غزة إذ تربك خياراتهم! .. بقلم: لمى خاطر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

غزة إذ تربك خياراتهم!

بقلم: لمى خاطر

رغم عدوانها المفاجئ والسافر الذي طال عشرات المواقع الأمنية والعسكرية في غزة وخلف عشرات العسكريين الشهداء، إلا أن الحكومة الصهيونية تبدو لأول مرة في تاريخ صراعها مع المقاومة غير قادرة على تحديد الخطوة القادمة الأفضل والأنسب لها في التعامل مع قطاع غزة بعد انتهاء التهدئة وإجماع الفصائل الفلسطينية على رفض تمديدها.


ولعل توقع حكومة الاحتلال كان مبنياً على أساس أن تتجه المقاومة وخصوصاً حماس نحو تمديد التهدئة بعد انتهائها، بعد أن ظن الاحتلال أنه قد نجح في مقايضة المقاومة بفتح المعابر وإدخال المواد الأساسية لسكان القطاع، وبعد أن كان قد اطمأن إلى أنه قد ضيق على حماس خياراتها وفرض عليها الاستسلام لمعادلة الهدوء مقابل الغذاء والوقود حتى لو كان يبيعه للقطاع بالقطارة من خلال المعابر التي يتحكم بها.


غير أن موقف المقاومة وتحديداً حماس – وهو ما يعني إسرائيل بالدرجة الأولى – كان مغايراً لكل التوقعات الصهيونية والإقليمية وحتى الفلسطينية (على اعتبار أن بعض الأطراف الداخلية كانت تطمح بأن تمدد حماس التهدئة لتوفر الأولى لنفسها هامشاً جديداً للمزايدة على مواقف الحركة والتباكي على المقاومة التي توقفت مقابل الطحين والسكر أو مقابل (الجلاكسي والتبوزينا) في رواية أخرى! ).


وقد تصاعدت التطورات الميدانية ودخلت منعطفاً ساخناً بعد عمليات القصف المركز الأخيرة لكتائب القسام رداً على استشهاد ستة من عناصرها، وما أحدثه هذا القصف من صدى كبير داخل الكيان نظراً للخسائر المادية التي أوقعها، ثم كان إعلان القسام عن عمليته (بقعة الزيت) وتهديده بتصعيد عمليات القصف وتوسيع مداها في حال استمر العدوان الصهيوني، الأمر الذي استدعى اجتماع الكابينيت الإسرائيلي لمناقشة سبل الرد على الصواريخ، وإخراج رد عسكري ميداني عنيف بهدف إيصال رسالة دموية لحماس وقيادتها تجبرها (كما يتوهمون) على التراجع عن خيارها الأخير والالتزام عنوة بالهدوء وعدم الرد.


غير أن الحال مع غزة يبدو معقداً أكثر مما يظهر من خلال التهديدات الصهيونية باقتراب عملية الحسم الكبرى التي يقولون إنها ستنهي حكم حماس في غزة وتستأصل مقاومتها، بل إن تصريحات من هذا الطراز قد فقدت بريقها وأثرها المعنوي المرعب، عدا عن أن القرار بشن عملية اجتياح واسعة للقطاع يحتاج لحسابات صهيونية سياسية وعسكرية واستخباراتية عميقة، لأن عملية إعادة احتلال غزة ليست بالأمر السهل سياسياً، ويصعب أن يقدم قيادي صهيوني على اتخاذ قرار كهذا وتحمل تبعاته المختلفة، خاصة وأن تجربة الكيان في حرب تموز 2006 على الحدود الشمالية ما تزال حاضرة بإخفاقاتها الكبيرة.


ومن جهة أخرى يبدو أن (إسرائيل) تعاني اليوم من شح في المعلومات الاستخبارية عن طبيعة تجهيزات المقاومة في غزة ومدى استعدادها لصد العدوان ومقدار صمودها في حرب الاستنزاف المتوقع أن يتمخض عنها الاجتياح الذي تتضاءل قناعة الاحتلال بإمكانية أن يكون حاسماً وسريعا، ولا ننسى هنا أن العجز الاستخباري كان من أسباب هزيمة الجيش الصهيوني في لبنان وانهيار المنظومة النفسية لدى جنوده الذين كانوا يصطدمون يومياً برتل من المفاجآت التي لم تكن في حسابات قيادتهم العسكرية.


صحيح أن جيش الاحتلال قد يختبر قوة المقاومة عبر عمليات توغل محدودة ينفذها في مناطق مختلفة على حدود القطاع بعد عمليات القصف الوحشية قبل خوضه عملية الاجتياح الكبرى، ولكن تجاربه السابقة خلال الفترة التي سبقت التهدئة لم تكن مبشرة بالنسبة له، وكلنا يذكر استبسال عناصر القسام في صد عمليات التوغل حينها والخسائر المباشرة التي أوقعوها في صفوف الاحتلال بعد أن واجهوه بتكتيكات ميدانية لم يكن مهيأً لها أو متوقعاً إياها. وإن كانت المقاومة اليوم على أرض غزة تكاد تقتصر على القذائف والصواريخ المحلية، نظراً لخلوها من الأهداف الصهيونية القريبة، فإنها ستنفتح – في حالة الاجتياح الشامل - على وسائل وأشكال لا قبل للمحتل بها أو بتحمل نتائجها.


قد تفضل (إسرائيل) قبل مغامرتها بشن عملية عسكرية واسعة استخدام حربها النفسية بشكل موجه ضد حماس والمماطلة والاستفادة من الوقت عبر سلسلة تهديدات ترسلها لقيادة الحركة علناً على لسان قادة الاحتلال، أو سراً من خلال بعض العواصم العربية التي امتهنت ممارسة مثل هذا الدور بحماس كبير خلال السنوات الأخيرة.


وقد يتطور الأمر إلى اغتيال بعض القيادات السياسية والعسكرية الكبيرة، لكن الكيان الصهيوني يدرك تماماً أن الأمر لن يمر مرور الكرام، وهو لن يؤدي فقط إلى تعاظم شعبية حماس داخل وخارج فلسطين وازدياد التفاف الجماهير حولها ( وهو ما سينسف كل الأهداف التي حوصرت غزة لأجلها) بل إن حماقة صهيونية من هذا النوع ستدفع بالحركة إلى تحييد جميع الاعتبارات السياسية والخروج من دائرة المقاومة المدروسة إلى الحرب المفتوحة لأنها ستوقن حينها أن معركتها باتت محددة بخياري الحياة أو الموت، فما بالك لو غامرت ( إسرائيل) وعزمت على اجتياح غزة بالفعل وإعادة احتلالها بهدف اجتثاث حماس وإنهاء حكمها وتسليم غزة (نظيفة) لسلطة عباس؟! هل يمكن لعاقل حينها أن يظن أن غزة التي تعج بآلاف المقاتلين المدربين الذين سبق وأفشلوا خطة استئصال خارجية نفذتها أدوات داخلية يمكن أن تمضي طائعة نحو مثل ذلك المصير الأسود الذي يعد لها، أو أن تسلم بالعودة لعهد العبودية والفساد والانفلات بعد أن تنسمت عبير الكرامة والأمن والكبرياء؟!

المصدر:كتائب الشهيد عز الدين القسام-المكتب الإعلامي