فتحي البغدادي: "العسكرية" تمثيلية لضرب الإخوان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
فتحي البغدادي : "العسكرية" تمثيلية لضرب الإخوان
فتحى1.jpg

- الجنة تستحق منا تضحيةً أكثر من سلب الحرية

- العرض الرياضي لا يحتاج كل هذه الضجة

- حالة السجون سيئة والخدمة الصحية فيها تحتاج لإسعافات عاجلة

- كنت أظن أن بمصر محاكم تسير بالقانون وغيرت رأيي بعد الحكم


حوار- إسلام توفيق :

ميزات عديدة وجدتها فيه بمجرد التعرف عليه؛ فهو يتميز برجاحة عقله وحسن تقييمه للأمور وتقديره للأشخاص، فضلاً عن رؤيته الواضحة لإصلاح التعليم في مصر ، وامتلاكه أوراقًا عديدةً حول إصلاح التعليم في مصر ، وله تصور كامل حول المدرسة من حيث جودة العملية التعليمية بها، وكيف تكون المدرسة شاملةً تعلم الطالب العمل، وتعلمه الفكر، وأيضًا الحرفة والمهنة، وكيف تكون المدرسة بيئةً صالحةً لبناء شبابِ الوطن، وله أفكار عظيمة حول المدرسة المنتجة، وكيف تكون المدرسة وحدة إنتاجية، وعن دور المدرسة مع البيئة والمجتمع فإن ما يقوله في هذا الأمر يدفعك إلى الإعجابِ به.

هو فتحي محمد بغدادي من مواليد 27/6/ 1954 م، حاصل على بكالوريوس علوم، ثم دبلوم عام في التربية، عمل في الكويت مدرسًا للرياضيات مدة عشـرين عامًا، ويعمل حاليًّا مديرًا لمدارس المساعي، لديه خمسة أبناء. سبق اعتقاله في عام 2005 م، وظل رهن الاعتقال لمدة شهر ونصف الشهر، ثم تم إخلاء سبيله، وأفرج عنه أخيرًا بعد قضائه مدة 3 سنوات في القضية العسكرية الأخيرة للمهندس خيرت الشاطر .

التقينا به للتعرف على كواليس 3 سنوات من السجن وكبت الحرية.. وإلى نص الحوار:- فضل الإخوان

* بداية.. 3 سنوات في السجن، لسبب واحد هو أنك من الإخوان ، هل يستحق الإخوان كل هذه التضحية؟

    • هذا الحد أدنى من التضحية نقدمه في سبيل دعوتنا التي تربينا وترعرعنا فيها؛ لأن قضية الاعتقال والحبس والتضحية ليست متعلقة ب الإخوان ، بل بالعمل الدعوي كله في سبيل الله، وفي سبيله كل شيء يهون، فإذا كانت 3 سنوات أو أكثر أو أقل؛ فالأمر يستحق، والجنة التي وعدنا الله بها بالفعل تستحق أكثر من هذا بكثير، وإذا كانت جماعة الإخوان تساعد في هذه الفترة للوصول إلى الجنة فبالطبع " الإخوان " تستحق.

* إذا عدنا بالذاكرة للوراء، كيف تعرفت على الإخوان ؟

    • هذه قصة طويلة ومتكررة، ففي فترات مختلفة من حياتي قابلت أناسًا طيبين من الإخوان أو من خارجهم من الدعاة إلى الله من كافة الاتجاهات والتوجهات والجمعيات الإسلامية العاملة في الساحة، وكان لكل منها ما يميزه، حتي رأيت الإخوان في السبعينيات وقابلت عددًا من قياداتهم القدامى، والذين أثروا فيّ فانضممت إلى هذه الجماعة الكبيرة.

ولكن أحب أن أؤكد أن العبرة ليست في تقلد المناصب في الجماعة، أو في تقدم المستوى التنظيمي للفرد فيها، بل إن المقياس الطبيعي هو مدى علاقتك بالباري عز وجل ومدى قربك وبعدك عنه.

في الإخوان.. الكبير مثل الصغير، والمتقدم في المستوى التنظيمي كالمتأخر فيه، والكل مطلوب منه أن يؤدي ما يوكل إليه من عمل بأكمل وجه، مصداقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: "طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة, إن أستأذن لم يؤذن له, وإن شفع لم يُشفَّع".

فالموقع التنظيمي لأي فرد في الإخوان ليس دليل قدرة وقوة، ولا يجب أن يكون مقياسًا للأفراد.

مؤامرة

* نبقى مع الذاكرة، ولكن قبل 3 سنوات فقط عندما خرجت وسائل الإعلام بصور العرض الرياضي لطلاب الأزهر، بعدها تم اعتقالكم واعتقال العشرات معكم، هل شعرت وأنت تشاهد هذه الصور أن الأمر سيتطور إلى هذه الدرجة؟

    • لم تكن هناك قضية من الأساس، ولم يكن هناك ما يستدعي اعتقالنا، بل كان أمرًا مبيَّتًا بِلَيْل ضد

جماعة الإخوان المسلمين ، من خلال أشخاصنا، لسبب أو لآخر.

فالحسابات الأمنية كانت ترى ضرب الإخوان في هذه الفترة، وأخذت "تمثيلية" العرض الرياضي لتساعدهم في هذه الضربة، بعد أن استطاعت الصحف الحكومية والإعلام الموجه من تكبير الصورة وتصويرها على أنها ميليشيات أو عرض عسكري.

ولكن تجدر الإشارة إلى أن ما حدث بالأزهر يتكرر يوميًّا وأسبوعيًّا وشهريًّا وسنويًّا بالمدارس والجامعات تحت مرأى الأمن ومسمعه وتقبُّله بل وتصفق وتهلل له، ويحدث أيضًا ذلك في الحفلات الدراسية والرياضية.

فلسطين

* قلت: إن الأمر دُبِّر بليل ضد الإخوان .. من وجهة نظرك كيف دُبِّرت هذه المؤامرة بالنسبة لكم؟

    • هناك عدة أسباب لهذه الضربة، بعضها متعلق بالإخوان وتصفية حسابات مع الإخوان بعد حالة النشاط النسبي الذي حدث في 2005 م وفوز الإخوان في الانتخابات البرلمانية بـ88 مقعدًا، والبعض الآخر متعلق بالوطن العربي والشرق الأوسط والدور المصري الخارجي.

ولكن السبب الأكثر واقعية من هذه الأسباب هو ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وجهد الإخوان الإغاثي والدعوي والتربوي لخدمة القضية الفلسطينية ونصرتها ووضعها على أوليات الشعب المصري، وزيادة الحراك الشعبي وتفاعل الأمة معها.

وإذا نظرنا إلى الحركة الإسلامية عامة و الإخوان خاصة سنجد أن فلسطين على رأس أولوياتها، ليست لكونها فقط قضية مقدسات إسلامية، بل لأنها قضية أمن قومي بالنسبة ل مصر ، خاصة حدودها الشمالية الشرقية، في ظل التواجد الصهيوني الكثيف في سيناء !!.

النظام أراد بقضيته هذه أن يمنع الدعم الإسلامي (الحركات الإسلامية) للمقاومين أو للشعب الفلسطيني سواء في الداخل أو الخارج.

* أنت لست لك علاقة بجامعة الأزهر، ولا بالطلاب.. ترى لماذا الزج باسمك في هذه القضية؟

    • كما زج اسم باقي الأربعين من الإخوان ، الغريب أن من بين المحالين للمحكمة العسكرية 3 فقط من أساتذة جامعة الأزهر، وليس لهم علاقة بالطلاب من قريب أو من بعيد.

أقول لك على شيء؟!.. مع أني أسكن بمدينة نصر منذ أكثر من 15 سنة، فأنا لا أعرف أين توجد جامعة الأزهر، ولا أعرف أين أقام الطلاب هذا العرض الرياضي الذي اتهمت فيه وحاكموني على أساسه.

وهذا ليس حالي وحدي، بل إن أغلب من كانوا في القضية لا يعرفون أين الجامعة، ولم يروا مبانيها من قبل، ولم يعرفوا طلابها من الأساس.. وهنا أشير إلى أن الأساتذة الثلاثة التابعين لجامعة الأزهر كان أول لقاء بيني وبينهم وأول تعارف معهم كان مع أول ليلة اعتقال.

دعني أتساءل: إذا كان قد زج باسمي في القضية لأنني أسكن في مدينة نصر، لماذا زج باسم من لم يزر مصر منذ عشرات السنين؟! ولماذا زج باسم من يحمل الجنسية السويسرية ولا يعرف شيئًا عن مصر ؟! ولكنها كانت "تجميعة" أرادها النظام لضرب الجماعة، وليس أفرادًا بعينهم فيها.

  • ولكن الإخوان استمروا في دعمهم للقضية الفلسطينية، وهو ما وضح في القضية التي عرفت بـ"التنظيم الدولي" قبل شهور.
    • منذ عام 1948 م وارتباط الإخوان بالقضية الفلسطينية واضح وصريح، ولن يتغير ولن يتبدل، فالعداء الغربي والأمريكي و الصهيوني للإخوان بدأ مع احتلال الصهاينة فلسطين ، وإرسال الإخوان كتائب مقاتلة للذود عن الأراضي المقدسة، وقتال العصابات الصهيونية، وإظهار بسالة غير مسبوقة.

ومع كل هوجة جديدة من الغضب الشعبي ضد الصهاينة ومع فلسطين والمقدسات الإسلامية يريد النظام أن يخرس الإخوان .

اختلاف

* اعتقلت في عام 2005 م على خلفية مظاهرات الإصلاح.. فهل اعتقال هذه المرة يختلف عن المرة السابقة؟

    • بالتأكيد.. في المرة الأولى اعتقلت بطريقة غريبة وعجيبة جدًّا، ففي يوم الجمعة 6 مايو 2005 م، وأثناء ذهابي لأحد المساجد التي كان مقررًا أن تشهد مظاهرة ضد حرق اليهود للمصحف بساحة المسجد الأقصى؛ عكف الأمن المصري وقتها على محاصرة المسجد منذ الصباح الباكر، وشدد هذا الحصار على بعد أكثر من كيلو متر في كافة الاتجاهات، واعتقل وخطف كل من يرى فيه سمتًا إسلاميًّا أو مظهرًا من مظاهر الصلاح، حتى اللحية الخفيفة، كما أن الأمر لم يكن خاصًّا بي وحدي، بل كان لجموع المتظاهرين الذين قبض على بعضهم من وسائل المواصلات قبل موعد المظاهرة بأكثر من ساعتين!!

ولكن في 2006 م، رأيت زوار الفجر الذين كنت أسمع عنهم، ففوجئت بقوات أمنية، وبأعداد مهولة تقتحم المنزل بأسلحة خفيفة وثقيلة، وقوات أمن أخرى تحتل البيت من الدور الأرضي وحتى الدور الثاني الذي أسكن فيه والدور الثالث زيادة في التأمين، كما قال لي الضابط وقتها، ولا أشك أن يكون هناك أيضًا جنود على سطح البيت!

سنتان

تعرضت لإصابة قبل اعتقالي بسقوط شاي ساخن على قدمي، وشفيت منها بحمد الله، ولكن بمجرد أن تم اعتقالي وترحيلي لسجن المحكوم السيئ أصبت بالتهاب في قدمي مرة أخرى استمر علاجه قرابة السنتين لسوء حالة السجن والخدمات فيه وانعدام مستوى الآدمية بداخله.

فالمحكوم سجن قذر جدًّا، لا يصلح للاستخدام الآدمي ولا الحيواني، وقد كانت لي عبارة مشهورة كثيرًا ما رددتها لإخواننا عن سجن المحكوم كنت أقول فيها: "إنه لا يصلح أن يكون إسطبل خيل".

كما أنه سجن يفتقد شروط الصحة والنظافة، وهو السبب في تلوث جرح قدمي واستمرار علاجه قرابة السنتين.

* وجودكم مع خيرة قيادات الجماعة والإصلاح في مصر .. ماذا مثَّل لكم؟

    • تواجدك مع الإخوان بكل طبقاتهم التنظيمية خير كبير على كل المتواجدين، كبيرًا وصغيرًا.. فهم أصحاب صلة قوية بالله عز وجل، وأصحاب قلوب وعقول تعمل لأجل الإصلاح، فهم مفيدون على كل الأحوال لمن يجالسهم ويأخذ من علمهم الواسع، فقد كنت مع 31 من الإخوان، كل واحد منهم أمة وحده، وله تأثير كبير على غيره.

المطبخ

* لقَّبك إخوانك بأنك "طباخ العسكرية".. ما حكايتك مع مطبخ الإخوان في السجن؟

    • على الرغم من أنني لم أتعرض لفترات اغتراب طويلة، وبالرغم من أنني لم اضطر لخدمة نفسي لفترات طويلة، إلا أنني كنت أتابع منذ صغري والدتي أثناء إعداد الطعام وأقوم بمساعدتها فيه، فكانت هناك بعض الرواسب عندي أستفيد بها لمساعدة إخواني.

وأذكر أن البداية كانت حين أصبت بمرض السكري في الكويت حيث كان هناك قسم خاص بالتغذية يتابعني، ويتابع أكلي وشربي، وكنت أحصل منهم على الكتب الطبية التي تشرح الأكل الصحي وأقرؤها بعناية بالغة، حتى استفدت بما فيها من طرق التغذية والطعام الصحي المفيد، وهو ما استفدت منه خلال الفترة السابقة، خاصةً أن أغلب من في القضية كانوا من الشيوخ الذين تعدوا الخمسين من العمر.

* غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.. كيف استقبلتم هذه الاتهامات؟

    • تهمة غسيل الأموال وجهت لبعضنا، ويبدو أن النيابة "معرفتش تضبطها كويس"، ونفتها المحكمة بعد ذلك، وهو الأمر الذي تكرر مع تهمة الإرهاب!!.

ولكن يبدو أن من يقوم بتحرير محضر التحريات- وبعد أن أطلق لأفكاره العنان- لم يستطع أن يخرج بأية أدلة ولا براهين تثبت أو تؤكد كلامه، ولكن من المؤكد أن الكذب عمره قصير.

فلم يكن هناك دليل مادي واحد يدين الإخوان ، ولو كان ما يزعمون صحيحًا لما تم تحويل القضية للقضاء العسكري، وكانت الجلسات سرية منعت منها وسائل الإعلام حتى الحكومية فلم يدخل أي صحفي أو مصور إلى قاعة المحكمة، كما لم يُسمح لأي مندوب لمنظمات حقوق الإنسان المصرية أو العالمية بالدخول أيضًا.

ولو كانت هناك أدلة دامغة وواضحة لِفَضْح الإخوان ، لما انتظر النظام والأمن لحظة لبثها ونشرها في كل وسائل الإعلام، ولو- كما يدّعون- أن المحكمة كانت علنية، فلماذا لم يسمح للأهالي بالدخول إلى قاعة المحكمة ومعهم قلم أو ورقة فارغة أو أي وسيلة للتصوير أو التسجيل!!.

أخيرًا.. لو كانت التهم التي وجهوها للإخوان نصفها صحيح، لاتخذوا كافة السبل لفضح الإخوان ، ولاعتبروها فرصة سانحة للنيل منهم.


تناقض

* قلت إن المحكمة برأتكم من تهمتي الإرهاب وغسيل الأموال.. فبأي تهمة قضيت 3 سنوات خلف القضبان؟

    • ماذا تنتظر من قضية ليس لها أساس، سواء أكان لمن حصل على أحكام بالبراءة أم من أخذ حكمًا بـ5 سنوات أو 7 أو 10.

ولكن المحزن أنك عندما تقرأ حيثيات الحكم تجد أنها واحدة ومتطابقة لجميع الأحكام، فتجد أن هناك من لهم علاقة وثيقة بالإخوان تنظيًما، وحصلوا على أحكام بالبراءة أو أحكام بـ3 سنوات، كما تجد أن هناك من ليس لهم هذه العلاقة الوثيقة بالتنظيم وحصلوا على أحكام أكبر بكثير!!

* عام ونصف من المهزلة.. وعام ونصف أخرى من الظلم.. ما الفرق بين الاثنين؟

    • الفرق أنك في المرحلة الأولى- لغير ذوي الخبرة في الاعتقال أمثالي- كنا نظن أن هناك قانونًا يحكمنا، وكنا نُؤَمِّل في القوانين، ومتعلقين أنها قد تنصفنا، كما كان لدينا بصيص من الأمل بوجود محكمة لا تتعامل إلا بالقانون فقط دون الاعتبارات السياسية.

أما الفترة الثانية.. فانضممنا إلى إخواننا الذين سبق لهم السجن في قضايا عسكرية، وتأكدنا من أننا في دولة لا تحترم القانون ولا الدستور، وأن مثل هذه القضايا لا تستند إلى قانون من الأساس.

وأنا صراحة لا أستطيع أن أطلق عليها محكمة، ولا أستطيع أن أقول إن بها عدالة، أو إن أحكامها تستند لقوانين، وهنا يجب أن يكون للقضاة موقف محدد وحازم ضد إحالة المدنيين إلى المحاكمات العسكرية.

* كيف مرت عليكم ليلة النطق بالحكم؟

    • صدقني إن قلت لك: إنها مرت كأي ليلة أخرى سبقتها أو تلتها، فالله عز وجل أنزل علينا منذ اليوم الأول سكينة وهدوءًا كبيرين، وأمدنا بقوة ويقين عالٍ.

ولك في تحويل القضية للمحكمة العسكرية مثال، حيث إننا عندما عرفنا أنه تم تحويلنا لمحاكمة عسكرية، لم يختلف الأمر معنا بالمرة، بل إن أحدنا كان نائمًا وسمع الخبر فانتبه قليلاً، وقال: "لا حول ولا قوة إلا بالله" وأكمل نومه.

ففي مجتمع يسوده الظلم والقهر والاضطهاد لكل من يقول: لا إله إلا الله، لم يكن يخطر ببالنا أن هناك من سيحصل على البراءة، خاصة أننا كنا على يقين أننا لسنا أمام محكمة قانون ودستور، بل هي محكمة نظام سياسي.

* وماذا شعرت بعد سماع الحكم عليك بالسجن 3 سنوات؟

    • لا شيء، فالأحكام جميعها سواء: 3 أو 5 أو 7 أو 10 أو حتى البراءة، كلها سواء، وكلها ظالمة.

فلك أن تتخيل أن إخواننا الـ15 الذين حصلوا على أحكام بالبراءة كانوا أشد حزنًا منا نحن الحاصلين على أحكام بالسجن، فإحساسك بالظلم وقع سواء أحصلت على براءة أم حبس، فالذين حصلوا على البراءة لم يحصلوا بالفعل عليها، بل هذا حقهم وحقنا جميعًا بعد ظلم دام عامًا ونصف في مهزلة حقيقية تدين النظام وتبرئ الإخوان.

وأحكام البراءة بالعسكرية تذكرني بالنكتة السخيفة التي تقول: إن أحد البلطجية صعد إلى أتوبيس وتحت تهديد السلاح قام بتقطيع أيدي الركاب جميعًا إلا واحدًا، فهتف وقال: يحيا العدل!! فأي عدل يهتف به هذا الذي لم تقطع يديه بعدما ظلم الباقون؟

وفي النهاية.. هي أقدار الله عز وجل ويجب أن نتقبلها بصبر وثبات، وعلى من ظلمنا تحمل عاقبة ظلمه يوم القيامة.

* أفهم من كلامكم أنك رفعت يدك بالدعاء على القاضي بعد النطق بالحكم؟

    • بالنسبة لهذه المسألة تختلف من شخص لآخر، فهناك من يدعي عليهم، وآخرون يدعون لهم بالهداية.. ولنا في الصحابة أسوة حسنة، حيث دعا عدد منهم على الكافرين، وعدد آخر دعا لهم بالإسلام، على الرغم من كفرهم.

في حالتنا هذه، قومنا الذين ظلمونا ليسوا بكفار، ولكنهم أخطئوا، ولك أن تنظر إلى قيمة أن تكون سببًا لإنقاذ شخص من النيران، وهو ما سلكه الكثيرون من إخواننا بالدعاء لهم بالهداية.

خلوة

* اشتهر فتحي البغدادي أثناء السجن بالخلوة مع النفس.. ففي أي شيء كنت تفكر؟

    • الإنسان دائمًا ما يحتاج أن يخلو بنفسه، وأن يتفكر في خلق الله تبارك وتعالى ونعمه ورحماته التي تتنزل علينا يومًا بعد الآخر رغم السجن، ويجلس ليتذكر أهله وأولاده ووطنه، وهي لحظات ضرورية سواء أكنت في السجن أم خارجه، أن يكون للإنسان ساعة (فترة زمينة) يتفكر فيها في حياته ومستقبله، ويتدبر في آيات الله وأحوال العباد من حوله وأحوال بلده ومشكلاته وأعماله.

* ألم يتسرَّب إلى قلبك هاجسٌ يطرح عليك سؤالاً: ما الفائدة من وراء ما يحدث لك الآن؟

    • الحمد لله.. لا، وإذا تكلمتَ عن الهواجس الشيطانية فهي في الحقيقة قد تصل إلى ما هو أكبر من هذا بكثير، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال في حديثه: "لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئًا فليقل: آمنت بالله".

وعندما يأتي لأي منا مثل هذه الهواجس الشيطانية فعليه أن يستغفر الله العظيم، ويقرأ القرآن وبعض الأوراد ليطرد مثل هذه الهواجس، ولكن بصدق بفضل لله لم أمر بهذه المرحلة خلال هذه الفترة.

في الداخل

* كيف كانت أحاديثك مع أسرتك في الزيارات؟

    • غالبًا ما كان الحديث يتركز على أحوال الأسرة الصغيرة والعائلة الكبيرة، وعن أحوال الإخوان والدعوة في الخارج.

* وماذا عن اليوم داخل السجن.. كيف كنتم تقضونه؟

    • كنا نحاول الاستفادة باليوم كاملاً في الاطلاع والذكر والقرآن والتأمل والتفكر في خلق الله، وتبادل الأحاديث عن الذكريات.

* من أقرب إخواننا بالعسكرية إلى قلبك؟

    • من الصعب أن تميز بين مجموعة من خيرة رجال الأمة وتختار واحدًا منهم أقربهم إلى قلبك، ولكنهم جميعًا لهم بقلبي مكانة متقدمة، ولو بدرجات متفاوتة، ولكن القمة تسع الكثيرين.

أخوة

* ما أصعب لحظة مرَّت بكم وأنتم خلف القضبان؟

    • المواقف الصعبة متعددة، خاصة التي كانت متعلقة بفقد أحد الأحبة، فبعض إخواننا فقدوا آباءهم أو أمهاتهم أو أبناءهم خلال المحكمة، وهو أمر أثر فينا جميعًا، وفيما عدا ذلك وفيما يتعلق بأمور المعيشة والسجن وكبت الحرية فهي أمور- كما قلت سلفًا- أنزل الله لنا عليها سكينة هونت علينا طول فترة الحبس.

وحقيقةً.. أقرب المواقف على الإطلاق يوم خروج إخواننا الـ15 الحاصلين على حكم بالبراءة، وفقد أخينا سعيد سعد ابنه ياسرًا.. وهو أصعب موقف قابلته في حياتي كلها، وليس في العسكرية فقط.

ومن المواقف التي لن تنسى: موقف الحاج حسن زلط الذي أصيب بأزمة قلبية شديدة، ولم يستطع أن ينادي على أحد منا، فقمنا مسرعين بالطرق على باب الزنزانة حتى يعلم العساكر بالخارج، وكانت اللحظة التي لا تُنسى أنني وجدت جموع الإخوان ملتفين حول الحاج زلط، وكأنه جزء منهم.

والحقيقة.. كنا في تجمع غير عادي تتنزل عليه رحمات الله تبارك وتعالى، والأخوة كانت موجودة فينا بصورة عالية جدًّا.

حيث كانت أخوتنا هي صمام الأمان لنا جميعًا في العسكرية.. فلك أن تتخيل أن أحد الإخوة كان يحبس نفسه ويحرمها من الصلاة في المسجد كي يصلي مع أخيه الذي لا يستطيع الحركة لألم أصابه جماعة داخل الزنزانة.

هذا فضلاً عن أننا كنا غالبًا ما كنا نقنت في الصلوات الجهرية وندعو لكل الإخوان، ويمكن أن أجزم أنني عشت حديث الرسول صلي الله عليه وسلم الذي قال فيه: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى شيئا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".

* لو خُيرت بين أن يحذف اسم فتحي بغدادي من كشف المفرج عنهم، ويوضع بدلاً منه اسم آخر، من تختار؟

    • أتمنى للجميع الحرية، وهذا كان شعور أغلب المفرج عنهم سواء أكانوا ممن أفرج عنهم بالبراءة أم من قضوا 3 سنوات.

* هذا يدفعنا للسؤال عن آخر ليلةٍ قضيتها في حجرتك داخل السجن.. كيف مرَّت بك؟

    • كنت نائمًا مستغرقًا في النوم، وكانت مثل أية ليلة، ولكن لحظة الوداع هي أقسى ما رأيته عند خروجي، لدرجة أن كثيرًا من الإخوة لم أستطع أن أنظر في وجوههم أثناء توديعهم.

إصلاح

* احك لنا عن أول ليلة قضيتها في حجرتك في البيت بعد طول غياب.. كيف مرَّت بك؟

    • لا أنكر أن الفرحة كانت تغمرني أن منَّ الله علي بالحرية، ولكن الحقيقة.. كانت فرحتنا منقوصة بسبب استمرار احتجاز د. فريد جلبط (أستاذ القانون الدولي بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر)؛ والمهندس ممدوح الحسيني (مهندس حر) بسبب مشكلات إدارية لديهما.

وصدقني عندما أقول لك: إن فرحتنا الحقيقية هي بعد خروج كافة المعتقلين من السجون، وهي فرحة وقتية أيضًا، لأن الفرحة العامة عندما نجد بلادنا في تقدم وصلاح ورقي وأمن وأمان واستقرار.

لن أقول كما قال صلاح الدين: "وكيف أضحك والأقصى أسير؟" ولكن فرحتنا الحقيقية عندما توقف محاربة مصلحي الأمة، وعندما ينصلح حال البلاد التعليمية والسياسية والاجتماعية والصحية والثقافية.

كيف نفرح وأصبحت أمتنا لا تصنع سلاحها ولا تنتج غذاءها، بل تحولت مصانع آلات الحرب الثقيلة إلى مصانع بوتاجازات وغسالات؟! ولا أمل في النظام ورجاله أن يقوموا بالإصلاح. ولك في الصحف الوطنية (نسبة إلى الحزب الوطني) دليل على مدى فساد البلاد والنظام ورجاله.

* دخلت السجن وفي رأسك رؤية لإصلاح التعليم.. كيف ترى التعليم في مصر ؟

    • التعليم في مصر وصل إلى القاع، ولا أمل فيه إلا بتغيير منظومته بالكامل، وتغيير ثقافات الشعب والطلاب الذين راحوا ضحية انحدار الأخلاق والحفلات الغنائية والراقصة، وبعد ذلك يتساءلون عن سبب التحرش، ومن المسئول عن تشويه صورة مصر في الخارج.

فمصر بعدما كانت تقود ثورة التعليم في العالم العربي والشرق الأوسط كله، أصبحت في ذيل الترتيب.

رسالة

* كلمة أخيرة تحب أن توجهها للنظام المصري و الإخوان .

    • لن أتحدث إلى النظام، فقد سئم الكلام واعتاده وأصبح لا يؤثر فيه، وقد وصلت إلى قناعة أن النظام لا أمل فيه لأن يقود إصلاحًا.. فبالتالي ليس هناك مبرر لأن أوجه له أية كلمة.

أما إلى الإخوان والمسلمين والمصريين كلهم أقول: اتقوا الله ما استطعتم في وطنكم، وأتقنوا أعمالكم، وأخلصوا نيتكم لله، وخذوا بأسباب العلم لنتقدم ونرتقي.

المصدر

قالب:روابط توفيق الواعى