعج الإسرائيليين ویجعلھم یھرولون إلى الملاجئ.

من ناحية ثالثة فإن إسرائيل بالجریمة التي ارتكبتھا كشفت لنا عن بعض التشوھات التي أحدثھا إعلام الكراھیة في بعض شرائح المصریین، حتى وجدنا بعضا من النخب ــ أحدھم وزیر خارجية أسبق ــ سارعوا إلى إدانة حركة حماس واتھموھا بالسعى إلى استفزاز إسرائيل انسياقا وراء حملة الشيطنة التي تشنھا وسائل الإعلام المصریة،

رغم أن شرف الرد على الإسرائيليين كان من نصيب حركة الجھاد الإسلامي وليس حماس.

حقيقة القصة أن إسرائيل انتھزت فرصة انصراف العالم العربي عنھا وانشغاله بالمعارك الصغيرة بين «الإخوة الأعداء»

ولم تكتف بما ترتكبه من جرائم یومية على الأرض، من خلال التوسع في الاستيطان والاستمرار في التھوید الذي یستھدف استئصال الوجود الفلسطيني.

ولم تشبع نھمھا الجھود التي تبذل على مھل لإماتة القضية وإغلاق ملفاتھا من خلال فرقعات التسویة السلمية وأوھام الدولتين التي تطلق في الفضاء الفلسطيني بين الحين والآخر.

حتى التھدئة التي تم التوصل إليھا بوساطة مصریة منذ سنتين وبمقتضاھا جمدت المقاومة أنشطتھا مؤقتا من غزة لم ترض غرورھا وأحلامھا الوحشية.

ذلك كله لم تقنع به إسرائيل، فعمدت أخيرا إلى قتل نحو عشرة من الفلسطينيين في الضفة الغربية والقطاع، كان من بينھم ثلاثة في غزة من عناصر حركة الجھاد الإسمي التي كانت طرفا في اتفاق التھدئة.

ولأن ھذه لم تكن المرة الأولى، ولأن إسرائيل انتھكت الاتفاق 1400 مرة منذ توقيعه قبل سنتين، فإن حركة الجھاد الإسلامي التي فاض بھا الكيل قررت أن ترد على قتل كوادرھا خلافا لما اتفق عليه.

حينئذ قررت قيادة سرایا القدس الجناح العسكري للحركة أن ترد فأطلقت عناصرھا 90 صاروخا استھدفت الداخل الإسرائيلي، وھو ما ردت عليه إسرائيل بشن غاراتھا مستھدفة مواقع الجھاد الإسلامى في بيت لاھیا ورفح.

لم یكن التصعيد عسكریا فحسب، ولكنه كان سياسيا أیضا، لأن وزیر الخارجية الإسرائيلي دعا إلى احتلال القطاع مرة أخرى، كما تنافس القادة الإسرائيليون في المطالبة بردع المقاومة في القطاع واجتثاثھا بمختلف السبل.

حركة حماس حملت إسرائيل المسؤولية عما جرى، باعتبار أنھا من بادر بقتل الفلسطينيين، وأعلنت أنھا في ھذه الحالة لا تستطیع أن تمنع أي فصيل فلسطيني من الرد على أي عدوان یقع عليه من جانب الإسرائيليين رغم سریان اتفاق التھدئة.

المشھد في القطاع یثير سؤالين سمعتھما من أكثر من شخص، وعبرت عنھا بعض الكتابات الصحفية.

وھناك ملاحظة سبقت الإشارة إليھا تعلقت بادعاء البعض تعمد حماس والجھاد الإسلامي استفزاز إسرائيل «لاستعطاف» مصر ودفعھا إلى التدخل.

وقد اعتبرت أنھا مما ینبغي تجاھله ، لأنه من العيب أن تذكر أصلا ومن العيب یرد عليھا.

السؤالان اللذان أعنيھما ھما: أین المقاومة في أداء حماس أو حركة الجھاد أو غيرھما من الفصائل؟

ثم ما جدوى تلك الصواریخ التي تطلق في الفضاء لتسقط في أرض فضاء؟

ثمة كلام كثير في الرد على السؤالين یتطلب حيزا أكبر من المتاح، لكني سأختصره فیما یلي:

بخصوص المقاومة فحدھا الأقصى أن تنتصر، وحدھا الأدنى ألا تنكسر،

والانتصار مفھوم.

أما المستوى الآخر المقاومة فيتمثل في رفض التسليم بما یریده العدو مع الإعداد لمواجھته وتحديه إذا لزم الأمر.

وذلك ھو الحاصل في غزة بالضبط. وینبغى ألا ینسى أن المقاومة في القطاع نجحت في صد الاجتياحات الإسرائيلية وأفشلتھا طوال الوقت.

بدليل أن غزة لا تزال صامدة حتى الآن.

علما بأن القطاع یمارس ذلك الصمود والتحدي في ظل حصار شدید وبيئة عربية غير مواتية، أقرب إلى مصالحة إسرائيل منھا إلى مقاومة عدوانھا.

علما بأن المقاومة لا تعاني فقط من انقسام الصف الفلسطيني، لكنھا تعاني أیضا من أصداء الصراعات العربية.

آیة ذلك مثلا أنه في الوقت الذي تعرضت فيه غزة للغارات الإسرائيلية، فإن دولة الإمارات العربية علقت العمل بمشروع مدینة الأسرى المحررین الذي كان مقررا تنفيذه وسط القطاع.

وأغلب الظن أنھا أرادت بذلك أن تعبر عن التضامن مع الموقف المصري الأخير المشتبك مع حركة حماس.

والعھدة في ذلك وزیر الأشغال في حكومة حماس السيد یوسف الفریز.

أما سؤال الجدوى فردي عليه أن صواریخ المقاومة فضلا عن رسالة التحدي التي تبعث بھا وتؤكد بھا رفضھا الاستسلام والھزیمة، فإنھا تسبب إزعاجا لإسرائيل لا یمكن تجاھله.

یكفي أنھا تضطر آلاف الإسرائيليين إلى الھرولة إلى المخابئ.

كما أنھا تثبت فشل قادة الدولة العبریة في إسكات صوت المقاومة وإشاعة الطمأنينة بين مواطنيھا.

في الوقت ذاته فإنھا تكبد الإسرائليين خسائر مالية كبيرة. لأنھا اضطرتھا إلى الاستعانة بنظام القبة الحدیدیة الذي یحاول اعتراض الصواریخ القادمة من الجانب الفلسطيني، وھذه عملیة تتكلف ملایین الدولارات.

وفي كل الأحوال ینبغي ألا ینسى أن المقاومة الإسلامية في غزة أثبتت أن لدیھا صواریخ تحمل اسم «فجر خمسة» قادرة على الوصول إلى تل أبيب، وقد أطلقت اثنين منھا على ضواحي المدینة ردا على العدوان الإسرائيلي الذي وقع في شھر نوفمبر عام 2012.

وھو ما أفزع الإسرائيليين. ودعاھم إلى الإسراع بوقف القتال حينذاك.

أخيرا، إذا كنت قد لاحظت أنني لم أشر إلى رد الفعل العربي على الغارات الإسرائيلية، فأرجو ألا تظن أنني سھوت عن ذلك، لأنني وجدته من الضعف بحيث لا یستحق أن یذكر.من ثم فلك أن تعتبر أن عدم ذكرى لھ كان خجلا منه وليس سھوا عنه.

المصدر